[ ص: 541 ] سنة ثلاث عشرة من الهجرة .
nindex.php?page=treesubj&link=33701استهلت هذه السنة والصديق عازم على جمع الجنود ; ليبعثهم إلى الشام ، وذلك بعد مرجعه من الحج ، وذلك عملا بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين [ التوبة : 123 ] . وبقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر الآية [ التوبة : 29 ] . واقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم ; فإنه جمع المسلمين لغزو
الشام وذلك عام تبوك ، حتى وصلها في حر شديد وجهد ، فرجع عامه ذلك ، ثم بعث قبل مؤتة
أسامة بن زيد مولاه ; ليغزو تخوم
الشام ، كما تقدم ، ولما فرغ
الصديق من أمر جزيرة العرب بسط يمينه إلى
العراق ، فبعث إليها خالد بن الوليد ، ثم أراد أن يبعث إلى
الشام كما بعث إلى
العراق ، فشرع في جمع الأمراء في أماكن متفرقة من جزيرة العرب . وكان قد استعمل
عمرو بن العاص على صدقات
قضاعة ، معه
الوليد بن عقبة فيهم ، فكتب إليه يستنفره إلى
الشام : إني كنت قد رددتك على العمل الذي ولاكه رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ، وسماه لك أخرى ، وقد أحببت ، أبا عبد الله ، أن أفرغك لما هو خير لك في حياتك ومعادك منه ، إلا أن يكون الذي أنت فيه أحب إليك . فكتب إليه
عمرو بن العاص : إني سهم من سهام الإسلام ، وأنت فعبد الله الرامي بها ، والجامع لها ، فانظر أشدها وأخشاها فارم بي فيها . وكتب إلى الوليد بن عقبة 542
[ ص: 542 ] بمثل ذلك ، ورد عليه مثله ، وأقبلا - بعدما استخلفا في عملهما - إلى المدينة .
وقدم
nindex.php?page=showalam&ids=2467خالد بن سعيد بن العاص من
اليمن ، فدخل
المدينة وعليه جبة ديباج ، فلما رآها
عمر عليه أمر من هناك من الناس بتمزيقها عنه ، فغضب
خالد بن سعيد ، وقال
لعلي بن أبي طالب : يا
أبا الحسن ، أغلبتم يا
بني عبد مناف عن الإمرة ؟ فقال له علي : أمغالبة تراها أم خلافة ؟ فقال : لا يغالب على هذا الأمر أولى منكم . فقال له عمر بن الخطاب : اسكت فض الله فاك ، والله لا تزال كاذبا تخوض فيما قلت ، ثم لا تضر إلا نفسك ، وأبلغها
عمر أبا بكر ، فلم يتأثر لها
أبو بكر ، ولما اجتمع عند
الصديق من الجيوش ما أراد ، قام في الناس خطيبا ، فأثنى على الله بما هو أهله ، ثم حث الناس على الجهاد فقال : ألا لكل أمر جوامع ، فمن بلغها فهي حسبه ، ومن عمل لله كفاه الله ، عليكم بالجد والقصد ، فإن القصد أبلغ ، ألا إنه لا دين لأحد لا إيمان له ، ولا إيمان لمن لا حسبة له ، ولا عمل لمن لا نية له ، ألا وإن في كتاب الله من الثواب على الجهاد في سبيل الله لما ينبغي للمسلم أن يحب أن يخص به ، هي التجارة التي دل الله عليها ، ونجى بها من الخزي ، وألحق بها الكرامة .
ثم شرع
الصديق في تولية الأمراء ، وعقد الألوية والرايات ، فيقال : إن أول لواء عقده
nindex.php?page=showalam&ids=2467لخالد بن سعيد بن العاص ، فجاء
عمر بن الخطاب فثناه عنه وذكره بما قال ، فلم يتأثر به
الصديق كما تأثر به
عمر ، بل عزله عن
الشام وولاه أرض
[ ص: 543 ] تيماء يكون بها فيمن معه من المسلمين حتى يأتيه أمره . ثم عقد لواء
يزيد بن أبي سفيان ، ومعه جمهور الناس ، ومعه
nindex.php?page=showalam&ids=3795سهيل بن عمرو وأشباهه من
أهل مكة ، وخرج معه ماشيا يوصيه بما اعتمده في حربه ومن معه من المسلمين ، وجعل له
دمشق . وبعث
nindex.php?page=showalam&ids=5أبا عبيدة بن الجراح على جند آخر ، وخرج معه ماشيا يوصيه ، وجعل له نيابة
حمص . وبعث
عمرو بن العاص ومعه جند آخر ، وجعله على
فلسطين . وأمر كل أمير أن يسلك طريقا غير طريق الآخر ; لما لحظ في ذلك من المصالح ، وكان
الصديق اقتدى في ذلك بنبي الله
يعقوب حين قال لبنيه :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=67يا بني لا تدخلوا من باب واحد وادخلوا من أبواب متفرقة وما أغني عنكم من الله من شيء إن الحكم إلا لله عليه توكلت وعليه فليتوكل المتوكلون [ يوسف : 67 ] . فكان سلوك
يزيد بن أبي سفيان على
تبوك . قال المدائني بإسناده عن شيوخه ، قالوا :
nindex.php?page=treesubj&link=33701وكان بعث أبي بكر هذه الجيوش في أول سنة ثلاث عشرة .
قال
محمد بن إسحاق ، عن
صالح بن كيسان : خرج
أبو بكر ماشيا
ويزيد بن أبي سفيان راكبا ، فجعل يوصيه ، فلما فرغ قال : أقرئك السلام وأستودعك الله . ثم انصرف ومضى
يزيد فأخذ التبوكية ، ثم تبعه
شرحبيل ابن حسنة ، ثم
أبو عبيدة مددا لهما ، فسلكوا ذلك الطريق ، وخرج
عمرو بن العاص حتى نزل العربات من أرض
الشام ويقال : إن
يزيد بن أبي سفيان نزل
البلقاء أولا ، ونزل
شرحبيل بالأردن ، ويقال : ببصرى
. ونزل أبو عبيدة بالجابية ، وجعل
[ ص: 544 ] الصديق يمدهم بالجيوش ، وأمر كل واحد منهم أن ينضاف إلى من أحب من الأمراء . ويقال : إن
أبا عبيدة لما مر
بمآب من أرض
البلقاء قاتلهم حتى صالحوه ، وكان أول صلح وقع
بالشام .
ويقال : إن
nindex.php?page=treesubj&link=33700أول حرب وقع بالشام أن
الروم اجتمعوا بمكان يقال له : العربة . من أرض فلسطين ،
فوجه إليهم يزيد أبا أمامة
في سرية فقتلهم وغنم منهم ، وقتل منهم بطريقا عظيما . ثم كانت بعد هذه وقعة مرج الصفر ، استشهد فيها
nindex.php?page=showalam&ids=2467خالد بن سعيد بن العاص وجماعة من المسلمين . ويقال : إن الذي استشهد في
مرج الصفر ابن
nindex.php?page=showalam&ids=2467لخالد بن سعيد . وأما هو ففر حتى انحاز إلى أرض
الحجاز . فالله أعلم . حكاه
ابن جرير .
قال
ابن جرير : ولما انتهى
خالد بن سعيد إلى
تيماء اجتمع له جنود من
الروم في جمع كثير من
نصارى العرب ; من
بهراء ، وتنوخ ، وبني كلب ، وسليح ، ولخم ، وجذام ، وغسان ، فتقدم إليهم
خالد بن سعيد ، فلما اقترب منهم تفرقوا عنه ودخل كثير منهم في الإسلام ، وبعث إلى
الصديق يعلمه بما وقع من الفتح ، فأمره
الصديق أن يتقدم ولا يحجم ، وأمده
بالوليد بن عقبة وعكرمة بن أبي جهل ، وجماعة ، فسار إلى قريب من
آبل ، فالتقى هو وأمير من
الروم [ ص: 545 ] يقال له :
باهان . فكسره ، ولجأ
باهان إلى
دمشق ، فلحقه
خالد بن سعيد ، وبادر الجيوش إلى نحو
دمشق وطلب الحظوة ، فوصلوا إلى
مرج الصفر فانطوت عليه مسالح
باهان ، وأخذوا عليهم الطريق ، وزحف
باهان ، ففر
خالد بن سعيد ، فلم يرد إلى
ذي المروة ، واستحوذ
الروم على جيشهم إلا من فر على الخيل ، وثبت
nindex.php?page=showalam&ids=28عكرمة بن أبي جهل ، وقد تقهقر عن
الشام قريبا ، وبقي ردءا لمن نفر إليه ، وأقبل
شرحبيل ابن حسنة من العراق ; من عند
خالد بن الوليد إلى
الصديق ، فأمره على جيش وبعثه إلى
الشام فلما مر
بخالد بن سعيد بذي المروة ، أخذ جمهور أصحابه الذين هربوا معه إلى
ذي المروة ، ثم اجتمع عند
الصديق طائفة من الناس ، فأمر عليهم
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية بن أبي سفيان ، وأرسله وراء أخيه
يزيد بن أبي سفيان ، ولما مر
بخالد بن سعيد أخذ من كان بقي معه
بذي المروة إلى
الشام ، ثم أذن
الصديق nindex.php?page=showalam&ids=2467لخالد بن سعيد في الدخول إلى
المدينة وقال : كان
عمر أعلم
بخالد .
[ ص: 541 ] سَنَةُ ثَلَاثَ عَشْرَةَ مِنَ الْهِجْرَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=33701اسْتَهَلَّتْ هَذِهِ السَّنَةُ وَالصِّدِّيقُ عَازِمٌ عَلَى جَمْعِ الْجُنُودِ ; لِيَبْعَثَهُمْ إِلَى الشَّامِ ، وَذَلِكَ بَعْدَ مَرْجِعِهِ مِنَ الْحَجِّ ، وَذَلِكَ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=123يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ [ التَّوْبَةِ : 123 ] . وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ الْآيَةَ [ التَّوْبَةِ : 29 ] . وَاقْتِدَاءً بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ; فَإِنَّهُ جَمَعَ الْمُسْلِمِينَ لِغَزْوِ
الشَّامِ وَذَلِكَ عَامَ تَبُوكَ ، حَتَّى وَصَلَهَا فِي حَرٍّ شَدِيدٍ وَجَهْدٍ ، فَرَجَعَ عَامَهُ ذَلِكَ ، ثُمَّ بَعَثَ قِبَلَ مُؤْتَةَ
أُسَامَةَ بْنَ زَيْدٍ مَوْلَاهُ ; لِيَغْزُوَ تُخُومَ
الشَّامِ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَلَمَّا فَرَغَ
الصِّدِّيقُ مِنْ أَمْرِ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ بَسَطَ يَمِينَهُ إِلَى
الْعِرَاقِ ، فَبَعَثَ إِلَيْهَا خَالِدَ بْنَ الْوَلِيدِ ، ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَبْعَثَ إِلَى
الشَّامِ كَمَا بَعَثَ إِلَى
الْعِرَاقِ ، فَشَرَعَ فِي جَمْعِ الْأُمَرَاءِ فِي أَمَاكِنَ مُتَفَرِّقَةٍ مِنْ جَزِيرَةِ الْعَرَبِ . وَكَانَ قَدِ اسْتَعْمَلَ
عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ عَلَى صَدَقَاتِ
قُضَاعَةَ ، مَعَهُ
الْوَلِيدُ بْنُ عُقْبَةَ فِيهِمْ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ يَسْتَنْفِرُهُ إِلَى
الشَّامِ : إِنِّي كُنْتُ قَدْ رَدَدْتُكَ عَلَى الْعَمَلِ الَّذِي وَلَّاكَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّةً ، وَسَمَّاهُ لَكَ أُخْرَى ، وَقَدْ أَحْبَبْتُ ، أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، أَنْ أُفَرِّغَكَ لِمَا هُوَ خَيْرٌ لَكَ فِي حَيَاتِكَ وَمَعَادِكَ مِنْهُ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الَّذِي أَنْتَ فِيهِ أَحَبَّ إِلَيْكَ . فَكَتَبَ إِلَيْهِ
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ : إِنِّي سَهْمٌ مِنْ سِهَامِ الْإِسْلَامِ ، وَأَنْتَ فَعَبْدُ اللَّهِ الرَّامِي بِهَا ، وَالْجَامِعُ لَهَا ، فَانْظُرْ أَشَدَّهَا وَأَخْشَاهَا فَارْمِ بِي فِيهَا . وَكَتَبَ إِلَى الْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ 542
[ ص: 542 ] بِمِثْلِ ذَلِكَ ، وَرَدَّ عَلَيْهِ مِثْلَهُ ، وَأَقْبَلَا - بَعْدَمَا اسْتَخْلَفَا فِي عَمَلِهِمَا - إِلَى الْمَدِينَةِ .
وَقَدِمَ
nindex.php?page=showalam&ids=2467خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ مِنَ
الْيَمَنِ ، فَدَخَلَ
الْمَدِينَةَ وَعَلَيْهِ جُبَّةُ دِيبَاجٍ ، فَلَمَّا رَآهَا
عُمَرُ عَلَيْهِ أَمَرَ مَنْ هُنَاكَ مِنَ النَّاسِ بِتَمْزِيقِهَا عَنْهُ ، فَغَضِبَ
خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَقَالَ
لِعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ : يَا
أَبَا الْحَسَنِ ، أَغُلِبْتُمْ يَا
بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ عَنِ الْإِمْرَةِ ؟ فَقَالَ لَهُ عَلِيٌّ : أَمُغَالَبَةً تَرَاهَا أَمْ خِلَافَةً ؟ فَقَالَ : لَا يُغَالِبُ عَلَى هَذَا الْأَمْرِ أَوْلَى مِنْكُمْ . فَقَالَ لَهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ : اسْكُتْ فَضَّ اللَّهُ فَاكَ ، وَاللَّهِ لَا تَزَالُ كَاذِبًا تَخُوضُ فِيمَا قُلْتَ ، ثُمَّ لَا تَضُرُّ إِلَّا نَفْسَكَ ، وَأَبْلَغَهَا
عُمَرُ أَبَا بَكْرٍ ، فَلَمْ يَتَأَثَّرْ لَهَا
أَبُو بَكْرٍ ، وَلَمَّا اجْتَمَعَ عِنْدَ
الصِّدِّيقِ مِنَ الْجُيُوشِ مَا أَرَادَ ، قَامَ فِي النَّاسِ خَطِيبًا ، فَأَثْنَى عَلَى اللَّهِ بِمَا هُوَ أَهْلُهُ ، ثُمَّ حَثَّ النَّاسَ عَلَى الْجِهَادِ فَقَالَ : أَلَا لِكُلِّ أَمْرٍ جَوَامِعُ ، فَمَنْ بَلَغَهَا فَهِيَ حَسْبُهُ ، وَمَنْ عَمِلَ لِلَّهِ كَفَاهُ اللَّهُ ، عَلَيْكُمْ بِالْجِدِّ وَالْقَصْدِ ، فَإِنَّ الْقَصْدَ أَبْلَغُ ، أَلَا إِنَّهُ لَا دِينَ لِأَحَدٍ لَا إِيمَانَ لَهُ ، وَلَا إِيمَانَ لِمَنْ لَا حِسْبَةَ لَهُ ، وَلَا عَمَلَ لِمَنْ لَا نِيَّةَ لَهُ ، أَلَا وَإِنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ مِنَ الثَّوَابِ عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَمَا يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُحِبَّ أَنْ يُخَصَّ بِهِ ، هِيَ التِّجَارَةُ الَّتِي دَلَّ اللَّهُ عَلَيْهَا ، وَنَجَّى بِهَا مِنَ الْخِزْيِ ، وَأَلْحَقَ بِهَا الْكَرَامَةَ .
ثُمَّ شَرَعَ
الصِّدِّيقُ فِي تَوْلِيَةِ الْأُمَرَاءِ ، وَعَقْدِ الْأَلْوِيَةِ وَالرَّايَاتِ ، فَيُقَالُ : إِنْ أَوَّلَ لِوَاءٍ عَقَدَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=2467لِخَالِدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ ، فَجَاءَ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ فَثَنَاهُ عَنْهُ وَذَكَّرَهُ بِمَا قَالَ ، فَلَمْ يَتَأَثَّرْ بِهِ
الصِّدِّيقُ كَمَا تَأَثَّرَ بِهِ
عُمَرُ ، بَلْ عَزَلَهُ عَنِ
الشَّامِ وَوَلَّاهُ أَرْضَ
[ ص: 543 ] تَيْمَاءَ يَكُونُ بِهَا فِيمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ حَتَّى يَأْتِيَهُ أَمْرُهُ . ثُمَّ عَقَدَ لِوَاءَ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، وَمَعَهُ جُمْهُورُ النَّاسِ ، وَمَعَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=3795سُهَيْلُ بْنُ عَمْرٍو وَأَشْبَاهُهُ مِنْ
أَهْلِ مَكَّةَ ، وَخَرَجَ مَعَهُ مَاشِيًا يُوصِيهِ بِمَا اعْتَمَدَهُ فِي حَرْبِهِ وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَجَعَلَ لَهُ
دِمَشْقَ . وَبَعَثَ
nindex.php?page=showalam&ids=5أَبَا عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ عَلَى جُنْدٍ آخَرَ ، وَخَرَجَ مَعَهُ مَاشِيًا يُوصِيهِ ، وَجَعَلَ لَهُ نِيَابَةَ
حِمْصَ . وَبَعَثَ
عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَمَعَهُ جُنْدٌ آخَرُ ، وَجَعَلَهُ عَلَى
فِلَسْطِينَ . وَأَمَرَ كُلَّ أَمِيرٍ أَنْ يَسْلُكَ طَرِيقًا غَيْرَ طَرِيقِ الْآخَرِ ; لِمَا لَحَظَ فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ ، وَكَانَ
الصِّدِّيقُ اقْتَدَى فِي ذَلِكَ بِنَبِيِّ اللَّهِ
يَعْقُوبَ حِينَ قَالَ لِبَنِيهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=67يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ وَمَا أُغْنِي عَنْكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَعَلَيْهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُتَوَكِّلُونَ [ يُوسُفَ : 67 ] . فَكَانَ سُلُوكُ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ عَلَى
تَبُوكَ . قَالَ الْمَدَائِنِيُّ بِإِسْنَادِهِ عَنْ شُيُوخِهِ ، قَالُوا :
nindex.php?page=treesubj&link=33701وَكَانَ بَعْثُ أَبِي بَكْرٍ هَذِهِ الْجُيُوشَ فِي أَوَّلِ سَنَةِ ثَلَاثَ عَشْرَةَ .
قَالَ
مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ ، عَنْ
صَالِحِ بْنِ كَيْسَانَ : خَرَجَ
أَبُو بَكْرٍ مَاشِيًا
وَيَزِيدُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ رَاكِبًا ، فَجَعَلَ يُوصِيهِ ، فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ : أُقْرِئُكَ السَّلَامَ وَأَسْتَوْدِعُكَ اللَّهَ . ثُمَّ انْصَرَفَ وَمَضَى
يَزِيدُ فَأَخَذَ التَّبُوكِيَّةَ ، ثُمَّ تَبِعَهُ
شُرَحْبِيلُ ابْنُ حَسَنَةَ ، ثُمَّ
أَبُو عُبَيْدَةَ مَدَدًا لَهُمَا ، فَسَلَكُوا ذَلِكَ الطَّرِيقَ ، وَخَرَجَ
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ حَتَّى نَزَلَ الْعَرَبَاتِ مِنْ أَرْضِ
الشَّامِ وَيُقَالُ : إِنَّ
يَزِيدَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ نَزَلَ
الْبَلْقَاءَ أَوَّلًا ، وَنَزَلَ
شُرَحْبِيلُ بِالْأُرْدُنِّ ، وَيُقَالُ : بِبُصْرَى
. وَنَزَلَ أَبُو عُبَيْدَةَ بِالْجَابِيَةِ ، وَجَعَلَ
[ ص: 544 ] الصِّدِّيقُ يُمِدُّهُمْ بِالْجُيُوشِ ، وَأَمَرَ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ أَنْ يَنْضَافَ إِلَى مَنْ أَحَبَّ مِنَ الْأُمَرَاءِ . وَيُقَالُ : إِنَّ
أَبَا عُبَيْدَةَ لَمَّا مَرَّ
بِمَآبَ مِنْ أَرْضِ
الْبَلْقَاءِ قَاتَلَهُمْ حَتَّى صَالَحُوهُ ، وَكَانَ أَوَّلَ صُلْحٍ وَقَعَ
بِالشَّامِ .
وَيُقَالُ : إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33700أَوَّلَ حَرْبٍ وَقَعَ بِالشَّامِ أَنَّ
الرُّومَ اجْتَمَعُوا بِمَكَانٍ يُقَالُ لَهُ : الْعَرَبَةُ . مِنْ أَرْضِ فِلَسْطِينَ ،
فَوَجَّهَ إِلَيْهِمْ يَزِيدُ أَبَا أُمَامَةَ
فِي سَرِيَّةٍ فَقَتَلَهُمْ وَغَنِمَ مِنْهُمْ ، وَقَتَلَ مِنْهُمْ بِطْرِيقًا عَظِيمًا . ثُمَّ كَانَتْ بَعْدَ هَذِهِ وَقْعَةُ مَرْجِ الصُّفَّرِ ، اسْتُشْهِدَ فِيهَا
nindex.php?page=showalam&ids=2467خَالِدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الْعَاصِ وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ . وَيُقَالُ : إِنَّ الَّذِي اسْتُشْهِدَ فِي
مَرْجِ الصُّفَّرِ ابْنٌ
nindex.php?page=showalam&ids=2467لِخَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ . وَأَمَّا هُوَ فَفَرَّ حَتَّى انْحَازَ إِلَى أَرْضِ
الْحِجَازِ . فَاللَّهُ أَعْلَمُ . حَكَاهُ
ابْنُ جَرِيرٍ .
قَالَ
ابْنُ جَرِيرٍ : وَلَمَّا انْتَهَى
خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ إِلَى
تَيْمَاءَ اجْتَمَعَ لَهُ جُنُودٌ مِنَ
الرُّومِ فِي جَمْعٍ كَثِيرٍ مِنْ
نَصَارَى الْعَرَبِ ; مِنْ
بَهْرَاءَ ، وَتَنُوخَ ، وَبَنِي كَلْبٍ ، وَسَلِيحٍ ، وَلَخْمٍ ، وَجُذَامَ ، وَغَسَّانَ ، فَتَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ
خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ ، فَلَمَّا اقْتَرَبَ مِنْهُمْ تَفَرَّقُوا عَنْهُ وَدَخَلَ كَثِيرٌ مِنْهُمْ فِي الْإِسْلَامِ ، وَبَعَثَ إِلَى
الصِّدِّيقِ يُعَلِمُهُ بِمَا وَقَعَ مِنَ الْفَتْحِ ، فَأَمَرَهُ
الصِّدِّيقُ أَنْ يَتَقَدَّمَ وَلَا يُحْجِمَ ، وَأَمَدَّهُ
بِالْوَلِيدِ بْنِ عُقْبَةَ وَعِكْرِمَةَ بْنِ أَبِي جَهْلٍ ، وَجَمَاعَةٍ ، فَسَارَ إِلَى قَرِيبٍ مِنْ
آبِلَ ، فَالْتَقَى هُوَ وَأَمِيرٌ مَنِ
الرُّومِ [ ص: 545 ] يُقَالُ لَهُ :
بَاهَانُ . فَكَسَرَهُ ، وَلَجَأَ
بَاهَانُ إِلَى
دِمَشْقَ ، فَلَحِقَهُ
خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ ، وَبَادَرَ الْجُيُوشَ إِلَى نَحْوِ
دِمَشْقَ وَطَلَبَ الْحُظْوَةَ ، فَوَصَلُوا إِلَى
مَرْجِ الصُّفَّرِ فَانْطَوَتْ عَلَيْهِ مَسَالِحُ
بَاهَانَ ، وَأَخَذُوا عَلَيْهِمُ الطَّرِيقَ ، وَزَحَفَ
بَاهَانُ ، فَفَرَّ
خَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ ، فَلَمْ يَرِدْ إِلَى
ذِي الْمَرْوَةِ ، وَاسْتَحْوَذَ
الرُّومُ عَلَى جَيْشِهِمْ إِلَّا مَنْ فَرَّ عَلَى الْخَيْلِ ، وَثَبَتَ
nindex.php?page=showalam&ids=28عِكْرِمَةُ بْنُ أَبِي جَهْلٍ ، وَقَدْ تَقَهْقَرَ عَنِ
الشَّامِ قَرِيبًا ، وَبَقِيَ رِدْءًا لِمَنْ نَفَرَ إِلَيْهِ ، وَأَقْبَلَ
شُرَحْبِيلُ ابْنُ حَسَنَةَ مِنَ الْعِرَاقِ ; مِنْ عِنْدِ
خَالِدِ بْنِ الْوَلِيدِ إِلَى
الصِّدِّيقِ ، فَأَمَّرَهُ عَلَى جَيْشٍ وَبَعَثَهُ إِلَى
الشَّامِ فَلَمَّا مَرَّ
بِخَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ بِذِي الْمَرْوَةِ ، أَخَذَ جُمْهُورَ أَصْحَابِهِ الَّذِينَ هَرَبُوا مَعَهُ إِلَى
ذِي الْمَرْوَةِ ، ثُمَّ اجْتَمَعَ عِنْدَ
الصِّدِّيقِ طَائِفَةٌ مِنَ النَّاسِ ، فَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ
nindex.php?page=showalam&ids=33مُعَاوِيَةَ بْنَ أَبِي سُفْيَانَ ، وَأَرْسَلَهُ وَرَاءَ أَخِيهِ
يَزِيدَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ ، وَلَمَّا مَرَّ
بِخَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ أَخَذَ مَنْ كَانَ بَقِيَ مَعَهُ
بِذِي الْمَرْوَةِ إِلَى
الشَّامِ ، ثُمَّ أَذِنَ
الصِّدِّيقُ nindex.php?page=showalam&ids=2467لِخَالِدِ بْنِ سَعِيدٍ فِي الدُّخُولِ إِلَى
الْمَدِينَةِ وَقَالَ : كَانَ
عُمَرُ أَعْلَمَ
بِخَالِدٍ .