nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217nindex.php?page=treesubj&link=28973_8193يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير
من أهم تفاصيل الأحوال في القتال الذي كتب على المسلمين في الآية قبل هذه ، أن يعلموا ما إذا صادف القتال بينهم وبين المشركين الأشهر الحرم إذ كان محجرا في العرب من عهد
[ ص: 324 ] قديم ، ولم يذكر الإسلام إبطال ذلك الحجر; لأنه من المصالح قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=97جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام فكان الحال يبعث على السؤال عن استمرار حرمة الشهر الحرام في نظر الإسلام .
روى
الواحدي في أسباب النزول عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري مرسلا وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير مرسلا ومطولا ، أن هذه الآية نزلت في
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341254شأن سرية عبد الله بن جحش ، فإن النبيء صلى الله عليه وسلم أرسله في ثمانية من أصحابه يتلقى عيرا لقريش ببطن نخلة في جمادى الآخرة في السنة الثانية من الهجرة ، فلقي المسلمون العير فيها تجارة من الطائف وعلى العير عمرو بن الحضرمي ، فقتل رجل من المسلمين عمرا وأسر اثنين من أصحابه وهما عثمان بن عبد الله بن المغيرة والحكم بن كيسان وفر منهم نوفل بن عبد الله بن المغيرة وغنم المسلمون غنيمة ، وذلك أول يوم من رجب وهم يظنونه من جمادى الآخرة ، فعظم ذلك على قريش وقالوا : استحل محمد الشهر الحرام وشنعوا ذلك فنزلت هذه الآية . فقيل : إن النبيء صلى الله عليه وسلم رد عليهم الغنيمة والأسيرين ، وقيل : رد الأسيرين وأخذ الغنيمة .
فإذا صح ذلك كان نزول هذه الآية قبل نزول آية
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216كتب عليكم القتال وهو كره لكم وآية
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم بمدة طويلة فلما نزلت الآيتان بعد هذه ، كان وضعهما في التلاوة قبلها بتوقيف خاص لتكون هذه الآية إكمالا لما اشتملت عليه الآيتان الأخريان ، وهذا له نظائر في كثير من الآيات باعتبار النزول والتلاوة .
والأظهر عندي أن هذه الآية نزلت بعد الآية التي قبلها وأنها تكملة وتأكيد لآية
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194الشهر الحرام بالشهر الحرام .
والسؤال المذكور هنا هو سؤال المشركين النبيء صلى الله عليه وسلم يوم
الحديبية ، هل يقاتل في الشهر الحرام كما تقدم عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194الشهر الحرام بالشهر الحرام .
وهذا هو المناسب لقوله هنا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وصد عن سبيل الله إلخ ، وقيل : سؤال المشركين عن قتال سرية
عبد الله بن جحش .
فالجملة استئناف ابتدائي ، وردت على سؤال الناس عن القتال في الشهر الحرام ومناسبة موقعها عقب آية
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216كتب عليكم القتال ظاهرة .
والتعريف في الشهر الحرام تعريف الجنس ، ولذلك أحسن إبدال النكرة منه في قوله :
[ ص: 325 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قتال فيه ، وهو بدل اشتمال فيجوز فيه إبدال النكرة من المعرفة ، بخلاف بدل البعض على أن وصف النكرة هنا بقوله فيه يجعلها في قوة المعرفة .
فالمراد بيان حكم أي شهر كان من الأشهر الحرم وأي قتال ، فإن كان السؤال إنكاريا من المشركين فكون المراد جنس هذه الأشهر ظاهر ، وإن كان استفسارا من المسلمين فكذلك ، ومجرد كون الواقعة التي تسبب عليها السؤال وقعت في شهر معين لا يقتضي تخصيص السؤال بذلك الشهر ، إذ لا يخطر ببال السائل بل المقصود السؤال عن دوام هذا الحكم المتقرر عندهم قبل الإسلام وهو لا يختص بشهر دون شهر .
وإنما اختير طريق الإبدال هنا وكان مقتضى الظاهر أن يقال : يسألونك عن القتال في الشهر الحرام لأجل ، الاهتمام بالشهر الحرام تنبيها على أن السؤال لأجل الشهر أيقع فيه قتال ؟ لا لأجل القتال هل يقع في الشهر وهما متآيلان ، لكن التقديم لقضاء حق الاهتمام ، وهذه نكتة لإبدال عطف البيان تنفع في مواقع كثيرة ، على أن في طريق بدل الاشتمال تشويقا بارتكاب الإجمال ثم التفصيل ، وتنكير " قتال " مراد به العموم ، إذ ليس المسئول عنه قتالا معينا ولا في شهر معين ، بل المراد هذا الجنس في هذا الجنس . و فيه ظرف صفة لقتال مخصصة له .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قل قتال فيه كبير إظهار لفظ القتال في مقام الإضمار ليكون الجواب صريحا حتى لا يتوهم أن الشهر الحرام هو الكبير ، وليكون الجواب على طبق السؤال في اللفظ ، وإنما لم يعرف لفظ القتال ثانيا باللام مع تقدم ذكره في السؤال ، لأنه قد استغنى عن تعريفه باتحاد الوصفين في لفظ السؤال ولفظ الجواب وهو ظرف ( فيه ) ، إذ ليس المقصود من تعريف النكرة باللام إذا أعيد ذكرها إلا التنصيص على أن المراد بها تلك الأولى لا غيرها ، وقد حصل ذلك بالوصف المتحد ، قال
التفتازاني : فالمسئول عنه هو المجاب عنه وليس غيره كما توهم بناء على أن النكرة إذا أعيدت نكرة كانت غير الأولى ، لأن هذا ليس بضربة لازم يريد أن ذلك يتبع القرائن .
والجواب تشريع إن كان السؤال من المسلمين ، واعتراف وإبكات إن كان السؤال إنكارا من المشركين ، لأنهم توقعوا أن يجيبهم بإباحة القتال فيثوروا بذلك العرب ومن في قلبه مرض .
[ ص: 326 ] والكبير في الأصل هو عظيم الجثة من نوعه ، وهو مجاز في القوي والكثير والمسن والفاحش ، وهو استعارة مبنية على تشبيه المعقول بالمحسوس ، شبه القوي في نوعه بعظيم الجثة في الأفراد ، لأنه مألوف في أنه قوي ، وهو هنا بمعنى العظيم في المآثم بقرينة المقام ، مثل تسمية الذنب كبيرة ، وقول النبيء صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341255وما يعذبان في كبير وإنه لكبير الحديث .
والمعنى أن
nindex.php?page=treesubj&link=8193القتال في الأشهر الحرم إثم كبير ، فالنكرة هنا للعموم بقرينة المقام ، إذ لا خصوصية لقتال قوم دون آخرين ، ولا لقتل في شهر دون غيره ، لا سيما ومطابقة الجواب للسؤال قد أكدت العموم ، لأن المسئول عنه حكم هذا الجنس وهو القتال في هذا الجنس وهو الشهر الحرام من غير تفصيل ، فإن أجدر أفراد القتال بأن يكون مباحا هو قتالنا المشركين ومع ذلك فهو المسئول عنه وهو الذي وقع التحرج منه ، أما تقاتل المسلمين فلا يختص إثمه بوقوعه في الشهر الحرام ، وأما قتال الأمم الآخرين فلا يخطر بالبال حينئذ .
والآية دليل على تحريم القتال في الأشهر الحرم وتقرير لما لتلك الأشهر من الحرمة التي جعلها الله لها منذ زمن قديم ، لعله من عهد
إبراهيم عليه السلام فإن حرمة الزمان تقتضي ترك الإثم في مدته .
وهذه الأشهر هي زمن للحج ومقدماته وخواتمه وللعمرة كذلك فلو لم يحرم القتال في خلالها لتعطل الحج والعمرة ، ولذلك أقرها الإسلام أيام كان في بلاد العرب مشركون لفائدة المسلمين وفائدة الحج ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=97جعل الله الكعبة البيت الحرام قياما للناس والشهر الحرام الآية .
وتحريم القتال في الشهر الحرام قد خصص بعد هذه الآية ثم نسخ ، فأما تخصيصه فبقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191ولا تقاتلوهم عند المسجد الحرام حتى يقاتلوكم فيه إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194الشهر الحرام بالشهر الحرام والحرمات قصاص .
وأما نسخه فبقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=1براءة من الله ورسوله إلى الذين عاهدتم من المشركين فسيحوا في الأرض أربعة أشهر إلى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فإنها صرحت بإبطال العهد الذي عاهد المسلمون المشركين على الهدنة ، وهو العهد الواقع في صلح
الحديبية; لأنه لم يكن عهدا مؤقتا بزمن معين ولا بالأبد ، ولأن المشركين نكثوا أيمانهم
[ ص: 327 ] كما في الآية الأخرى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=13ألا تقاتلون قوما نكثوا أيمانهم وهموا بإخراج الرسول . ثم إن الله تعالى أجلهم أجلا وهو انقضاء الأشهر الحرم من ذلك العام وهو عام تسعة من الهجرة في حجة
أبي بكر بالناس ، لأن تلك الآية نزلت في شهر شوال وقد خرج المشركون فقال لهم
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=2فسيحوا في الأرض أربعة أشهر فأخرها آخر المحرم من عام عشرة من الهجرة ، ثم قال
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فإذا انسلخ الأشهر الحرم أي تلك الأشهر الأربعة
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم فنسخ تحريم القتال في الأشهر الحرم ، لأن المشركين جمع معرف بلام الجنس وهو من صيغ العموم وعموم الأشخاص يستلزم عموم الأزمنة والأمكنة على التحقيق ، ولذلك قاتل النبيء صلى الله عليه وسلم
ثقيفا في شهر ذي القعدة عقب فتح
مكة كما في كتب الصحيح .
وأغزى
أبا عامر إلى
أوطاس في الشهر الحرام ، وقد أجمع المسلمون على مشروعية
nindex.php?page=treesubj&link=7861الغزو في جميع أشهر السنة يغزون أهل الكتاب وهم أولى بالحرمة في الأشهر الحرم من المشركين .
فإن قلت : إذا نسخ تحريم القتال في الأشهر الحرم فما معنى قول النبيء صلى الله عليه وسلم في خطبة حجة الوداع
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341256إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا فإن التشبيه يقتضي تقرير حرمة الأشهر . قلت : إن تحريم القتال فيها تبع لتعظيمها وحرمتها وتنزيهها عن وقوع الجرائم والمظالم فيها فالجريمة فيها تعد أعظم منها لو كانت في غيرها .
والقتال الظلم محرم في كل وقت ، والقتال لأجل الحق عبادة فنسخ تحريم القتال فيها لذلك وبقيت حرمة الأشهر بالنسبة لبقية الجرائم .
وأحسن من هذا أن الآية قررت حرمة القتال في الأشهر الحرم لحكمة تأمين سبل الحج والعمرة ، إذ العمرة أكثرها في رجب ولذلك قال
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قتال فيه كبير واستمر ذلك إلى أن أبطل النبيء صلى الله عليه وسلم الحج على المشركين في عام حجة
أبي بكر بالناس; إذ قد صارت
مكة بيد المسلمين ودخل في الإسلام
قريش ومعظم قبائل العرب والبقية منعوا من زيارة
مكة ، وأن ذلك كان يقتضي إبطال تحريم القتال في الأشهر الحرم; لأن تحريمه فيها لأجل تأمين سبيل الحج والعمرة .
وقد تعطل ذلك بالنسبة للمشركين ولم يبق الحج إلا للمسلمين وهم لا قتال بينهم ، إذ
nindex.php?page=treesubj&link=8197_8195قتال الظلم محرم في كل زمان وقتال الحق يقع في كل وقت ما لم يشغل عنه شاغل مثل الحج ، فتسميته
[ ص: 328 ] نسخا تسامح ، وإنما هو انتهاء مورد الحكم ، ومثل هذا التسامح في الأسماء معروف في كلام المتقدمين ، ثم أسلم جميع المشركين قبل حجة الوداع وذكر النبيء صلى الله عليه وسلم حرمة الأشهر الحرم في خطبته ، وقد تعطل حينئذ العمل بحرمة القتال في الأشهر الحرم ، إذ لم يبق مشرك يقصد الحج .
فمعنى نسخ تحريم القتال في الأشهر الحرم أن الحاجة إليه قد انقضت كما انتهى مصرف المؤلفة قلوبهم من مصارف الزكاة بالإجماع لانقراضهم .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217nindex.php?page=treesubj&link=28973_8193يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ
مِنْ أَهَمِّ تَفَاصِيلِ الْأَحْوَالِ فِي الْقِتَالِ الَّذِي كُتِبَ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي الْآيَةِ قَبْلَ هَذِهِ ، أَنْ يَعْلَمُوا مَا إِذَا صَادَفَ الْقِتَالُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْمُشْرِكِينَ الْأَشْهُرَ الْحُرُمَ إِذْ كَانَ مَحْجَرًا فِي الْعَرَبِ مِنْ عَهْدٍ
[ ص: 324 ] قَدِيمٍ ، وَلَمْ يَذْكُرِ الْإِسْلَامُ إِبْطَالَ ذَلِكَ الْحَجْرِ; لِأَنَّهُ مِنَ الْمَصَالِحِ قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=97جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ فَكَانَ الْحَالُ يَبْعَثُ عَلَى السُّؤَالِ عَنِ اسْتِمْرَارِ حُرْمَةِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ فِي نَظَرِ الْإِسْلَامِ .
رَوَى
الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ مُرْسَلًا وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ مُرْسَلًا وَمُطَوَّلًا ، أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341254شَأْنِ سَرِيَّةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ ، فَإِنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَرْسَلَهُ فِي ثَمَانِيَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ يَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيْشٍ بِبَطْنِ نَخْلَةَ فِي جُمَادَى الْآخِرَةِ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنِ الْهِجْرَةِ ، فَلَقِيَ الْمُسْلِمُونَ الْعِيرَ فِيهَا تِجَارَةٌ مَنِ الطَّائِفِ وَعَلَى الْعِيرِ عَمْرُو بْنُ الْحَضْرَمِيِّ ، فَقَتَلَ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ عَمْرًا وَأَسَرَ اثْنَيْنِ مِنْ أَصْحَابِهِ وَهُمَا عُثْمَانُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَالْحَكَمُ بْنُ كَيْسَانَ وَفَرَّ مِنْهُمْ نَوْفَلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغِيرَةِ وَغَنِمَ الْمُسْلِمُونَ غَنِيمَةً ، وَذَلِكَ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ رَجَبٍ وَهُمْ يَظُنُّونَهُ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ ، فَعَظُمَ ذَلِكَ عَلَى قُرَيْشٍ وَقَالُوا : اسْتَحَلَّ مُحَمَّدٌ الشَّهْرَ الْحَرَامَ وَشَنَّعُوا ذَلِكَ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ . فَقِيلَ : إِنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَدَّ عَلَيْهِمُ الْغَنِيمَةَ وَالْأَسِيرَيْنِ ، وَقِيلَ : رَدَّ الْأَسِيرَيْنِ وَأَخَذَ الْغَنِيمَةَ .
فَإِذَا صَحَّ ذَلِكَ كَانَ نُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ قَبْلَ نُزُولِ آيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَآيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=190وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ بِمُدَّةٍ طَوِيلَةٍ فَلَمَّا نَزَلَتِ الْآيَتَانِ بَعْدَ هَذِهِ ، كَانَ وَضْعُهُمَا فِي التِّلَاوَةِ قَبْلَهَا بِتَوْقِيفٍ خَاصٍّ لِتَكُونَ هَذِهِ الْآيَةُ إِكْمَالًا لِمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الْآيَتَانِ الْأُخْرَيَانِ ، وَهَذَا لَهُ نَظَائِرُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْآيَاتِ بِاعْتِبَارِ النُّزُولِ وَالتِّلَاوَةِ .
وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ بَعْدَ الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا وَأَنَّهَا تَكْمِلَةٌ وَتَأْكِيدٌ لِآيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ .
وَالسُّؤَالُ الْمَذْكُورُ هُنَا هُوَ سُؤَالُ الْمُشْرِكِينَ النَّبِيءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ ، هَلْ يُقَاتَلُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ كَمَا تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ .
وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقَوْلِهِ هُنَا
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِلَخْ ، وَقِيلَ : سُؤَالُ الْمُشْرِكِينَ عَنْ قِتَالِ سَرِيَّةِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جَحْشٍ .
فَالْجُمْلَةُ اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ ، وَرَدَّتْ عَلَى سُؤَالِ النَّاسِ عَنِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَمُنَاسَبَةُ مَوْقِعِهَا عَقِبَ آيَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=216كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتَالُ ظَاهِرَةٌ .
وَالتَّعْرِيفُ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ تَعْرِيفُ الْجِنْسِ ، وَلِذَلِكَ أُحْسِنَ إِبْدَالُ النَّكِرَةِ مِنْهُ فِي قَوْلِهِ :
[ ص: 325 ] nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قِتَالٍ فِيهِ ، وَهُوَ بَدَلُ اشْتِمَالٍ فَيَجُوزُ فِيهِ إِبْدَالُ النَّكِرَةِ مِنَ الْمَعْرِفَةِ ، بِخِلَافِ بَدَلِ الْبَعْضِ عَلَى أَنَّ وَصْفَ النَّكِرَةِ هُنَا بِقَوْلِهِ فِيهِ يَجْعَلُهَا فِي قُوَّةِ الْمَعْرِفَةِ .
فَالْمُرَادُ بَيَانُ حُكْمِ أَيِّ شَهْرٍ كَانَ مِنَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَأَيِّ قِتَالٍ ، فَإِنْ كَانَ السُّؤَالُ إِنْكَارِيًّا مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَكَوْنُ الْمُرَادِ جِنْسَ هَذِهِ الْأَشْهُرِ ظَاهِرٌ ، وَإِنْ كَانَ اسْتِفْسَارًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَلِكَ ، وَمُجَرَّدُ كَوْنِ الْوَاقِعَةِ الَّتِي تَسَبَّبَ عَلَيْهَا السُّؤَالُ وَقَعَتْ فِي شَهْرٍ مُعَيَّنٍ لَا يَقْتَضِي تَخْصِيصَ السُّؤَالِ بِذَلِكَ الشَّهْرِ ، إِذْ لَا يَخْطُرُ بِبَالِ السَّائِلِ بَلِ الْمَقْصُودُ السُّؤَالُ عَنْ دَوَامِ هَذَا الْحُكْمِ الْمُتَقَرِّرِ عِنْدَهُمْ قَبْلَ الْإِسْلَامِ وَهُوَ لَا يَخْتَصُّ بِشَهْرٍ دُونَ شَهْرٍ .
وَإِنَّمَا اخْتِيرَ طَرِيقُ الْإِبْدَالِ هُنَا وَكَانَ مُقْتَضَى الظَّاهِرِ أَنْ يُقَالَ : يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ لِأَجَلِ ، الِاهْتِمَامِ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ تَنْبِيهًا عَلَى أَنَّ السُّؤَالَ لِأَجْلِ الشَّهْرِ أَيَقَعُ فِيهِ قِتَالٌ ؟ لَا لِأَجْلِ الْقِتَالِ هَلْ يَقَعُ فِي الشَّهْرِ وَهُمَا مُتَآيِلَانِ ، لَكِنَّ التَّقْدِيمَ لِقَضَاءِ حَقِّ الِاهْتِمَامِ ، وَهَذِهِ نُكْتَةٌ لِإِبْدَالِ عَطْفِ الْبَيَانِ تَنْفَعُ فِي مَوَاقِعَ كَثِيرَةٍ ، عَلَى أَنَّ فِي طَرِيقِ بَدَلِ الِاشْتِمَالِ تَشْوِيقًا بِارْتِكَابِ الْإِجْمَالِ ثُمَّ التَّفْصِيلِ ، وَتَنْكِيرُ " قِتَالٍ " مُرَادٌ بِهِ الْعُمُومُ ، إِذْ لَيْسَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ قِتَالًا مُعَيَّنًا وَلَا فِي شَهْرٍ مُعَيَّنٍ ، بَلِ الْمُرَادُ هَذَا الْجِنْسُ فِي هَذَا الْجِنْسِ . وَ فِيهِ ظَرْفُ صِفَةٍ لِقِتَالٍ مُخَصَّصَةٍ لَهُ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ إِظْهَارُ لَفْظِ الْقِتَالِ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ لِيَكُونَ الْجَوَابُ صَرِيحًا حَتَّى لَا يُتَوَهَّمَ أَنَّ الشَّهْرَ الْحَرَامَ هُوَ الْكَبِيرُ ، وَلِيَكُونَ الْجَوَابُ عَلَى طَبَقِ السُّؤَالِ فِي اللَّفْظِ ، وَإِنَّمَا لَمْ يُعَرِّفْ لَفْظَ الْقِتَالِ ثَانِيًا بِاللَّامِ مَعَ تَقَدُّمِ ذِكْرِهِ فِي السُّؤَالِ ، لِأَنَّهُ قَدِ اسْتَغْنَى عَنْ تَعْرِيفِهِ بِاتِّحَادِ الْوَصْفَيْنِ فِي لَفْظِ السُّؤَالِ وَلَفْظِ الْجَوَابِ وَهُوَ ظَرْفُ ( فِيهِ ) ، إِذْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مِنْ تَعْرِيفِ النَّكِرَةِ بِاللَّامِ إِذَا أُعِيدَ ذِكْرُهَا إِلَّا التَّنْصِيصُ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا تِلْكَ الْأُولَى لَا غَيْرُهَا ، وَقَدْ حَصَلَ ذَلِكَ بِالْوَصْفِ الْمُتَّحِدِ ، قَالَ
التَّفْتَازَانِيُّ : فَالْمَسْئُولُ عَنْهُ هُوَ الْمُجَابُ عَنْهُ وَلَيْسَ غَيْرُهُ كَمَا تُوُهِّمَ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّكِرَةَ إِذَا أُعِيدَتْ نَكِرَةً كَانَتْ غَيْرَ الْأُولَى ، لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِضَرْبَةِ لَازِمٍ يُرِيدُ أَنَّ ذَلِكَ يَتْبَعُ الْقَرَائِنَ .
وَالْجَوَابُ تَشْرِيعٌ إِنْ كَانَ السُّؤَالُ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، وَاعْتِرَافٌ وَإِبْكَاتٌ إِنْ كَانَ السُّؤَالُ إِنْكَارًا مِنَ الْمُشْرِكِينَ ، لِأَنَّهُمْ تَوَقَّعُوا أَنْ يُجِيبَهُمْ بِإِبَاحَةِ الْقِتَالِ فَيُثَوِّرُوا بِذَلِكَ الْعَرَبَ وَمَنْ فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ .
[ ص: 326 ] وَالْكَبِيرُ فِي الْأَصْلِ هُوَ عَظِيمُ الْجُثَّةِ مِنْ نَوْعِهِ ، وَهُوَ مَجَازٌ فِي الْقَوِيِّ وَالْكَثِيرِ وَالْمُسِنِّ وَالْفَاحِشِ ، وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مَبْنِيَّةٌ عَلَى تَشْبِيهِ الْمَعْقُولِ بِالْمَحْسُوسِ ، شَبَّهَ الْقَوِيَّ فِي نَوْعِهِ بِعَظِيمِ الْجُثَّةِ فِي الْأَفْرَادِ ، لِأَنَّهُ مَأْلُوفٌ فِي أَنَّهُ قَوِيٌّ ، وَهُوَ هُنَا بِمَعْنَى الْعَظِيمِ فِي الْمَآثِمِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ ، مِثْلَ تَسْمِيَةِ الذَّنْبِ كَبِيرَةً ، وَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341255وَمَا يُعَذَّبَانِ فِي كَبِيرٍ وَإِنَّهُ لَكَبِيرٌ الْحَدِيثَ .
وَالْمَعْنَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=8193الْقِتَالَ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ إِثْمٌ كَبِيرٌ ، فَالنَّكِرَةُ هُنَا لِلْعُمُومِ بِقَرِينَةِ الْمَقَامِ ، إِذْ لَا خُصُوصِيَّةَ لِقِتَالِ قَوْمٍ دُونَ آخَرِينَ ، وَلَا لِقَتْلٍ فِي شَهْرٍ دُونَ غَيْرِهِ ، لَا سِيَّمَا وَمُطَابَقَةُ الْجَوَابِ لِلسُّؤَالِ قَدْ أَكَّدَتِ الْعُمُومَ ، لِأَنَّ الْمَسْئُولَ عَنْهُ حُكْمُ هَذَا الْجِنْسِ وَهُوَ الْقِتَالُ فِي هَذَا الْجِنْسِ وَهُوَ الشَّهْرُ الْحَرَامُ مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ ، فَإِنَّ أَجْدَرَ أَفْرَادِ الْقِتَالِ بِأَنْ يَكُونَ مُبَاحًا هُوَ قِتَالُنَا الْمُشْرِكِينَ وَمَعَ ذَلِكَ فَهُوَ الْمَسْئُولُ عَنْهُ وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ التَّحَرُّجُ مِنْهُ ، أَمَّا تَقَاتُلُ الْمُسْلِمِينَ فَلَا يَخْتَصُّ إِثْمُهُ بِوُقُوعِهِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ، وَأَمَّا قِتَالُ الْأُمَمِ الْآخَرِينَ فَلَا يَخْطُرُ بِالْبَالِ حِينَئِذٍ .
وَالْآيَةُ دَلِيلٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ وَتَقْرِيرٌ لِمَا لِتِلْكَ الْأَشْهَرِ مِنَ الْحُرْمَةِ الَّتِي جَعَلَهَا اللَّهُ لَهَا مُنْذُ زَمَنٍ قَدِيمٍ ، لَعَلَّهُ مِنْ عَهْدِ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَإِنَّ حُرْمَةَ الزَّمَانِ تَقْتَضِي تَرْكَ الْإِثْمِ فِي مُدَّتِهِ .
وَهَذِهِ الْأَشْهُرُ هِيَ زَمَنٌ لِلْحَجِّ وَمُقَدِّمَاتِهِ وَخَوَاتِمِهِ وَلِلْعُمْرَةِ كَذَلِكَ فَلَوْ لَمْ يَحْرُمِ الْقِتَالُ فِي خِلَالِهَا لِتَعَطَّلَ الْحَجُّ وَالْعُمْرَةُ ، وَلِذَلِكَ أَقَرَّهَا الْإِسْلَامُ أَيَّامَ كَانَ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ مُشْرِكُونَ لِفَائِدَةِ الْمُسْلِمِينَ وَفَائِدَةِ الْحَجِّ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=97جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ الْآيَةَ .
وَتَحْرِيمُ الْقِتَالِ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ قَدْ خُصِّصَ بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ ثُمَّ نُسِخَ ، فَأَمَّا تَخْصِيصُهُ فَبِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=191وَلَا تُقَاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ حَتَّى يُقَاتِلُوكُمْ فِيهِ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=194الشَّهْرُ الْحَرَامُ بِالشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْحُرُمَاتُ قِصَاصٌ .
وَأَمَّا نَسْخُهُ فَبِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=1بَرَاءَةٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إِلَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ فَإِنَّهَا صَرَّحَتْ بِإِبْطَالِ الْعَهْدِ الَّذِي عَاهَدَ الْمُسْلِمُونَ الْمُشْرِكِينَ عَلَى الْهُدْنَةِ ، وَهُوَ الْعَهْدُ الْوَاقِعُ فِي صُلْحِ
الْحُدَيْبِيَةِ; لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَهْدًا مُؤَقَّتًا بِزَمَنٍ مُعَيَّنٍ وَلَا بِالْأَبَدِ ، وَلِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ
[ ص: 327 ] كَمَا فِي الْآيَةِ الْأُخْرَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=13أَلَا تُقَاتِلُونَ قَوْمًا نَكَثُوا أَيْمَانَهُمْ وَهَمُّوا بِإِخْرَاجِ الرَّسُولِ . ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَجَّلَهُمْ أَجَلًا وَهُوَ انْقِضَاءُ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مِنْ ذَلِكَ الْعَامِ وَهُوَ عَامُ تِسْعَةٍ مِنِ الْهِجْرَةِ فِي حَجَّةِ
أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ ، لِأَنَّ تِلْكَ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَهْرِ شَوَّالٍ وَقَدْ خَرَجَ الْمُشْرِكُونَ فَقَالَ لَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=2فَسِيحُوا فِي الْأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ فَأَخَّرَهَا آخِرَ الْمُحَرَّمِ مِنْ عَامِ عَشَرَةٍ مِنِ الْهِجْرَةِ ، ثُمَّ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ أَيْ تِلْكَ الْأَشْهُرُ الْأَرْبَعَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ فَنَسَخَ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ، لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ جَمْعٌ مُعَرَّفٌ بِلَامِ الْجِنْسِ وَهُوَ مِنْ صِيَغِ الْعُمُومِ وَعُمُومُ الْأَشْخَاصِ يَسْتَلْزِمُ عُمُومَ الْأَزْمِنَةِ وَالْأَمْكِنَةِ عَلَى التَّحْقِيقِ ، وَلِذَلِكَ قَاتَلَ النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
ثَقِيفًا فِي شَهْرِ ذِي الْقِعْدَةِ عَقِبَ فَتْحِ
مَكَّةَ كَمَا فِي كُتُبِ الصَّحِيحِ .
وَأَغْزَى
أَبَا عَامِرٍ إِلَى
أَوْطَاسَ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ ، وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ
nindex.php?page=treesubj&link=7861الْغَزْوِ فِي جَمِيعِ أَشْهُرِ السَّنَةِ يَغْزُونَ أَهْلَ الْكِتَابِ وَهُمْ أَوْلَى بِالْحُرْمَةِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ .
فَإِنْ قُلْتَ : إِذَا نُسِخَ تَحْرِيمُ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فَمَا مَعْنَى قَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي خُطْبَةِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341256إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا فِي شَهْرِكُمْ هَذَا فِي بَلَدِكُمْ هَذَا فَإِنَّ التَّشْبِيهَ يَقْتَضِي تَقْرِيرَ حُرْمَةِ الْأَشْهُرِ . قُلْتُ : إِنْ تَحْرِيمَ الْقِتَالِ فِيهَا تَبَعٌ لِتَعْظِيمِهَا وَحُرْمَتِهَا وَتَنْزِيهِهَا عَنْ وُقُوعِ الْجَرَائِمِ وَالْمَظَالِمِ فِيهَا فَالْجَرِيمَةُ فِيهَا تُعَدُّ أَعْظَمَ مِنْهَا لَوْ كَانَتْ فِي غَيْرِهَا .
وَالْقِتَالُ الظُّلْمُ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ وَقْتٍ ، وَالْقِتَالُ لِأَجْلِ الْحَقِّ عِبَادَةٌ فَنُسِخَ تَحْرِيمُ الْقِتَالِ فِيهَا لِذَلِكَ وَبَقِيَتْ حُرْمَةُ الْأَشْهُرِ بِالنِّسْبَةِ لِبَقِيَّةِ الْجَرَائِمِ .
وَأَحْسَنُ مِنْ هَذَا أَنَّ الْآيَةَ قَرَّرَتْ حُرْمَةَ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ لِحِكْمَةِ تَأْمِينِ سُبُلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ ، إِذِ الْعُمْرَةُ أَكْثَرُهَا فِي رَجَبٍ وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=217قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَاسْتَمَرَّ ذَلِكَ إِلَى أَنْ أَبْطَلَ النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْحَجَّ عَلَى الْمُشْرِكِينَ فِي عَامِ حَجَّةِ
أَبِي بَكْرٍ بِالنَّاسِ; إِذْ قَدْ صَارَتْ
مَكَّةُ بِيَدِ الْمُسْلِمِينَ وَدَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ
قُرَيْشٌ وَمُعْظَمُ قَبَائِلِ الْعَرَبِ وَالْبَقِيَّةُ مُنِعُوا مِنْ زِيَارَةِ
مَكَّةَ ، وَأَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَقْتَضِي إِبْطَالَ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ; لِأَنَّ تَحْرِيمَهُ فِيهَا لِأَجْلِ تَأْمِينِ سَبِيلِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ .
وَقَدْ تَعَطَّلَ ذَلِكَ بِالنِّسْبَةِ لِلْمُشْرِكِينَ وَلَمْ يَبْقَ الْحَجُّ إِلَّا لِلْمُسْلِمِينَ وَهُمْ لَا قِتَالَ بَيْنَهُمْ ، إِذْ
nindex.php?page=treesubj&link=8197_8195قِتَالُ الظُّلْمِ مُحَرَّمٌ فِي كُلِّ زَمَانٍ وَقِتَالُ الْحَقِّ يَقَعُ فِي كُلِّ وَقْتٍ مَا لَمْ يَشْغَلْ عَنْهُ شَاغِلٌ مِثْلُ الْحَجِّ ، فَتَسْمِيَتُهُ
[ ص: 328 ] نَسْخًا تَسَامُحٌ ، وَإِنَّمَا هُوَ انْتِهَاءُ مَوْرِدِ الْحُكْمِ ، وَمِثْلُ هَذَا التَّسَامُحِ فِي الْأَسْمَاءِ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ ، ثُمَّ أَسْلَمَ جَمِيعُ الْمُشْرِكِينَ قَبْلَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَذَكَرَ النَّبِيءُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حُرْمَةَ الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ فِي خُطْبَتِهِ ، وَقَدْ تَعَطَّلَ حِينَئِذٍ الْعَمَلُ بِحُرْمَةِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ ، إِذْ لَمْ يَبْقَ مُشْرِكٌ يَقْصِدُ الْحَجَّ .
فَمَعْنَى نَسْخِ تَحْرِيمِ الْقِتَالِ فِي الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ أَنَّ الْحَاجَةَ إِلَيْهِ قَدِ انْقَضَتْ كَمَا انْتَهَى مَصْرِفُ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ مِنْ مَصَارِفِ الزَّكَاةِ بِالْإِجْمَاعِ لِانْقِرَاضِهِمْ .