[ ص: 110 ] nindex.php?page=treesubj&link=29013_33501_32488_19547nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=37والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون
أتبع الموصول السابق بموصولات معطوف بعضها على بعض كما تعطف الصفات للموصوف الواحد ، فكذلك عطف هذه الصلات ، وموصولاتها أصحابها متحدون وهم الذين آمنوا بالله وحده وقد تقدم نظيره عند قوله تعالى : الذين يؤمنون بالغيب ثم قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4والذين يؤمنون بما أنزل إليك الآية في سورة البقرة .
والمقصود من ذلك : هو الاهتمام بالصلات فيكرر الاسم الموصول لتكون صلته معتنى بها حتى كأن صاحبها المتحد منزل منزلة ذوات . فالمقصود : ما عند الله خير وأبقى للمؤمنين الذين هذه صفاتهم ، أي أتبعوا إيمانهم بها . وهذه صفات للمؤمنين باختلاف الأحوال العارضة لهم فهي صفات متداخلة قد تجتمع في المؤمن الواحد إذا وجدت أسبابها وقد لا تجتمع إذا لم توجد بعض أسبابها مثل وأمرهم شورى بينهم .
وقرأ الجمهور ( كبائر ) بصيغة الجمع . وقرأه
حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي وخلف ( كبير ) بالإفراد ، فكبائر الإثم : الفعلات الكبيرة من جنس الإثم وهي الآثام العظيمة التي نهى الشرع عنها نهيا جازما ، وتوعد فاعلها بعقاب الآخرة مثل القذف والاعتداء والبغي . وعلى قراءة ( كبير الإثم ) مراد به معنى كبائر الإثم لأن المفرد لما أضيف إلى معرف بلام الجنس من إضافة الصفة إلى الموصوف كان له حكم ما أضيف هو إليه .
والفواحش : جمع فاحشة ، وهي : الفعلة الموصوفة بالشناعة والتي شدد الدين في النهي عنها وتوعد عليها بالعذاب أو وضع لها عقوبات في الدنيا للذي يظهر عليه من فاعليها . وهذه مثل قتل النفس ، والزنى ، والسرقة ، والحرابة . وتقدم عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28وإذا فعلوا فاحشة قالوا وجدنا عليها آباءنا في سورة الأعراف .
وكبائر الإثم والفواحش قد تدعو إليها القوة الشاهية . ولما كان كثير من كبائر الإثم والفواحش متسببا على القوة الغضبية مثل القتل والجراح والشتم والضرب
[ ص: 111 ] أعقب الثناء على الذين يجتنبونها ، فذكر أن من شيمتهم المغفرة عند الغضب ، أي إمساك أنفسهم عن الاندفاع مع داعية الغضب فلا يغول الغضب أحلامهم .
وجيء بكلمة ( إذا ) المضمنة معنى الشرط والدالة على تحقق الشرط ، لأن الغضب طبيعة نفسية لا تكاد تخلو عنه نفس أحد على تفاوت . وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=37وإذا ما غضبوا هم يغفرون عطف على جملة الصلة .
وقدم المسند إليه على الخبر الفعلي في جملة هم يغفرون لإفادة التقوي .
وتقييد المسند بـ ( إذا ) المفيدة معنى الشرط للدلالة على تكرر الغفران كلما غضبوا .
والمقصود من هذا معاملة المسلمين بعضهم مع بعض فلا يعارضه قوله الآتي والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون لأن ذلك في معاملتهم مع أعداء دينهم .
[ ص: 110 ] nindex.php?page=treesubj&link=29013_33501_32488_19547nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=37وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ
أَتْبَعَ الْمَوْصُولَ السَّابِقَ بِمَوْصُولَاتٍ مَعْطُوفٍ بَعْضُهَا عَلَى بَعْضٍ كَمَا تُعْطَفُ الصِّفَاتُ لِلْمَوْصُوفِ الْوَاحِدِ ، فَكَذَلِكَ عَطْفُ هَذِهِ الصِّلَاتِ ، وَمَوْصُولَاتُهَا أَصْحَابُهَا مُتَحِدُّونَ وَهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ نَظِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى : الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ثُمَّ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=4وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ الْآيَةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَالْمَقْصُودُ مِنْ ذَلِكَ : هُوَ الِاهْتِمَامُ بِالصِّلَاتِ فَيُكَرَّرُ الِاسْمُ الْمَوْصُولُ لِتَكُونَ صِلَتُهُ مُعْتَنًى بِهَا حَتَّى كَأَنَّ صَاحِبَهَا الْمُتَّحِدَ مُنَزَّلٌ مَنْزِلَةَ ذَوَاتٍ . فَالْمَقْصُودُ : مَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ هَذِهِ صِفَاتُهُمْ ، أَيْ أَتْبَعُوا إِيمَانَهُمْ بِهَا . وَهَذِهِ صِفَاتٌ لِلْمُؤْمِنِينَ بِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ الْعَارِضَةِ لَهُمْ فَهِيَ صِفَاتٌ مُتَدَاخِلَةٌ قَدْ تَجْتَمِعُ فِي الْمُؤْمِنَ الْوَاحِدِ إِذَا وُجِدَتْ أَسْبَابُهَا وَقَدْ لَا تَجْتَمِعُ إِذَا لَمْ تُوجَدْ بَعْضُ أَسْبَابِهَا مِثْلَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( كَبَائِرَ ) بِصِيغَةِ الْجَمْعِ . وَقَرَأَهُ
حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ وَخَلَفٌ ( كَبِيرَ ) بِالْإِفْرَادِ ، فَكَبَائِرُ الْإِثْمِ : الْفِعْلَاتُ الْكَبِيرَةُ مِنْ جِنْسِ الْإِثْمِ وَهِيَ الْآثَامُ الْعَظِيمَةُ الَّتِي نَهَى الشَّرْعُ عَنْهَا نَهْيًا جَازِمًا ، وَتَوَعَّدَ فَاعِلَهَا بِعِقَابِ الْآخِرَةِ مِثْلَ الْقَذْفِ وَالِاعْتِدَاءِ وَالْبَغْيِ . وَعَلَى قِرَاءَةِ ( كَبِيرَ الْإِثْمِ ) مُرَادٌ بِهِ مَعْنَى كَبَائِرِ الْإِثْمِ لِأَنَّ الْمُفْرَدَ لَمَّا أُضِيفَ إِلَى مُعَرَّفٍ بِلَامِ الْجِنْسِ مِنْ إِضَافَةِ الصِّفَةِ إِلَى الْمَوْصُوفِ كَانَ لَهُ حُكْمُ مَا أُضِيفَ هُوَ إِلَيْهِ .
وَالْفَوَاحِشُ : جَمْعُ فَاحِشَةٍ ، وَهِيَ : الْفِعْلَةُ الْمَوْصُوفَةُ بِالشَّنَاعَةِ وَالَّتِي شَدَّدَ الدِّينُ فِي النَّهْيِ عَنْهَا وَتَوَعَّدَ عَلَيْهَا بِالْعَذَابِ أَوْ وَضَعَ لَهَا عُقُوبَاتٍ فِي الدُّنْيَا لِلَّذِي يَظْهَرُ عَلَيْهِ مِنْ فَاعِلِيهَا . وَهَذِهِ مِثْلُ قَتْلِ النَّفْسِ ، وَالزِّنَى ، وَالسَّرِقَةِ ، وَالْحِرَابَةِ . وَتَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=28وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ .
وَكَبَائِرُ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشِ قَدْ تَدْعُو إِلَيْهَا الْقُوَّةُ الشَّاهِيَةُ . وَلَمَّا كَانَ كَثِيرٌ مِنْ كَبَائِرِ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشِ مُتَسَبِّبًا عَلَى الْقُوَّةِ الْغَضَبِيَّةِ مِثْلَ الْقَتْلِ وَالْجِرَاحِ وَالشَّتْمِ وَالضَّرْبِ
[ ص: 111 ] أَعْقَبَ الثَّنَاءَ عَلَى الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَهَا ، فَذَكَرَ أَنَّ مِنْ شِيمَتِهِمُ الْمَغْفِرَةَ عِنْدَ الْغَضَبِ ، أَيْ إِمْسَاكَ أَنْفُسِهِمْ عَنْ الِانْدِفَاعِ مَعَ دَاعِيَةِ الْغَضَبِ فَلَا يَغُولُ الْغَضَبُ أَحْلَامَهُمْ .
وَجِيءَ بِكَلِمَةِ ( إِذَا ) الْمُضَمَّنَةِ مَعْنَى الشَّرْطِ وَالدَّالَّةِ عَلَى تَحَقُّقِ الشَّرْطِ ، لِأَنَّ الْغَضَبَ طَبِيعَةٌ نَفْسِيَّةٌ لَا تَكَادُ تَخْلُو عَنْهُ نَفْسُ أَحَدٍ عَلَى تَفَاوُتٍ . وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=37وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ عَطْفٌ عَلَى جُمْلَةِ الصِّلَةِ .
وَقَدَّمَ الْمُسْنَدَ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ فِي جُمْلَةِ هُمْ يَغْفِرُونَ لِإِفَادَةِ التَّقَوِّي .
وَتَقْيِيدُ الْمُسْنَدِ بِـ ( إِذَا ) الْمُفِيدَةِ مَعْنَى الشَّرْطِ لِلدَّلَالَةِ عَلَى تَكَرُّرِ الْغُفْرَانِ كُلَّمَا غَضِبُوا .
وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا مُعَامَلَةُ الْمُسْلِمِينَ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ فَلَا يُعَارِضُهُ قَوْلُهُ الْآتِي وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ لِأَنَّ ذَلِكَ فِي مُعَامَلَتِهِمْ مَعَ أَعْدَاءِ دِينِهِمْ .