nindex.php?page=treesubj&link=29012_26502_28425_29568nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد .
أعقب تهديدهم على الإلحاد في آيات الله على وجه العموم بالتعرض إلى إلحادهم في آيات القرآن وهو من ذكر الخاص بعد العام للتنويه بخصال القرآن وأنه ليس بعرضة لأن يكفر به بل هو جدير بأن يتقبل بالاقتداء والاهتداء بهديه ، فلهذه الجملة اتصال في المعنى بجملة إن الذين يلحدون في آياتنا واتصال في الموقع بجملة اعملوا ما شئتم .
[ ص: 306 ] وتحديد هذين الاتصالين اختلفت فيه آراء المفسرين ، وعلى اختلافهم فيهما جرى اختلافهم في موقعها من الإعراب وفي موقع أجزائها من تصريح وتقدير .
فجعل صاحب الكشاف قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41إن الذين كفروا بالذكر بدلا من قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40إن الذين يلحدون في آياتنا ، وهو يريد أنه إبدال المفرد من المفرد بدلا مطابقا أو بدل اشتمال ، وأنه بتكرير العامل وهو حرف ( إن ) وإن كانت إعادة العامل مع البدل غير مشهور إلا في حرف الجر كما قال
الرضي ، فكلام
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري في المفصل يقتضي الإطلاق ، وإن كان أتى بمثالين عاملهما حرف جر .
وعلى هذا القول لا يقدر خبر ؛ لأن الخبر عن المبدل منه خبر عن البدل وهو قوله لا يخفون علينا .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو بن العلاء ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16711وعمرو بن عبيد ما يقتضي أنهم يجعلون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41إن الذين كفروا بالذكر جملة مستقلة ؛ لأنهم جعلوا لـ ( إن ) خبرا . فأما
أبو عمرو فقال : خبر إن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44أولئك ينادون من مكان بعيد .
حكي أن
بلال بن أبي بردة سئل في مجلس
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو بن العلاء عن خبر إن فقال : لم أجد لها نفاذا ، فقال له
أبو عمرو : إنه منك لقريب أولئك ينادون من مكان بعيد ، وهو يقتضي جعل الجمل التي بين اسم إن وخبرها جملا معترضة وهي نحو سبع . وأما
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16711وعمرو بن عبيد فقدروا خبرا لاسم إن فقال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي : الخبر محذوف دل عليه قوله قبله
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40أفمن يلقى في النار خير ، فنقدر الخبر : يلقون في النار ، مثلا . وسأل
عيسى بن عمر عمرو بن عبيد عن الخبر ، فقال :
عمرو : معناه أن الذين كفروا بالذكر كفروا به وإنه لكتاب عزيز . فقال
عيسى : أجدت يا
أبا عثمان . ويجيء على قول هؤلاء أن تكون الجملة بدلا من جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40إن الذين يلحدون في آياتنا بدل اشتمال إن أريد بالآيات في قوله في آياتنا مطلق الآيات ، أو بدلا مطابقا إن أريد بالآيات آيات القرآن .
وقيل الخبر قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=43ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من ، أي ما يقال لك فيهم إلا ما قد قلنا للرسل من قبلك في مكذبيهم ، أو ما يقولون إلا كما قاله الأمم
[ ص: 307 ] للرسل من قبلك ، وما بينهما اعتراض .
والكفر بالقرآن يشمل إنكار كل ما يوصف به القرآن من دلائل كونه من عند الله ، وما اشتمل عليه مما خالف معتقدهم ودين شركهم وذلك بالاختلافات التي يختلفونها كقولهم : سحر ، وشعر ، وقول كاهن ، وقول مجنون ولو نشاء لقلنا مثل هذا ، وأساطير الأولين ، وقلوبنا في أكنة ،
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5وفي آذاننا وقر .
والأظهر أن تكون جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41إن الذين كفروا بالذكر إلخ واقعة موقع التعليل للتهديد بالوعيد في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40لا يخفون علينا ، والمعنى : لأنهم جديرون بالعقوبة إذ كفروا بالآيات ، وهي آية القرآن بالحق ، وبشهادة ما أوصي إلى الرسل من قبله .
وموقع إن موقع فاء التعليل . وخبر إن محذوف دل عليه سياق الكلام .
والأحسن أن يكون تقديره بما يدل عليه جملة الحال من جلالة الذكر ونفاسته ، فيكون التقدير : خسروا الدنيا والآخرة ، أو سفهوا أنفسهم أو نحو ذلك مما تذهب إليه نفس السامع البليغ ، ففي هذا الحذف توفير للمعاني وإيجاز في اللفظ يقوم مقام عدة جمل ، وحذف خبر " إن " إذا دل عليه دليل وارد في الكلام أجازه
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه في باب ما يحسن السكوت عليه من هذه الأحرف الخمسة ، وتبعه الجمهور ، وخالفه
الفراء فشرطه بتكرر " إن " ، ومن الحذف قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام الآية في سورة الحج ، وأنشد
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه :
يا ليت أيام الصبا رواجعا
إذ روي بنصب رواجعا على الحال فلم يذكر خبر ليت .
وذكر أن العرب يقولون " إن مالا وإن ولدا " أي إن لهم ، وقول
الأعشى :
إن محلا وإن مرتحلا
[ ص: 308 ] أي أن لنا في الدنيا حلولا ولنا عنها مرتحلا ، إذ ليس بقية البيت وهو قوله :
وإن في السفر إذ مضوا مهلا
ما يصح وقوعه خبرا عن " إن " الأولى . وقال
جميل :
وقالوا نراها يا جميل تنكرت وغيرها الواشي ، فقلت لعلها
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13974الجاحظ في البيان في باب من الكلام المحذوف : عن
الحسن أن
المهاجرين قالوا
يا رسول الله إن الأنصار آوونا ونصرونا ، قال النبيء - صلى الله عليه وسلم - : تعرفون ذلك لهم ، قالوا : نعم ، قال فإن ذلك ليس في الحديث غير هذا يريد فإن ذلك شكر ومكافأة اهـ . وفي المقامة الثالثة والأربعين : حسبك يا شيخ فقد عرفت فنك ، واستبنت أنك ، أي أنك
أبو زيد . وقد مثل في شرح التسهيل لحذف خبر إن بهذه الآية .
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41وإنه لكتاب إلخ في موضع الحال من الذكر ، أي كفروا به في حاله هذا ، ويجوز أن تكون الجملة عطفا على جملة
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41إن الذين كفروا بالذكر على تقدير خبر إن المحذوف .
وقد أجري على القرآن ستة أوصاف ما منها واحد إلا وهو كمال عظيم : الوصف الأول : أنه ذكر ، أي يذكر الناس كلهم بما يغفلون عنه مما في الغفلة عنه فوات فوزهم .
الوصف الثاني من معنى الذكر : أنه ذكر للعرب وسمعة حسنة لهم بين الأمم يخلد لهم مفخرة عظيمة وهو كونه بلغتهم ونزل بينهم كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وإنه لذكر لك ولقومك وفي قوله لما جاءهم إشارة إلى هذا المعنى الثاني .
الوصف الثالث : أنه كتاب عزيز ، والعزيز النفيس ، وأصله من العزة وهي المنعة لأن الشيء النفيس يدافع عنه ويحمى عن النبذ فإنه بين الإتقان وعلو المعاني ووضوح الحجة ، ومثل ذلك يكون عزيزا ، والعزيز أيضا : الذي يغلب ولا يغلب ، وكذلك حجج القرآن .
[ ص: 309 ] الوصف الرابع : أنه لا يتطرقه الباطل ولا يخالطه صريحه ولا ضمنيه ، أي لا يشتمل على الباطل بحال . فمثل ذلك بـ من بين يديه ومن خلفه ، والمقصود استيعاب الجهات تمثيلا لحال انتفاء الباطل عنه في ظاهره وفي تأويله بحال طرد المهاجم ليضر بشخص يأتيه من بين يديه فإن صده خاتله فأتاه من خلفه ، وقد تقدم في قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=17ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم .
فمعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42لا يأتيه الباطل لا يوجد فيه ولا يداخله ، وليس المراد أنه لا يدعى عليه الباطل .
الوصف الخامس : أنه مشتمل على الحكمة وهي المعرفة الحقيقية لأنه تنزيل من حكيم ، ولا يصدر عن الحكيم إلا الحكمة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=269ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا فإن كلام الحكيم يأتي محكما متقنا رصينا لا يشوبه الباطل .
الوصف السادس : أنه تنزيل من حميد ، والحميد هو المحمود حمدا كثيرا ، أي مستحق الحمد الكثير ، فالكلام المنزل منه يستحق الحمد ، وإنما يحمد الكلام إذ يكون دليلا للخيرات وسائقا إليها لا مطعن في لفظه ولا في معناه ، فيحمده سامعه كثيرا ؛ لأنه يجده مجلبة للخير الكثير ، ويحمد قائله لا محالة خلافا للمشركين .
وفي إجراء هذه الأوصاف إيماء إلى حماقة الذين كفروا بهذا القرآن وسفاهة آرائهم إذ فرطوا فيه ففرطوا في أسباب فوزهم في الدنيا وفي الآخرة ولذلك جيء بجملة الحال من الكتاب عقب ذكر تكذيبهم إياه ، فقال
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41وإنه لكتاب عزيز الآيات .
nindex.php?page=treesubj&link=29012_26502_28425_29568nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمَّا جَاءَهُمْ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ .
أَعْقَبَ تَهْدِيدَهُمْ عَلَى الْإِلْحَادِ فِي آيَاتِ اللَّهِ عَلَى وَجْهِ الْعُمُومِ بِالتَّعَرُّضِ إِلَى إِلْحَادِهِمْ فِي آيَاتِ الْقُرْآنِ وَهُوَ مِنْ ذِكْرِ الْخَاصِّ بَعْدَ الْعَامِّ لِلتَّنْوِيهِ بِخِصَالِ الْقُرْآنِ وَأَنَّهُ لَيْسَ بِعُرْضَةٍ لِأَنْ يُكْفَرَ بِهِ بَلْ هُوَ جَدِيرٌ بِأَنْ يُتَقَبَّلَ بِالِاقْتِدَاءِ وَالِاهْتِدَاءِ بِهَدْيِهِ ، فَلِهَذِهِ الْجُمْلَةِ اتِّصَالٌ فِي الْمَعْنَى بِجُمْلَةِ إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا وَاتِّصَالٌ فِي الْمَوْقِعِ بِجُمْلَةِ اعْمَلُوا مَا شِئْتُمْ .
[ ص: 306 ] وَتَحْدِيدُ هَذَيْنِ الِاتِّصَالَيْنِ اخْتَلَفَتْ فِيهِ آرَاءُ الْمُفَسِّرِينَ ، وَعَلَى اخْتِلَافِهِمْ فِيهِمَا جَرَى اخْتِلَافُهُمْ فِي مَوْقِعِهَا مِنَ الْإِعْرَابِ وَفِي مَوْقِعِ أَجْزَائِهَا مِنْ تَصْرِيحٍ وَتَقْدِيرٍ .
فَجَعَلَ صَاحِبُ الْكَشَّافِ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ بَدَلًا مِنْ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا ، وَهُوَ يُرِيدُ أَنَّهُ إِبْدَالُ الْمُفْرَدِ مِنَ الْمُفْرَدِ بَدَلًا مُطَابِقًا أَوْ بَدَلَ اشْتِمَالٍ ، وَأَنَّهُ بِتَكْرِيرِ الْعَامِلِ وَهُوَ حَرْفُ ( إِنَّ ) وَإِنْ كَانَتْ إِعَادَةُ الْعَامِلِ مَعَ الْبَدَلِ غَيْرَ مَشْهُورٍ إِلَّا فِي حَرْفِ الْجَرِّ كَمَا قَالَ
الرَّضِيُّ ، فَكَلَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ فِي الْمُفَصَّلِ يَقْتَضِي الْإِطْلَاقَ ، وَإِنْ كَانَ أَتَى بِمِثَالَيْنِ عَامِلُهُمَا حَرْفُ جَرٍّ .
وَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ لَا يُقَدَّرُ خَبَرٌ ؛ لِأَنَّ الْخَبَرَ عَنِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ خَبَرٌ عَنِ الْبَدَلِ وَهُوَ قَوْلُهُ لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا .
وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16711وَعَمْرِو بْنِ عُبَيْدٍ مَا يَقْتَضِي أَنَّهُمْ يَجْعَلُونَ جُمْلَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ جُمْلَةً مُسْتَقِلَّةً ؛ لِأَنَّهُمْ جَعَلُوا لِـ ( إِنَّ ) خَبَرًا . فَأَمَّا
أَبُو عَمْرٍو فَقَالَ : خَبَرُ إِنَّ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=44أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ .
حُكِيَ أَنَّ
بِلَالَ بْنَ أَبِي بُرْدَةَ سُئِلَ فِي مَجْلِسِ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبِي عَمْرِو بْنِ الْعَلَاءِ عَنْ خَبَرِ إِنَّ فَقَالَ : لَمْ أَجِدْ لَهَا نَفَاذًا ، فَقَالَ لَهُ
أَبُو عَمْرٍو : إِنَّهُ مِنْكَ لَقَرِيبٌ أُولَئِكَ يُنَادَوْنَ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ ، وَهُوَ يَقْتَضِي جَعْلَ الْجُمَلِ الَّتِي بَيْنَ اسْمِ إِنَّ وَخَبَرِهَا جُمَلًا مُعْتَرِضَةً وَهِيَ نَحْوُ سَبْعٍ . وَأَمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16711وَعَمْرُو بْنُ عُبَيْدٍ فَقَدَّرُوا خَبَرًا لِاسْمِ إِنَّ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ : الْخَبَرُ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ قَبْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40أَفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ ، فَنُقَدِّرُ الْخَبَرَ : يُلْقُونَ فِي النَّارِ ، مَثَلًا . وَسَأَلَ
عِيسَى بْنُ عُمَرَ عَمْرَو بْنَ عُبَيْدٍ عَنِ الْخَبَرِ ، فَقَالَ :
عَمْرٌو : مَعْنَاهُ أَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ كَفَرُوا بِهِ وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ . فَقَالَ
عِيسَى : أَجَدْتَ يَا
أَبَا عُثْمَانَ . وَيَجِيءُ عَلَى قَوْلِ هَؤُلَاءِ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ بَدَلًا مِنْ جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40إِنَّ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي آيَاتِنَا بَدَلَ اشْتِمَالٍ إِنْ أُرِيدَ بِالْآيَاتِ فِي قَوْلِهِ فِي آيَاتِنَا مُطْلَقُ الْآيَاتِ ، أَوْ بَدَلًا مُطَابِقًا إِنْ أُرِيدَ بِالْآيَاتِ آيَاتُ الْقُرْآنِ .
وَقِيلَ الْخَبَرُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=43مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ ، أَيْ مَا يُقَالُ لَكَ فِيهِمْ إِلَّا مَا قَدْ قُلْنَا لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ فِي مُكَذِّبِيهِمْ ، أَوْ مَا يَقُولُونَ إِلَّا كَمَا قَالَهُ الْأُمَمُ
[ ص: 307 ] لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ ، وَمَا بَيْنَهُمَا اعْتِرَاضٌ .
وَالْكُفْرُ بِالْقُرْآنِ يَشْمَلُ إِنْكَارَ كُلِّ مَا يُوصَفُ بِهِ الْقُرْآنُ مِنْ دَلَائِلِ كَوْنِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ، وَمَا اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِمَّا خَالَفَ مُعْتَقَدَهُمْ وَدِينَ شِرْكِهِمْ وَذَلِكَ بِالِاخْتِلَافَاتِ الَّتِي يَخْتَلِفُونَهَا كَقَوْلِهِمْ : سِحْرٌ ، وَشِعْرٌ ، وَقَوْلُ كَاهِنٍ ، وَقَوْلُ مَجْنُونٍ وَلَوْ نَشَاءُ لَقُلْنَا مِثْلَ هَذَا ، وَأَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ ، وَقُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=5وَفِي آذَانِنَا وَقْرٌ .
وَالْأَظْهَرُ أَنْ تَكُونَ جُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ إِلَخْ وَاقِعَةً مَوْقِعَ التَّعْلِيلِ لِلتَّهْدِيدِ بِالْوَعِيدِ فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=40لَا يَخْفَوْنَ عَلَيْنَا ، وَالْمَعْنَى : لِأَنَّهُمْ جَدِيرُونَ بِالْعُقُوبَةِ إِذْ كَفَرُوا بِالْآيَاتِ ، وَهِيَ آيَةُ الْقُرْآنِ بِالْحَقِّ ، وَبِشَهَادَةِ مَا أُوصِيَ إِلَى الرُّسُلِ مِنْ قَبْلِهِ .
وَمَوْقِعُ إِنَّ مَوْقِعُ فَاءِ التَّعْلِيلِ . وَخَبَرُ إِنَّ مَحْذُوفٌ دَلَّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْكَلَامِ .
وَالْأَحْسَنُ أَنْ يَكُونَ تَقْدِيرُهُ بِمَا يَدُلُّ عَلَيْهِ جُمْلَةُ الْحَالِ مِنْ جَلَالَةِ الذِّكْرِ وَنَفَاسَتِهِ ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : خَسِرُوا الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ، أَوْ سَفَّهُوا أَنْفُسَهُمْ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا تَذْهَبُ إِلَيْهِ نَفْسُ السَّامِعِ الْبَلِيغِ ، فَفِي هَذَا الْحَذْفِ تَوْفِيرٌ لِلْمَعَانِي وَإِيجَازٌ فِي اللَّفْظِ يَقُومُ مَقَامَ عِدَّةِ جُمَلٍ ، وَحَذْفُ خَبَرِ " إِنَّ " إِذَا دَلَّ عَلَيْهِ دَلِيلٌ وَارِدٌ فِي الْكَلَامِ أَجَازَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ فِي بَابِ مَا يَحْسُنُ السُّكُوتُ عَلَيْهِ مِنْ هَذِهِ الْأَحْرُفِ الْخَمْسَةِ ، وَتَبِعَهُ الْجُمْهُورُ ، وَخَالَفَهُ
الْفَرَّاءُ فَشَرَطَهُ بِتَكَرُّرِ " إِنَّ " ، وَمِنَ الْحَذْفِ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=25إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الْآيَةُ فِي سُورَةِ الْحَجِّ ، وَأَنْشَدَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ :
يَا لَيْتَ أَيَّامَ الصِّبَا رَوَاجِعَا
إِذْ رُوِيَ بِنَصْبِ رَوَاجِعَا عَلَى الْحَالِ فَلَمْ يُذْكَرْ خَبَرُ لَيْتَ .
وَذَكَرَ أَنَّ الْعَرَبَ يَقُولُونَ " إِنَّ مَالًا وَإِنَّ وَلَدًا " أَيْ إِنَّ لَهُمْ ، وَقَوْلَ
الْأَعْشَى :
إِنَّ مَحَلًّا وَإِنَّ مُرْتَحَلًا
[ ص: 308 ] أَيْ أَنَّ لَنَا فِي الدُّنْيَا حُلُولًا وَلَنَا عَنْهَا مُرْتَحَلًا ، إِذْ لَيْسَ بَقِيَّةُ الْبَيْتِ وَهُوَ قَوْلُهُ :
وَإِنَّ فِي السَّفَرِ إِذْ مَضَوْا مَهَلَا
مَا يَصِحُّ وُقُوعُهُ خَبَرًا عَنْ " إِنَّ " الْأُولَى . وَقَالَ
جَمِيلٌ :
وَقَالُوا نَرَاهَا يَا جَمِيلُ تَنَكَّرَتْ وَغَيَّرَهَا الْوَاشِي ، فَقُلْتُ لَعَلَّهَا
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13974الْجَاحِظُ فِي الْبَيَانِ فِي بَابِ مِنَ الْكَلَامِ الْمَحْذُوفِ : عَنِ
الْحَسَنِ أَنَّ
الْمُهَاجِرِينَ قَالُوا
يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْأَنْصَارَ آوَوْنَا وَنَصَرُونَا ، قَالَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : تَعْرِفُونَ ذَلِكَ لَهُمْ ، قَالُوا : نَعَمْ ، قَالَ فَإِنَّ ذَلِكَ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ غَيْرُ هَذَا يُرِيدُ فَإِنَّ ذَلِكَ شُكْرٌ وَمُكَافَأَةٌ اهـ . وَفِي الْمَقَامَةِ الثَّالِثَةِ وَالْأَرْبَعِينَ : حَسْبُكَ يَا شَيْخُ فَقَدْ عَرَفْتُ فَنَّكَ ، وَاسْتَبَنْتُ أَنَّكَ ، أَيْ أَنَّكَ
أَبُو زَيْدٍ . وَقَدْ مَثَّلَ فِي شَرْحِ التَّسْهِيلِ لِحَذْفِ خَبَرِ إِنَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ .
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ إِلَخْ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنَ الذِّكْرِ ، أَيْ كَفَرُوا بِهِ فِي حَالِهِ هَذَا ، وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْجُمْلَةُ عَطْفًا عَلَى جُمْلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ عَلَى تَقْدِيرِ خَبَرِ إِنَّ الْمَحْذُوفِ .
وَقَدْ أُجْرِيَ عَلَى الْقُرْآنِ سِتَّةُ أَوْصَافٍ مَا مِنْهَا وَاحِدٌ إِلَّا وَهُوَ كَمَالٌ عَظِيمٌ : الْوَصْفُ الْأَوَّلُ : أَنَّهُ ذِكْرٌ ، أَيْ يُذَكِّرُ النَّاسَ كُلَّهُمْ بِمَا يَغْفُلُونَ عَنْهُ مِمَّا فِي الْغَفْلَةِ عَنْهُ فَوَاتُ فَوْزِهِمْ .
الْوَصْفُ الثَّانِي مِنْ مَعْنَى الذِّكْرِ : أَنَّهُ ذِكْرٌ لِلْعَرَبِ وَسُمْعَةٌ حَسَنَةٌ لَهُمْ بَيْنَ الْأُمَمِ يُخَلِّدُ لَهُمْ مَفْخَرَةً عَظِيمَةً وَهُوَ كَوْنُهُ بِلُغَتِهِمْ وَنَزَلَ بَيْنَهُمْ كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=44وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ وَفِي قَوْلِهِ لَمَّا جَاءَهُمْ إِشَارَةٌ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى الثَّانِي .
الْوَصْفُ الثَّالِثُ : أَنَّهُ كِتَابٌ عَزِيزٌ ، وَالْعَزِيزُ النَّفِيسُ ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْعِزَّةِ وَهِيَ الْمَنَعَةُ لِأَنَّ الشَّيْءَ النَّفِيسَ يُدَافَعُ عَنْهُ وَيُحْمَى عَنِ النَّبْذِ فَإِنَّهُ بَيْنَ الْإِتْقَانِ وَعُلُوِّ الْمَعَانِي وَوُضُوحِ الْحُجَّةِ ، وَمِثْلُ ذَلِكَ يَكُونُ عَزِيزًا ، وَالْعَزِيزُ أَيْضًا : الَّذِي يَغْلِبُ وَلَا يُغْلَبُ ، وَكَذَلِكَ حُجَجُ الْقُرْآنِ .
[ ص: 309 ] الْوَصْفُ الرَّابِعُ : أَنَّهُ لَا يَتَطَرَّقُهُ الْبَاطِلُ وَلَا يُخَالِطُهُ صَرِيحُهُ وَلَا ضِمْنِيُّهُ ، أَيْ لَا يَشْتَمِلُ عَلَى الْبَاطِلِ بِحَالٍ . فَمُثِّلَ ذَلِكَ بِـ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ ، وَالْمَقْصُودُ اسْتِيعَابُ الْجِهَاتِ تَمْثِيلًا لِحَالِ انْتِفَاءِ الْبَاطِلِ عَنْهُ فِي ظَاهِرِهِ وَفِي تَأْوِيلِهِ بِحَالِ طَرْدِ الْمُهَاجِمِ لِيَضُرَّ بِشَخْصٍ يَأْتِيهِ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ فَإِنْ صَدَّهُ خَاتَلَهُ فَأَتَاهُ مِنْ خَلْفِهِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=17ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ .
فَمَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=42لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ لَا يُوجَدُ فِيهِ وَلَا يُدَاخِلُهُ ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ لَا يُدْعَى عَلَيْهِ الْبَاطِلُ .
الْوَصْفُ الْخَامِسُ : أَنَّهُ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْحِكْمَةِ وَهِيَ الْمَعْرِفَةُ الْحَقِيقِيَّةُ لِأَنَّهُ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ ، وَلَا يَصْدُرُ عَنِ الْحَكِيمِ إِلَّا الْحِكْمَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=269وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا فَإِنَّ كَلَامَ الْحَكِيمِ يَأْتِي مُحْكَمًا مُتْقَنًا رَصِينًا لَا يَشُوبُهُ الْبَاطِلُ .
الْوَصْفُ السَّادِسُ : أَنَّهُ تَنْزِيلٌ مِنْ حَمِيدٍ ، وَالْحَمِيدُ هُوَ الْمَحْمُودُ حَمْدًا كَثِيرًا ، أَيْ مُسْتَحِقٌّ الْحَمْدَ الْكَثِيرَ ، فَالْكَلَامُ الْمُنَزَّلُ مِنْهُ يَسْتَحِقُّ الْحَمْدَ ، وَإِنَّمَا يُحْمَدُ الْكَلَامُ إِذْ يَكُونُ دَلِيلًا لِلْخَيْرَاتِ وَسَائِقًا إِلَيْهَا لَا مَطْعَنَ فِي لَفْظِهِ وَلَا فِي مَعْنَاهُ ، فَيَحْمَدُهُ سَامِعُهُ كَثِيرًا ؛ لِأَنَّهُ يَجِدُهُ مَجْلَبَةً لِلْخَيْرِ الْكَثِيرِ ، وَيُحْمَدُ قَائِلُهُ لَا مَحَالَةَ خِلَافًا لِلْمُشْرِكِينَ .
وَفِي إِجْرَاءِ هَذِهِ الْأَوْصَافِ إِيمَاءٌ إِلَى حَمَاقَةِ الَّذِينَ كَفَرُوا بِهَذَا الْقُرْآنِ وَسَفَاهَةِ آرَائِهِمْ إِذْ فَرَّطُوا فِيهِ فَفَرَّطُوا فِي أَسْبَابِ فَوْزِهِمْ فِي الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلِذَلِكَ جِيءَ بِجُمْلَةِ الْحَالِ مِنَ الْكِتَابِ عَقِبَ ذِكْرِ تَكْذِيبِهِمْ إِيَّاهُ ، فَقَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=41وَإِنَّهُ لَكِتَابٌ عَزِيزٌ الْآيَاتِ .