[ ص: 5 ] بسم الله الرحمن الرحيم ( سورة الزمر )
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32nindex.php?page=treesubj&link=29010_29706_30539_30542فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين .
أفادت الفاء تفريع ما بعدها على ما قبلها تفريع القضاء عن الخصومة التي في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=31ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون إذ علمت أن الاختصام كني به عن الحكم بينهم فيما خالفوا فيه وأنكروه ، والمعنى : يقضي بينكم يوم القيامة فيكون القضاء على من كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه إذ هو الذي لا أظلم منه ، أي : فيكون القضاء على المشركين إذ كذبوا على الله بنسبة الشركاء إليه والبنات ، وكذبوا بالصدق وهو القرآن ، وما صدق من كذب على الله الفريق الذين في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=30وإنهم ميتون وهم المعنيون في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=24وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون .
وقد كني عن كونهم مدينين بتحقيق أنهم أظلم لأن من العدل أن لا يقر الظالم على ظلمه فإذا وصف الخصم بأنه ظالم علم أنه محكوم عليه كما قال تعالى حكاية عن
داود nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=24لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه .
وقد عدل عن صوغ الحكم عليهم بصيغة الإخبار إلى صوغه في صورة الاستفهام للإيماء إلى أن السامع لا يسعه إلا الجواب بأنهم أظلم .
فالاستفهام مستعمل مجازا مرسلا أو كناية مراد به أنهم أظلم الظالمين وأنه لا ظالم أظلم منهم ، فآل معناه إلى نفي أن يكون فريق أظلم منهم فإنهم أتوا أصنافا من
[ ص: 6 ] الظلم العظيم :
nindex.php?page=treesubj&link=29706_18984ظلم الاعتداء على حرمة الرب بالكذب في صفاته إذ زعموا أن له شركاء في الربوبية ، والكذب عليه بادعاء أنه أمرهم بما هم عليه من الباطل ، وظلم الرسول - صلى الله عليه وسلم - بتكذيبه ، وظلم القرآن بنسبته إلى الباطل ، وظلم المؤمنين بالأذى ، وظلم حقائق العالم بقلبها وإفسادها ، وظلم أنفسهم بإقحامها في العذاب الخالد .
وعدل عن الإتيان بضمير " هم " إلى الإتيان بالموصول لما في الصلة من الإيماء إلى وجه كونهم أظلم الناس .
وإنما اقتصر في التعليل على أنهم كذبوا على الله وكذبوا بالصدق لأن هذين الكذبين هما جماع ما أتوا به من الظلم المذكور آنفا .
والصدق : ضد الكذب .
والمراد بالصدق القرآن الذي جاء به النبيء - صلى الله عليه وسلم - ومجيء الصدق إليهم : بلوغه إياهم ، أي : سماعهم إياه وفهمهم فإنه بلسانهم وجاء بأفصح بيان بحيث لا يعرض عنه إلا مكابر مؤثر حظوظ الشهوة والباطل على حظوظ الإنصاف والنجاة .
وفي الجمع بين كلمة " الصدق " وفعل " كذب " محسن الطباق .
و
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32إذ جاءه متعلق بـ " كذب " ، و " إذ " ظرف زمن ماض وهو مشعر بالمقارنة بين الزمن الذي تدل عليه الجملة المضاف إليها ، وحصول متعلقه ، فقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32إذ جاءه يدل على أنه كذب بالحق بمجرد بلوغه إياه بدون مهلة ، أي : بادر بالتكذيب بالحق عند بلوغه إياه من غير وقفة لإعمال رؤية ولا اهتمام بميز بين حق وباطل .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32أليس في جهنم مثوى للكافرين مبينة لمضمون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32فمن أظلم ممن كذب على الله أي أن ظلمهم أوجب أن يكون مثواهم في جهنم .
والاستفهام تقريري ، وإنما وجه الاستفهام إلى نفي ما المقصود التقرير به جريا
[ ص: 7 ] على الغالب في الاستفهام التقريري وهي طريقة إرخاء العنان للمقرر بحيث يفتح له باب الإنكار علما من المتكلم بأن المخاطب لا يسعه الإنكار فلا يلبث أن يقر بالإثبات .
ويجوز أن يكون الاستفهام إنكاريا ردا لاعتقادهم أنهم ناجون من النار الدال عليه تصميمهم على الإعراض عن التدبر في دعوة القرآن .
والكافرون : هم الذين كفروا بالله فأثبتوا له الشركاء أو كذبوا الرسل بعد ظهور دلالة صدقهم ، والتعريف في الكافرين للجنس المفيد للاستغراق فشمل الكافرين المتحدث عنهم شمولا أوليا .
وتكون الجملة مفيدة للتذييل أيضا ، ويكون اقتضاء مصير الكافرين المتحدث عنهم إلى النار ثابتا بشبه الدليل الذي يعم مصير جميع الجنس الذي هم من أصنافه .
وليس في الكلام إظهار في مقام الإضمار .
والمثوى : اسم مكان الثواء ، وهو القرار ، فالمثوى : المقر .
[ ص: 5 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ( سُورَةُ الزُّمَرِ )
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32nindex.php?page=treesubj&link=29010_29706_30539_30542فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ .
أَفَادَتِ الْفَاءُ تَفْرِيعَ مَا بَعْدَهَا عَلَى مَا قَبْلَهَا تَفْرِيعَ الْقَضَاءِ عَنِ الْخُصُومَةِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=31ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِذْ عَلِمْتَ أَنَّ الِاخْتِصَامَ كُنِّيَ بِهِ عَنِ الْحُكْمِ بَيْنَهُمْ فِيمَا خَالَفُوا فِيهِ وَأَنْكَرُوهُ ، وَالْمَعْنَى : يَقْضِي بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَى مَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جَاءَهُ إِذْ هُوَ الَّذِي لَا أَظْلَمَ مِنْهُ ، أَيْ : فَيَكُونُ الْقَضَاءُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ إِذْ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ بِنِسْبَةِ الشُّرَكَاءِ إِلَيْهِ وَالْبَنَاتِ ، وَكَذَّبُوا بِالصِّدْقِ وَهُوَ الْقُرْآنُ ، وَمَا صَدَقُ مَنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ الْفَرِيقُ الَّذِينَ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=30وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ وَهُمُ الْمَعْنِيُّونَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=24وَقِيلَ لِلظَّالِمِينَ ذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ .
وَقَدْ كُنِّيَ عَنْ كَوْنِهِمْ مَدِينِينَ بِتَحْقِيقِ أَنَّهُمْ أَظْلَمُ لِأَنَّ مِنَ الْعَدْلِ أَنْ لَا يُقَرَّ الظَّالِمُ عَلَى ظُلْمِهِ فَإِذَا وُصِفَ الْخَصْمُ بِأَنَّهُ ظَالِمٌ عُلِمَ أَنَّهُ مَحْكُومٌ عَلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ
دَاوُدَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=24لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ .
وَقَدْ عُدِلَ عَنْ صَوْغِ الْحُكْمِ عَلَيْهِمْ بِصِيغَةِ الْإِخْبَارِ إِلَى صَوْغِهِ فِي صُورَةِ الِاسْتِفْهَامِ لِلْإِيمَاءِ إِلَى أَنَّ السَّامِعَ لَا يَسَعُهُ إِلَّا الْجَوَابُ بِأَنَّهُمْ أَظْلَمُ .
فَالِاسْتِفْهَامُ مُسْتَعْمَلٌ مَجَازًا مُرْسَلًا أَوْ كِنَايَةً مُرَادٌ بِهِ أَنَّهُمْ أَظْلَمُ الظَّالِمِينَ وَأَنَّهُ لَا ظَالِمَ أَظْلَمُ مِنْهُمْ ، فَآلَ مَعْنَاهُ إِلَى نَفْيِ أَنْ يَكُونَ فَرِيقٌ أَظْلَمَ مِنْهُمْ فَإِنَّهُمْ أَتَوْا أَصْنَافًا مِنَ
[ ص: 6 ] الظُّلْمِ الْعَظِيمِ :
nindex.php?page=treesubj&link=29706_18984ظُلْمِ الِاعْتِدَاءِ عَلَى حُرْمَةِ الرَّبِّ بِالْكَذِبِ فِي صِفَاتِهِ إِذْ زَعَمُوا أَنَّ لَهُ شُرَكَاءَ فِي الرُّبُوبِيَّةِ ، وَالْكَذِبِ عَلَيْهِ بِادِّعَاءِ أَنَّهُ أَمَرَهُمْ بِمَا هُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْبَاطِلِ ، وَظُلْمِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِتَكْذِيبِهِ ، وَظُلْمِ الْقُرْآنِ بِنِسْبَتِهِ إِلَى الْبَاطِلِ ، وَظُلْمِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْأَذَى ، وَظُلْمِ حَقَائِقِ الْعَالَمِ بِقَلْبِهَا وَإِفْسَادِهَا ، وَظُلْمِ أَنْفُسِهِمْ بِإِقْحَامِهَا فِي الْعَذَابِ الْخَالِدِ .
وَعُدِلَ عَنِ الْإِتْيَانِ بِضَمِيرِ " هُمْ " إِلَى الْإِتْيَانِ بِالْمَوْصُولِ لِمَا فِي الصِّلَةِ مِنَ الْإِيمَاءِ إِلَى وَجْهِ كَوْنِهِمْ أَظْلَمَ النَّاسِ .
وَإِنَّمَا اقْتُصِرَ فِي التَّعْلِيلِ عَلَى أَنَّهُمْ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وَكَذَّبُوا بِالصِّدْقِ لِأَنَّ هَذَيْنِ الْكَذِبَيْنِ هُمَا جِمَاعُ مَا أَتَوْا بِهِ مِنَ الظُّلْمِ الْمَذْكُورِ آنِفًا .
وَالصِّدْقُ : ضِدُّ الْكَذِبِ .
وَالْمُرَادُ بِالصِّدْقِ الْقُرْآنُ الَّذِي جَاءَ بِهِ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَجِيءُ الصِّدْقِ إِلَيْهِمْ : بُلُوغُهُ إِيَّاهُمْ ، أَيْ : سَمَاعُهُمْ إِيَّاهُ وَفَهْمُهُمْ فَإِنَّهُ بِلِسَانِهِمْ وَجَاءَ بِأَفْصَحِ بَيَانٍ بِحَيْثُ لَا يُعْرِضُ عَنْهُ إِلَّا مُكَابِرٌ مُؤْثِرٌ حُظُوظَ الشَّهْوَةِ وَالْبَاطِلِ عَلَى حُظُوظِ الْإِنْصَافِ وَالنَّجَاةِ .
وَفِي الْجَمْعِ بَيْنَ كَلِمَةِ " الصِّدْقِ " وَفِعْلِ " كَذَّبَ " مُحَسِّنُ الطِّبَاقِ .
وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32إِذْ جَاءَهُ مُتَعَلِّقٌ بِـ " كَذَّبَ " ، وَ " إِذْ " ظَرْفُ زَمَنٍ مَاضٍ وَهُوَ مُشْعِرٌ بِالْمُقَارَنَةِ بَيْنَ الزَّمَنِ الَّذِي تَدُلُّ عَلَيْهِ الْجُمْلَةُ الْمُضَافُ إِلَيْهَا ، وَحُصُولُ مُتَعَلِّقِهِ ، فَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32إِذْ جَاءَهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ كَذَّبَ بِالْحَقِّ بِمُجَرَّدِ بُلُوغِهِ إِيَّاهُ بِدُونِ مُهْلَةٍ ، أَيْ : بَادَرَ بِالتَّكْذِيبِ بِالْحَقِّ عِنْدَ بُلُوغِهِ إِيَّاهُ مِنْ غَيْرِ وَقْفَةٍ لِإِعْمَالِ رُؤْيَةٍ وَلَا اهْتِمَامٍ بِمَيْزٍ بَيْنَ حَقٍّ وَبَاطِلٍ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْكَافِرِينَ مُبَيِّنَةٌ لِمَضْمُونِ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=32فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللَّهِ أَيْ أَنَّ ظُلْمَهُمْ أَوْجَبَ أَنْ يَكُونَ مَثْوَاهُمْ فِي جَهَنَّمَ .
وَالِاسْتِفْهَامُ تَقْرِيرِيٌّ ، وَإِنَّمَا وُجِّهَ الِاسْتِفْهَامُ إِلَى نَفْيِ مَا الْمَقْصُودُ التَّقْرِيرُ بِهِ جَرْيًا
[ ص: 7 ] عَلَى الْغَالِبِ فِي الِاسْتِفْهَامِ التَّقْرِيرِيِّ وَهِيَ طَرِيقَةُ إِرْخَاءِ الْعَنَانِ لِلْمُقَرَّرِ بِحَيْثُ يُفْتَحُ لَهُ بَابُ الْإِنْكَارِ عِلْمًا مِنَ الْمُتَكَلِّمِ بِأَنَّ الْمُخَاطَبَ لَا يَسَعُهُ الْإِنْكَارُ فَلَا يَلْبَثُ أَنْ يُقِرَّ بِالْإِثْبَاتِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِفْهَامُ إِنْكَارِيًّا رَدًّا لِاعْتِقَادِهِمْ أَنَّهُمْ نَاجُونَ مِنَ النَّارِ الدَّالِّ عَلَيْهِ تَصْمِيمُهُمْ عَلَى الْإِعْرَاضِ عَنِ التَّدَبُّرِ فِي دَعْوَةِ الْقُرْآنِ .
وَالْكَافِرُونَ : هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِاللَّهِ فَأَثْبَتُوا لَهُ الشُّرَكَاءَ أَوْ كَذَّبُوا الرُّسُلَ بَعْدَ ظُهُورِ دَلَالَةِ صِدْقِهِمْ ، وَالتَّعْرِيفُ فِي الْكَافِرِينَ لِلْجِنْسِ الْمُفِيدِ لِلِاسْتِغْرَاقِ فَشَمِلَ الْكَافِرِينَ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ شُمُولًا أَوَّلِيًّا .
وَتَكُونُ الْجُمْلَةُ مُفِيدَةً لِلتَّذْيِيلِ أَيْضًا ، وَيَكُونُ اقْتِضَاءُ مَصِيرِ الْكَافِرِينَ الْمُتَحَدَّثِ عَنْهُمْ إِلَى النَّارِ ثَابِتًا بِشِبْهِ الدَّلِيلِ الَّذِي يَعُمُّ مَصِيرَ جَمِيعِ الْجِنْسِ الَّذِي هُمْ مِنْ أَصْنَافِهِ .
وَلَيْسَ فِي الْكَلَامِ إِظْهَارٌ فِي مَقَامِ الْإِضْمَارِ .
وَالْمَثْوَى : اسْمُ مَكَانِ الثُّوَاءِ ، وَهُوَ الْقَرَارُ ، فَالْمَثْوَى : الْمَقَرُّ .