nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=78nindex.php?page=treesubj&link=29026_33147تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام .
إيذان بانتهاء الكلام وفذلكة لما بنيت عليه السورة من التذكير بعظمة الله تعالى ونعمائه في الدنيا والآخرة .
والكلام : إنشاء ثناء على الله تعالى مبالغ فيه بصيغة التفعل التي إذا كان فعلها غير صادر من اثنين فالمقصود منها المبالغة .
والمعنى : وصفه تعالى بكمال البركة ، والبركة : الخير العظيم والنفع ، وقد تطلق البركة على علو الشأن ، وقد تقدم ذلك في أول سورة الفرقان .
والاسم ما دل على ذات سواء كان علما مثل لفظ الله أو كان صفة مثل الصفات العلى وهي الأسماء الحسنى ، فأي اسم قدرت من أسماء الله فهو دال على ذات الله تعالى .
وأسند تبارك إلى اسم وهو ما يعرف به المسمى دون أن يقول : تبارك ربك ، كما قال
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تبارك الذي نزل الفرقان وكما قال
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14فتبارك الله أحسن الخالقين قصد المبالغة في قوله تعالى بصفة البركة على طريقة الكناية لأنها أبلغ من التصريح كما هو مقرر في علم المعاني ، وأطبق عليه البلغاء لأنه إذا كان اسمه قد تبارك فإن ذاته تباركت لا محالة لأن الاسم دال على المسمى ، وهذا على طريقة قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سبح اسم ربك الأعلى فإنه إذا كان التنزيه متعلقا باسمه فتعلق التنزيه بذاته أولى ومنه قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=4وثيابك فطهر على التأويل الشامل ، وقول
عنترة :
فشككت بالرمح الأصم ثيابه ليس الكريم على القنا بمحرم
أراد فشككته بالرمح .
[ ص: 277 ] وأما قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74فسبح باسم ربك العظيم فهو يحتمل أن يكون من قبيل
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فسبح بحمد ربك على أن المراد أن يقول كلاما فيه تنزيه لله فيكون من قبيل قوله بسم الله الرحمن الرحيم ، ويحتمل زيادة الباء فيكون مساويا لقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سبح اسم ربك الأعلى .
وهذه الكناية من دقائق الكلام كقولهم : لا يتعلق الشك بأطرافه وقول . . . :
يبيت بنجاة من اللؤم بيتها إذا ما بيوت بالملامة حلت
ونظير هذا في التنزيه أن القرآن يقرأ ألفاظه من ليس بمتوضئ ولا يمسك المصحف إلا المتوضئ عند جمهور الفقهاء .
فذكر ( اسم ) في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=78تبارك اسم ربك مراعى فيه أن ما عدد من شئون الله تعالى ونعمه وإفضاله لا تحيط به العبارة ، فعبر عنه بهذه المبالغة إذ هي أقصى ما تسمح به اللغة في التعبير ، ليعلم الناس أنهم محقوقون لله تعالى بشكر يوازي عظم نعمه عليهم .
وفي استحضار الجلالة بعنوان ( رب ) مضافا إلى ضمير المخاطب وهو النبيء - صلى الله عليه وسلم - إشارة إلى ما في معنى الرب من السيادة المشوبة بالرأفة والتنمية ، وإلى ما في الإضافة من التنويه بشأن المضاف إليه وإلى كون النبيء - صلى الله عليه وسلم - هو الواسطة في حصول تلك الخيرات للذين خافوا مقام ربهم بما بلغهم النبيء - صلى الله عليه وسلم - من الهدى .
وقرأ الجمهور ( ذي الجلال ) بالياء مجرورا صفة ل ربك وهو كذلك مرسوم في غير المصحف الشامي . وقرأه ،
ابن عامر ، ( ذو الجلال ) صفة ل ( اسم ) كما في قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=27ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام . وكذلك هو مرسوم في غير مصحف أهل
الشام . والمعنى واحد على الاعتبارين .
ولكن إجماع القراء على رفع ( ذو الجلال ) الواقع موقع
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=27ويبقى وجه ربك واختلاف الرواية في جر
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=78ذي الجلال هنا يشعر بأن لفظ ( وجه ) أقوى دلالة على الذات من لفظ ( اسم ) لما علمت من جواز أن يكون المعنى جريان البركة
[ ص: 278 ] على التلفظ بأسماء الله بخلاف قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=27ويبقى وجه ربك فذلك من حكمة إنزال القرآن على سبعة أحرف .
والجلال : العظمة ، وهو جامع لصفات الكمال اللائقة به تعالى . والإكرام : إسداء النعمة والخير ، فهو إذن حقيق بالثناء والشكر .
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=78nindex.php?page=treesubj&link=29026_33147تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ .
إِيذَانٌ بِانْتِهَاءِ الْكَلَامِ وَفَذْلَكَةً لِمَا بُنِيَتْ عَلَيْهِ السُّورَةُ مِنَ التَّذْكِيرِ بِعَظَمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنَعْمَائِهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ .
وَالكَّلَامُ : إِنْشَاءُ ثَنَاءٍ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَبَالِغٍ فِيهِ بِصِيغَةِ التَّفَعُّلِ الَّتِي إِذَا كَانَ فِعْلُهَا غَيْرَ صَادِرٍ مِنِ اثْنَيْنِ فَالْمَقْصُودُ مِنْهَا الْمُبَالَغَةُ .
وَالْمَعْنَى : وَصَفُهُ تَعَالَى بِكَمَالِ الْبَرَكَةِ ، وَالْبَرَكَةُ : الْخَيْرُ الْعَظِيمُ وَالنَّفْعُ ، وَقَدْ تُطْلَقُ الْبَرَكَةُ عَلَى عُلُوِّ الشَّأْنِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ سُورَةِ الْفُرْقَانِ .
وَالْاِسْمُ مَا دَلَّ عَلَى ذَاتٍ سَوَاءَ كَانَ عَلَمًا مِثْلَ لَفْظِ اللَّهِ أَوْ كَانَ صِفَةً مِثْلَ الصِّفَاتِ الْعُلَى وَهِيَ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى ، فَأَيُّ اسْمٍ قَدَّرْتَ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ فَهُوَ دَالٌّ عَلَى ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى .
وَأَسْنَدَ تَبَارَكَ إِلَى اسْمٍ وَهُوَ مَا يُعْرَفُ بِهِ الْمُسَمَّى دُونَ أَنْ يَقُولَ : تَبَارَكَ رَبُّكَ ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ وَكَمَا قَالَ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=14فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ قَصَدَ الْمُبَالَغَةَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى بِصِفَةِ الْبَرَكَةِ عَلَى طَرِيقَةِ الْكِنَايَةِ لِأَنَّهَا أَبْلَغُ مِنَ التَّصْرِيحِ كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ الْمَعَانِي ، وَأَطْبَقَ عَلَيْهِ الْبُلَغَاءُ لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ اسْمُهُ قَدْ تَبَارَكَ فَإِنَّ ذَاتَهُ تَبَارَكَتْ لَا مَحَالَةَ لِأَنَّ الْاِسْمَ دَالٌّ عَلَى الْمُسَمَّى ، وَهَذَا عَلَى طَرِيقَةِ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى فَإِنَّهُ إِذَا كَانَ التَّنْزِيهُ مُتَعَلِّقًا بِاسْمِهِ فَتَعَلُّقُ التَّنْزِيهِ بِذَاتِهِ أَوْلَى وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=74&ayano=4وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ عَلَى التَّأْوِيلِ الشَّامِلِ ، وَقَوْلُ
عَنْتَرَةَ :
فَشَكَكْتُ بِالرُّمْحِ الْأَصَمِّ ثِيَابَهُ لَيْسَ الْكَرِيمُ عَلَى الْقَنَا بِمُحْرِمٍ
أَرَادَ فَشَكَكْتُهُ بِالرُّمْحِ .
[ ص: 277 ] وَأَمَّا قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=56&ayano=74فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ فَهُوَ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مِنْ قَبِيلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=110&ayano=3فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَنْ يَقُولَ كَلَامًا فِيهِ تَنْزِيهٌ لِلَّهِ فَيَكُونُ مِنْ قَبِيلِ قَوْلِهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، وَيَحْتَمِلُ زِيَادَةَ الْبَاءِ فَيَكُونُ مُسَاوِيًا لِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=87&ayano=1سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى .
وَهَذِهِ الْكِنَايَةُ مِنْ دَقَائِقِ الْكَلَامِ كَقَوْلِهِمْ : لَا يَتَعَلَّقُ الشَّكُّ بِأَطْرَافِهِ وَقَوْلِ . . . :
يَبِيتُ بِنَجَاةٍ مِنَ اللُّؤْمِ بَيْتُهَا إِذَا مَا بُيُوتٌ بِالْمَلَامَةِ حَلَّتْ
وَنَظِيرُ هَذَا فِي التَّنْزِيهِ أَنَّ الْقُرْآنَ يَقْرَأُ أَلْفَاظَهُ مِنْ لَيْسَ بِمُتَوَضِّئٍ وَلَا يُمْسِكُ الْمُصْحَفَ إِلَّا الْمُتَوَضِّئُ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ .
فَذِكْرُ ( اسْمُ ) فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=78تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ مُرَاعًى فِيهِ أَنَّ مَا عُدِّدَ مِنْ شُئُونِ اللَّهِ تَعَالَى وَنِعَمِهِ وَإِفْضَالِهِ لَا تُحِيطُ بِهِ الْعِبَارَةُ ، فَعَبَّرَ عَنْهُ بِهَذِهِ الْمُبَالَغَةِ إِذْ هِيَ أَقْصَى مَا تَسْمَحُ بِهِ اللُّغَةُ فِي التَّعْبِيرِ ، لِيَعْلَمَ النَّاسُ أَنَّهُمْ مَحْقُوقُونَ لِلَّهِ تَعَالَى بِشُكْرٍ يُوَازِي عِظَمَ نِعَمِهِ عَلَيْهِمْ .
وَفِي اسْتِحْضَارِ الْجَلَالَةِ بِعُنْوَانِ ( رَبِّ ) مُضَافًا إِلَى ضَمِيرِ الْمُخَاطَبِ وَهُوَ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِشَارَةٌ إِلَى مَا فِي مَعْنَى الرَّبِّ مِنَ السِّيَادَةِ الْمَشُوبَةِ بِالرَّأْفَةِ وَالتَّنْمِيَةِ ، وَإِلَى مَا فِي الْإِضَافَةِ مِنَ التَّنْوِيهِ بِشَأْنِ الْمُضَافِ إِلَيْهِ وَإِلَى كَوْنِ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ الْوَاسِطَةُ فِي حُصُولِ تِلْكَ الْخَيِّرَاتِ لِلَّذِينِ خَافُوا مَقَامَ رَبِّهِمْ بِمَا بَلَّغَهُمُ النَّبِيءُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْهُدَى .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( ذِي الْجَلَالِ ) بِالْيَاءِ مَجْرُورًا صِفَةً لِ رَبِّكَ وَهُوَ كَذَلِكَ مَرْسُومٌ فِي غَيْرِ الْمُصْحَفِ الشَّامِيِّ . وَقَرَأَهُ ،
ابْنُ عَامِرٍ ، ( ذُو الْجَلَالِ ) صِفَةً لِ ( اسْمُ ) كَمَا فِي قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=27وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ . وَكَذَلِكَ هُوَ مَرْسُومٌ فِي غَيْرِ مُصْحَفِ أَهْلِ
الشَّامِ . وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ عَلَى الْاِعْتِبَارَيْنِ .
وَلَكِنَّ إِجْمَاعَ الْقُرَّاءِ عَلَى رَفْعِ ( ذُو الْجَلَالِ ) الْوَاقِعِ مَوْقِعَ
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=27وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ وَاخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي جَرِّ
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=78ذِي الْجَلَالِ هُنَا يُشْعِرُ بِأَنَّ لَفْظَ ( وَجْهُ ) أَقْوَى دَلَالَةٍ عَلَى الذَّاتِ مَنْ لَفْظِ ( اسْمُ ) لِمَا عَلِمْتَ مِنْ جَوَازِ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى جَرَيَانَ الْبَرَكَةِ
[ ص: 278 ] عَلَى التَّلَفُّظِ بِأَسْمَاءِ اللَّهِ بِخِلَافِ قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=27وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ فَذَلِكَ مِنْ حِكْمَةِ إِنْزَالِ الْقُرْآنِ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ .
وَالْجَلَالُ : الْعَظَمَةُ ، وَهُوَ جَامِعٌ لِصِفَاتِ الْكَمَالِ اللَّائِقَةِ بِهِ تَعَالَى . وَالْإِكْرَامُ : إِسْدَاءُ النِّعْمَةِ وَالْخَيْرِ ، فَهُوَ إِذْنٌ حَقِيقٌ بِالثَّنَاءِ وَالشُّكْرِ .