القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28973_28902تأويل قوله تعالى ذكره : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أو كصيب من السماء )
قال
أبو جعفر : والصيب الفيعل من قولك : صاب المطر يصوب صوبا ، إذا انحدر ونزل ، كما قال الشاعر :
فلست لإنسي ولكن لملأك تنزل من جو السماء يصوب
وكما قال
علقمة بن عبدة :
كأنهم صابت عليهم سحابة صواعقها لطيرهن دبيب
[ ص: 334 ] فلا تعدلي بيني وبين مغمر ، سقيت روايا المزن حين تصوب
يعني : حين تنحدر . وهو في الأصل " صيوب " ولكن الواو لما سبقتها ياء ساكنة ، صيرتا جميعا ياء مشددة ، كما قيل : سيد ، من ساد يسود ، وجيد ، من جاد يجود . وكذلك تفعل العرب بالواو إذا كانت متحركة وقبلها ياء ساكنة ، تصيرهما جميعا ياء مشددة .
وبما قلنا من القول في ذلك قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
405 - حدثني
محمد بن إسماعيل الأحمسي ، قال : حدثنا
محمد بن عبيد ، قال : حدثنا
هارون بن عنترة ، عن أبيه ، عن
ابن عباس في قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أو كصيب من السماء " قال : القطر .
406 - حدثني
عباس بن محمد ، قال : حدثنا
حجاج ، قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال لي
عطاء : الصيب ، المطر .
407 - حدثني
المثنى ، قال : حدثنا
أبو صالح ، قال : حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي ، عن
ابن عباس قال : الصيب ، المطر .
408 - حدثني
موسى ، قال : حدثنا
عمرو ، قال : حدثنا
أسباط ، عن
[ ص: 335 ] nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في خبر ذكره ، عن
أبي مالك ، وعن
أبي صالح ، عن
ابن عباس ، وعن
مرة ، عن
ابن مسعود ، وعن ناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم : الصيب ، المطر .
409 - حدثني
محمد بن سعد ، قال : حدثني
أبي سعد ، قال : حدثني
عمي الحسين ، عن أبيه ، عن جده ، عن
ابن عباس ، مثله .
410 - وحدثنا
بشر بن معاذ ، قال : حدثنا
يزيد ، عن
سعيد ، عن
قتادة : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أو كصيب " يقول : المطر .
411 - حدثنا
الحسن بن يحيى ، قال : أخبرنا
عبد الرزاق ، قال : أنبأنا
معمر ، عن
قتادة ، مثله .
412 - حدثني
محمد بن عمرو الباهلي ، nindex.php?page=showalam&ids=14923وعمرو بن علي ، قالا حدثنا
أبو عاصم ، قال : حدثنا
عيسى بن ميمون ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : الصيب الربيع .
413 - حدثني
المثنى ، قال : حدثنا
أبو حذيفة ، قال : حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد : الصيب ، المطر .
414 - حدثني
المثنى ، قال : حدثنا
إسحاق ، عن
ابن أبي جعفر ، عن أبيه ، عن
الربيع بن أنس : الصيب ، المطر .
415 - حدثت عن
المنجاب ، قال : حدثنا
بشر بن عمارة ، عن
أبي روق ، عن
الضحاك ، عن
ابن عباس ، قال : الصيب المطر .
416 - حدثني
يونس ، قال : أخبرنا
ابن وهب ، قال : قال
عبد الرحمن بن زيد : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أو كصيب من السماء " قال : أو كغيث من السماء .
417 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16069سوار بن عبد الله العنبري ، قال : قال
سفيان : الصيب ، الذي فيه المطر .
[ ص: 336 ]
418 - حدثنا
عمرو بن علي ، قال : حدثنا
معاوية ، قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
عطاء ، في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أو كصيب من السماء " قال : المطر .
قال
أبو جعفر : وتأويل ذلك :
nindex.php?page=treesubj&link=28842_28902مثل استضاءة المنافقين بضوء إقرارهم بالإسلام مع استسرارهم الكفر مثل إضاءة موقد نار بضوء ناره ، على ما وصف جل ثناؤه من صفته ، أو كمثل مطر مظلم ودقه تحدر من السماء ، تحمله مزنة ظلماء في ليلة مظلمة . وذلك هو الظلمات التي أخبر الله جل ثناؤه أنها فيه .
فإن قال لنا قائل : أخبرنا عن هذين المثلين : أهما مثلان للمنافقين ، أو أحدهما ؟ فإن يكونا مثلين للمنافقين ، فكيف قيل : " أو كصيب " و " أو " تأتي بمعنى الشك في الكلام ، ولم يقل " وكصيب " بالواو التي تلحق المثل الثاني بالمثل الأول ؟ أو يكون مثل القوم أحدهما ، فما وجه ذكر الآخر ب " أو " ؟ وقد علمت أن " أو " إذا كانت في الكلام فإنما تدخل فيه على وجه الشك من المخبر فيما أخبر عنه ، كقول القائل : " لقيني أخوك أو أبوك " وإنما لقيه أحدهما ، ولكنه جهل عين الذي لقيه منهما ، مع علمه أن أحدهما قد لقيه . وغير جائز فيه الله جل ثناؤه أن يضاف إليه الشك في شيء ، أو عزوب علم شيء عنه ، فيما أخبر أو ترك الخبر عنه .
قيل له : إن الأمر في ذلك بخلاف الذي ذهبت إليه . و " أو " - وإن كانت في بعض الكلام تأتي بمعنى الشك - فإنها قد تأتي دالة على مثل ما تدل عليه الواو ، إما بسابق من الكلام قبلها ، وإما بما يأتي بعدها ، كقول
توبة بن الحمير :
وقد زعمت ليلى بأني فاجر لنفسي تقاها أو عليها فجورها
[ ص: 337 ]
ومعلوم أن ذلك من توبة على غير وجه الشك فيما قال ، ولكن لما كانت " أو " في هذا الموضع دالة على مثل الذي كانت تدل عليه " الواو " لو كانت مكانها ، وضعها موضعها ، وكذلك قول
جرير :
نال الخلافة أو كانت له قدرا ، كما أتى ربه موسى على قدر
وكما قال الآخر :
فلو كان البكاء يرد شيئا بكيت على بجير أو عفاق
على المرأين إذ مضيا جميعا لشأنهما ، بحزن واشتياق
فقد دل بقوله " على المرأين إذ مضيا جميعا " أن بكاءه الذي أراد أن يبكيه لم يرد أن يقصد به أحدهما دون الآخر ، بل أراد أن يبكيهما جميعا . فكذلك ذلك في قول الله جل ثناؤه " أو كصيب من السماء " لما كان معلوما أن " أو " دالة في ذلك على مثل الذي كانت تدل عليه " الواو " لو كانت مكانها - كان سواء نطق فيه ب " أو " أو ب " الواو " وكذلك وجه حذف " المثل " من قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أو كصيب " لما كان قوله :
[ ص: 338 ] "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17كمثل الذي استوقد نارا " دالا على أن معناه : كمثل صيب ، حذف " المثل " واكتفى بدلالة ما مضى من الكلام في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17كمثل الذي استوقد نارا " على أن معناه : أو كمثل صيب ، من إعادة ذكر المثل ؛ طلب الإيجاز والاختصار .
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28973_28902تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ذِكْرُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَالصَّيِّبُ الْفَيْعِلُ مِنْ قَوْلِكَ : صَابَ الْمَطَرُ يَصُوبُ صَوْبًا ، إِذَا انْحَدَرَ وَنَزَلَ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
فَلَسْتَ لِإِنْسِيٍّ وَلَكِنْ لَمَلْأَكٍ تَنَزَّلَ مِنْ جَوِّ السَّمَاءِ يَصُوبُ
وَكَمَا قَالَ
عَلْقَمَةُ بْنُ عَبَدَةَ :
كَأَنَّهُمُ صَابَتْ عَلَيْهِمْ سَحَابَةٌ صَوَاعِقُهَا لِطَيْرِهِنَّ دَبِيبُ
[ ص: 334 ] فَلَا تَعْدِلِي بَيْنِي وَبَيْنَ مُغَمَّرٍ ، سُقِيتِ رَوَايَا الْمُزْنِ حِينَ تَصُوبُ
يَعْنِي : حِينَ تَنْحَدِرُ . وَهُوَ فِي الْأَصْلِ " صَيْوِبٌ " وَلَكِنَّ الْوَاوَ لَمَّا سَبَقَتْهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ ، صُيِّرَتَا جَمِيعًا يَاءً مُشَدَّدَةً ، كَمَا قِيلَ : سَيِّدٌ ، مِنْ سَادَ يَسُودُ ، وَجَيِّدٌ ، مَنْ جَادَ يَجُودُ . وَكَذَلِكَ تَفْعَلُ الْعَرَبُ بِالْوَاوِ إِذَا كَانَتْ مُتَحَرِّكَةً وَقَبْلَهَا يَاءٌ سَاكِنَةٌ ، تُصَيِّرُهُمَا جَمِيعًا يَاءً مُشَدَّدَةً .
وَبِمَا قُلْنَا مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
405 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ الْأَحْمَسِيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ عُبَيْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
هَارُونُ بْنُ عَنْتَرَةَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ " قَالَ : الْقَطْرُ .
406 - حَدَّثَنِي
عَبَّاسُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
حَجَّاجٌ ، قَالَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيجٍ ، قَالَ لِي
عَطَاءٌ : الصَّيِّبُ ، الْمَطَرُ .
407 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو صَالِحٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ
عَلَيٍّ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : الصَّيِّبُ ، الْمَطَرُ .
408 - حَدَّثَنِي
مُوسَى ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عَمْرٌو ، قَالَ : حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
[ ص: 335 ] nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ فِي خَبَرٍ ذَكَرَهُ ، عَنْ
أَبِي مَالِكٍ ، وَعَنْ
أَبِي صَالِحٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَعَنْ
مُرَّةَ ، عَنِ
ابْنِ مَسْعُودٍ ، وَعَنْ نَاسٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : الصَّيِّبُ ، الْمَطَرُ .
409 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
أَبِي سَعْدٍ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
عَمِّي الْحُسَيْنُ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ جَدِّهِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، مِثْلَهُ .
410 - وَحَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ ، عَنْ
سَعِيدٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أَوْ كَصَيِّبٍ " يَقُولُ : الْمَطَرُ .
411 - حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ ، قَالَ : أَنْبَأَنَا
مَعْمَرٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، مِثْلَهُ .
412 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو الْبَاهِلِيُّ ، nindex.php?page=showalam&ids=14923وَعَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، قَالَا حَدَّثْنَا
أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : الصَّيِّبُ الرَّبِيعُ .
413 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو حُذَيْفَةَ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
شِبْلٌ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : الصَّيِّبُ ، الْمَطَرُ .
414 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى ، قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ : الصَّيِّبُ ، الْمَطَرُ .
415 - حُدِّثْتُ عَنِ
الْمِنْجَابِ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ عُمَارَةَ ، عَنْ
أَبِي رَوْقٍ ، عَنِ
الضَّحَّاكِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : الصَّيِّبُ الْمَطَرُ .
416 - حَدَّثَنِي
يُونُسُ ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ ، قَالَ : قَالَ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ زَيْدٍ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ " قَالَ : أَوْ كَغَيْثٍ مِنَ السَّمَاءِ .
417 - حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16069سَوَّارُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْعَنْبَرِيُّ ، قَالَ : قَالَ
سُفْيَانُ : الصَّيِّبُ ، الَّذِي فِيهِ الْمَطَرُ .
[ ص: 336 ]
418 - حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
مُعَاوِيَةُ ، قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ ، عَنْ
عَطَاءٍ ، فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ " قَالَ : الْمَطَرُ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَتَأْوِيلُ ذَلِكَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28842_28902مَثَلُ اسْتِضَاءَةِ الْمُنَافِقِينَ بِضَوْءِ إِقْرَارِهِمْ بِالْإِسْلَامِ مَعَ اسْتِسْرَارِهِمُ الْكُفْرَ مَثَلُ إِضَاءَةِ مُوقِدِ نَارٍ بِضَوْءِ نَارِهِ ، عَلَى مَا وَصَفَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مِنْ صِفَتِهِ ، أَوْ كَمَثَلِ مَطَرٍ مُظْلِمٍ وَدْقُهُ تَحَدَّرَ مِنَ السَّمَاءِ ، تَحْمِلُهُ مُزْنَةٌ ظَلْمَاءُ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ . وَذَلِكَ هُوَ الظُّلُمَاتُ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنَّهَا فِيهِ .
فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : أَخْبِرْنَا عَنْ هَذَيْنَ الْمَثَلَيْنِ : أَهُمَا مَثَلَانِ لِلْمُنَافِقِينَ ، أَوْ أَحَدُهُمَا ؟ فَإِنْ يَكُونَا مَثَلَيْنِ لِلْمُنَافِقِينَ ، فَكَيْفَ قِيلَ : " أَوْ كَصَيِّبٍ " وَ " أَوْ " تَأْتِي بِمَعْنَى الشَّكِّ فِي الْكَلَامِ ، وَلَمْ يَقُلْ " وَكَصَيِّبٍ " بِالْوَاوِ الَّتِي تُلْحِقُ الْمَثَلَ الثَّانِيَ بِالْمَثَلِ الْأَوَّلِ ؟ أَوْ يَكُونُ مَثَلُ الْقَوْمِ أَحَدَهُمَا ، فَمَا وَجْهُ ذِكْرِ الْآخَرِ بِ " أَوْ " ؟ وَقَدْ عَلِمْتَ أَنَّ " أَوْ " إِذَا كَانَتْ فِي الْكَلَامِ فَإِنَّمَا تَدَخُلُ فِيهِ عَلَى وَجْهِ الشَّكِّ مِنَ الْمُخْبِرِ فِيمَا أَخْبَرَ عَنْهُ ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ : " لَقِيَنِي أَخُوكَ أَوْ أَبُوكَ " وَإِنَّمَا لَقِيَهُ أَحَدُهُمَا ، وَلَكِنَّهُ جَهِلَ عَيْنَ الَّذِي لَقِيَهُ مِنْهُمَا ، مَعَ عِلْمِهِ أَنَّ أَحَدَهُمَا قَدْ لَقِيَهُ . وَغَيْرُ جَائِزٍ فِيهِ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَنْ يُضَافَ إِلَيْهِ الشَّكُّ فِي شَيْءٍ ، أَوْ عُزُوبُ عِلْمِ شَيْءٍ عَنْهُ ، فِيمَا أَخْبَرَ أَوْ تَرَكَ الْخَبَرَ عَنْهُ .
قِيلَ لَهُ : إِنَّ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ بِخِلَافِ الَّذِي ذَهَبْتَ إِلَيْهِ . وَ " أَوْ " - وَإِنْ كَانَتْ فِي بَعْضِ الْكَلَامِ تَأْتِي بِمَعْنَى الشَّكِّ - فَإِنَّهَا قَدْ تَأْتِي دَالَّةً عَلَى مِثْلِ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ الْوَاوُ ، إِمَّا بِسَابِقٍ مِنَ الْكَلَامِ قَبْلَهَا ، وَإِمَّا بِمَا يَأْتِي بَعْدَهَا ، كَقَوْلِ
تَوْبَةَ بْنِ الْحُمَيِّرِ :
وَقَدْ زَعَمَتْ لَيْلَى بِأَنِّي فَاجِرٌ لِنَفْسِي تُقَاهَا أَوْ عَلَيْهَا فُجُورُهَا
[ ص: 337 ]
وَمَعْلُومٌ أَنَّ ذَلِكَ مِنْ تَوْبَةَ عَلَى غَيْرِ وَجْهِ الشَّكِّ فِيمَا قَالَ ، وَلَكِنْ لَمَّا كَانَتْ " أَوْ " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ دَالَّةً عَلَى مِثْلِ الَّذِي كَانَتْ تَدُلُّ عَلَيْهِ " الْوَاوُ " لَوْ كَانَتْ مَكَانَهَا ، وَضَعَهَا مَوْضِعَهَا ، وَكَذَلِكَ قَوْلُ
جَرِيرٍ :
نَالَ الْخِلَافَةَ أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا ، كَمَا أَتَى رَبَّهُ مُوسَى عَلَى قَدَرِ
وَكَمَا قَالَ الْآخَرُ :
فَلَوْ كَانَ الْبُكَاءُ يَرُدُّ شَيْئًا بَكَيْتُ عَلَى بُجَيْرٍ أَوْ عِفَاقِ
عَلَى الْمَرْأَيْنِ إِذْ مَضَيا جَمِيعًا لِشَأْنِهِمَا ، بِحُزْنٍ وَاشْتِيَاقِ
فَقَدْ دَلَّ بِقَوْلِهِ " عَلَى الْمَرْأَيْنِ إِذْ مَضَيَا جَمِيعًا " أَنَّ بُكَاءَهُ الَّذِي أَرَادَ أَنْ يَبْكِيَهُ لَمْ يُرِدْ أَنْ يَقْصِدَ بِهِ أَحَدَهُمَا دُونَ الْآخَرِ ، بَلْ أَرَادَ أَنْ يَبْكِيَهُمَا جَمِيعًا . فَكَذَلِكَ ذَلِكَ فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ " أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ " لَمَّا كَانَ مَعْلُومًا أَنْ " أَوْ " دَالَّةٌ فِي ذَلِكَ عَلَى مَثَلِ الَّذِي كَانَتْ تَدُلُّ عَلَيْهِ " الْوَاوُ " لَوْ كَانَتْ مَكَانَهَا - كَانَ سَوَاءً نُطْقٌ فِيهِ بِ " أَوْ " أَوْ بِ " الْوَاوِ " وَكَذَلِكَ وَجْهُ حَذْفِ " الْمَثَلِ " مِنْ قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=19أَوْ كَصَيِّبٍ " لَمَّا كَانَ قَوْلُهُ :
[ ص: 338 ] "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا " دَالًّا عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : كَمَثَلِ صَيِّبٍ ، حَذَفَ " الْمَثَلَ " وَاكْتَفَى بِدَلَالَةِ مَا مَضَى مِنَ الْكَلَامِ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=17كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا " عَلَى أَنَّ مَعْنَاهُ : أَوْ كَمَثَلِ صَيِّبٍ ، مِنْ إِعَادَةِ ذِكْرِ الْمَثَلِ ؛ طَلَبَ الْإِيجَازِ وَالِاخْتِصَارِ .