nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28972_28723_29693الرحمن الرحيم
وصفان مشتقان من رحم ، وفي تفسير القرطبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابن الأنباري عن
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد أن الرحمان اسم عبراني نقل إلى العربية قال وأصله بالخاء المعجمة أي فأبدلت خاؤه حاء مهملة عند أكثر العرب كشأن التغيير في التعريب وأنشد على ذلك قول
جرير يخاطب
الأخطل :
أو تتركن إلى القسيس هجرتكم ومسحكم صلبكم رخمان قربانا
الرواية بالخاء المعجمة ولم يأت المبرد بحجة على ما زعمه ، ولم لا يكون الرحمن عربيا كما كان عبرانيا فإن العربية والعبرانية أختان وربما كانت العربية الأصلية أقدم من العبرانية ولعل الذي جرأه على ادعاء أن الرحمان اسم عبراني ما حكاه القرآن عن المشركين في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=60قالوا وما الرحمن ويقتضي أن العرب لم يكونوا يعلمون هذا الاسم لله تعالى كما سيأتي . وبعض عرب
اليمن يقولون رخم رخمة بالمعجمة .
nindex.php?page=treesubj&link=29693_28723_19958واسم الرحمة موضوع في اللغة العربية لرقة الخاطر وانعطافه نحو حي بحيث تحمل من اتصف بها على الرفق بالمرحوم والإحسان إليه ودفع الضر عنه وإعانته على المشاق .
فهي من الكيفيات النفسانية لأنها انفعال ، ولتلك الكيفية اندفاع يحمل صاحبها على أفعال وجودية بقدر استطاعته وعلى قدر قوة انفعاله . فأصل الرحمة من مقولة الانفعال وآثارها من مقولة الفعل ، فإذا وصف موصوف بالرحمة كان معناه حصول الانفعال المذكور في نفسه ، وإذا أخبر عنه بأنه رحم غيره فهو على معنى صدر عنه أثر من آثار الرحمة; إذ لا تكون تعدية فعل رحم إلى المرحوم إلا على هذا المعنى فليس لماهية الرحمة جزئيات وجودية ولكنها جزئيات من آثارها .
فوصف الله تعالى بصفات الرحمة في اللغات ناشئ على مقدار عقائد أهلها فيما يجوز على الله ويستحيل ، وكان أكثر الأمم مجسمة ثم يجيء ذلك
[ ص: 170 ] في لسان الشرائع تعبيرا عن المعاني العالية بأقصى ما تسمح به اللغات مع اعتقاد تنزيه الله عن أعراض المخلوقات بالدليل العام على التنزيه وهو مضمون قول القرآن
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11ليس كمثله شيء فأهل الإيمان إذا سمعوا أو أطلقوا وصفي الرحمن الرحيم لا يفهمون منه حصول ذلك الانفعال الملحوظ في حقيقة الرحمة في متعارف اللغة العربية لسطوع أدلة تنزيه الله تعالى عن الأعراض ، بل إنه يراد بهذا الوصف في جانب الله تعالى إثبات الغرض الأسمى من
nindex.php?page=treesubj&link=19958حقيقة الرحمة وهو صدور آثار الرحمة من الرفق واللطف والإحسان والإعانة; لأن ما عدا ذلك من القيود الملحوظة في مسمى الرحمة في متعارف الناس لا أهمية له لولا أنه لا يمكن بدونه حصول آثاره فيهم . ألا ترى أن المرء قد يرحم أحدا ولا يملك له نفعا لعجز أو نحوه .
وقد أشار إلى ما قلناه
nindex.php?page=showalam&ids=14847أبو حامد الغزالي في المقصد الأسنى بقوله الذي يريد قضاء حاجة المحتاج ولا يقضيها فإن كان قادرا على قضائها لم يسم رحيما إذ لو تمت الإرادة لوفى بها وإن كان عاجزا فقد يسمى رحيما باعتبار ما اعتوره من الرحمة والرقة ولكنه ناقص وبهذا تعلم أن إطلاق نحو هذا الوصف على الله تعالى ليس من المتشابه لتبادر المعنى المراد منه بكثرة استعماله وتحقق تنزه الله من لوازم المعنى المقصود في الوضع مما لا يليق بجلال الله تعالى كما نطلق العليم على الله مع التيقن بتجرد علمه عن الحاجة إلى النظر والاستدلال وسبق الجهل ، وكما نطلق الحي عليه تعالى مع اليقين بتجرد حياته عن العادة والتكون ، ونطلق القدرة مع اليقين بتجرد قدرته عن المعالجة والاستعانة .
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29693فوصفه تعالى بالرحمن الرحيم من المنقولات الشرعية فقد أثبت القرآن رحمة الله في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156ورحمتي وسعت كل شيء فهي منقولة في لسان الشرع إلى إرادة الله إيصال الإحسان إلى مخلوقاته في الحياة الدنيا وغالب الأسماء الحسنى من هذا القبيل . وأما المتشابه فهو ما كانت دلالته على المعنى المنزه عنه أقوى وأشد وسيأتي في سورة آل عمران عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وأخر متشابهات والذي ذهب إليه صاحب الكشاف وكثير من المحققين أن الرحمان صفة مشبهة كغضبان وبذلك مثله في الكشاف . وفعل رحم وإن كان متعديا والصفة المشبهة إنما تصاغ من فعل لازم إلا أن الفعل المتعدي إذا صار كالسجية لموصوفه ينزل منزلة أفعال الغرائز فيحول من فعل بفتح العين أو كسرها إلى فعل بضم العين للدلالة على أنه صار سجية كما قالوا فقه الرجل وظرف وفهم ، ثم تشتق منه بعد ذلك الصفة المشبهة ، ومثله كثير في الكلام ، وإنما يعرف هذا التحويل بأحد أمرين
[ ص: 171 ] إما بسماع الفعل المحول مثل فقه وإما بوجود أثره وهو الصفة المشبهة مثل بليغ إذا صارت البلاغة سجية له ، مع عدم أو قلة سماع بلغ . ومن هذا رحمان إذ لم يسمع رحم بالضم . ومن النحاة من منع أن يكون الرحمان صفة مشبهة بناء على أن الفعل المشتق هو منه فعل متعد وإليه مال
ابن مالك في شرح التسهيل في باب الصفة المشبهة ونظره برب وملك . . وأما الرحيم فذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه إلى أنه من أمثلة المبالغة وهو باق على دلالته على التعدي وصاحب الكشاف والجمهور لم يثبتوا في أمثلة المبالغة وزن فعيل ، فالرحيم عندهم صفة مشبهة أيضا مثل مريض وسقيم ، والمبالغة حاصلة فيه على كلا الاعتبارين . والحق ما ذهب إليه
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه . ولا خلاف بين أهل اللغة في أن الوصفين دالان على المبالغة في صفة الرحمة أي تمكنها وتعلقها بكثير من المرحومين وإنما الخلاف في طريقة استفادة المبالغة منهما وهل هما مترادفان في الوصف بصفة الرحمة أو بينهما فارق . والحق أن استفادة المبالغة حاصلة من تتبع الاستعمال وأن الاستعمال جرى على نكتة في مراعاة واضعي اللغة زيادة المبنى لقصد زيادة في معنى المادة قال في الكشاف : ويقولون إن الزيادة في البناء لزيادة المعنى وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج في الغضبان هو الممتلئ غضبا . ومما طن على أذني من ملح العرب أنهم يسمون مركبا من مراكبهم بالشقدف وهو مركب خفيف ليس في ثقل محامل
العراق فقلت في طريق
الطائف لرجل منهم ما اسم هذا المحمل أردت المحمل العراقي فقال : أليس ذاك اسمه الشقنداف ؟ قلت : بلى . فقال : هذا اسمه الشقنداف فزاد في بناء الاسم لزيادة المسمى وهي قاعدة أغلبية لا تتخلف إلا في زيادات معروفة موضوعة لزيادة معنى جديد دون زيادة في أصل معنى المادة مثل زيادة ياء التصغير فقد أفادت معنى زائدا على أصل المادة وليس زيادة في معنى المادة . وأما نحو حذر الذي هو من أمثلة المبالغة وهو أقل حروفا من حاذر فهو من مستثنيات القاعدة لأنها أغلبية .
وبعد كون كل من صفتي الرحمان الرحيم دالة على المبالغة في اتصافه تعالى بالرحمة فقد قال الجمهور إن
nindex.php?page=treesubj&link=29693_28723الرحمان أبلغ من الرحيم بناء على أن زيادة المبنى تؤذن بزيادة المعنى وإلى ذلك مال جمهور المحققين مثل
أبي عبيدة nindex.php?page=showalam&ids=13042وابن جني nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري وعلى رعي هذه القاعدة أعني أن زيادة المبنى تؤذن بزيادة المعنى فقد شاع ورود إشكال على وجه إرداف وصفه الرحمان بوصفه بالرحيم مع أن شأن أهل البلاغة إذا أجروا وصفين في معنى واحد على موصوف في مقام الكمال أن يرتقوا من الأعم إلى الأخص ومن القوي إلى الأقوى كقولهم : شجاع باسل
[ ص: 172 ] وجواد فياض ، وعالم نحرير ، وخطيب مصقع ، وشاعر مفلق . وقد رأيت للمفسرين في توجيه الارتقاء من الرحمان إلى الرحيم أجوبة كثيرة مرجعها إلى اعتبار الرحمان أخص من الرحيم فتعقيب الأول بالثاني تعميم بعد خاص ولذلك كان وصف الرحمان مختصا به تعالى وكان أول إطلاقه مما خصه به القرآن على التحقيق بحيث لم يكن التوصيف به معروفا عند العرب كما سيأتي .
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29693ومدلول الرحيم كون الرحمة كثيرة التعلق إذ هو من أمثلة المبالغة ولذلك كان يطلق على غير الله تعالى كما في قوله تعالى في حق رسوله
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128بالمؤمنين رءوف رحيم فليس ذكر إحدى الصفتين بمغن عن الأخرى . وتقديم الرحمان على الرحيم لأن الصيغة الدالة على الاتصاف الذاتي أولى بالتقديم في التوصيف من الصفة الدالة على كثرة متعلقاتها .
وينسب إلى
قطرب أن الرحمان والرحيم يدلان على معنى واحد من الصفة المشبهة فهما متساويان وجعل الجمع بينهما في الآية من قبيل التوكيد اللفظي ومال إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج وهو وجه ضعيف إذ التوكيد خلاف الأصل والتأسيس خير من التأكيد والمقام هنا بعيد عن مقتضى التوكيد . وقد ذكرت وجوه في الجمع بين الصفتين ليست بمقنعة .
وقد ذكر جمهور الأئمة أن
nindex.php?page=treesubj&link=28723وصف الرحمان لم يطلق في كلام العرب قبل الإسلام وأن القرآن هو الذي جاء به صفة لله تعالى فلذلك اختص به تعالى حتى قيل إنه اسم له وليس بصفة واستدلوا على ذلك بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=60وإذا قيل لهم اسجدوا للرحمن قالوا وما الرحمن وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=30وهم يكفرون بالرحمن وقد تكرر مثل هاتين الآيتين في القرآن وخاصة في السور المكية مثل سورة الفرقان وسورة الملك . وقد ذكر الرحمان في سورة الملك باسمه الظاهر وضميره ثماني مرات مما يفيد الاهتمام بتقرير هذا الاسم لله تعالى في نفوس السامعين فالظاهر أن هذا الوصف تنوسي في كلامهم . أو أنكروا أن يكون من أسماء الله .
ومن دقائق القرآن أنه آثر اسم الرحمان في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=19ما يمسكهن إلا الرحمن في سورة الملك ، وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79ما يمسكهن إلا الله في سورة النحل إذ كانت آية سورة الملك مكية وآية سورة النحل القدر النازل
بالمدينة من تلك السورة ، وأما قول بعض شعراء
بني حنيفة في
مسيلمة سموت بالمجد يا ابن الأكرمين أبا وأنت غيث الورى لا زلت رحمانا
فإنما قاله بعد مجيء الإسلام وفي أيام ردة
أهل اليمامة ، وقد لقبوا
مسيلمة أيامئذ رحمان
اليمامة وذلك من غلوهم في الكفر .
وإجراء هذين الوصفين العليين على اسم الجلالة بعد
[ ص: 173 ] وصفه بأنه رب العالمين لمناسبة ظاهرة للبليغ لأنه بعد أن وصف بما هو مقتضى استحقاقه الحمد من كونه رب العالمين أي مدبر شؤونهم ومبلغهم إلى كمالهم في الوجودين الجثماني والروحاني ، ناسب أن يتبع ذلك بوصفه بالرحمان أي الذي الرحمة له وصف ذاتي تصدر عنه آثاره بعموم واطراد على ما تقدم ، فلما كان ربا للعالمين وكان المربوبون ضعفاء كان احتياجهم للرحمة واضحا وكان ترقبهم إياها من الموصوف بها بالذات ناجحا .
فإن قلت إن
nindex.php?page=treesubj&link=29693_28722الربوبية تقتضي الرحمة لأنها إبلاغ الشيء إلى كماله شيئا فشيئا وذلك يجمع النعم كلها ، فلماذا احتيج إلى ذكر كونه رحمانا ؟ قلت لأن الرحمة تتضمن أن ذلك الإبلاغ إلى الكمال لم يكن على وجه الإعنات بل كان برعاية ما يناسب كل نوع وفرد ويلائم طوقه واستعداده ، فكانت الربوبية نعمة ، والنعمة قد تحصل بضرب من الشدة والأذى ، فأتبع ذلك بوصفه بالرحمان تنبيها على أن تلك النعم الجليلة وصلت إلينا بطريق الرفق واليسر ونفي الحرج ، حتى في أحكام التكاليف والمناهي والزواجر فإنها مرفوقة باليسر بقدر ما لا يبطل المقصود منها ، فمعظم تدبيره تعالى بنا هو رحمات ظاهرة كالتمكين من الأرض وتيسير منافعها ، ومنه ما رحمته بمراعاة اليسر بقدر الإمكان مثل التكاليف الراجعة إلى منافعنا كالطهارة وبث مكارم الأخلاق ، ومنها ما منفعته للجمهور فتتبعها رحمات الجميع لأن في رحمة الجمهور رحمة بالبقية في انتظام الأحوال كالزكاة .
وقد اختلف في أن
nindex.php?page=treesubj&link=28722_29693لفظ رحمان لو لم يقرن بلام التعريف هل يصرف أو يمنع من الصرف ؟ قال في الكافية : النون والألف إذا كانا في صفة فشرط منعه من الصرف انتفاء فعلانة ، وقيل وجود فعلى ، ومن ثم اختلف في رحمان ،
وبنو أسد يصرفون جميع فعلان لأنهم يقولون في كل مؤنث له فعلانة واختار
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري والرضي وابن مالك عدم صرفه .
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=3nindex.php?page=treesubj&link=28972_28723_29693الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
وَصْفَانِ مُشْتَقَّانِ مِنْ رَحِمَ ، وَفِي تَفْسِيرِ الْقُرْطُبِيِّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12590ابْنِ الْأَنْبَارِيِّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدِ أَنَّ الرَّحْمَانَ اسْمٌ عِبْرَانِيٌّ نُقِلَ إِلَى الْعَرَبِيَّةِ قَالَ وَأَصْلُهُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ فَأُبْدِلَتْ خَاؤُهُ حَاءً مُهْمَلَةً عِنْدَ أَكْثَرِ الْعَرَبِ كَشَأْنِ التَّغْيِيرِ فِي التَّعْرِيبِ وَأَنْشَدَ عَلَى ذَلِكَ قَوْلَ
جَرِيرٍ يُخَاطِبُ
الْأَخْطَلَ :
أَوَ تَتْرُكَنَّ إِلَى الْقِسِّيسِ هِجْرَتَكُمْ وَمَسْحَكُمْ صُلْبَكُمْ رَخَمَانِ قُرْبَانَا
الرِّوَايَةُ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَلَمْ يَأْتِ الْمُبَرِّدُ بِحُجَّةٍ عَلَى مَا زَعَمَهُ ، وَلِمَ لَا يَكُونُ الرَّحْمَنُ عَرَبِيًّا كَمَا كَانَ عِبْرَانِيًّا فَإِنَّ الْعَرَبِيَّةَ وَالْعِبْرَانِيَّةَ أُخْتَانِ وَرُبَّمَا كَانَتِ الْعَرَبِيَّةُ الْأَصْلِيَّةُ أَقْدَمُ مِنَ الْعِبْرَانِيَّةِ وَلَعَلَّ الَّذِي جَرَّأَهُ عَلَى ادِّعَاءِ أَنَّ الرَّحْمَانَ اسْمٌ عِبْرَانِيٌّ مَا حَكَاهُ الْقُرْآنُ عَنِ الْمُشْرِكِينَ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=60قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ وَيَقْتَضِي أَنَّ الْعَرَبَ لَمْ يَكُونُوا يَعْلَمُونَ هَذَا الِاسْمَ لِلَّهِ تَعَالَى كَمَا سَيَأْتِي . وَبَعْضُ عَرَبِ
الْيَمَنِ يَقُولُونَ رَخِمَ رُخْمَةً بِالْمُعْجَمَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=29693_28723_19958وَاسْمُ الرَّحْمَةِ مَوْضُوعٌ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِرِقَّةِ الْخَاطِرِ وَانْعِطَافِهِ نَحْوَ حَيٍّ بِحَيْثُ تَحْمِلُ مَنِ اتَّصَفَ بِهَا عَلَى الرِّفْقِ بِالْمَرْحُومِ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِ وَدَفْعِ الضُّرِّ عَنْهُ وَإِعَانَتِهِ عَلَى الْمَشَاقِّ .
فَهِيَ مِنَ الْكَيْفِيَّاتِ النَّفْسَانِيَّةِ لِأَنَّهَا انْفِعَالٌ ، وَلِتِلْكَ الْكَيْفِيَّةِ انْدِفَاعٌ يَحْمِلُ صَاحِبَهَا عَلَى أَفْعَالٍ وُجُودِيَّةٍ بِقَدْرِ اسْتِطَاعَتِهِ وَعَلَى قَدْرِ قُوَّةِ انْفِعَالِهِ . فَأَصْلُ الرَّحْمَةِ مِنْ مَقُولَةِ الِانْفِعَالِ وَآثَارُهَا مِنْ مَقُولَةِ الْفِعْلِ ، فَإِذَا وُصِفَ مَوْصُوفٌ بِالرَّحْمَةِ كَانَ مَعْنَاهُ حُصُولُ الِانْفِعَالِ الْمَذْكُورِ فِي نَفْسِهِ ، وَإِذَا أَخْبَرَ عَنْهُ بِأَنَّهُ رَحِمَ غَيْرَهُ فَهُوَ عَلَى مَعْنَى صَدَرَ عَنْهُ أَثَرٌ مِنْ آثَارِ الرَّحْمَةِ; إِذْ لَا تَكُونُ تَعْدِيَةُ فِعْلِ رَحِمَ إِلَى الْمَرْحُومِ إِلَّا عَلَى هَذَا الْمَعْنَى فَلَيْسَ لِمَاهِيَّةِ الرَّحْمَةِ جُزْئِيَّاتٌ وُجُودِيَّةٌ وَلَكِنَّهَا جُزْئِيَّاتٌ مِنْ آثَارِهَا .
فَوَصْفُ اللَّهِ تَعَالَى بِصِفَاتِ الرَّحْمَةِ فِي اللُّغَاتِ نَاشِئٌ عَلَى مِقْدَارِ عَقَائِدِ أَهْلِهَا فِيمَا يَجُوزُ عَلَى اللَّهِ وَيَسْتَحِيلُ ، وَكَانَ أَكْثَرُ الْأُمَمِ مُجَسِّمَةٌ ثُمَّ يَجِيءُ ذَلِكَ
[ ص: 170 ] فِي لِسَانِ الشَّرَائِعِ تَعْبِيرًا عَنِ الْمَعَانِي الْعَالِيَةِ بِأَقْصَى مَا تَسْمَحُ بِهِ اللُّغَاتُ مَعَ اعْتِقَادِ تَنْزِيهِ اللَّهِ عَنْ أَعْرَاضِ الْمَخْلُوقَاتِ بِالدَّلِيلِ الْعَامِّ عَلَى التَّنْزِيهِ وَهُوَ مَضْمُونُ قَوْلِ الْقُرْآنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=11لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ فَأَهْلُ الْإِيمَانِ إِذَا سَمِعُوا أَوْ أَطْلَقُوا وَصْفَيِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ لَا يَفْهَمُونَ مِنْهُ حُصُولَ ذَلِكَ الِانْفِعَالِ الْمَلْحُوظِ فِي حَقِيقَةِ الرَّحْمَةِ فِي مُتَعَارَفِ اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ لِسُطُوعِ أَدِلَّةِ تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنِ الْأَعْرَاضِ ، بَلْ إِنَّهُ يُرَادُ بِهَذَا الْوَصْفِ فِي جَانِبِ اللَّهِ تَعَالَى إِثْبَاتُ الْغَرَضِ الْأَسْمَى مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=19958حَقِيقَةِ الرَّحْمَةِ وَهُوَ صُدُورُ آثَارِ الرَّحْمَةِ مِنَ الرِّفْقِ وَاللُّطْفِ وَالْإِحْسَانِ وَالْإِعَانَةِ; لِأَنَّ مَا عَدَا ذَلِكَ مِنَ الْقُيُودِ الْمَلْحُوظَةِ فِي مُسَمَّى الرَّحْمَةِ فِي مُتَعَارَفِ النَّاسِ لَا أَهَمِّيَّةَ لَهُ لَوْلَا أَنَّهُ لَا يُمْكِنُ بِدُونِهِ حُصُولُ آثَارِهِ فِيهِمْ . أَلَا تَرَى أَنَّ الْمَرْءَ قَدْ يَرْحَمُ أَحَدًا وَلَا يَمْلِكُ لَهُ نَفْعًا لِعَجْزٍ أَوْ نَحْوِهِ .
وَقَدْ أَشَارَ إِلَى مَا قُلْنَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14847أَبُو حَامِدٍ الْغَزَالِيُّ فِي الْمَقْصِدِ الْأَسْنَى بِقَوْلِهِ الَّذِي يُرِيدُ قَضَاءَ حَاجَةِ الْمُحْتَاجِ وَلَا يَقْضِيهَا فَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَى قَضَائِهَا لَمْ يُسَمَّ رَحِيمًا إِذْ لَوْ تَمَّتِ الْإِرَادَةُ لَوَفَى بِهَا وَإِنْ كَانَ عَاجِزًا فَقَدْ يُسَمَّى رَحِيمًا بِاعْتِبَارِ مَا اعْتَوَرَهُ مِنَ الرَّحْمَةِ وَالرِّقَّةِ وَلَكِنَّهُ نَاقِصٌ وَبِهَذَا تَعْلَمُ أَنَّ إِطْلَاقَ نَحْوِ هَذَا الْوَصْفِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ مِنَ الْمُتَشَابِهِ لِتَبَادُرِ الْمَعْنَى الْمُرَادِ مِنْهُ بِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِهِ وَتَحَقُّقِ تَنَزُّهِ اللَّهِ مِنْ لَوَازِمِ الْمَعْنَى الْمَقْصُودِ فِي الْوَضْعِ مِمَّا لَا يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا نُطْلِقُ الْعَلِيمَ عَلَى اللَّهِ مَعَ التَّيَقُّنِ بِتَجَرُّدِ عِلْمِهِ عَنِ الْحَاجَةِ إِلَى النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ وَسَبْقِ الْجَهْلِ ، وَكَمَا نُطْلِقُ الْحَيَّ عَلَيْهِ تَعَالَى مَعَ الْيَقِينِ بِتَجَرُّدِ حَيَاتِهِ عَنِ الْعَادَةِ وَالتَّكَوُّنِ ، وَنُطْلِقُ الْقُدْرَةَ مَعَ الْيَقِينِ بِتَجَرُّدِ قُدْرَتِهِ عَنِ الْمُعَالَجَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ .
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29693فَوَصْفُهُ تَعَالَى بِالرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مِنَ الْمَنْقُولَاتِ الشَّرْعِيَّةِ فَقَدْ أَثْبَتَ الْقُرْآنُ رَحْمَةَ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَهِيَ مَنْقُولَةٌ فِي لِسَانِ الشَّرْعِ إِلَى إِرَادَةِ اللَّهِ إِيصَالَ الْإِحْسَانِ إِلَى مَخْلُوقَاتِهِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَغَالِبُ الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ . وَأَمَّا الْمُتَشَابِهُ فَهُوَ مَا كَانَتْ دَلَالَتُهُ عَلَى الْمَعْنَى الْمُنَزَّهِ عَنْهُ أَقْوَى وَأَشَدَّ وَسَيَأْتِي فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ وَالَّذِي ذَهَبَ إِلَيْهِ صَاحِبُ الْكَشَّافِ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الرَّحْمَانَ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ كَغَضْبَانَ وَبِذَلِكَ مَثَّلَهُ فِي الْكَشَّافِ . وَفِعْلُ رَحِمَ وَإِنْ كَانَ مُتَعَدِّيًا وَالصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ إِنَّمَا تُصَاغُ مِنْ فِعْلٍ لَازِمٍ إِلَّا أَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّيَ إِذَا صَارَ كَالسَّجِيَّةِ لِمَوْصُوفِهِ يَنْزِلُ مَنْزِلَةَ أَفْعَالِ الْغَرَائِزِ فَيُحَوَّلُ مِنْ فَعَلَ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَوْ كَسْرِهَا إِلَى فَعُلَ بِضَمِّ الْعَيْنِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى أَنَّهُ صَارَ سَجِيَّةً كَمَا قَالُوا فَقُهَ الرَّجُلُ وَظَرُفَ وَفَهُمَ ، ثُمَّ تُشْتَقُّ مِنْهُ بَعْدَ ذَلِكَ الصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةٌ ، وَمِثْلُهُ كَثِيرٌ فِي الْكَلَامِ ، وَإِنَّمَا يُعْرَفُ هَذَا التَّحْوِيلُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ
[ ص: 171 ] إِمَّا بِسَمَاعِ الْفِعْلِ الْمُحَوَّلِ مِثْلِ فَقُهَ وَإِمَّا بِوُجُودِ أَثَرِهِ وَهُوَ الصِّفَةُ الْمُشَبَّهَةُ مِثْلُ بَلِيغٍ إِذَا صَارَتِ الْبَلَاغَةُ سَجِيَّةً لَهُ ، مَعَ عَدَمِ أَوْ قِلَّةِ سَمَاعِ بَلُغَ . وَمِنْ هَذَا رَحْمَانُ إِذْ لَمْ يُسْمَعْ رَحُمَ بِالضَّمِّ . وَمِنَ النُّحَاةِ مَنْ مَنَعَ أَنْ يَكُونَ الرَّحْمَانُ صِفَةً مُشَبَّهَةً بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ الْمُشْتَقَّ هُوَ مِنْهُ فِعْلٌ مُتَعَدٍّ وَإِلَيْهِ مَالَ
ابْنُ مَالِكٍ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ فِي بَابِ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ وَنَظَّرَهُ بِرَبٍّ وَمَلِكٍ . . وَأَمَّا الرَّحِيمُ فَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ إِلَى أَنَّهُ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ وَهُوَ بَاقٍ عَلَى دَلَالَتِهِ عَلَى التَّعَدِّي وَصَاحِبُ الْكَشَّافِ وَالْجُمْهُورُ لَمْ يُثْبِتُوا فِي أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ وَزْنَ فَعِيلٍ ، فَالرَّحِيمُ عِنْدَهُمْ صِفَةٌ مُشَبَّهَةٌ أَيْضًا مِثْلَ مَرِيضٍ وَسَقِيمٍ ، وَالْمُبَالَغَةُ حَاصِلَةٌ فِيهِ عَلَى كِلَا الِاعْتَبَارَيْنِ . وَالْحَقُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ . وَلَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ اللُّغَةِ فِي أَنَّ الْوَصْفَيْنِ دَالَّانِ عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي صِفَةِ الرَّحْمَةِ أَيْ تَمَكُّنِهَا وَتَعَلُّقِهَا بِكَثِيرٍ مِنَ الْمَرْحُومِينَ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي طَرِيقَةِ اسْتِفَادَةِ الْمُبَالَغَةِ مِنْهُمَا وَهَلْ هُمَا مُتَرَادِفَانِ فِي الْوَصْفِ بِصِفَةِ الرَّحْمَةِ أَوْ بَيْنَهُمَا فَارِقٌ . وَالْحَقُّ أَنَّ اسْتِفَادَةَ الْمُبَالَغَةِ حَاصِلَةٌ مِنْ تَتَبُّعِ الِاسْتِعْمَالِ وَأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ جَرَى عَلَى نُكْتَةٍ فِي مُرَاعَاةِ وَاضِعِي اللُّغَةِ زِيَادَةَ الْمَبْنَى لِقَصْدِ زِيَادَةٍ فِي مَعْنَى الْمَادَّةِ قَالَ فِي الْكَشَّافِ : وَيَقُولُونَ إِنَّ الزِّيَادَةَ فِي الْبِنَاءِ لِزِيَادَةِ الْمَعْنَى وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ فِي الْغَضْبَانِ هُوَ الْمُمْتَلِئُ غَضَبًا . وَمِمَّا طَنَّ عَلَى أُذُنِي مِنْ مُلَحِ الْعَرَبِ أَنَّهُمْ يُسَمُّونَ مَرْكَبًا مِنْ مَرَاكِبِهِمْ بِالشُّقْدُفِ وَهُوَ مَرْكَبٌ خَفِيفٌ لَيْسَ فِي ثِقَلِ مَحَامِلِ
الْعِرَاقِ فَقُلْتُ فِي طَرِيقِ
الطَّائِفِ لِرَجُلٍ مِنْهُمْ مَا اسْمُ هَذَا الْمَحْمَلِ أَرَدْتُ الْمَحْمَلَ الْعِرَاقِيَّ فَقَالَ : أَلَيْسَ ذَاكَ اسْمُهُ الشِّقِنْدَافُ ؟ قُلْتُ : بَلَى . فَقَالَ : هَذَا اسْمُهُ الشِّقِنْدَافُ فَزَادَ فِي بِنَاءِ الِاسْمِ لِزِيَادَةِ الْمُسَمَّى وَهِيَ قَاعِدَةٌ أَغْلَبِيَّةٌ لَا تَتَخَلَّفُ إِلَّا فِي زِيَادَاتٍ مَعْرُوفَةٍ مَوْضُوعَةٍ لِزِيَادَةِ مَعْنًى جَدِيدٍ دُونَ زِيَادَةٍ فِي أَصْلِ مَعْنَى الْمَادَّةِ مِثْلَ زِيَادَةِ يَاءِ التَّصْغِيرِ فَقَدْ أَفَادَتْ مَعْنًى زَائِدًا عَلَى أَصْلِ الْمَادَّةِ وَلَيْسَ زِيَادَةً فِي مَعْنَى الْمَادَّةِ . وَأَمَّا نَحْوُ حَذِرٌ الَّذِي هُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ وَهُوَ أَقَلُّ حُرُوفًا مِنْ حَاذِرٍ فَهُوَ مِنْ مُسْتَثْنَيَاتِ الْقَاعِدَةِ لِأَنَّهَا أَغْلَبِيَّةٌ .
وَبَعْدَ كَوْنِ كُلٍّ مِنْ صِفَتَيِ الرَّحْمَانِ الرَّحِيمِ دَالَّةً عَلَى الْمُبَالَغَةِ فِي اتِّصَافِهِ تَعَالَى بِالرَّحْمَةِ فَقَدْ قَالَ الْجُمْهُورُ إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29693_28723الرَّحْمَانَ أَبْلَغُ مِنَ الرَّحِيمِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ زِيَادَةَ الْمَبْنَى تُؤْذِنُ بِزِيَادَةِ الْمَعْنَى وَإِلَى ذَلِكَ مَالَ جُمْهُورُ الْمُحَقِّقِينَ مِثْلَ
أَبِي عُبَيْدَةَ nindex.php?page=showalam&ids=13042وَابْنِ جِنِّي nindex.php?page=showalam&ids=14416وَالزَّجَّاجِ nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيِّ وَعَلَى رَعْيِ هَذِهِ الْقَاعِدَةِ أَعْنِي أَنَّ زِيَادَةَ الْمَبْنَى تُؤْذِنُ بِزِيَادَةِ الْمَعْنَى فَقَدْ شَاعَ وُرُودُ إِشْكَالٍ عَلَى وَجْهِ إِرْدَافِ وَصْفِهِ الرَّحْمَانِ بِوَصْفِهِ بِالرَّحِيمِ مَعَ أَنَّ شَأْنَ أَهْلِ الْبَلَاغَةِ إِذَا أَجْرَوْا وَصْفَيْنِ فِي مَعْنًى وَاحِدٍ عَلَى مَوْصُوفٍ فِي مَقَامِ الْكَمَالِ أَنْ يَرْتَقُوا مِنَ الْأَعَمِّ إِلَى الْأَخَصِّ وَمِنَ الْقَوِيِّ إِلَى الْأَقْوَى كَقَوْلِهِمْ : شُجَاعٌ بَاسِلٌ
[ ص: 172 ] وَجَوَّادٌ فَيَّاضٌ ، وَعَالِمٌ نِحْرِيرٌ ، وَخَطِيبٌ مِصْقَعٌ ، وَشَاعِرٌ مُفْلِقٌ . وَقَدْ رَأَيْتُ لِلْمُفَسِّرِينَ فِي تَوْجِيهِ الِارْتِقَاءِ مِنَ الرَّحْمَانِ إِلَى الرَّحِيمِ أَجْوِبَةٌ كَثِيرَةٌ مَرْجِعُهَا إِلَى اعْتِبَارِ الرَّحْمَانِ أَخَصَّ مِنَ الرَّحِيمِ فَتَعْقِيبُ الْأَوَّلِ بِالثَّانِي تَعْمِيمٌ بَعْدَ خَاصٍّ وَلِذَلِكَ كَانَ وَصْفُ الرَّحْمَانِ مُخْتَصًّا بِهِ تَعَالَى وَكَانَ أَوَّلُ إِطْلَاقِهِ مِمَّا خَصَّهُ بِهِ الْقُرْآنُ عَلَى التَّحْقِيقِ بِحَيْثُ لَمْ يَكُنِ التَّوْصِيفُ بِهِ مَعْرُوفًا عِنْدَ الْعَرَبِ كَمَا سَيَأْتِي .
nindex.php?page=treesubj&link=28723_29693وَمَدْلُولُ الرَّحِيمِ كَوْنُ الرَّحْمَةِ كَثِيرَةَ التَّعَلُّقِ إِذْ هُوَ مِنْ أَمْثِلَةِ الْمُبَالَغَةِ وَلِذَلِكَ كَانَ يُطْلَقُ عَلَى غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فِي حَقِّ رَسُولِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ فَلَيْسَ ذِكْرُ إِحْدَى الصِّفَتَيْنِ بِمُغْنٍ عَنِ الْأُخْرَى . وَتَقْدِيمُ الرَّحْمَانِ عَلَى الرَّحِيمِ لِأَنَّ الصِّيغَةَ الدَّالَّةَ عَلَى الِاتِّصَافِ الذَّاتِيِّ أَوْلَى بِالتَّقْدِيمِ فِي التَّوْصِيفِ مِنَ الصِّفَةِ الدَّالَّةِ عَلَى كَثْرَةِ مُتَعَلَّقَاتِهَا .
وَيُنْسَبُ إِلَى
قُطْرُبٍ أَنَّ الرَّحْمَانَ وَالرَّحِيمَ يَدُلَّانِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ مِنَ الصِّفَةِ الْمُشَبَّهَةِ فَهُمَا مُتَسَاوِيَانِ وَجُعِلَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا فِي الْآيَةِ مِنْ قَبِيلِ التَّوْكِيدِ اللَّفْظِيِّ وَمَالَ إِلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ وَهُوَ وَجْهٌ ضَعِيفٌ إِذِ التَّوْكِيدُ خِلَافُ الْأَصْلِ وَالتَّأْسِيسُ خَيْرٌ مِنَ التَّأْكِيدِ وَالْمَقَامُ هُنَا بَعِيدٌ عَنْ مُقْتَضَى التَّوْكِيدِ . وَقَدْ ذُكِرَتْ وُجُوهٌ فِي الْجَمْعِ بَيْنَ الصِّفَتَيْنِ لَيْسَتْ بِمُقْنِعَةٍ .
وَقَدْ ذَكَرَ جُمْهُورُ الْأَئِمَّةِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28723وَصْفَ الرَّحْمَانِ لَمْ يُطْلَقْ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَأَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ الَّذِي جَاءَ بِهِ صِفَةً لِلَّهِ تَعَالَى فَلِذَلِكَ اخْتُصَّ بِهِ تَعَالَى حَتَّى قِيلَ إِنَّهُ اسْمٌ لَهُ وَلَيْسَ بِصِفَةٍ وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=60وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ اسْجُدُوا لِلرَّحْمَنِ قَالُوا وَمَا الرَّحْمَنُ وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=30وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِالرَّحْمَنِ وَقَدْ تَكَرَّرَ مِثْلُ هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ فِي الْقُرْآنِ وَخَاصَّةً فِي السُّوَرِ الْمَكِّيَّةِ مِثْلَ سُورَةِ الْفُرْقَانِ وَسُورَةِ الْمُلْكِ . وَقَدْ ذُكِرَ الرَّحْمَانُ فِي سُورَةِ الْمُلْكِ بِاسْمِهِ الظَّاهِرِ وَضَمِيرِهِ ثَمَانِيَ مَرَّاتٍ مِمَّا يُفِيدُ الِاهْتِمَامَ بِتَقْرِيرِ هَذَا الِاسْمِ لِلَّهِ تَعَالَى فِي نُفُوسِ السَّامِعِينَ فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ تُنُوسِيَ فِي كَلَامِهِمْ . أَوْ أَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ .
وَمِنْ دَقَائِقَ الْقُرْآنِ أَنَّهُ آثَرَ اسْمَ الرَّحْمَانِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=19مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا الرَّحْمَنُ فِي سُورَةِ الْمُلْكِ ، وَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=79مَا يُمْسِكُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ إِذْ كَانَتْ آيَةُ سُورَةِ الْمُلْكِ مَكِّيَّةً وَآيَةُ سُورَةِ النَّحْلِ الْقَدْرَ النَّازِلَ
بِالْمَدِينَةِ مِنْ تِلْكَ السُّورَةِ ، وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِ شُعَرَاءِ
بَنِي حَنِيفَةَ فِي
مُسَيْلِمَةَ سَمَوْتَ بِالْمَجْدِ يَا ابْنَ الْأَكْرَمِينَ أَبًا وَأَنْتَ غَيْثُ الْوَرَى لَا زِلْتَ رَحْمَانَا
فَإِنَّمَا قَالَهُ بَعْدَ مَجِيءِ الْإِسْلَامِ وَفِي أَيَّامِ رِدَّةِ
أَهْلِ الْيَمَامَةِ ، وَقَدْ لَقَّبُوا
مُسَيْلِمَةَ أَيَّامَئِذٍ رَحْمَانَ
الْيَمَامَةِ وَذَلِكَ مِنْ غُلُوِّهِمْ فِي الْكُفْرِ .
وَإِجْرَاءُ هَذَيْنِ الْوَصْفَيْنِ الْعَلِيَّيْنِ عَلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ بَعْدَ
[ ص: 173 ] وَصْفِهِ بِأَنَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ لِمُنَاسَبَةٍ ظَاهِرَةٍ لِلْبَلِيغِ لِأَنَّهُ بَعْدَ أَنْ وُصِفَ بِمَا هُوَ مُقْتَضَى اسْتِحْقَاقِهِ الْحَمْدَ مِنْ كَوْنِهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ أَيْ مُدَبِّرُ شُؤُونِهِمْ وَمُبْلِغُهُمْ إِلَى كَمَالِهِمْ فِي الْوُجُودَيْنِ الْجُثْمَانِيِّ وَالرُّوحَانِيِّ ، نَاسَبَ أَنْ يُتْبِعَ ذَلِكَ بِوَصْفِهِ بِالرَّحْمَانِ أَيِ الَّذِي الرَّحْمَةُ لَهُ وَصْفٌ ذَاتِيٌّ تَصْدُرُ عَنْهُ آثَارُهُ بِعُمُومٍ وَاطِّرَادٍ عَلَى مَا تَقَدَّمَ ، فَلَمَّا كَانَ رَبًّا لِلْعَالَمِينَ وَكَانَ الْمَرْبُوبُونَ ضُعَفَاءً كَانَ احْتِيَاجُهُمْ لِلرَّحْمَةِ وَاضِحًا وَكَانَ تَرَقُّبُهُمْ إِيَّاهَا مِنَ الْمَوْصُوفِ بِهَا بِالذَّاتِ نَاجِحًا .
فَإِنْ قُلْتَ إِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29693_28722الرُّبُوبِيَّةَ تَقْتَضِي الرَّحْمَةَ لِأَنَّهَا إِبْلَاغُ الشَّيْءِ إِلَى كَمَالِهِ شَيْئًا فَشَيْئًا وَذَلِكَ يَجْمَعُ النِّعَمَ كُلَّهَا ، فَلِمَاذَا احْتِيجَ إِلَى ذِكْرِ كَوْنِهِ رَحْمَانًا ؟ قُلْتُ لِأَنَّ الرَّحْمَةَ تَتَضَمَّنُ أَنَّ ذَلِكَ الْإِبْلَاغَ إِلَى الْكَمَالِ لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْإِعْنَاتِ بَلْ كَانَ بِرِعَايَةِ مَا يُنَاسِبُ كُلَّ نَوْعٍ وَفَرْدٍ وَيُلَائِمُ طَوْقَهُ وَاسْتِعْدَادَهُ ، فَكَانَتِ الرُّبُوبِيَّةُ نِعْمَةً ، وَالنِّعْمَةُ قَدْ تَحْصُلُ بِضَرْبٍ مِنَ الشِّدَّةِ وَالْأَذَى ، فَأَتْبَعَ ذَلِكَ بِوَصْفِهِ بِالرَّحْمَانِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ تِلْكَ النِّعَمَ الْجَلِيلَةَ وَصَلَتْ إِلَيْنَا بِطَرِيقِ الرِّفْقِ وَالْيُسْرِ وَنَفْيِ الْحَرَجِ ، حَتَّى فِي أَحْكَامِ التَّكَالِيفِ وَالْمَنَاهِي وَالزَّوَاجِرِ فَإِنَّهَا مَرْفُوقَةٌ بِالْيُسْرِ بِقَدْرِ مَا لَا يُبْطِلُ الْمَقْصُودَ مِنْهَا ، فَمُعْظَمُ تَدْبِيرِهِ تَعَالَى بِنَا هُوَ رَحَمَاتٌ ظَاهِرَةٌ كَالتَّمْكِينِ مِنَ الْأَرْضِ وَتَيْسِيرِ مَنَافِعِهَا ، وَمِنْهُ مَا رَحْمَتُهُ بِمُرَاعَاةِ الْيُسْرِ بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ مِثْلَ التَّكَالِيفِ الرَّاجِعَةِ إِلَى مَنَافِعِنَا كَالطَّهَارَةِ وَبَثِّ مَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ ، وَمِنْهَا مَا مَنْفَعَتُهُ لِلْجُمْهُورِ فَتَتْبَعُهَا رَحَمَاتُ الْجَمِيعِ لِأَنَّ فِي رَحْمَةِ الْجُمْهُورِ رَحْمَةً بِالْبَقِيَّةِ فِي انْتِظَامِ الْأَحْوَالِ كَالزَّكَاةِ .
وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28722_29693لَفْظَ رَحْمَانٍ لَوْ لَمْ يُقْرَنْ بِلَامِ التَّعْرِيفِ هَلْ يُصْرَفُ أَوْ يُمْنَعُ مِنَ الصَّرْفِ ؟ قَالَ فِي الْكَافِيَةِ : النُّونُ وَالْأَلِفُ إِذَا كَانَا فِي صِفَةٍ فَشَرْطُ مَنْعِهِ مِنَ الصَّرْفِ انْتِفَاءُ فَعْلَانَةٍ ، وَقِيلَ وُجُودُ فَعْلَى ، وَمِنْ ثَمَّ اخْتُلِفَ فِي رَحْمَانٍ ،
وَبَنُو أَسَدٍ يَصْرِفُونَ جَمِيعَ فَعْلَانَ لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ فِي كُلِّ مُؤَنَّثٍ لَهُ فَعْلَانَةٌ وَاخْتَارَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَالرَّضِيُّ وَابْنُ مَالِكٍ عَدَمَ صَرْفِهِ .