[ ص: 270 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=65nindex.php?page=treesubj&link=28974_32424يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=66هأنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون .
استئناف ابتدائي للانتقال من دعائهم لكلمة الحق الجامعة لحق الدين ، إلى الإنكار عليهم محاجتهم الباطلة للمسلمين في دين
إبراهيم ، وزعم كل فريق منهم أنهم على دينه توصلا إلى أن الذي خالف دينهم لا يكون على دين
إبراهيم كما يدعي النبيء
محمد - صلى الله عليه وسلم - فالمحاجة فرع عن المخالفة في الدعوى . وهذه المحاجة عن طريق قياس المساواة في النفي ، أو محاجتهم النبيء في دعواه أنه على دين
إبراهيم - محاجة يقصدون منها إبطال مساواة دينه لدين
إبراهيم ، بطريقة قياس المساواة في النفي أيضا .
فيجوز أن تكون هذه الجملة من مقول القول المأمور به الرسول في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=64قل يا أهل الكتاب تعالوا أي قل لهم : يا أهل الكتاب لم تحاجون . ويجوز أن يكون الاستئناف من كلام الله تعالى عقب أمره الرسول بأن يقول تعالوا ، فيكون توجيه خطاب إلى أهل الكتاب مباشرة ، ويكون جعل الجملة الأولى من مقول الرسول دون هذه ؛ لأن الأولى من شئون الدعوة ، وهذه من طرق المحاجة ، وإبطال قولهم ، وذلك في الدرجة الثانية من الدعوة . والكل في النسبة إلى الله سواء .
ومناسبة الانتقال من الكلام السابق إلى هذا الكلام نشأت من قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=64فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون لأنه قد شاع فيما نزل من القرآن في
مكة وبعدها أن الإسلام الذي جاء به
محمد - عليه السلام - يرجع إلى الحنيفية دين
إبراهيم كما تقدم تقريره في سورة البقرة ، وكما في سورة النحل
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وسيجيء أن
إبراهيم كان حنيفا مسلما ، وقد اشتهر هذا وأعلن بين المشركين في
مكة ، وبين
اليهود في
المدينة ، وبين
النصارى في وفد
نجران ، وقد علم أن المشركين
بمكة كانوا يدعون أنهم ورثة شريعة
إبراهيم وسدنة بيته ، وكان أهل الكتاب قد ادعوا أنهم
[ ص: 271 ] على دين
إبراهيم ، ولم يتبين لي أكان ذلك منهم ادعاء قديما أم كانوا قد تفطنوا إليه من دعوة
محمد - صلى الله عليه وسلم - فاستيقظوا لتقليده في ذلك ، أم كانوا قالوا ذلك على وجه الإفحام للرسول حين حاجهم بأن دينه الحق ، وأن الدين عند الله الإسلام فألجأوه إلى أحد أمرين : إما أن تكون الزيادة على دين
إبراهيم غير مخرجة عن اتباعه ، فهو مشترك الإلزام في دين اليهودية والنصرانية ، وإما أن تكون مخرجة عن دين
إبراهيم فلا يكون الإسلام تابعا لدين
إبراهيم .
وأحسب أن ادعاءهم أنهم على ملة
إبراهيم إنما انتحلوه لبث كل من الفريقين الدعوة إلى دينه بين العرب ، ولاسيما النصرانية ; فإن دعاتها كانوا يحاولون انتشارها بين العرب فلا يجدون شيئا يروج عندهم سوى أن يقولوا : إنها ملة
إبراهيم ، ومن أجل ذلك اتبعت في بعض قبائل العرب ، وهنالك أخبار في أسباب النزول تثير هذه الاحتمالات : فروي
أن nindex.php?page=treesubj&link=29392وفد نجران قالوا للنبيء - صلى الله عليه وسلم - حين دعاهم إلى اتباع دينه : على أي دين أنت ؟ قال : على ملة إبراهيم قالوا : فقد زدت فيه ما لم يكن فيه فعلى هذه الرواية يكون المخاطب بأهل الكتاب هنا خصوص
النصارى كالخطاب الذي قبله . وروي : أنه تنازعت
اليهود ونصارى
نجران بالمدينة ، عند النبيء - صلى الله عليه وسلم - ، فادعى كل فريق أنه على دين
إبراهيم دون الآخر ، فيكون الخطاب لأهل الكتاب كلهم ، من يهود ونصارى .
ولعل اختلاف المخاطبين هو الداعي لتكرير الخطاب .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=65وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده يكون على حسب الرواية الأولى منعا لقولهم : فقد زدت فيه ما ليس منه ، المقصود منه إبطال أن يكون الإسلام هو دين
إبراهيم . وتفصيل هذا المنع : إنكم لا قبل لكم بمعرفة دين
إبراهيم ، فمن أين لكم أن الإسلام زاد فيما جاء به على دين
إبراهيم ، فإنكم لا مستند لكم في عملكم بأمور الدين إلا التوراة والإنجيل ، وهما قد نزلا من بعد إبراهيم ، فمن أين يعلم ما كانت شريعة
إبراهيم حتى يعلم المزيد عليها ، وذكر التوراة على هذا لأنها أصل الإنجيل . ويكون على حسب الرواية الثانية نفيا لدعوى كل فريق منهما أنه على دين
إبراهيم ; بأن دين
اليهود هو التوراة ، ودين
النصارى هو الإنجيل ، وكلاهما نزل
[ ص: 272 ] بعد
إبراهيم ، فكيف يكون شريعة له . قال
الفخر : يعني ولم يصرح في أحد هذين الكتابين بأنه مطابق لشريعة
إبراهيم ، فذكر التوراة والإنجيل على هذا نشر بعد اللف : لأن أهل الكتاب شمل الفريقين ، فذكر التوراة لإبطال قول
اليهود ، وذكر الإنجيل لإبطال قول
النصارى ، وذكر التوراة والإنجيل هنا لقصد جمع الفريقين في التخطئة ، وإن كان المقصود بادئ ذي بدء هم
النصارى الذين مساق الكلام معهم .
والأظهر عندي في تأليف المحاجة ينتظم من مجموع قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=65وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=66فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=66والله يعلم وأنتم لا تعلمون فيبطل بذلك
nindex.php?page=treesubj&link=29434دعواهم أنهم على دين إبراهيم ، ودعواهم أن الإسلام ليس على دين
إبراهيم ، ويثبت عليهم أن الإسلام على دين
إبراهيم : وذلك أن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=65وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده يدل على أن علمهم في الدين منحصر فيهما ، وهما نزلا بعد
إبراهيم فلا جائز أن يكونا عين صحف
إبراهيم .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=66فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم يبطل قولهم : إن الإسلام زاد على دين
إبراهيم ، ولا يدل على أنهم على دين
إبراهيم ; لأن التوراة والإنجيل لم يرد فيهما التصريح بذلك ، وهذا هو الفارق بين انتساب الإسلام إلى
إبراهيم وانتساب اليهودية والنصرانية إليه ، فلا يقولون وكيف يدعى أن الإسلام دين
إبراهيم مع أن القرآن أنزل من بعد
إبراهيم كما أنزلت التوراة والإنجيل من بعده .
وقوله والله يعلم يدل على أن الله أنبأ في القرآن بأنه أرسل
محمدا بالإسلام دين
إبراهيم وهو أعلم منكم بذلك ، ولم يسبق أن امتن عليكم بمثل ذلك في التوراة والإنجيل فأنتم لا تعلمون ذلك ، فلما جاء الإسلام وأنبأ بذلك أردتم أن تنتحلوا هذه المزية ، واستيقظتم لذلك حسدا على هذه النعمة ، فنهضت الحجة عليهم ، ولم يبق لهم معذرة في أن يقولوا : إن مجيء التوراة والإنجيل من بعد
إبراهيم مشترك الإلزام لنا ولكم ; فإن القرآن أنزل بعد
إبراهيم ، ولولا انتظام الدليل على الوجه الذي ذكرنا لكان مشترك الإلزام .
والاستفهام في قوله فلم تحاجون مقصود منه التنبيه على الغلط .
[ ص: 273 ] وقد أعرض في هذا الاحتجاج عليهم عن إبطال المنافاة بين الزيادة الواقعة في الدين الذي جاء به
محمد - صلى الله عليه وسلم - على الدين الذي جاء به
إبراهيم ، وبين وصف الإسلام بأنه ملة
إبراهيم : لأنهم لم يكن لهم من صحة النظر ما يفرقون به بين زيادة الفروع ، واتحاد الأصول ، وأن مساواة الدينين منظور فيها إلى اتحاد أصولهما سنبينها عند تفسير قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20فإن حاجوك فقل أسلمت وجهي لله وعند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=67ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا فاكتفي في المحاجة بإبطال مستندهم في قولهم : فقد زدت فيه ما ليس فيه ، على طريقة المنع ، ثم بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=67ما كان إبراهيم يهوديا ولا نصرانيا ولكن كان حنيفا مسلما على طريقة الدعوى بناء على أن انقطاع المعترض كاف في اتجاه دعوى المستدل .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=66هأنتم هؤلاء حاججتم تقدم القول في نظيره عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85ثم أنتم هؤلاء تقتلون أنفسكم في سورة البقرة .
وقرأ الجمهور : هاأنتم بإثبات ألف ها وبتخفيف همزة أنتم ، وقرأه
nindex.php?page=showalam&ids=16810قالون ،
وأبو عمرو ،
ويعقوب بإثبات الألف وتسهيل همزة " أنتم " وقرأه
nindex.php?page=showalam&ids=17274ورش بحذف ألف " ها " وبتسهيل همزة " أنتم " وبإبدالها ألفا أيضا مع المد ، وقرأه
nindex.php?page=showalam&ids=16832قنبل بتخفيف الهمزة دون ألف .
ووقعت " ما " الاستفهامية بعد لام التعليل فيكون المسئول عنه هو سبب المحاجة فما صدق " ما " علة من العلل مجهولة ، أي سبب المحاجة مجهول ; لأنه ليس من شأنه أن يعلم لأنه لا وجود له ، فلا يعلم ، فالاستفهام عنه كناية عن عدمه ، وهذا قريب من معنى الاستفهام الإنكاري ، وليس عينه .
وحذفت ألف " ما " الاستفهامية على ما هو الاستعمال فيها إذا وقعت مجرورة بحرف نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=1عم يتساءلون وقول
ابن معد يكرب :
علام تقول الرمح يثقل عاتقي
والألفات التي تكتب في حروف الجر على صورة الياء . إذا جر بواحد من تلك الحروف ( ما ) هذه يكتبون الألفات على صورة الألف : لأن " ما " صارت على حرف واحد فأشبهت جزء الكلمة فصارت الألفات كالتي في أواسط الكلمات .
[ ص: 274 ] وقوله : في إبراهيم معناه في شيء من أحواله ، وظاهر أن المراد بذلك هنا دينه ، فهذا من تعليق الحكم بالذات ، والمراد حال من أحوال الذات يتعين من المقام كما تقدم في تفسير قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إنما حرم عليكم الميتة في سورة البقرة .
و ( ها ) من قوله هأنتم تنبيه ، وأصل الكلام أنتم حاججتم ، وإنما يجيء مثل هذا التركيب في محل التعجب والتنكير والتنبيه ونحو ذلك ، ولذلك يؤكد غالبا باسم إشارة بعده ، فيقال هأنذا ، و هأنتم أولاء أو هؤلاء .
وحاججتم خبر ( أنتم ) ولك أن تجعل جملة حاججتم حالا هي محل التعجيب باعتبار ما عطف عليها من قوله : فلم تحاجون : لأن الاستفهام فيه إنكاري ، فمعناه : فلا تحاجون .
وسيأتي بيان مثله في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119هأنتم أولاء تحبونهم .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=66والله يعلم وأنتم لا تعلمون تكميل للحجة أي أن القرآن الذي هو من عند الله أثبت أنه ملة
إبراهيم ، وأنتم لم تهتدوا لذلك لأنكم لا تعلمون ، وهذا كقوله في سورة البقرة :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=140أم يقولون إن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط كانوا هودا أو نصارى قل أأنتم أعلم أم الله .
[ ص: 270 ] nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=65nindex.php?page=treesubj&link=28974_32424يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=66هَأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ .
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ لِلِانْتِقَالِ مِنْ دُعَائِهِمْ لِكَلِمَةِ الْحَقِّ الْجَامِعَةِ لِحَقِّ الدِّينِ ، إِلَى الْإِنْكَارِ عَلَيْهِمْ مُحَاجَّتَهُمُ الْبَاطِلَةَ لِلْمُسْلِمِينَ فِي دِينِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَزَعَمَ كُلُّ فَرِيقٍ مِنْهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى دِينِهِ تَوَصُّلًا إِلَى أَنَّ الَّذِي خَالَفَ دِينَهُمْ لَا يَكُونُ عَلَى دِينِ
إِبْرَاهِيمَ كَمَا يَدَّعِي النَّبِيءُ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَالْمُحَاجَّةُ فَرْعٌ عَنِ الْمُخَالَفَةِ فِي الدَّعْوَى . وَهَذِهِ الْمُحَاجَّةُ عَنْ طَرِيقِ قِيَاسِ الْمُسَاوَاةِ فِي النَّفْيِ ، أَوْ مُحَاجَّتُهُمُ النَّبِيءَ فِي دَعْوَاهُ أَنَّهُ عَلَى دِينِ
إِبْرَاهِيمَ - مُحَاجَّةٌ يَقْصِدُونَ مِنْهَا إِبْطَالَ مُسَاوَاةِ دِينِهِ لِدِينِ
إِبْرَاهِيمَ ، بِطَرِيقَةِ قِيَاسِ الْمُسَاوَاةِ فِي النَّفْيِ أَيْضًا .
فَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مِنْ مَقُولِ الْقَوْلِ الْمَأْمُورِ بِهِ الرَّسُولُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=64قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا أَيْ قُلْ لَهُمْ : يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الِاسْتِئْنَافُ مِنْ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى عَقِبَ أَمْرِهِ الرَّسُولَ بِأَنْ يَقُولَ تَعَالَوْا ، فَيَكُونَ تَوْجِيهَ خِطَابٍ إِلَى أَهْلِ الْكِتَابِ مُبَاشَرَةً ، وَيَكُونَ جَعَلَ الْجُمْلَةَ الْأُولَى مِنْ مَقُولِ الرَّسُولِ دُونَ هَذِهِ ؛ لِأَنَّ الْأُولَى مِنْ شُئُونِ الدَّعْوَةِ ، وَهَذِهِ مِنْ طُرُقِ الْمُحَاجَّةِ ، وَإِبْطَالِ قَوْلِهِمْ ، وَذَلِكَ فِي الدَّرَجَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الدَّعْوَةِ . وَالْكُلُّ فِي النِّسْبَةِ إِلَى اللَّهِ سَوَاءٌ .
وَمُنَاسَبَةُ الِانْتِقَالِ مِنَ الْكَلَامِ السَّابِقِ إِلَى هَذَا الْكَلَامِ نَشَأَتْ مِنْ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=64فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ لِأَنَّهُ قَدْ شَاعَ فِيمَا نَزَلَ مِنَ الْقُرْآنِ فِي
مَكَّةَ وَبَعْدَهَا أَنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي جَاءَ بِهِ
مُحَمَّدٌ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - يَرْجِعُ إِلَى الْحَنِيفِيَّةِ دِينِ
إِبْرَاهِيمَ كَمَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَكَمَا فِي سُورَةِ النَّحْلِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=123ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَسَيَجِيءُ أَنَّ
إِبْرَاهِيمَ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا ، وَقَدِ اشْتُهِرَ هَذَا وَأُعْلِنَ بَيْنَ الْمُشْرِكِينَ فِي
مَكَّةَ ، وَبَيْنَ
الْيَهُودِ فِي
الْمَدِينَةِ ، وَبَيْنَ
النَّصَارَى فِي وَفْدِ
نَجْرَانَ ، وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْمُشْرِكِينَ
بِمَكَّةَ كَانُوا يَدَّعُونَ أَنَّهُمْ وَرَثَةُ شَرِيعَةِ
إِبْرَاهِيمَ وَسَدَنَةُ بَيْتِهِ ، وَكَانَ أَهْلُ الْكِتَابِ قَدِ ادَّعَوْا أَنَّهُمْ
[ ص: 271 ] عَلَى دِينِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَلَمْ يَتَبَيَّنْ لِي أَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمُ ادِّعَاءً قَدِيمًا أَمْ كَانُوا قَدْ تَفَطَّنُوا إِلَيْهِ مِنْ دَعْوَةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَيْقَظُوا لِتَقْلِيدِهِ فِي ذَلِكَ ، أَمْ كَانُوا قَالُوا ذَلِكَ عَلَى وَجْهِ الْإِفْحَامِ لِلرَّسُولِ حِينَ حَاجَّهُمْ بِأَنَّ دِينَهُ الْحَقُّ ، وَأَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ فَأَلْجَأُوهُ إِلَى أَحَدِ أَمْرَيْنِ : إِمَّا أَنْ تَكُونَ الزِّيَادَةُ عَلَى دِينِ
إِبْرَاهِيمَ غَيْرَ مُخْرِجَةٍ عَنِ اتِّبَاعِهِ ، فَهُوَ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ فِي دِينِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ ، وَإِمَّا أَنْ تَكُونَ مُخْرِجَةً عَنْ دِينِ
إِبْرَاهِيمَ فَلَا يَكُونُ الْإِسْلَامُ تَابِعًا لِدِينِ
إِبْرَاهِيمَ .
وَأَحْسَبُ أَنَّ ادِّعَاءَهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى مِلَّةِ
إِبْرَاهِيمَ إِنَّمَا انْتَحَلُوهُ لِبَثِّ كُلٍّ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ الدَّعْوَةَ إِلَى دِينِهِ بَيْنَ الْعَرَبِ ، وَلَاسِيَّمَا النَّصْرَانِيَّةَ ; فَإِنَّ دُعَاتَهَا كَانُوا يُحَاوِلُونَ انْتِشَارَهَا بَيْنَ الْعَرَبِ فَلَا يَجِدُونَ شَيْئًا يَرُوجُ عِنْدَهُمْ سِوَى أَنْ يَقُولُوا : إِنَّهَا مِلَّةُ
إِبْرَاهِيمَ ، وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ اتُّبِعَتْ فِي بَعْضِ قَبَائِلِ الْعَرَبِ ، وَهُنَالِكَ أَخْبَارٌ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ تُثِيرُ هَذِهِ الِاحْتِمَالَاتِ : فَرُوِيَ
أَنَّ nindex.php?page=treesubj&link=29392وَفْدَ نَجْرَانَ قَالُوا لِلنَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حِينَ دَعَاهُمْ إِلَى اتِّبَاعِ دِينِهِ : عَلَى أَيِّ دِينٍ أَنْتَ ؟ قَالَ : عَلَى مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ قَالُوا : فَقَدْ زِدْتَ فِيهِ مَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَعَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ يَكُونُ الْمُخَاطَبُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ هُنَا خُصُوصُ
النَّصَارَى كَالْخِطَابِ الَّذِي قَبْلَهُ . وَرُوِيَ : أَنَّهُ تَنَازَعَتِ
الْيَهُودُ وَنَصَارَى
نَجْرَانَ بِالْمَدِينَةِ ، عِنْدَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَادَّعَى كُلُّ فَرِيقٍ أَنَّهُ عَلَى دِينِ
إِبْرَاهِيمَ دُونَ الْآخَرِ ، فَيَكُونُ الْخِطَابُ لِأَهْلِ الْكِتَابِ كُلِّهِمْ ، مِنْ يَهُودَ وَنَصَارَى .
وَلَعَلَّ اخْتِلَافَ الْمُخَاطَبِينَ هُوَ الدَّاعِي لِتَكْرِيرِ الْخِطَابِ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=65وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ يَكُونُ عَلَى حَسَبِ الرِّوَايَةِ الْأُولَى مَنْعًا لِقَوْلِهِمْ : فَقَدْ زِدْتَ فِيهِ مَا لَيْسَ مِنْهُ ، الْمَقْصُودُ مِنْهُ إِبْطَالُ أَنْ يَكُونَ الْإِسْلَامُ هُوَ دِينَ
إِبْرَاهِيمَ . وَتَفْصِيلُ هَذَا الْمَنْعِ : إِنَّكُمْ لَا قِبَلَ لَكُمْ بِمَعْرِفَةِ دِينِ
إِبْرَاهِيمَ ، فَمِنْ أَيْنَ لَكُمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ زَادَ فِيمَا جَاءَ بِهِ عَلَى دِينِ
إِبْرَاهِيمَ ، فَإِنَّكُمْ لَا مُسْتَنَدَ لَكُمْ فِي عَمَلِكُمْ بِأُمُورِ الدِّينِ إِلَّا التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ ، وَهُمَا قَدْ نَزَلَا مِنْ بَعْدِ إِبْرَاهِيمَ ، فَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ مَا كَانَتْ شَرِيعَةُ
إِبْرَاهِيمَ حَتَّى يُعْلَمَ الْمَزِيدُ عَلَيْهَا ، وَذِكْرُ التَّوْرَاةِ عَلَى هَذَا لِأَنَّهَا أَصْلُ الْإِنْجِيلِ . وَيَكُونُ عَلَى حَسَبِ الرِّوَايَةِ الثَّانِيَةِ نَفْيًا لِدَعْوَى كُلِّ فَرِيقٍ مِنْهُمَا أَنَّهُ عَلَى دِينِ
إِبْرَاهِيمَ ; بِأَنَّ دِينَ
الْيَهُودِ هُوَ التَّوْرَاةُ ، وَدِينَ
النَّصَارَى هُوَ الْإِنْجِيلُ ، وَكِلَاهُمَا نَزَلَ
[ ص: 272 ] بَعْدَ
إِبْرَاهِيمَ ، فَكَيْفَ يَكُونُ شَرِيعَةً لَهُ . قَالَ
الْفَخْرُ : يَعْنِي وَلَمْ يُصَرَّحْ فِي أَحَدِ هَذَيْنِ الْكِتَابَيْنِ بِأَنَّهُ مُطَابِقٌ لِشَرِيعَةِ
إِبْرَاهِيمَ ، فَذِكْرُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ عَلَى هَذَا نَشْرٌ بَعْدَ اللَّفِّ : لِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ شَمِلَ الْفَرِيقَيْنِ ، فَذِكْرُ التَّوْرَاةِ لِإِبْطَالِ قَوْلِ
الْيَهُودِ ، وَذِكْرُ الْإِنْجِيلِ لِإِبْطَالِ قَوْلِ
النَّصَارَى ، وَذِكْرُ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ هُنَا لِقَصْدِ جَمْعِ الْفَرِيقَيْنِ فِي التَّخْطِئَةِ ، وَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ بَادِئَ ذِي بَدْءٍ هُمُ
النَّصَارَى الَّذِينَ مَسَاقُ الْكَلَامِ مَعَهُمْ .
وَالْأَظْهَرُ عِنْدِي فِي تَأْلِيفِ الْمُحَاجَّةِ يَنْتَظِمُ مِنْ مَجْمُوعِ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=65وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=66فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=66وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ فَيُبْطِلُ بِذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=29434دَعْوَاهُمْ أَنَّهُمْ عَلَى دِينِ إِبْرَاهِيمَ ، وَدَعْوَاهُمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ لَيْسَ عَلَى دِينِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَيُثْبِتُ عَلَيْهِمْ أَنَّ الْإِسْلَامَ عَلَى دِينِ
إِبْرَاهِيمَ : وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=65وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ عِلْمَهُمْ فِي الدِّينِ مُنْحَصِرٌ فِيهِمَا ، وَهُمَا نَزَلَا بَعْدَ
إِبْرَاهِيمَ فَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَا عَيْنَ صُحُفِ
إِبْرَاهِيمَ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=66فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ يُبْطِلُ قَوْلَهُمْ : إِنَّ الْإِسْلَامَ زَادَ عَلَى دِينِ
إِبْرَاهِيمَ ، وَلَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ عَلَى دِينِ
إِبْرَاهِيمَ ; لِأَنَّ التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ لَمْ يَرِدْ فِيهِمَا التَّصْرِيحُ بِذَلِكَ ، وَهَذَا هُوَ الْفَارِقُ بَيْنَ انْتِسَابِ الْإِسْلَامِ إِلَى
إِبْرَاهِيمَ وَانْتِسَابِ الْيَهُودِيَّةِ وَالنَّصْرَانِيَّةِ إِلَيْهِ ، فَلَا يَقُولُونَ وَكَيْفَ يُدَّعَى أَنَّ الْإِسْلَامَ دِينُ
إِبْرَاهِيمَ مَعَ أَنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ
إِبْرَاهِيمَ كَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ مِنْ بَعْدِهِ .
وَقَوْلُهُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ اللَّهَ أَنْبَأَ فِي الْقُرْآنِ بِأَنَّهُ أَرْسَلَ
مُحَمَّدًا بِالْإِسْلَامِ دِينِ
إِبْرَاهِيمَ وَهُوَ أَعْلَمُ مِنْكُمْ بِذَلِكَ ، وَلَمْ يَسْبِقْ أَنِ امْتَنَّ عَلَيْكُمْ بِمِثْلِ ذَلِكَ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ فَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ذَلِكَ ، فَلَمَّا جَاءَ الْإِسْلَامُ وَأَنْبَأَ بِذَلِكَ أَرَدْتُمْ أَنْ تَنْتَحِلُوا هَذِهِ الْمَزِيَّةَ ، وَاسْتَيْقَظْتُمْ لِذَلِكَ حَسَدًا عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ ، فَنَهَضَتِ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ مَعْذِرَةٌ فِي أَنْ يَقُولُوا : إِنَّ مَجِيءَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنْ بَعْدِ
إِبْرَاهِيمَ مُشْتَرَكُ الْإِلْزَامِ لَنَا وَلَكُمْ ; فَإِنَّ الْقُرْآنَ أُنْزِلَ بَعْدَ
إِبْرَاهِيمَ ، وَلَوْلَا انْتِظَامُ الدَّلِيلِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي ذَكَرْنَا لَكَانَ مُشْتَرَكَ الْإِلْزَامِ .
وَالِاسْتِفْهَامُ فِي قَوْلِهِ فَلِمَ تُحَاجُّونَ مَقْصُودٌ مِنْهُ التَّنْبِيهُ عَلَى الْغَلَطِ .
[ ص: 273 ] وَقَدْ أَعْرَضَ فِي هَذَا الِاحْتِجَاجِ عَلَيْهِمْ عَنْ إِبْطَالِ الْمُنَافَاةِ بَيْنَ الزِّيَادَةِ الْوَاقِعَةِ فِي الدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ
مُحَمَّدٌ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الدِّينِ الَّذِي جَاءَ بِهِ
إِبْرَاهِيمُ ، وَبَيْنَ وَصْفِ الْإِسْلَامِ بِأَنَّهُ مِلَّةُ
إِبْرَاهِيمَ : لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ مِنْ صِحَّةِ النَّظَرِ مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ زِيَادَةِ الْفُرُوعِ ، وَاتِّحَادِ الْأُصُولِ ، وَأَنَّ مُسَاوَاةَ الدِّينَيْنِ مَنْظُورٌ فِيهَا إِلَى اتِّحَادِ أُصُولِهِمَا سَنُبَيِّنُهَا عِنْدَ تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَعِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=67مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا فَاكْتُفِيَ فِي الْمُحَاجَّةِ بِإِبْطَالِ مُسْتَنَدِهِمْ فِي قَوْلِهِمْ : فَقَدْ زِدْتَ فِيهِ مَا لَيْسَ فِيهِ ، عَلَى طَرِيقَةِ الْمَنْعِ ، ثُمَّ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=67مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا عَلَى طَرِيقَةِ الدَّعْوَى بِنَاءً عَلَى أَنَّ انْقِطَاعَ الْمُعْتَرِضِ كَافٍ فِي اتِّجَاهِ دَعْوَى الْمُسْتَدِلِّ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=66هَأَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي نَظِيرِهِ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=85ثُمَّ أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : هَاأَنْتُمْ بِإِثْبَاتِ أَلْفِ هَا وَبِتَخْفِيفِ هَمْزَةِ أَنْتُمْ ، وَقَرَأَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16810قَالُونُ ،
وَأَبُو عَمْرٍو ،
وَيَعْقُوبُ بِإِثْبَاتِ الْأَلِفِ وَتَسْهِيلِ هَمْزَةِ " أَنْتُمْ " وَقَرَأَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17274وَرْشٌ بِحَذْفِ أَلِفِ " هَا " وَبِتَسْهِيلِ هَمْزَةِ " أَنْتُمْ " وَبِإِبْدَالِهَا أَلِفًا أَيْضًا مَعَ الْمَدِّ ، وَقَرَأَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16832قُنْبُلٌ بِتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ دُونَ أَلِفٍ .
وَوَقَعَتْ " مَا " الِاسْتِفْهَامِيَّةُ بَعْدَ لَامِ التَّعْلِيلِ فَيَكُونُ الْمَسْئُولُ عَنْهُ هُوَ سَبَبَ الْمُحَاجَّةِ فَمَا صَدَّقَ " مَا " عِلَّةٌ مِنَ الْعِلَلِ مَجْهُولَةٌ ، أَيْ سَبَبُ الْمُحَاجَّةِ مَجْهُولٌ ; لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُعْلَمَ لِأَنَّهُ لَا وُجُودَ لَهُ ، فَلَا يُعْلَمُ ، فَالِاسْتِفْهَامُ عَنْهُ كِنَايَةٌ عَنْ عَدَمِهِ ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ مَعْنَى الِاسْتِفْهَامِ الْإِنْكَارِيِّ ، وَلَيْسَ عَيْنَهُ .
وَحُذِفَتْ أَلِفُ " مَا " الِاسْتِفْهَامِيَّةِ عَلَى مَا هُوَ الِاسْتِعْمَالُ فِيهَا إِذَا وَقَعَتْ مَجْرُورَةً بِحَرْفٍ نَحْوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=1عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ وَقَوْلِ
ابْنِ مَعْدِ يَكْرِبَ :
عَلَامَ تَقُولُ الرُّمْحُ يُثْقِلُ عَاتِقِي
وَالْأَلِفَاتُ الَّتِي تُكْتَبُ فِي حُرُوفِ الْجَرِّ عَلَى صُورَةِ الْيَاءِ . إِذَا جُرَّ بِوَاحِدٍ مِنْ تِلْكَ الْحُرُوفِ ( مَا ) هَذِهِ يَكْتُبُونَ الْأَلِفَاتِ عَلَى صُورَةِ الْأَلِفِ : لِأَنَّ " مَا " صَارَتْ عَلَى حَرْفٍ وَاحِدٍ فَأَشْبَهَتْ جُزْءَ الْكَلِمَةِ فَصَارَتِ الْأَلِفَاتُ كَالَّتِي فِي أَوَاسِطِ الْكَلِمَاتِ .
[ ص: 274 ] وَقَوْلُهُ : فِي إِبْرَاهِيمَ مَعْنَاهُ فِي شَيْءٍ مِنْ أَحْوَالِهِ ، وَظَاهِرٌ أَنَّ الْمُرَادَ بِذَلِكَ هُنَا دِينُهُ ، فَهَذَا مِنْ تَعْلِيقِ الْحُكْمِ بِالذَّاتِ ، وَالْمُرَادُ حَالٌ مِنْ أَحْوَالِ الذَّاتِ يَتَعَيَّنُ مِنَ الْمَقَامِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=173إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ .
وَ ( هَا ) مِنْ قَوْلِهِ هَأَنْتُمْ تَنْبِيهٌ ، وَأَصْلُ الْكَلَامِ أَنْتُمْ حَاجَجْتُمْ ، وَإِنَّمَا يَجِيءُ مِثْلُ هَذَا التَّرْكِيبِ فِي مَحَلِّ التَّعَجُّبِ وَالتَّنْكِيرِ وَالتَّنْبِيهِ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَلِذَلِكَ يُؤَكَّدُ غَالِبًا بِاسْمِ إِشَارَةٍ بَعْدَهُ ، فَيُقَالُ هَأَنَذَا ، وَ هَأَنْتُمْ أُولَاءِ أَوْ هَؤُلَاءِ .
وَحَاجَجْتُمْ خَبَرُ ( أَنْتُمْ ) وَلَكَ أَنْ تَجْعَلَ جُمْلَةَ حَاجَجْتُمْ حَالًا هِيَ مَحَلُّ التَّعْجِيبِ بِاعْتِبَارِ مَا عُطِفَ عَلَيْهَا مِنْ قَوْلِهِ : فَلِمَ تُحَاجُّونَ : لِأَنَّ الِاسْتِفْهَامَ فِيهِ إِنْكَارِيٌّ ، فَمَعْنَاهُ : فَلَا تُحَاجُّونَ .
وَسَيَأْتِي بَيَانُ مِثْلِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119هَأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ .
وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=66وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ تَكْمِيلٌ لِلْحُجَّةِ أَيْ أَنَّ الْقُرْآنَ الَّذِي هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ أَثْبَتَ أَنَّهُ مِلَّةُ
إِبْرَاهِيمَ ، وَأَنْتُمْ لَمْ تَهْتَدُوا لِذَلِكَ لِأَنَّكُمْ لَا تَعْلَمُونَ ، وَهَذَا كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=140أَمْ يَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطَ كَانُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ .