nindex.php?page=treesubj&link=28973_29556القول في تأويل قوله جل ثناؤه : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=10بما كانوا يكذبون ( 10 ) )
اختلفت القرأة في قراءة ذلك فقرأه بعضهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=10بما كانوا يكذبون ) مخففة الذال مفتوحة الياء ، وهي قراءة عظم قرأة أهل الكوفة . وقرأه آخرون : " يكذبون " بضم الياء وتشديد الذال ، وهي قراءة عظم
أهل المدينة والحجاز والبصرة .
وكأن الذين قرءوا ذلك ، بتشديد الذال وضم الياء ، رأوا أن الله جل ثناؤه إنما أوجب للمنافقين العذاب الأليم بتكذيبهم نبيه صلى الله عليه وسلم وبما جاء به ، وأن الكذب لولا التكذيب لا يوجب لأحد اليسير من العذاب ، فكيف بالأليم منه ؟ وليس الأمر في ذلك عندي كالذي قالوا . وذلك : أن الله عز وجل أنبأ عن المنافقين في أول النبأ عنهم في هذه السورة ، بأنهم يكذبون بدعواهم الإيمان ، وإظهارهم ذلك بألسنتهم ، خداعا لله عز وجل ولرسوله وللمؤمنين ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين يخادعون الله والذين آمنوا )
[ ص: 285 ] بذلك من قيلهم ، مع استسرارهم الشك والريبة ، ( وما يخدعون ) بصنيعهم ذلك ( إلا أنفسهم ) دون رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ، ( وما يشعرون ) بموضع خديعتهم أنفسهم ، واستدراج الله عز وجل إياهم بإملائه لهم ، ( في قلوبهم ) شك النفاق وريبته والله زائدهم شكا وريبة بما كانوا يكذبون الله ورسوله والمؤمنين بقولهم بألسنتهم آمنا بالله وباليوم الآخر ، وهم في قيلهم ذلك كذبة ، لاستسرارهم الشك والمرض في اعتقادات قلوبهم في أمر الله وأمر رسوله صلى الله عليه وسلم . فأولى في حكمة الله جل جلاله ، أن يكون الوعيد منه لهم على ما افتتح به الخبر عنهم من قبيح أفعالهم وذميم أخلاقهم ، دون ما لم يجر له ذكر من أفعالهم . إذ كان سائر آيات تنزيله بذلك نزل ، وهو : أن يفتتح ذكر محاسن أفعال قوم ، ثم يختم ذلك بالوعيد على ما افتتح به ذكره من أفعالهم ، ويفتتح ذكر مساوئ أفعال آخرين ، ثم يختم ذلك بالوعيد على ما ابتدأ به ذكره من أفعالهم .
فكذلك الصحيح من القول - في الآيات التي افتتح فيها ذكر بعض مساوئ أفعال المنافقين - أن يختم ذلك بالوعيد على ما افتتح به ذكره من قبائح أفعالهم . فهذا هذا ، مع دلالة الآية الأخرى على صحة ما قلنا ، وشهادتها بأن الواجب من القراءة ما اخترنا ، وأن الصواب من التأويل ما تأولنا ، من أن وعيد الله المنافقين في هذه الآية العذاب الأليم على الكذب الجامع معنى الشك والتكذيب ، وذلك قول الله تبارك وتعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ) [ سورة المنافقون : 1 ، 2 ] . والآية
[ ص: 286 ] الأخرى في المجادلة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=16اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين ) [ سورة المجادلة : 16 ] . فأخبر جل ثناؤه أن المنافقين - بقيلهم ما قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، مع اعتقادهم فيه ما هم معتقدون - كاذبون . ثم أخبر تعالى ذكره أن العذاب المهين لهم ، على ذلك من كذبهم . ولو كان الصحيح من القراءة على ما قرأه القارئون في سورة البقرة : " ولهم عذاب أليم بما كانوا يكذبون " لكانت القراءة في السورة الأخرى : " والله يشهد إن المنافقين " لمكذبون ، ليكون الوعيد لهم الذي هو عقيب ذلك وعيدا على التكذيب لا على الكذب . وفي إجماع المسلمين على أن الصواب من القراءة في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1والله يشهد إن المنافقين لكاذبون " بمعنى الكذب - وأن إيعاد الله تبارك وتعالى فيه المنافقين العذاب الأليم على ذلك من كذبهم - أوضح الدلالة على أن الصحيح من القراءة في سورة البقرة : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=10بما كانوا يكذبون " بمعنى الكذب ، وأن الوعيد من الله تعالى ذكره للمنافقين فيها على الكذب - حق - لا على التكذيب الذي لم يجر له ذكر - نظير الذي في سورة المنافقين سواء .
وقد زعم بعض نحويي
البصرة أن " ما " من قول الله تبارك اسمه "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=10بما كانوا يكذبون " اسم للمصدر ، كما أن " أن " و " الفعل " اسمان للمصدر في قولك : أحب أن تأتيني ، وأن المعنى إنما هو بكذبهم وتكذيبهم . قال : وأدخل " كان " ليخبر أنه كان فيما مضى ، كما يقال : ما أحسن ما كان عبد الله ، فأنت تعجب من عبد الله لا من كونه ، وإنما وقع التعجب في اللفظ على كونه . وكان بعض نحويي الكوفة ينكر ذلك من قوله ويستخطئه ، ويقول : إنما ألغيت " كان " في التعجب ، لأن الفعل قد تقدمها ، فكأنه قال : " حسنا كان زيد " و " حسن كان زيد " يبطل " كان " ويعمل مع الأسماء والصفات التي بألفاظ الأسماء ، إذا جاءت قبل " كان " ووقعت " كان " بينها وبين الأسماء . وأما العلة في إبطالها إذا أبطلت في هذه الحال ، فلشبه الصفات والأسماء ب " فعل " و " يفعل " اللتين لا يظهر عمل
[ ص: 287 ] " كان " فيهما . ألا ترى أنك تقول : " يقوم كان زيد " ولا يظهر عمل " كان " في " يقوم " وكذلك " قام كان زيد " فلذلك أبطل عملها مع " فاعل " تمثيلا ب " فعل " و " يفعل " وأعملت مع " فاعل " أحيانا لأنه اسم ، كما تعمل في الأسماء . فأما إذا تقدمت " كان " الأسماء والأفعال ، وكان الاسم والفعل بعدها ، فخطأ عنده أن تكون " كان " مبطلة . فلذلك أحال قول البصري الذي حكيناه ، وتأول قول الله عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=10بما كانوا يكذبون أنه بمعنى : الذي يكذبونه .
nindex.php?page=treesubj&link=28973_29556الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=10بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ( 10 ) )
اخْتَلَفَتِ الْقَرَأَةُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ فَقَرَأَهُ بَعْضُهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=10بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) مُخَفَّفَةَ الذَّالِ مَفْتُوحَةَ الْيَاءِ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عُظْمِ قَرَأَةِ أَهْلِ الْكُوفَةِ . وَقَرَأَهُ آخَرُونَ : " يُكَذِّبُونَ " بِضَمِّ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِ الذَّالِ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ عُظْمِ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَالْحِجَازِ وَالْبَصْرَةِ .
وَكَأَنَّ الَّذِينَ قَرَءُوا ذَلِكَ ، بِتَشْدِيدِ الذَّالِ وَضَمِّ الْيَاءِ ، رَأَوْا أَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ إِنَّمَا أَوْجَبَ لِلْمُنَافِقِينَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ بِتَكْذِيبِهِمْ نَبِيَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِمَا جَاءَ بِهِ ، وَأَنَّ الْكَذِبَ لَوْلَا التَّكْذِيبُ لَا يُوجِبُ لِأَحَدٍ الْيَسِيرَ مِنَ الْعَذَابِ ، فَكَيْفَ بِالْأَلِيمِ مِنْهُ ؟ وَلَيْسَ الْأَمْرُ فِي ذَلِكَ عِنْدِي كَالَّذِي قَالُوا . وَذَلِكَ : أَنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَنْبَأَ عَنِ الْمُنَافِقِينَ فِي أَوَّلِ النَّبَأِ عَنْهُمْ فِي هَذِهِ السُّورَةِ ، بِأَنَّهُمْ يَكْذِبُونَ بِدَعْوَاهُمُ الْإِيمَانَ ، وَإِظْهَارِهِمْ ذَلِكَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ، خِدَاعًا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=8وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا )
[ ص: 285 ] بِذَلِكَ مِنْ قِيلِهِمْ ، مَعَ اسْتِسْرَارِهِمُ الشَّكَّ وَالرِّيبَةَ ، ( وَمَا يَخْدَعُونَ ) بِصَنِيعِهِمْ ذَلِكَ ( إِلَّا أَنْفُسَهُمْ ) دُونَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنِينَ ، ( وَمَا يَشْعُرُونَ ) بِمَوْضِعِ خَدِيعَتِهِمْ أَنْفُسَهُمْ ، وَاسْتِدْرَاجِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ إِيَّاهُمْ بِإِمْلَائِهِ لَهُمْ ، ( فِي قُلُوبِهِمْ ) شَكُّ النِّفَاقِ وَرِيبَتُهُ وَاللَّهُ زَائِدُهُمْ شَكًّا وَرِيبَةً بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالْمُؤْمِنِينَ بِقَوْلِهِمْ بِأَلْسِنَتِهِمْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ ، وَهُمْ فِي قِيلِهِمْ ذَلِكَ كَذَبَةٌ ، لِاسْتِسْرَارِهِمُ الشَّكَّ وَالْمَرَضَ فِي اعْتِقَادَاتِ قُلُوبِهِمْ فِي أَمْرِ اللَّهِ وَأَمْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَأَوْلَى فِي حِكْمَةِ اللَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ ، أَنْ يَكُونَ الْوَعِيدُ مِنْهُ لَهُمْ عَلَى مَا افْتُتِحَ بِهِ الْخَبَرُ عَنْهُمْ مِنْ قَبِيحِ أَفْعَالِهِمْ وَذَمِيمِ أَخْلَاقِهِمْ ، دُونَ مَا لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ مِنْ أَفْعَالِهِمْ . إِذْ كَانَ سَائِرُ آيَاتِ تَنْزِيلِهِ بِذَلِكَ نَزَلَ ، وَهُوَ : أَنْ يَفْتَتِحَ ذِكْرَ مَحَاسِنِ أَفْعَالِ قَوْمٍ ، ثُمَّ يَخْتِمُ ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ عَلَى مَا افْتُتِحَ بِهِ ذِكْرُهُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ ، وَيَفْتَتِحُ ذِكْرَ مُسَاوِئِ أَفْعَالِ آخَرِينَ ، ثُمَّ يَخْتِمُ ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ عَلَى مَا ابْتَدَأَ بِهِ ذِكْرُهُ مِنْ أَفْعَالِهِمْ .
فَكَذَلِكَ الصَّحِيحُ مِنَ الْقَوْلِ - فِي الْآيَاتِ الَّتِي افْتَتَحَ فِيهَا ذِكْرَ بَعْضِ مَسَاوِئِ أَفْعَالِ الْمُنَافِقِينَ - أَنْ يَخْتِمَ ذَلِكَ بِالْوَعِيدِ عَلَى مَا افْتُتِحَ بِهِ ذِكْرُهُ مِنْ قَبَائِحِ أَفْعَالِهِمْ . فَهَذَا هَذَا ، مَعَ دَلَالَةِ الْآيَةِ الْأُخْرَى عَلَى صِحَّةِ مَا قُلْنَا ، وَشَهَادَتِهَا بِأَنَّ الْوَاجِبَ مِنَ الْقِرَاءَةِ مَا اخْتَرْنَا ، وَأَنَّ الصَّوَابَ مِنَ التَّأْوِيلِ مَا تَأَوَّلْنَا ، مِنْ أَنَّ وَعِيدَ اللَّهِ الْمُنَافِقِينَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ عَلَى الْكَذِبِ الْجَامِعِ مَعْنَى الشَّكِّ وَالتَّكْذِيبِ ، وَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ) [ سُورَةُ الْمُنَافِقُونَ : 1 ، 2 ] . وَالْآيَةُ
[ ص: 286 ] الْأُخْرَى فِي الْمُجَادَلَةِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=16اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ ) [ سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ : 16 ] . فَأَخْبَرَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّ الْمُنَافِقِينَ - بِقِيلِهِمْ مَا قَالُوا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، مَعَ اعْتِقَادِهِمْ فِيهِ مَا هُمْ مُعْتَقِدُونَ - كَاذِبُونَ . ثُمَّ أَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّ الْعَذَابَ الْمُهِينَ لَهُمْ ، عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَذِبِهِمْ . وَلَوْ كَانَ الصَّحِيحُ مِنَ الْقِرَاءَةِ عَلَى مَا قَرَأَهُ الْقَارِئُونَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : " وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ " لَكَانَتِ الْقِرَاءَةُ فِي السُّورَةِ الْأُخْرَى : " وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ " لَمُكَذِّبُونَ ، لِيَكُونَ الْوَعِيدُ لَهُمُ الَّذِي هُوَ عُقَيْبُ ذَلِكَ وَعِيدًا عَلَى التَّكْذِيبِ لَا عَلَى الْكَذِبِ . وَفِي إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=63&ayano=1وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ " بِمَعْنَى الْكَذِبِ - وَأَنَّ إِيعَادَ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى فِيهِ الْمُنَافِقِينَ الْعَذَابَ الْأَلِيمَ عَلَى ذَلِكَ مِنْ كَذِبِهِمْ - أَوْضَحُ الدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الصَّحِيحَ مِنَ الْقِرَاءَةِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=10بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ " بِمَعْنَى الْكَذِبِ ، وَأَنَّ الْوَعِيدَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِلْمُنَافِقِينَ فِيهَا عَلَى الْكَذِبِ - حَقٌّ - لَا عَلَى التَّكْذِيبِ الَّذِي لَمْ يَجْرِ لَهُ ذِكْرٌ - نَظِيرُ الَّذِي فِي سُورَةِ الْمُنَافِقِينَ سَوَاءً .
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ نَحْوِيِّي
الْبَصْرَةِ أَنَّ " مَا " مِنْ قَوْلِ اللَّهِ تَبَارَكَ اسْمُهُ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=10بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ " اسْمٌ لِلْمَصْدَرِ ، كَمَا أَنَّ " أَنْ " وَ " الْفِعْلُ " اسْمَانِ لِلْمَصْدَرِ فِي قَوْلِكَ : أُحِبُّ أَنْ تَأْتِيَنِي ، وَأَنَّ الْمَعْنَى إِنَّمَا هُوَ بِكَذِبِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ . قَالَ : وَأَدْخَلَ " كَانَ " لِيُخْبِرَ أَنَّهُ كَانَ فِيمَا مَضَى ، كَمَا يُقَالُ : مَا أَحْسَنَ مَا كَانَ عَبْدُ اللَّهِ ، فَأَنْتَ تَعْجَبُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ لَا مِنْ كَوْنِهِ ، وَإِنَّمَا وَقَعَ التَّعَجُّبُ فِي اللَّفْظِ عَلَى كَوْنِهِ . وَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّي الْكُوفَةِ يُنْكِرُ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ وَيَسْتَخْطِئُهُ ، وَيَقُولُ : إِنَّمَا أُلْغِيَتْ " كَانَ " فِي التَّعَجُّبِ ، لِأَنَّ الْفِعْلَ قَدْ تَقَدَّمَهَا ، فَكَأَنَّهُ قَالَ : " حَسَنًا كَانَ زَيْدٌ " وَ " حَسَنٌ كَانَ زَيْدٌ " يُبْطِلُ " كَانَ " وَيُعْمِلُ مَعَ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ الَّتِي بِأَلْفَاظِ الْأَسْمَاءِ ، إِذَا جَاءَتْ قَبْلَ " كَانَ " وَوَقَعَتْ " كَانَ " بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْأَسْمَاءِ . وَأَمَّا الْعِلَّةُ فِي إِبْطَالِهَا إِذَا أُبْطِلَتْ فِي هَذِهِ الْحَالِ ، فَلِشَبَهِ الصِّفَاتِ وَالْأَسْمَاءِ بِ " فَعَلَ " وَ " يَفْعَلُ " اللَّتَيْنِ لَا يَظْهَرُ عَمَلَ
[ ص: 287 ] " كَانَ " فِيهِمَا . أَلَا تَرَى أَنَّكَ تَقُولُ : " يَقُومُ كَانَ زَيْدٌ " وَلَا يَظْهَرُ عَمَلُ " كَانَ " فِي " يَقُومُ " وَكَذَلِكَ " قَامَ كَانَ زَيْدٌ " فَلِذَلِكَ أُبْطِلَ عَمَلُهَا مَعَ " فَاعِلٍ " تَمْثِيلًا بِ " فَعَلَ " وَ " يَفْعَلُ " وَأُعْمِلَتْ مَعَ " فَاعِلٍ " أَحْيَانًا لِأَنَّهُ اسْمٌ ، كَمَا تَعْمَلُ فِي الْأَسْمَاءِ . فَأَمَّا إِذَا تَقَدَّمَتْ " كَانَ " الْأَسْمَاءَ وَالْأَفْعَالَ ، وَكَانَ الِاسْمُ وَالْفِعْلُ بَعْدَهَا ، فَخَطَأٌ عِنْدَهُ أَنْ تَكُونَ " كَانَ " مُبْطَلَةً . فَلِذَلِكَ أَحَالَ قَوْلَ الْبَصْرِيِّ الَّذِي حَكَيْنَاهُ ، وَتَأَوَّلَ قَوْلَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=10بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ أَنَّهُ بِمَعْنَى : الَّذِي يُكَذِّبُونَهُ .