nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180nindex.php?page=treesubj&link=28978_28723_29447ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون
هذا خطاب للمسلمين ، فتوسطه في خلال مذام المشركين لمناسبة أن
nindex.php?page=treesubj&link=28675_30539أفظع أحوال المعدودين لجهنم هو حال إشراكهم بالله غيره ، لأن في ذلك إبطالا لأخص الصفات بمعنى الإلهية : وهي صفة الوحدانية وما في معناها من الصفات نحو الفرد ، الصمد . وينضوي تحت الشرك تعطيل صفات كثيرة مثل الباعث ، الحسيب والمعيد ، ونشأ عن عناد أهل الشرك إنكار صفة الرحمان .
فعقبت الآيات التي وصفت ضلال إشراكهم بتنبيه المسلمين للإقبال على دعاء الله بأسمائه الدالة على عظيم صفات الإلهية ، والدوام على ذلك وأن يعرضوا عن شغب المشركين وجدالهم في أسماء الله - تعالى - .
وقد كان من جملة ما يتورك به المشركون على النبيء - صلى الله عليه وسلم - والمسلمين ، أن أنكروا اسمه - تعالى - الرحمان ، وهو إنكار لم يقدمهم عليه جهلهم بأن الله موصوف بما
[ ص: 186 ] يدل عليه وصف رحمان من شدة الرحمة ، وإنما أقدمهم عليه ما يقدم كل معاند من تطلب التغليظ والتخطئة للمخالف ، ولو فيما يعرف أنه حق ، وذكر ابن عطية ، وغيره أنه
روي في سبب نزول قوله - تعالى - nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها أن أبا جهل سمع بعض أصحاب النبيء - صلى الله عليه وسلم - يقرأ فيذكر الله في قراءته ومرة يقرأ فيذكر الرحمان فقال أبو جهل : محمد يزعم أن الإله واحد وهو إنما يعبد آلهة كثيرة فنزلت هذه الآية .
فعطف هذه الآية على التي قبلها عطف الأخبار عن أحوال المشركين وضلالهم ، والغرض منها قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180وذروا الذين يلحدون في أسمائه .
وتقديم المجرور المسند على المسند إليه لمجرد الاهتمام المفيد تأكيد استحقاقه إياها ، المستفاد من اللام ، والمعنى أن اتسامه بها أمر ثابت ، وذلك تمهيد لقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه ، وقد التزم مثل هذا التقديم في جميع الآي التي في هذا الغرض مثل قوله في سورة الإسراء
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110فله الأسماء الحسنى وسورة طه
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=8له الأسماء الحسنى وفي سورة الحشر
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=24له الأسماء الحسنى ، وكل ذلك تأكيد للرد على المشركين أن يكون بعض الأسماء الواردة في القرآن أو كلام النبيء - صلى الله عليه وسلم - أسماء لله - تعالى - بتخييلهم أن تعدد الاسم تعدد للمسمى تمويها على الدهماء .
والأسماء هي الألفاظ المجعولة أعلاما على الذات بالتخصيص أو بالغلبة فاسم الجلالة وهو ( الله ) علم على ذات الإله الحق بالتخصيص ، شأن الإعلام ، و ( الرحمان ) و ( الرحيم ) اسمان لله بالغلبة ، وكذلك كل لفظ مفرد دل على صفة من صفات الله ، وأطلق إطلاق الإعلام نحو الرب ، والخالق ، والعزيز ، والحكيم ، والغفور ، ولا يدخل في هذا ما كان مركبا إضافيا نحو ذو الجلال ، ورب العرش ، فإن ذلك بالأوصاف أشبه ، وإن كان دالا على معنى لا يليق إلا بالله نحو "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4ملك يوم الدين " .
والحسنى مؤنث الأحسن ، وهو المتصف بالحسن الكامل في ذاته ، المقبول لدى العقول السليمة المجردة عن الهوى ، وليس المراد بالحسن الملائمة لجميع الناس لأن الملائمة وصف إضافي نسبي ، فقد يلائم
زيدا ما لا يلائم
عمرا ، فلذلك فالحسن صفة ذاتية للشيء الحسن .
[ ص: 187 ] nindex.php?page=treesubj&link=29446ووصف الأسماء بالحسنى : لأنها دالة على ثبوت صفات كمال حقيقي ، أما بعضها فلأن معانيها الكاملة لم تثبت إلا لله نحو الحي ، والعزيز ، والحكيم ، والغني ، وأما البعض الآخر فلأن معانيها مطلقا لا يحسن الاتصاف بها إلا في جانب الله نحو المتكبر ، والجبار ، لأن معاني هذه الصفات وأشباهها كانت نقصا في المخلوق من حيث أن المتسم بها لم يكن مستحقا لها لعجزه أو لحاجته ، بخلاف الإله لأنه الغني المطلق ، فكان اتصاف المخلوق بها منشأ فساد في الأرض ، وكان اتصاف الخالق بها منشأ صلاح ، لأنها مصدر العدالة والجزاء القسط .
والتفريع في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180فادعوه بها تفريع عن كونها أسماء له ، وعن كونها حسنى ، أي فلا حرج في دعائه بها لأنها أسماء متعددة لمسمى واحد ، لا كما يزعم المشركون ، ولأنها حسنى فلا ضير في دعاء الله - تعالى - بها . وذلك يشير إلى أن الله يدعى بكل ما دل على صفاته وعلى أفعاله .
وقد دلت الآية على أن كل ما دل على صفة لله - تعالى - وشأن من شئونه على وجه التقريب للأفهام بحسب المعتاد يسوغ أن يطلق منه اسم لله - تعالى - ما لم يكن مجيئه على وجه المجاز نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=15الله يستهزئ بهم أو يوهم معنى نقص في متعارف الناس نحو الماكر من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=54والله خير الماكرين .
nindex.php?page=treesubj&link=29447وليست أسماء الله الحسنى منحصرة في التسعة والتسعين الواردة في الحديث الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ، وعن
أبي رافع ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=17257همام بن منبه ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341826إن لله تسعة وتسعين اسما من أحصاها دخل الجنة لأن الحديث الصحيح ليس فيه ما يقتضي حصر الأسماء في ذلك العدد ، ولكن تلك الأسماء ذات العدد لها تلك المزية ، وقد ثبت أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - دعا فقال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341827يا حنان يا منان ولم يقع هذان الاسمان فيما روي من التسعة والتسعين ، وليس في الحديث المروي بأسانيد صحيحة مشهورة تعيين الأسماء التسعة والتسعين ، ووقع في جامع
الترمذي من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=16108شعيب بن أبي حمزة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13723الأعرج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة بعد قوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341828دخل الجنة nindex.php?page=hadith&LINKID=10341829هو الله الذي لا إله إلا هو الرحمان الرحيم إلى آخرها ، فعين صفات لله - تعالى - تسعا وتسعين وهي المشهورة بين الذين تصدوا لبيانها ، قال
الترمذي هذا حديث غريب حدثنا به غير واحد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16229صفوان بن صالح وهو ثقة
[ ص: 188 ] عند أهل الحديث ولا نعلم في شيء من الروايات لها إسناد صحيح ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث .
وتعيين هذه الأسماء لا يقتضي أكثر من أن مزيتها أن من أحصاها وحفظها دخل الجنة ، فلا يمنع أن تعد لله أسماء أخرى . وقد عد
ابن برجان الأشبيلي في كتابه في أسماء الله الحسنى مائة واثنين وثلاثين اسما مستخرجة من القرآن والأحاديث المقبولة . وذكر
القرطبي : أن له كتابا سماه " الأسنى في شرح الأسماء الحسنى " ذكر فيه من الأسماء ما ينيف على مائتي اسم ، وذكر أيضا أن
أبا بكر بن العربي ذكر عدة من أسمائه - تعالى - مثل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=8متم نوره ) ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=89خير الوارثين ) ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=54خير الماكرين ) ، ورابع ثلاثة ، وسادس خمسة ، والطيب ، والمعلم إلخ .
ولا تخفى سماجة عد نحو رابع ثلاثة ، وسادس خمسة فإنها وردت في القرآن في سياق المجاز الواضح ، ولا مناص من تحكيم الذوق السليم ، وليس مجرد الوقوف عند صورة ظاهرة من اللفظ ، وذكر
ابن كثير في تفسيره عن كتاب الأحوذي في شرح
الترمذي لعله يعني عارضة الأحوذي " أن بعضهم جمع من الكتاب والسنة من أسماء الله - تعالى - ألف اسم " ولم أجده في نسخ عارضة الأحوذي
لابن العربي ، ولا ذكره
القرطبي وهو من خاصة تلاميذ
ابن العربي ، والموجود في كتاب أحكام القرآن له أنه حضره منها مائة وستة وأربعون اسما وساقها في كتاب الأحكام ، وسقط واحد منها في المطبوعة ، وذكر أنه أبلغها في كتابه الأمد أي - " الأمد الأقصى " - في شرح الأسماء إلى مائة وستة وسبعين اسما ، قال
ابن عطية " واختلف في الاسم الذي يقتضي مدحا خالصا ولا تتعلق به شبهة ولا اشتراك إلا أنه لم يرد منصوصا هل يطلق ويسمى الله به ، فنص
الباقلاني على جواز ذلك ونص
nindex.php?page=showalam&ids=13711أبو الحسن الأشعري على منع ذلك ، والفقهاء والجمهور على المنع ، والصواب : أن لا يسمى الله - تعالى - إلا باسم قد أطلقته الشريعة وأن يكون مدحا خالصا لا شبهة فيه ولا اشتراك أمر لا يحسنه ، إلا الأقل من أهل العلوم ، فإذا أبيح ذلك تسور عليه من يظن بنفسه ، الإحسان ، فأدخل في أسماء الله ما لا يجوز إجماعا " . واختلف في الأفعال التي في القرآن نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=15الله يستهزئ بهم nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=54ومكر الله ونحو ذلك هل يطلق منها اسم الفاعل ، فقالت فرقة : لا يطلق ذلك بوجه ، وجوزت فرقة أن يقال ذلك مقيدا بسببه نحو : الله ماكر بالذين يمكرون بالدين ، وأما إطلاق ذلك
[ ص: 189 ] دون تقييد فممنوع إجماعا .
والمراد من ترك الذين يلحدون في أسمائه الإمساك عن الاسترسال في محاجتهم لظهور أنهم غير قاصدين معرفة الحق ، أو ترك الإصغاء لكلامهم لئلا يفتنوا عامة المؤمنين بشبهاتهم ، أي اتركوهم ولا تلغبوا أنفسكم في مجادلتهم فإني سأجزيهم . وقد تقدم معنى ذر عند قوله - تعالى -
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=70وذر الذين اتخذوا دينهم لعبا ولهوا في سورة الأنعام .
والإلحاد الميل عن وسط الشيء إلى جانبه ، وإلى هذا المعنى ترجع مشتقاته كلها ، ولما كان وسط الشيء يشبه به الحق والصواب ، استتبع ذلك تشبيه العدول عن الحق إلى الباطل بالإلحاد ، فأطلق الإلحاد على الكفر والإفساد ، ويعدى حينئذ بفي لتنزيل المجرور بها منزلة المكان للإلحاد ، والأكثر أن يكون ذلك عن تعمد للإفساد ، ويقال : لحد وألحد والأشهر ألحد .
وقرأ من عدا
حمزة يلحدون - بضم الياء وكسر الحاء - من ألحد المهموز وقرأه
حمزة وحده : بفتح الياء والحاء ، من " لحد " المجرد .
وإضافة الأسماء إلى الله تؤذن بأن المقصود أسماؤه التي ورد في الشرع ما يقتضي تسميته بها .
nindex.php?page=treesubj&link=28718_28716ومعنى الإلحاد في أسماء الله جعلها مظهرا من مظاهر الكفر ، وذلك بإنكار تسميته - تعالى - بالأسماء الدالة على صفات ثابتة له وهو الأحق بكمال مدلولها ، فإنهم أنكروا الرحمن ، كما تقدم ، وجعلوا تسميته به في القرآن وسيلة للتشنيع ولمز النبيء - عليه الصلاة والسلام - بأنه عدد الآلهة ، ولا أعظم من هذا البهتان والجور في الجدال ، فحق بأن يسمى إلحادا لأنه عدول عن الحق بقصد المكابرة والحسد .
وهذا يناسب أن يكون حرف في من قوله في أسمائه مستعملا في معنى التعليل كقول النبيء - صلى الله عليه وسلم -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341830دخلت امرأة النار في هرة الحديث . وقول
nindex.php?page=showalam&ids=16674عمر بن أبي ربيعة :
وعصيت فيك أقاربي فتقطعت بيني وبينهم عرى أسبـابـي
[ ص: 190 ] وقد جوز المفسرون احتمالات أخرى في معنى الإلحاد في أسمائه : منها ثلاثة ذكرها الفخر وأنا لا أراها ملاقية لإضافة الأسماء إلى ضميره - تعالى - ، كما لا يخفى عن الناظر فيها .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180سيجزون ما كانوا يعملون تتنزل منزلة التعليل للأمر بترك الملحدين ، فلذلك فصلت ، أي لا تهتموا بإلحادهم ولا تحزنوا له ، لأن الله سيجزيهم بسوء صنيعهم ، وسمي إلحادهم عملا لأنه من أعمال قلوبهم وألسنتهم .
و ما موصولة عامة أي سيجزون بجميع ما يعملونه من الكفر ، ومن جملة ذلك إلحادهم في أسمائه .
والسين للاستقبال وهي تفيد تأكيدا .
وقيل
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180ما كانوا يعملون دون ما عملوا أو ما يعملون للدلالة على أن ذلك العمل سنة لهم ومتجدد منهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180nindex.php?page=treesubj&link=28978_28723_29447وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ
هَذَا خِطَابٌ لِلْمُسْلِمِينَ ، فَتَوَسَّطَهُ فِي خِلَالَ مَذَامِّ الْمُشْرِكِينَ لِمُنَاسَبَةِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28675_30539أَفْظَعَ أَحْوَالِ الْمَعْدُودِينَ لِجَهَنَّمَ هُوَ حَالُ إِشْرَاكِهِمْ بِاللَّهِ غَيْرَهُ ، لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِبْطَالًا لِأَخَصِّ الصِّفَاتِ بِمَعْنَى الْإِلَهِيَّةِ : وَهِيَ صِفَةُ الْوَحْدَانِيَّةِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا مِنَ الصِّفَاتِ نَحْوَ الْفَرْدِ ، الصَّمَدِ . وَيَنْضَوِي تَحْتَ الشِّرْكِ تَعْطِيلُ صِفَاتٍ كَثِيرَةٍ مِثْلَ الْبَاعِثِ ، الْحَسِيبِ وَالْمُعِيدِ ، وَنَشَأَ عَنْ عِنَادِ أَهْلِ الشِّرْكِ إِنْكَارُ صِفَةِ الرَّحْمَانِ .
فَعَقَّبَتِ الْآيَاتُ الَّتِي وَصَفَتْ ضَلَالَ إِشْرَاكِهِمْ بِتَنْبِيهِ الْمُسْلِمِينَ لِلْإِقْبَالِ عَلَى دُعَاءِ اللَّهِ بِأَسْمَائِهِ الدَّالَّةِ عَلَى عَظِيمِ صِفَاتِ الْإِلَهِيَّةِ ، وَالدَّوَامِ عَلَى ذَلِكَ وَأَنْ يُعْرِضُوا عَنْ شَغَبِ الْمُشْرِكِينَ وَجِدَالِهِمْ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - .
وَقَدْ كَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَتَوَرَّكُ بِهِ الْمُشْرِكُونَ عَلَى النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُسْلِمِينَ ، أَنْ أَنْكَرُوا اسْمَهُ - تَعَالَى - الرَّحْمَانَ ، وَهُوَ إِنْكَارٌ لَمْ يُقْدِمْهُمْ عَلَيْهِ جَهْلُهُمْ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْصُوفٌ بِمَا
[ ص: 186 ] يَدُلُّ عَلَيْهِ وَصْفُ رَحِمَانٍ مِنْ شِدَّةِ الرَّحْمَةِ ، وَإِنَّمَا أَقْدَمَهُمْ عَلَيْهِ مَا يُقَدِّمُ كُلَّ مُعَانِدٍ مِنْ تَطَلُّبِ التَّغْلِيظِ وَالتَّخْطِئَةِ لِلْمُخَالِفِ ، وَلَوْ فِيمَا يَعْرِفُ أَنَّهُ حَقٌّ ، وَذَكَرَ ابْنُ عَطِيَّةَ ، وَغَيْرُهُ أَنَّهُ
رُوِيَ فِي سَبَبِ نُزُولِ قَوْلِهِ - تَعَالَى - nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا أَنَّ أَبَا جَهْلٍ سَمِعَ بَعْضَ أَصْحَابِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقْرَأُ فَيَذْكُرُ اللَّهَ فِي قِرَاءَتِهِ وَمَرَّةً يَقْرَأُ فَيَذْكُرُ الرَّحْمَانَ فَقَالَ أَبُو جَهْلٍ : مُحَمَّدٌ يَزْعُمُ أَنَّ الْإِلَهَ وَاحِدٌ وَهُوَ إِنَّمَا يَعْبُدُ آلِهَةً كَثِيرَةً فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ .
فَعَطْفُ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى الَّتِي قَبْلَهَا عَطْفُ الْأَخْبَارِ عَنْ أَحْوَالِ الْمُشْرِكِينَ وَضَلَالِهِمْ ، وَالْغَرَضُ مِنْهَا قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ .
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ الْمُفِيدِ تَأْكِيدَ اسْتِحْقَاقِهِ إِيَّاهَا ، الْمُسْتَفَادِ مِنَ اللَّامِ ، وَالْمَعْنَى أَنَّ اتِّسَامَهُ بِهَا أَمْرٌ ثَابِتٌ ، وَذَلِكَ تَمْهِيدٌ لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ ، وَقَدِ الْتُزِمُ مِثْلُ هَذَا التَّقْدِيمِ فِي جَمِيعِ الْآيِ الَّتِي فِي هَذَا الْغَرَضِ مِثْلِ قَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْإِسْرَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=110فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَسُورَةِ طه
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=8لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَفِي سُورَةِ الْحَشْرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=24لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ، وَكُلُّ ذَلِكَ تَأْكِيدٌ لِلرَّدِّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الْأَسْمَاءِ الْوَارِدَةِ فِي الْقُرْآنِ أَوْ كَلَامِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَسْمَاءً لِلَّهِ - تَعَالَى - بِتَخْيِيلِهِمْ أَنَّ تَعَدُّدَ الِاسْمِ تَعَدُّدٌ لِلْمُسَمَّى تَمْوِيهًا عَلَى الدَّهْمَاءِ .
وَالْأَسْمَاءُ هِيَ الْأَلْفَاظُ الْمَجْعُولَةُ أَعْلَامًا عَلَى الذَّاتِ بِالتَّخْصِيصِ أَوْ بِالْغَلَبَةِ فَاسْمُ الْجَلَالَةِ وَهُوَ ( اللَّهُ ) عَلَمٌ عَلَى ذَاتِ الْإِلَهِ الْحَقِّ بِالتَّخْصِيصِ ، شَأْنُ الْإِعْلَامِ ، وَ ( الرَّحْمَانُ ) وَ ( الرَّحِيمُ ) اسْمَانِ لِلَّهِ بِالْغَلَبَةِ ، وَكَذَلِكَ كُلُّ لَفْظٍ مُفْرَدٍ دَلَّ عَلَى صِفَةٍ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ ، وَأُطْلِقَ إِطْلَاقَ الْإِعْلَامِ نَحْوَ الرَّبِّ ، وَالْخَالِقِ ، وَالْعَزِيزِ ، وَالْحَكِيمِ ، وَالْغَفُورِ ، وَلَا يَدْخُلُ فِي هَذَا مَا كَانَ مُرَكَّبًا إِضَافِيًّا نَحْوَ ذُو الْجَلَالِ ، وَرَبُّ الْعَرْشِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ بِالْأَوْصَافِ أَشْبَهُ ، وَإِنْ كَانَ دَالًّا عَلَى مَعْنًى لَا يَلِيقُ إِلَّا بِاللَّهِ نَحْوَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مَلِكِ يَوْمِ الدِّينِ " .
وَالْحُسْنَى مُؤَنَّثُ الْأَحْسَنِ ، وَهُوَ الْمُتَّصِفُ بِالْحُسْنِ الْكَامِلِ فِي ذَاتِهِ ، الْمَقْبُولِ لَدَى الْعُقُولِ السَّلِيمَةِ الْمُجَرَّدَةِ عَنِ الْهَوَى ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالْحُسْنِ الْمُلَائِمَةَ لِجَمِيعِ النَّاسِ لِأَنَّ الْمُلَائِمَةَ وَصْفٌ إِضَافِيٌّ نِسْبِيٌّ ، فَقَدْ يُلَائِمُ
زَيْدًا مَا لَا يُلَائِمُ
عَمْرًا ، فَلِذَلِكَ فَالْحُسْنُ صِفَةٌ ذَاتِيَّةٌ لِلشَّيْءِ الْحَسَنِ .
[ ص: 187 ] nindex.php?page=treesubj&link=29446وَوَصْفُ الْأَسْمَاءِ بِالْحُسْنَى : لِأَنَّهَا دَالَّةٌ عَلَى ثُبُوتِ صِفَاتِ كَمَالٍ حَقِيقِيٍّ ، أَمَّا بَعْضُهَا فَلِأَنَّ مَعَانِيَهَا الْكَامِلَةَ لَمْ تَثْبُتْ إِلَّا لِلَّهِ نَحْوَ الْحَيِّ ، وَالْعَزِيزِ ، وَالْحَكِيمِ ، وَالْغَنِيِّ ، وَأَمَّا الْبَعْضُ الْآخَرُ فَلِأَنَّ مَعَانِيَهَا مُطْلَقًا لَا يَحْسُنُ الِاتِّصَافُ بِهَا إِلَّا فِي جَانِبٍ اللَّهِ نَحْوَ الْمُتَكَبِّرِ ، وَالْجَبَّارِ ، لِأَنَّ مَعَانِي هَذِهِ الصِّفَاتِ وَأَشْبَاهِهَا كَانَتْ نَقْصًا فِي الْمَخْلُوقِ مِنْ حَيْثُ أَنَّ الْمُتَّسِمَ بِهَا لَمْ يَكُنْ مُسْتَحِقًّا لَهَا لِعَجْزِهِ أَوْ لِحَاجَتِهِ ، بِخِلَافِ الْإِلَهِ لِأَنَّهُ الْغَنِيُّ الْمُطْلَقُ ، فَكَانَ اتِّصَافُ الْمَخْلُوقِ بِهَا مَنْشَأَ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ ، وَكَانَ اتِّصَافُ الْخَالِقِ بِهَا مَنْشَأَ صَلَاحٍ ، لِأَنَّهَا مَصْدَرُ الْعَدَالَةِ وَالْجَزَاءِ الْقِسْطِ .
وَالتَّفْرِيعُ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180فَادْعُوهُ بِهَا تَفْرِيعٌ عَنْ كَوْنِهَا أَسْمَاءً لَهُ ، وَعَنْ كَوْنِهَا حُسْنَى ، أَيْ فَلَا حَرَجَ فِي دُعَائِهِ بِهَا لِأَنَّهَا أَسْمَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ لِمُسَمًّى وَاحِدٍ ، لَا كَمَا يَزْعُمُ الْمُشْرِكُونَ ، وَلِأَنَّهَا حُسْنَى فَلَا ضَيْرَ فِي دُعَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِهَا . وَذَلِكَ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ اللَّهَ يُدْعَى بِكُلِّ مَا دَلَّ عَلَى صِفَاتِهِ وَعَلَى أَفْعَالِهِ .
وَقَدْ دَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ كُلَّ مَا دَلَّ عَلَى صِفَةٍ لِلَّهِ - تَعَالَى - وَشَأْنٍ مِنْ شُئُونِهِ عَلَى وَجْهِ التَّقْرِيبِ لِلْأَفْهَامِ بِحَسَبِ الْمُعْتَادِ يَسُوغُ أَنْ يُطْلَقَ مِنْهُ اسْمٌ لِلَّهِ - تَعَالَى - مَا لَمْ يَكُنْ مَجِيئُهُ عَلَى وَجْهِ الْمَجَازِ نَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=15اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ أَوْ يُوهِمُ مَعْنَى نَقْصٍ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ نَحْوَ الْمَاكِرِ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=54وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ .
nindex.php?page=treesubj&link=29447وَلَيْسَتْ أَسْمَاءُ اللَّهِ الْحُسْنَى مُنْحَصِرَةً فِي التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ الْوَارِدَةِ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الْأَعْرَجِ ، وَعَنْ
أَبِي رَافِعٍ ، وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17257هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ : أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341826إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ لِأَنَّ الْحَدِيثَ الصَّحِيحَ لَيْسَ فِيهِ مَا يَقْتَضِي حَصْرَ الْأَسْمَاءَ فِي ذَلِكَ الْعَدَدِ ، وَلَكِنَّ تِلْكَ الْأَسْمَاءَ ذَاتَ الْعَدَدِ لَهَا تِلْكَ الْمَزِيَّةُ ، وَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - دَعَا فَقَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341827يَا حَنَّانُ يَا مَنَّانُ وَلَمْ يَقَعْ هَذَانِ الِاسْمَانِ فِيمَا رُوِيَ مِنَ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ ، وَلَيْسَ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْوِيِّ بِأَسَانِيدَ صَحِيحَةٍ مَشْهُورَةٍ تَعْيِينُ الْأَسْمَاءِ التِّسْعَةِ وَالتِّسْعِينَ ، وَوَقَعَ فِي جَامِعِ
التِّرْمِذِيِّ مِنْ رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=16108شُعَيْبِ بْنِ أَبِي حَمْزَةَ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13723الْأَعْرَجِ ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ بَعْدَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341828دَخَلَ الْجَنَّةَ nindex.php?page=hadith&LINKID=10341829هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الرَّحْمَانُ الرَّحِيمُ إِلَى آخِرِهَا ، فَعَيَّنَ صِفَاتٍ لِلَّهِ - تَعَالَى - تِسْعًا وَتِسْعِينَ وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ بَيْنَ الَّذِينَ تَصَدَّوْا لِبَيَانِهَا ، قَالَ
التِّرْمِذِيُّ هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ حَدَّثَنَا بِهِ غَيْرُ وَاحِدٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16229صَفْوَانَ بْنِ صَالِحٍ وَهُوَ ثِقَةٌ
[ ص: 188 ] عِنْدَ أَهْلِ الْحَدِيثِ وَلَا نَعْلَمُ فِي شَيْءٍ مِنَ الرِّوَايَاتِ لَهَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ ذِكْرَ الْأَسْمَاءِ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ .
وَتَعْيِينُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ لَا يَقْتَضِي أَكْثَرَ مِنْ أَنَّ مَزِيَّتَهَا أَنَّ مَنْ أَحْصَاهَا وَحَفِظَهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ ، فَلَا يَمْنَعُ أَنْ تُعَدَّ لِلَّهِ أَسْمَاءً أُخْرَى . وَقَدْ عَدَّ
ابْنُ بُرْجَانَ الْأَشْبِيلِيُّ فِي كِتَابِهِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ الْحُسْنَى مِائَةً وَاثْنَيْنِ وَثَلَاثِينَ اسْمًا مُسْتَخْرَجَةً مِنَ الْقُرْآنِ وَالْأَحَادِيثِ الْمَقْبُولَةِ . وَذَكَرَ
الْقُرْطُبِيُّ : أَنَّ لَهُ كِتَابًا سَمَّاهُ " الْأَسْنَى فِي شَرْحِ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى " ذَكَرَ فِيهِ مِنَ الْأَسْمَاءِ مَا يُنِيفُ عَلَى مِائَتَيِ اسْمٍ ، وَذَكَرَ أَيْضًا أَنَّ
أَبَا بَكْرِ بْنَ الْعَرَبِيِّ ذَكَرَ عِدَّةً مِنْ أَسْمَائِهِ - تَعَالَى - مِثْلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=61&ayano=8مُتِمُّ نُورِهِ ) ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=89خَيْرُ الْوَارِثِينَ ) ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=54خَيْرُ الْمَاكِرِينَ ) ، وَرَابِعِ ثَلَاثَةٍ ، وَسَادِسِ خَمْسَةٍ ، وَالطَّيِّبِ ، وَالْمُعَلِّمِ إِلَخْ .
وَلَا تَخْفَى سَمَاجَةُ عَدِّ نَحْوِ رَابِعِ ثَلَاثَةٍ ، وَسَادِسِ خَمْسَةٍ فَإِنَّهَا وَرَدَتْ فِي الْقُرْآنِ فِي سِيَاقِ الْمَجَازِ الْوَاضِحِ ، وَلَا مَنَاصَ مِنْ تَحْكِيمِ الذَّوْقِ السَّلِيمِ ، وَلَيْسَ مُجَرَّدَ الْوُقُوفِ عِنْدَ صُورَةٍ ظَاهِرَةٍ مِنَ اللَّفْظِ ، وَذَكَرَ
ابْنُ كَثِيرٍ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ كِتَابِ الْأَحْوَذِيِّ فِي شَرْحِ
التِّرْمِذِيِّ لَعَلَّهُ يَعْنِي عَارِضَةَ الْأَحْوَذِيِّ " أَنَّ بَعْضَهُمْ جَمَعَ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ - تَعَالَى - أَلْفَ اسْمٍ " وَلَمْ أَجِدْهُ فِي نُسَخٍ عَارِضَةِ الْأَحْوَذِيِّ
لِابْنِ الْعَرَبِيِّ ، وَلَا ذَكَرَهُ
الْقُرْطُبِيُّ وَهُوَ مِنْ خَاصَّةٍ تَلَامِيذِ
ابْنِ الْعَرَبِيِّ ، وَالْمَوْجُودُ فِي كِتَابِ أَحْكَامِ الْقُرْآنِ لَهُ أَنَّهُ حَضَرَهُ مِنْهَا مِائَةٌ وَسِتَّةٌ وَأَرْبَعُونَ اسْمًا وَسَاقَهَا فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ ، وَسَقَطَ وَاحِدٌ مِنْهَا فِي الْمَطْبُوعَةِ ، وَذَكَرَ أَنَّهُ أَبْلَغَهَا فِي كِتَابِهِ الْأَمَدِ أَيْ - " الْأَمَدِ الْأَقْصَى " - فِي شَرْحِ الْأَسْمَاءِ إِلَى مِائَةٍ وَسِتَّةٍ وَسَبْعِينَ اسْمًا ، قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ " وَاخْتُلِفَ فِي الِاسْمِ الَّذِي يَقْتَضِي مَدْحًا خَالِصًا وَلَا تَتَعَلَّقُ بِهِ شُبْهَةٌ وَلَا اشْتِرَاكٌ إِلَّا أَنَّهُ لَمْ يَرِدْ مَنْصُوصًا هَلْ يُطْلَقُ وَيُسَمَّى اللَّهُ بِهِ ، فَنَصَّ
الْبَاقِلَّانِيُّ عَلَى جَوَازِ ذَلِكَ وَنَصَّ
nindex.php?page=showalam&ids=13711أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ عَلَى مَنْعِ ذَلِكَ ، وَالْفُقَهَاءُ وَالْجُمْهُورُ عَلَى الْمَنْعِ ، وَالصَّوَابُ : أَنْ لَا يُسَمَّى اللَّهُ - تَعَالَى - إِلَّا بِاسْمٍ قَدْ أَطْلَقَتْهُ الشَّرِيعَةُ وَأَنْ يَكُونَ مَدْحًا خَالِصًا لَا شُبْهَةَ فِيهِ وَلَا اشْتِرَاكَ أَمْرٌ لَا يُحْسِنُهُ ، إِلَّا الْأَقَلُّ مِنْ أَهْلِ الْعُلُومِ ، فَإِذَا أُبِيحَ ذَلِكَ تَسَوَّرَ عَلَيْهِ مَنْ يَظُنُّ بِنَفْسِهِ ، الْإِحْسَانَ ، فَأَدْخَلَ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ مَا لَا يَجُوزُ إِجْمَاعًا " . وَاخْتُلِفَ فِي الْأَفْعَالِ الَّتِي فِي الْقُرْآنِ نَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=15اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=54وَمَكَرَ اللَّهُ وَنَحْوَ ذَلِكَ هَلْ يُطْلَقُ مِنْهَا اسْمُ الْفَاعِلِ ، فَقَالَتْ فِرْقَةٌ : لَا يُطْلَقُ ذَلِكَ بِوَجْهٍ ، وَجَوَّزَتْ فِرْقَةٌ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ مُقَيَّدًا بِسَبَبِهِ نَحْوَ : اللَّهُ مَاكِرٌ بِالَّذِينَ يَمْكُرُونَ بِالدِّينِ ، وَأَمَّا إِطْلَاقُ ذَلِكَ
[ ص: 189 ] دُونَ تَقْيِيدٍ فَمَمْنُوعٌ إِجْمَاعًا .
وَالْمُرَادُ مِنْ تَرْكِ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ الْإِمْسَاكُ عَنِ الِاسْتِرْسَالِ فِي مُحَاجَّتِهِمْ لِظُهُورِ أَنَّهُمْ غَيْرُ قَاصِدِينَ مَعْرِفَةَ الْحَقِّ ، أَوْ تَرْكُ الْإِصْغَاءِ لِكَلَامِهِمْ لِئَلَّا يَفْتِنُوا عَامَّةَ الْمُؤْمِنِينَ بِشُبُهَاتِهِمْ ، أَيِ اتْرُكُوهُمْ وَلَا تُلْغِبُوا أَنْفُسَكُمْ فِي مُجَادَلَتِهِمْ فَإِنِّي سَأَجْزِيهِمْ . وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنًى ذَرْ عِنْدَ قَوْلِهِ - تَعَالَى -
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=70وَذَرِ الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَعِبًا وَلَهْوًا فِي سُورَةِ الْأَنْعَامِ .
وَالْإِلْحَادُ الْمَيْلُ عَنْ وَسَطِ الشَّيْءِ إِلَى جَانِبِهِ ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى تَرْجِعُ مُشْتَقَّاتُهُ كُلُّهَا ، وَلَمَّا كَانَ وَسَطُ الشَّيْءِ يُشَبَّهُ بِهِ الْحَقُّ وَالصَّوَابُ ، اسْتَتْبَعَ ذَلِكَ تَشْبِيهَ الْعُدُولِ عَنِ الْحَقِّ إِلَى الْبَاطِلِ بِالْإِلْحَادِ ، فَأُطْلِقَ الْإِلْحَادُ عَلَى الْكُفْرِ وَالْإِفْسَادِ ، وَيُعَدَّى حِينَئِذٍ بِفِي لِتَنْزِيلِ الْمَجْرُورِ بِهَا مَنْزِلَةَ الْمَكَانِ لِلْإِلْحَادِ ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَنْ تَعَمُّدٍ لِلْإِفْسَادِ ، وَيُقَالُ : لَحَدَ وَأَلْحَدَ وَالْأَشْهُرُ أَلْحَدَ .
وَقَرَأَ مَنْ عَدَا
حَمْزَةَ يُلْحِدُونَ - بِضَمِّ الْيَاءِ وَكَسْرِ الْحَاءِ - مِنْ أَلْحَدَ الْمَهْمُوزِ وَقَرَأَهُ
حَمْزَةُ وَحْدَهُ : بِفَتْحِ الْيَاءِ وَالْحَاءِ ، مِنْ " لَحَدَ " الْمُجَرَّدِ .
وَإِضَافَةُ الْأَسْمَاءِ إِلَى اللَّهِ تُؤْذِنُ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ أَسْمَاؤُهُ الَّتِي وَرَدَ فِي الشَّرْعِ مَا يَقْتَضِي تَسْمِيَتُهُ بِهَا .
nindex.php?page=treesubj&link=28718_28716وَمَعْنَى الْإِلْحَادِ فِي أَسْمَاءِ اللَّهِ جَعْلُهَا مَظْهَرًا مِنْ مَظَاهِرِ الْكُفْرِ ، وَذَلِكَ بِإِنْكَارِ تَسْمِيَتِهِ - تَعَالَى - بِالْأَسْمَاءِ الدَّالَّةِ عَلَى صِفَاتٍ ثَابِتَةٍ لَهُ وَهُوَ الْأَحَقُّ بِكَمَالِ مَدْلُولِهَا ، فَإِنَّهُمْ أَنْكَرُوا الرَّحْمَنَ ، كَمَا تَقَدَّمَ ، وَجَعَلُوا تَسْمِيَتَهُ بِهِ فِي الْقُرْآنِ وَسِيلَةً لِلتَّشْنِيعِ وَلَمْزِ النَّبِيءِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - بِأَنَّهُ عَدَّدَ الْآلِهَةَ ، وَلَا أَعْظَمَ مِنْ هَذَا الْبُهْتَانِ وَالْجَوْرِ فِي الْجِدَالِ ، فَحُقَّ بِأَنْ يُسَمَّى إِلْحَادًا لِأَنَّهُ عُدُولٌ عَنِ الْحَقِّ بِقَصْدِ الْمُكَابَرَةِ وَالْحَسَدِ .
وَهَذَا يُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ حَرْفُ فِي مِنْ قَوْلِهِ فِي أَسْمَائِهِ مُسْتَعْمَلًا فِي مَعْنَى التَّعْلِيلِ كَقَوْلِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341830دَخَلَتِ امْرَأَةٌ النَّارَ فِي هِرَّةٍ الْحَدِيثَ . وَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=16674عُمَرَ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ :
وَعَصَيْتُ فِيكِ أَقَارِبِي فَتَقَطَّعَتْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمُ عُرَى أَسْبَـابِـي
[ ص: 190 ] وَقَدْ جَوَّزَ الْمُفَسِّرُونَ احْتِمَالَاتٍ أُخْرَى فِي مَعْنَى الْإِلْحَادِ فِي أَسْمَائِهِ : مِنْهَا ثَلَاثَةٌ ذَكَرَهَا الْفَخْرُ وَأَنَا لَا أَرَاهَا مُلَاقِيَةً لِإِضَافَةِ الْأَسْمَاءِ إِلَى ضَمِيرِهِ - تَعَالَى - ، كَمَا لَا يَخْفَى عَنِ النَّاظِرِ فِيهَا .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ تَتَنَزَّلُ مَنْزِلَةَ التَّعْلِيلِ لِلْأَمْرِ بِتَرْكِ الْمُلْحِدِينَ ، فَلِذَلِكَ فُصِلَتْ ، أَيْ لَا تَهْتَمُّوا بِإِلْحَادِهِمْ وَلَا تَحْزَنُوا لَهُ ، لِأَنَّ اللَّهَ سَيَجْزِيهِمْ بِسُوءِ صَنِيعِهِمْ ، وَسُمِّيَ إِلْحَادُهُمْ عَمَلًا لِأَنَّهُ مِنْ أَعْمَالِ قُلُوبِهِمْ وَأَلْسِنَتِهِمْ .
وَ مَا مَوْصُولَةٌ عَامَّةٌ أَيْ سَيُجْزَوْنَ بِجَمِيعِ مَا يَعْمَلُونَهُ مِنَ الْكُفْرِ ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ إِلْحَادُهُمْ فِي أَسْمَائِهِ .
وَالسِّينُ لِلِاسْتِقْبَالِ وَهِيَ تُفِيدُ تَأْكِيدًا .
وَقِيلَ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=180مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ دُونَ مَا عَمِلُوا أَوْ مَا يَعْمَلُونَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْعَمَلَ سُنَّةٌ لَهُمْ وَمُتَجَدِّدٌ مِنْهُمْ .