nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=28990_31976_33177قال رب إني وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا
جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4قال رب إني وهن العظم مني مبينة لجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=3نادى ربه . وهي وما بعدها تمهيد للمقصود من الدعاء وهو قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5فهب لي من لدنك وليا . وإنما كان ذلك تمهيدا لما يتضمنه من اضطراره لسؤال الولد .
nindex.php?page=treesubj&link=32083والله يجيب المضطر إذا دعاه . فليس سؤاله الولد سؤال توسع لمجرد تمتع أو فخر .
ووصف من حاله ما تشتد معه الحاجة إلى الولد حالا ومآلا . فكان وهن العظم وعموم الشيب حالا مقتضيا للاستعانة بالولد مع ما يقتضيه من اقتراب إبان الموت عادة . فذلك مقصود لنفسه ووسيلة
[ ص: 64 ] لغيره وهو الميراث بعد الموت . والخبران من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4وهن العظم مني واشتعل الرأس شيبا مستعملان مجازا في لازم الإخبار . وهو الاسترحام لحاله . لأن المخبر بفتح الباء عالم بما تضمنه الخبران .
والوهن : الضعف . وإسناده إلى العظم دون غيره مما شمله الوهن في جسده لأنه أوجز في الدلالة على عموم الوهن جميع بدنه لأن العظم هو قوام البدن وهو أصلب شيء فيه فلا يبلغه الوهن إلا وقد بلغ ما فوقه .
والتعريف في العظم تعريف الجنس دال على عموم العظام منه . وشبه عموم الشيب شعر رأسه أو غلبته عليه باشتعال النار في الفحم بجامع انتشار شيء لامع في جسم أسود . تشبيها مركبا تمثيليا قابلا لاعتبار التفريق في التشبيه . وهو أبدع أنواع المركب . فشبه الشعر الأسود بفحم والشعر الأبيض بنار على طريق التمثيلية المكنية ورمز إلى الأمرين بفعل اشتعل . وأسند الاشتعال إلى الرأس . وهو مكان الشعر الذي عمه الشيب . لأن الرأس لا يعمه الشيب إلا بعد أن يعم اللحية غالبا . فعموم الشيب في الرأس أمارة التوغل في كبر السن .
nindex.php?page=treesubj&link=28915_28914وإسناد الاشتعال إلى الرأس مجاز عقلي ، لأن الاشتعال من صفات النار المشبه بها الشيب فكان الظاهر إسناده إلى الشيب . فلما جيء باسم الشيب تمييزا لنسبة الاشتعال حصل بذلك خصوصية المجاز وغرابته ، وخصوصية التفضيل بعد الاحتمال . مع إفادة تنكير شيبا من التعظيم فحصل إيجاز بديع . وأصل النظم المعتاد : واشتعل الشيب في شعر الرأس .
ولما في هذه الجملة من الخصوصيات من مبني المعاني والبيان كان لها أعظم وقع عند أهل البلاغة نبه عليه صاحب الكشاف ووضحه صاحب المفتاح فانظرهما .
[ ص: 65 ] وقد اقتبس معناها
nindex.php?page=showalam&ids=13147أبو بكر بن دريد في قوله :
واشتعل المبيض في مسوده مثل اشتعال النار في جزل الغضا
ولكنه خليق بأن يكون مضرب قولهم في المثل : ماء ولا كصدى .
والشيب : بياض الشعر . ويعرض للشعر البياض بسبب نقصان المادة التي تعطي اللون الأصلي للشعر ، ونقصانها بسبب كبر السن غالبا ، فلذلك كان الشيب علامة على الكبر ، وقد يبيض الشعر من مرض .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4ولم أكن بدعائك رب شقيا معترضة بين الجمل التمهيدية . والباء في قوله بدعائك للمصاحبة .
والشقي : الذي أصابته الشقوة ، وهي ضد السعادة ، أي هي الحرمان من المأمول وضلال السعي . وأطلق نفي الشقاوة والمراد حصول ضدها وهو السعادة على طريق الكناية إذ لا واسطة بينهما عرفا .
ومثل هذا التركيب جرى في كلامهم مجرى المثل في حصول السعادة من شيء . ونظيره قوله تعالى في هذه السورة في قصة
إبراهيم nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48عسى أن لا أكون بدعاء ربي شقيا أي عسى أن أكون سعيدا ، أي مستجاب الدعوة . وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبيء - صلى الله عليه وسلم - فيما يرويه عن ربه في شأن
nindex.php?page=treesubj&link=24582الذين يذكرون الله ومن جالسهم nindex.php?page=hadith&LINKID=10342113هم الجلساء لا يشقى بهم جليسهم أي يسعد معهم . وقال بعض الشعراء ، لم نعرف اسمه وهو إسلامي :
وكنت جليس قعقاع بن شور ولا يشقى بقعقاع جليس
أي يسعد به جليسه .
[ ص: 66 ] والمعنى : لم أكن فيما دعوتك من قبل مردود منك ، أي أنه قد عهد من الله الاستجابة كلما دعاه .
وهذا تمهيد للإجابة من طريق غير طريق التمهيد الذي في الجمل المصاحبة له بل طريق الحث على استمرار جميل صنع الله معه ، وتوسل إليه بما سلف له معه من الاستجابة .
روي أن محتاجا سأل
حاتما الطائي أو
nindex.php?page=showalam&ids=17125معن بن زائدة قائلا : أنا الذي أحسنت إلي يوم كذا فقال : مرحبا بمن توسل بنا إلينا .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وإني خفت الموالي من ورائي عطف على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4واشتعل الرأس شيبا ، أي قاربت الوفاة وخفت الموالي من بعدي .
وما روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
ومجاهد ،
وقتادة ،
وأبي صالح عن النبيء - صلى الله عليه وسلم - مرسلا أنه قال :
يرحم الله زكرياء ما كان عليه من وراثة ماله فلعله خشي سوء معرفتهم بما يخلفه من الآثار الدينية والعلمية . وتلك أعلاق يعز على المؤمن تلاشيها ، ولذلك قال
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يرثني ويرث من آل يعقوب فإن نفوس الأنبياء لا تطمح إلا لمعالي الأمور ومصالح الدين وما سوى ذلك فهو تبع .
فقوله يرثني يعني به وراثة ماله . ويؤيده ما أخرجه
عبد الرزاق عن
قتادة عن
الحسن أن النبيء - صلى الله عليه وسلم - قال :
يرحم الله زكرياء ما كان عليه من وراثة ماله .
والظواهر تؤذن بأن الأنبياء كانوا يورثون ، قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16وورث سليمان داود . وأما قول النبيء - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342115نحن معشر الأنبياء لا نورث ما تركنا صدقة فإنما يريد به رسول الله نفسه ، كما حمله عليه
عمر في حديثه مع
العباس وعلي في صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري إذ قال
عمر : يريد رسول الله بذلك نفسه . فيكون ذلك
[ ص: 67 ] من خصوصيات
محمد - صلى الله عليه وسلم - فإن كان ذلك حكما سابقا كان مراد
زكرياء إرث آثار النبوءة خاصة من الكتب المقدسة وتقاييده عليها .
والموالي : العصبة وأقرب القرابة ، جمع مولى بمعنى الولي .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5من ورائي من بعدي ، فإن الوراء يطلق ويراد به ما بعد الشيء . كما قال
النابغة :
وليس وراء الله للمرء مطلب
أي بعد الله . فمعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5من ورائي من بعد حياتي .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5من ورائي في موضع الصفة لـ الموالي أو الحال .
nindex.php?page=treesubj&link=31976وامرأة زكرياء اسمها أليصابات من نسل
هارون أخي
موسى فهي من سبط
لاوي .
والعاقر : الأنثى التي لا تلد ، فهو وصف خاص بالمرأة .
ولذلك جرد من علامة التأنيث إذ لا لبس . ومصدره : العقر بفتح العين وضمها مع سكون القاف . وأتى بفعل كان للدلالة على أن العقر متمكن منها وثابت لها فلذلك حرم من الولد منها .
ومعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5من لدنك أنه من عند الله عندية خاصة ، لأن المتكلم يعلم أن كل شيء من عند الله بتقديره وخلقه الأسباب ومسبباتها تبعا لخلقها ، فلما قال من عندك دل على أنه سأل وليا غير جار أمره على المعتاد من إيجاد الأولاد لانعدام الأسباب المعتادة ، فتكون هبته كرامة له .
ويتعلق لي و
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5من لدنك بفعل هب . وإنما قدم لي على
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5من لدنك لأنه الأهم من غرض الداعي ، وهو غرض خاص يقدم على الغرض العام .
[ ص: 68 ] و يرثني قرأه الجمهور بالرفع على الصفة لـ وليا .
وقرأه
أبو عمرو ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي بالجزم على أنه جواب الدعاء في قوله هب لي لإرادة التسبب لأن أصل الأجوبة الثمانية أنها على تقدير فاء السبب .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6آل يعقوب يجوز أن يراد بهم خاصة
بني إسرائيل كما يقتضيه لفظ ( آل ) المشعر بالفضيلة والشرف ،
nindex.php?page=treesubj&link=31891فيكون يعقوب هو إسرائيل ، كأنه قال : ويرث من
آل إسرائيل ، أي حملة الشريعة وأحبار اليهودية كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=54فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة . وإنما يذكر آل الرجل في مثل هذا السياق إذا كانوا على سنته ، ومن هذا القبيل قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=68إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوه ، وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذرية من حملنا مع نوح . مع أن الناس كلهم ذرية من حملوا معه .
ويجوز أن يراد يعقوب آخر غير
إسرائيل . وهو
يعقوب بن ماثان ، قاله :
معقل والكلبي . وهو عم
مريم أخو
عمران أبيها .
وقيل : هو أخو
زكرياء ، أي ليس له أولاد فيكون ابن زكرياء وارثا
ليعقوب لأنه ابن أخيه ،
فيعقوب على هذه هو من جملة الموالي الذين خافهم
زكرياء من ورائه .
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=28990_31976_33177قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِيَ وَكَانَتِ امْرَأَتِي عَاقِرًا فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا
جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي مُبَيِّنَةٌ لِجُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=3نَادَى رَبَّهُ . وَهِيَ وَمَا بَعْدَهَا تَمْهِيدٌ لِلْمَقْصُودِ مِنَ الدُّعَاءِ وَهُوَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا . وَإِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ تَمْهِيدًا لِمَا يَتَضَمَّنُهُ مِنِ اضْطِرَارِهِ لِسُؤَالِ الْوَلَدِ .
nindex.php?page=treesubj&link=32083وَاللَّهُ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ . فَلَيْسَ سُؤَالُهُ الْوَلَدَ سُؤَالَ تَوَسُّعٍ لِمُجَرَّدِ تَمَتُّعٍ أَوْ فَخْرٍ .
وَوَصَفَ مِنْ حَالِهِ مَا تَشْتَدُّ مَعَهُ الْحَاجَةُ إِلَى الْوَلَدِ حَالًا وَمَآلًا . فَكَانَ وَهَنُ الْعَظْمِ وَعُمُومُ الشَّيْبِ حَالًا مُقْتَضِيًا لِلِاسْتِعَانَةِ بِالْوَلَدِ مَعَ مَا يَقْتَضِيهِ مِنِ اقْتِرَابٍ إِبَّانَ الْمَوْتِ عَادَةً . فَذَلِكَ مَقْصُودٌ لِنَفْسِهِ وَوَسِيلَةٌ
[ ص: 64 ] لِغَيْرِهِ وَهُوَ الْمِيرَاثُ بَعْدَ الْمَوْتِ . وَالْخَبَرَانِ مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا مُسْتَعْمَلَانِ مَجَازًا فِي لَازِمِ الْإِخْبَارِ . وَهُوَ الِاسْتِرْحَامُ لِحَالِهِ . لِأَنَّ الْمُخْبَرَ بِفَتْحِ الْبَاءِ عَالِمٌ بِمَا تَضَمَّنَهُ الْخَبَرَانِ .
وَالْوَهْنُ : الضَّعْفُ . وَإِسْنَادُهُ إِلَى الْعَظْمِ دُونَ غَيْرِهِ مِمَّا شَمِلَهُ الْوَهْنُ فِي جَسَدِهِ لِأَنَّهُ أَوْجَزُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى عُمُومِ الْوَهْنِ جَمِيعَ بَدَنِهِ لِأَنَّ الْعَظْمَ هُوَ قِوَامُ الْبَدَنِ وَهُوَ أَصْلَبُ شَيْءٍ فِيهِ فَلَا يَبْلَغُهُ الْوَهْنُ إِلَّا وَقَدْ بَلَغَ مَا فَوْقَهُ .
وَالتَّعْرِيفُ فِي الْعَظْمُ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ دَالٌّ عَلَى عُمُومِ الْعِظَامِ مِنْهُ . وَشُبِّهَ عُمُومُ الشَّيْبِ شَعْرَ رَأْسِهِ أَوْ غَلَبَتُهُ عَلَيْهِ بِاشْتِعَالِ النَّارِ فِي الْفَحْمِ بِجَامِعِ انْتِشَارِ شَيْءٍ لَامِعٍ فِي جِسْمٍ أَسْوَدَ . تَشْبِيهًا مُرَكَّبًا تَمْثِيلِيًّا قَابِلًا لِاعْتِبَارِ التَّفْرِيقِ فِي التَّشْبِيهِ . وَهُوَ أَبْدَعُ أَنْوَاعِ الْمُرَكَّبِ . فَشُبِّهَ الشَّعْرُ الْأَسْوَدُ بِفَحْمٍ وَالشَّعْرُ الْأَبْيَضُ بِنَارٍ عَلَى طَرِيقِ التَّمْثِيلِيَّةِ الْمَكْنِيَّةِ وَرُمِزَ إِلَى الْأَمْرَيْنِ بِفِعْلِ اشْتَعَلَ . وَأُسْنِدَ الِاشْتِعَالُ إِلَى الرَّأْسِ . وَهُوَ مَكَانُ الشَّعْرِ الَّذِي عَمَّهَ الشَّيْبُ . لِأَنَّ الرَّأْسَ لَا يَعُمُّهُ الشَّيْبُ إِلَّا بَعْدَ أَنْ يَعُمَّ اللِّحْيَةَ غَالِبًا . فَعُمُومُ الشَّيْبِ فِي الرَّأْسِ أَمَارَةُ التَّوَغُّلِ فِي كِبَرِ السِّنِّ .
nindex.php?page=treesubj&link=28915_28914وَإِسْنَادُ الِاشْتِعَالِ إِلَى الرَّأْسِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ ، لِأَنَّ الِاشْتِعَالَ مِنْ صِفَاتِ النَّارِ الْمُشَبَّهِ بِهَا الشَّيْبُ فَكَانَ الظَّاهِرُ إِسْنَادَهُ إِلَى الشَّيْبِ . فَلَمَّا جِيءَ بِاسْمِ الشَّيْبِ تَمْيِيزًا لِنِسْبَةِ الِاشْتِعَالِ حَصَلَ بِذَلِكَ خُصُوصِيَّةُ الْمَجَازِ وَغَرَابَتُهُ ، وَخُصُوصِيَّةُ التَّفْضِيلِ بَعْدَ الِاحْتِمَالِ . مَعَ إِفَادَةِ تَنْكِيرِ شَيْبًا مِنَ التَّعْظِيمِ فَحَصَلَ إِيجَازٌ بَدِيعٌ . وَأَصْلُ النَّظْمِ الْمُعْتَادِ : وَاشْتَعَلَ الشَّيْبُ فِي شَعْرِ الرَّأْسِ .
وَلِمَا فِي هَذِهِ الْجُمْلَةِ مِنَ الْخُصُوصِيَّاتِ مِنْ مَبْنِيِّ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ كَانَ لَهَا أَعْظَمُ وَقْعٍ عِنْدَ أَهْلِ الْبَلَاغَةِ نَبَّهَ عَلَيْهِ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَوَضَّحَهُ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ فَانْظُرْهُمَا .
[ ص: 65 ] وَقَدِ اقْتَبَسَ مَعْنَاهَا
nindex.php?page=showalam&ids=13147أَبُو بَكْرِ بْنُ دُرَيْدٍ فِي قَوْلِهِ :
وَاشْتَعَلَ الْمُبْيَضُّ فِي مُسَوَّدِهِ مِثْلَ اشْتِعَالِ النَّارِ فِي جَزْلِ الْغَضَا
وَلَكِنَّهُ خَلِيقٌ بِأَنْ يَكُونَ مَضْرِبَ قَوْلِهِمْ فِي الْمَثَلِ : مَاءٌ وَلَا كَصَدَّى .
وَالشَّيْبُ : بَيَاضُ الشَّعْرِ . وَيَعْرِضُ لِلشَّعْرِ الْبَيَاضُ بِسَبَبِ نُقْصَانِ الْمَادَّةِ الَّتِي تُعْطِي اللَّوْنَ الْأَصْلِيَّ لِلشَّعْرِ ، وَنُقْصَانُهَا بِسَبَبِ كِبَرِ السِّنِّ غَالِبًا ، فَلِذَلِكَ كَانَ الشَّيْبُ عَلَامَةً عَلَى الْكِبَرِ ، وَقَدْ يَبْيَضُّ الشَّعْرُ مِنْ مَرَضٍ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4وَلَمْ أَكُنْ بِدُعَائِكَ رَبِّ شَقِيًّا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ الْجُمَلِ التَّمْهِيدِيَّةِ . وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِدُعَائِكَ لِلْمُصَاحَبَةِ .
وَالشَّقِيُّ : الَّذِي أَصَابَتْهُ الشِّقْوَةُ ، وَهِيَ ضِدُّ السَّعَادَةِ ، أَيْ هِيَ الْحِرْمَانُ مِنَ الْمَأْمُولِ وَضَلَالُ السَّعْيِ . وَأُطْلِقَ نَفْيُ الشَّقَاوَةِ وَالْمُرَادُ حُصُولِ ضِدِّهَا وَهُوَ السَّعَادَةُ عَلَى طَرِيقِ الْكِنَايَةِ إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَهُمَا عُرْفًا .
وَمِثْلُ هَذَا التَّرْكِيبِ جَرَى فِي كَلَامِهِمْ مَجْرَى الْمَثَلِ فِي حُصُولِ السَّعَادَةِ مِنْ شَيْءٍ . وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ السُّورَةِ فِي قِصَّةِ
إِبْرَاهِيمَ nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=48عَسَى أَنْ لَا أَكُونَ بِدُعَاءِ رَبِّي شَقِيًّا أَيْ عَسَى أَنْ أَكُونَ سَعِيدًا ، أَيْ مُسْتَجَابَ الدَّعْوَةِ . وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِيمَا يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّهِ فِي شَأْنِ
nindex.php?page=treesubj&link=24582الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ وَمَنْ جَالَسَهُمْ nindex.php?page=hadith&LINKID=10342113هُمُ الْجُلَسَاءُ لَا يَشْقَى بِهِمْ جَلِيسُهُمْ أَيْ يَسْعَدُ مَعَهُمْ . وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ ، لَمْ نَعْرِفِ اسْمَهُ وَهُوَ إِسْلَامِيٌّ :
وَكُنْتُ جَلِيسَ قَعْقَاعِ بْنِ شَوْرٍ وَلَا يَشْقَى بِقَعْقَاعٍ جَلِيسُ
أَيْ يَسْعَدُ بِهِ جَلِيسُهُ .
[ ص: 66 ] وَالْمَعْنَى : لَمْ أَكُنْ فِيمَا دَعَوْتُكَ مِنْ قَبْلُ مَرْدُودٌ مِنْكَ ، أَيْ أَنَّهُ قَدْ عَهِدَ مِنَ اللَّهِ الِاسْتِجَابَةَ كُلَّمَا دَعَاهُ .
وَهَذَا تَمْهِيدٌ لِلْإِجَابَةِ مِنْ طَرِيقٍ غَيْرِ طَرِيقِ التَّمْهِيدِ الَّذِي فِي الْجُمَلِ الْمُصَاحِبَةِ لَهُ بَلْ طَرِيقُ الْحَثِّ عَلَى اسْتِمْرَارِ جَمِيلِ صُنْعِ اللَّهِ مَعَهُ ، وَتَوَسُّلٌ إِلَيْهِ بِمَا سَلَفَ لَهُ مَعَهُ مِنَ الِاسْتِجَابَةِ .
رُوِيَ أَنَّ مُحْتَاجًا سَأَلَ
حَاتِمًا الطَّائِيَّ أَوْ
nindex.php?page=showalam&ids=17125مَعْنَ بْنَ زَائِدَةٍ قَائِلًا : أَنَا الَّذِي أَحْسَنْتَ إِلَيَّ يَوْمَ كَذَا فَقَالَ : مَرْحَبًا بِمَنْ تَوَسَّلَ بِنَا إِلَيْنَا .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ وَرَائِي عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=4وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا ، أَيْ قَارَبْتُ الْوَفَاةَ وَخِفْتُ الْمَوَالِيَ مِنْ بَعْدِي .
وَمَا رُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَمُجَاهِدٍ ،
وَقَتَادَةَ ،
وَأَبِي صَالِحٍ عَنِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مُرْسَلًا أَنَّهُ قَالَ :
يَرْحَمُ اللَّهُ زَكَرِيَّاءَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ وِرَاثَةِ مَالِهِ فَلَعَلَّهُ خَشِيَ سُوءَ مَعْرِفَتِهِمْ بِمَا يُخَلِّفُهُ مِنَ الْآثَارِ الدِّينِيَّةِ وَالْعِلْمِيَّةِ . وَتِلْكَ أَعْلَاقٌ يَعِزُّ عَلَى الْمُؤْمِنِ تَلَاشِيهَا ، وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6يَرِثُنِي وَيَرِثُ مِنْ آلِ يَعْقُوبَ فَإِنَّ نُفُوسَ الْأَنْبِيَاءِ لَا تَطْمَحُ إِلَّا لِمَعَالِي الْأُمُورِ وَمَصَالِحِ الدِّينِ وَمَا سِوَى ذَلِكَ فَهُوَ تَبَعٌ .
فَقَوْلُهُ يَرِثُنِي يَعْنِي بِهِ وِرَاثَةَ مَالِهِ . وَيُؤَيِّدُهُ مَا أَخْرَجَهُ
عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ
قَتَادَةَ عَنِ
الْحَسَنِ أَنَّ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
يَرْحَمُ اللَّهُ زَكَرِيَّاءَ مَا كَانَ عَلَيْهِ مِنْ وِرَاثَةِ مَالِهِ .
وَالظَّوَاهِرُ تُؤْذِنُ بِأَنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانُوا يُورَثُونَ ، قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=27&ayano=16وَوَرِثَ سُلَيْمَانُ دَاوُدَ . وَأَمَّا قَوْلُ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=10342115نَحْنُ مَعْشَرَ الْأَنْبِيَاءِ لَا نُورَثُ مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ فَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ نَفْسَهُ ، كَمَا حَمَلَهُ عَلَيْهِ
عُمَرُ فِي حَدِيثِهِ مَعَ
الْعَبَّاسِ وَعَلِيٍّ فِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ إِذْ قَالَ
عُمَرُ : يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ بِذَلِكَ نَفْسَهُ . فَيَكُونُ ذَلِكَ
[ ص: 67 ] مِنْ خُصُوصِيَّاتِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ كَانَ ذَلِكَ حُكْمًا سَابِقًا كَانَ مُرَادُ
زَكَرِيَّاءَ إِرْثَ آثَارِ النُّبُوءَةِ خَاصَّةً مِنَ الْكُتُبِ الْمُقَدَّسَةِ وَتَقَايِيدِهِ عَلَيْهَا .
وَالْمَوَالِي : الْعُصْبَةُ وَأَقْرَبُ الْقَرَابَةِ ، جَمْعُ مَوْلًى بِمَعْنَى الْوَلِيِّ .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5مِنْ وَرَائِي مِنْ بَعْدِي ، فَإِنَّ الْوَرَاءَ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ مَا بَعْدَ الشَّيْءِ . كَمَا قَالَ
النَّابِغَةُ :
وَلَيْسَ وَرَاءَ اللَّهِ لِلْمَرْءِ مَطْلَبُ
أَيْ بَعْدَ اللَّهِ . فَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5مِنْ وَرَائِي مِنْ بَعْدِ حَيَاتِي .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5مِنْ وَرَائِي فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِـ الْمَوَالِيَ أَوَ الْحَالِ .
nindex.php?page=treesubj&link=31976وَامْرَأَةُ زَكَرِيَّاءَ اسْمُهَا أَلِيصَابَاتُ مِنْ نَسْلِ
هَارُونَ أَخِي
مُوسَى فَهِيَ مَنْ سَبْطِ
لَاوِي .
وَالْعَاقِرُ : الْأُنْثَى الَّتِي لَا تَلِدُ ، فَهُوَ وَصْفٌ خَاصٌّ بِالْمَرْأَةِ .
وَلِذَلِكَ جُرِّدَ مِنْ عَلَامَةِ التَّأْنِيثِ إِذْ لَا لَبْسَ . وَمَصْدَرُهُ : الْعَقْرُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ وَضَمِّهَا مَعَ سُكُونِ الْقَافِ . وَأَتَى بِفِعْلِ كَانَ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّ الْعُقْرَ مُتَمَكِّنٌ مِنْهَا وَثَابِتٌ لَهَا فَلِذَلِكَ حُرِمَ مِنَ الْوَلَدِ مِنْهَا .
وَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5مِنْ لَدُنْكَ أَنَّهُ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عِنْدِيَّةٌ خَاصَّةٌ ، لِأَنَّ الْمُتَكَلِّمَ يَعْلَمُ أَنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ بِتَقْدِيرِهِ وَخَلْقِهِ الْأَسْبَابَ وَمُسَبَّبَاتِهَا تَبَعًا لِخَلْقِهَا ، فَلَمَّا قَالَ مِنْ عِنْدِكَ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ سَأَلَ وَلِيًّا غَيْرَ جَارٍ أَمْرُهُ عَلَى الْمُعْتَادِ مِنْ إِيجَادِ الْأَوْلَادِ لِانْعِدَامِ الْأَسْبَابِ الْمُعْتَادَةِ ، فَتَكُونُ هِبَتُهُ كَرَامَةً لَهُ .
وَيَتَعَلَّقُ لِي وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5مِنْ لَدُنْكَ بِفِعْلِ هَبْ . وَإِنَّمَا قُدِّمَ لِي عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=5مِنْ لَدُنْكَ لِأَنَّهُ الْأَهَمُّ مِنْ غَرَضِ الدَّاعِي ، وَهُوَ غَرَضٌ خَاصٌّ يُقَدَّمُ عَلَى الْغَرَضِ الْعَامِّ .
[ ص: 68 ] وَ يَرِثُنِي قَرَأَهُ الْجُمْهُورُ بِالرَّفْعِ عَلَى الصِّفَةِ لِـ وَلِيًّا .
وَقَرَأَهُ
أَبُو عَمْرٍو ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ بِالْجَزْمِ عَلَى أَنَّهُ جَوَابُ الدُّعَاءِ فِي قَوْلِهِ هَبْ لِي لِإِرَادَةِ التَّسَبُّبِ لِأَنَّ أَصْلَ الْأَجْوِبَةِ الثَّمَانِيَةِ أَنَّهَا عَلَى تَقْدِيرِ فَاءِ السَّبَبِ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=6آلِ يَعْقُوبَ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِمْ خَاصَّةً
بَنِي إِسْرَائِيلَ كَمَا يَقْتَضِيهِ لَفْظُ ( آلِ ) الْمُشْعِرِ بِالْفَضِيلَةِ وَالشَّرَفِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=31891فَيَكُونَ يَعْقُوبُ هُوَ إِسْرَائِيلُ ، كَأَنَّهُ قَالَ : وَيَرِثُ مِنْ
آلِ إِسْرَائِيلَ ، أَيْ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ وَأَحْبَارِ الْيَهُودِيَّةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=54فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ . وَإِنَّمَا يُذْكَرُ آلُ الرَّجُلِ فِي مِثْلِ هَذَا السِّيَاقِ إِذَا كَانُوا عَلَى سُنَّتِهِ ، وَمِنْ هَذَا الْقَبِيلِ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=68إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ، وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ . مَعَ أَنَّ النَّاسَ كُلَّهُمْ ذَرِّيَّةُ مَنْ حُمِلُوا مَعَهُ .
وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ يَعْقُوبُ آخَرُ غَيْرُ
إِسْرَائِيلَ . وَهُوَ
يَعْقُوبُ بْنُ مَاثَانَ ، قَالَهُ :
مَعْقِلٌ وَالْكَلْبِيُّ . وَهُوَ عَمُّ
مَرْيَمَ أَخُو
عِمْرَانَ أَبِيهَا .
وَقِيلَ : هُوَ أَخُو
زَكَرِيَّاءَ ، أَيْ لَيْسَ لَهُ أَوْلَادٌ فَيَكُونَ ابْنُ زَكَرِيَّاءَ وَارِثًا
لِيَعْقُوبَ لِأَنَّهُ ابْنُ أَخِيهِ ،
فَيَعْقُوبُ عَلَى هَذِهِ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَوَالِيَ الَّذِينَ خَافَهُمْ
زَكَرِيَّاءُ مِنْ وَرَائِهِ .