nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29057_28904والسماء والطارق nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=2وما أدراك ما الطارق nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=3النجم الثاقب nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=4إن كل نفس لما عليها حافظ .
افتتاح السورة بالقسم تحقيق لما يقسم عليه وتشويق إليه كما تقدم في سوابقها . ووقع القسم بمخلوقين عظيمين فيهما دلالة على عظيم قدرة خالقهما هما : السماء ، والنجوم ، أو نجم منها عظيم منها معروف ، أو ما يبدو انقضاضه من الشهب كما سيأتي .
والطارق : وصف مشتق من الطروق ، وهو المجيء ليلا ; لأن عادة العرب أن النازل بالحي ليلا يطرق شيئا من حجر أو وتد إشعارا لرب البيت أن نزيلا نزل به ; لأن نزوله يقضي بأن يضيفوه ، فأطلق الطروق على النزول ليلا مجازا مرسلا ، فغلب الطروق على القدوم ليلا .
وأبهم الموصوف بالطارق ابتداء ، ثم زيد إبهاما مشوبا بتعظيم أمره بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=2وما أدراك ما الطارق ثم بين بأنه
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=3النجم الثاقب ليحصل من ذلك مزيد تقرر للمراد بالمقسم به وهو أنه من جنس النجوم شبه طلوع النجم ليلا بطروق المسافر الطارق بيتا بجامع كونه ظهورا في الليل .
و ( ما أدراك ) استفهام مستعمل في تعظيم الأمر ، وقد تقدم عند قوله تعالى :
[ ص: 259 ] nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=17وما يدريك لعل الساعة قريب في سورة الشورى ، وعند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=3وما أدراك ما الحاقة وتقدم الفرق بين : ما يدريك ، وما أدراك .
وقوله : النجم خبر عن ضمير محذوف تقديره : هو ، أي : الطارق النجم الثاقب .
والثقب : خرق شيء ملتئم ، وهو هنا مستعار لظهور النور في خلال ظلمة الليل ، شبه النجم بمسمار أو نحوه ، وظهور ضوئه بظهور ما يبدو من المسمار من خلال الجسم الذي يثقبه مثل لوح أو ثوب .
وأحسب أن استعارة الثقب لبروز شعاع النجم في ظلمة الليل من مبتكرات القرآن ولم يرد في كلام العرب قبل القرآن ، وقد سبق قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=10فأتبعه شهاب ثاقب في سورة الصافات ، ووقع في تفسير
القرطبي : والعرب تقول : اثقب نارك ، أي : أضئها ، وساق بيتا شاهدا على ذلك ولم يعزه إلى قائل .
والتعريف في النجم يجوز أن يكون تعريف الجنس كقول
النابغة :
أقول والنجم قد مالت أواخره
البيت
فيستغرق جميع النجوم استغراقا حقيقيا وكلها ثاقب ، فكأنه قيل : والنجوم ، إلا أن صيغة الإفراد في قوله : الثاقب ظاهر في إرادة فرد معين من النجوم ، ويجوز أن يكون التعريف للعهد إشارة إلى نجم معروف يطلق عليه اسم النجم غالبا ، أي : والنجم الذي هو طارق .
ويناسب أن يكون نجما يطلع في أوائل ظلمة الليل وهي الوقت المعهود لطروق الطارقين من السائرين ، ولعل الطارق هو النجم الذي يسمى الشاهد ، وهو نجم يظهر عقب غروب الشمس ، وبه سميت صلاة المغرب صلاة الشاهد .
روى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي أن النبيء صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002820إن هذه الصلاة أي : صلاة العصر فرضت على من كان قبلكم فضيعوها إلى قوله : ولا صلاة بعدها حتى يطلع الشاهد .
وقيل : أريد بـ الطارق نوع الشهب روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11867جابر بن زيد : أن النجم الطارق هو كوكب زحل ; لأنه مبرز على الكواكب بقوة شعاعه . وعنه : أنه الثريا ;
[ ص: 260 ] لأن العرب تطلق عليها النجم علما بالغلبة . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : أنه نجوم برج الجدي ، ولعل ذلك النجم كان معهودا عند العرب ، واشتهر في ذلك في نجم الثريا .
وقيل : أريد بالطارق نوع الشهب ، أي لأن الشهاب ينقض فيلوح كأنه يجري في السماء كما يسير السائر الذي أدركه الليل . فالتعريف في لفظ النجم للاستغراق ، وخص عمومه بوقوعه خبرا عن ضمير الطارق أي أن الشهاب عند انقضاضه يرى سائرا بسرعة ثم يغيب عن النظر فيلوح كأنه استقر ، فأشبه إسراع السائر ليلا ليبلغ إلى أحياء المعمورة ، فإذا بلغها وقف سيره .
وجواب القسم هو قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29655إن كل نفس لما عليها حافظ جعل كناية تلويحية رمزية عن المقصود . وهو
nindex.php?page=treesubj&link=28760_30336إثبات البعث فهو كالدليل على إثباته ، فإن إقامة الحافظ تستلزم شيئا يحفظه وهو الأعمال خيرها وشرها ، وذلك يستلزم إرادة المحاسبة عليها والجزاء بما تقتضيه جزاء مؤخرا بعد الحياة الدنيا لئلا تذهب أعمال العاملين سدى ، وذلك يستلزم أن الجزاء مؤخر إلى ما بعد هذه الحياة ، إذ المشاهد تخلف الجزاء في هذه الحياة بكثرة ، فلو أهمل الجزاء لكان إهماله منافيا لحكمة الإله الحكيم مبدع هذا الكون كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=115أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا وهذا الجزاء المؤخر يستلزم إعادة حياة للذوات الصادرة منها الأعمال .
فهذه لوازم أربعة بها كانت الكناية تلويحية رمزية .
وقد حصل مع هذا الاستدلال إفادة أن على الأنفس حفظة فهو إدماج .
والحافظ : هو الذي يحفظ أمرا ولا يهمله ليترتب عليه غرض مقصود .
وقرأ الجمهور ( لما ) بتخفيف الميم ، وقرأه ابن عامر وحمزة وأبو جعفر وخلف بتشديد الميم .
فعلى قراءة تخفيف الميم تكون إن مخففة من الثقيلة ولما مركبة من اللام الفارقة بين إن النافية وإن المخففة من الثقيلة ومعها ما الزائدة بعد اللام للتأكيد وأصل الكلام : إن كل نفس لعليها حافظ .
[ ص: 261 ] وعلى قراءة تشديد الميم تكون إن نافية ولما حرف بمعنى إلا فإن لما ترد بمعنى إلا في النفي وفي القسم ، تقول : سألتك لما فعلت كذا أي : إلا فعلت ، على تقدير : ما أسألك إلا فعل كذا فآلت إلى النفي وكل من إن المخففة وإن النافية يتلقى بها القسم .
وقد تضمن هذا الجواب زيادة على إفادته
nindex.php?page=treesubj&link=29468_30531تحقيق الجزاء إنذارا للمشركين بأن الله يعلم اعتقادهم وأفعالهم وأنه سيجازيهم على ذلك .
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=29057_28904وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=2وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=3النَّجْمُ الثَّاقِبُ nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=4إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ .
افْتِتَاحُ السُّورَةِ بِالْقَسَمِ تَحْقِيقٌ لِمَا يُقْسِمُ عَلَيْهِ وَتَشْوِيقٌ إِلَيْهِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي سَوَابِقِهَا . وَوَقَعَ الْقَسَمُ بِمَخْلُوقَيْنِ عَظِيمَيْنِ فِيهِمَا دَلَالَةٌ عَلَى عَظِيمِ قُدْرَةِ خَالِقِهِمَا هُمَا : السَّمَاءُ ، وَالنُّجُومُ ، أَوْ نَجْمٌ مِنْهَا عَظِيمٌ مِنْهَا مَعْرُوفٌ ، أَوْ مَا يَبْدُو انْقِضَاضُهُ مِنَ الشُّهُبِ كَمَا سَيَأْتِي .
وَالطَّارِقُ : وَصْفٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الطُّرُوقِ ، وَهُوَ الْمَجِيءُ لَيْلًا ; لِأَنَّ عَادَةَ الْعَرَبِ أَنَّ النَّازِلَ بِالْحَيِّ لَيْلًا يَطْرُقُ شَيْئًا مِنْ حَجَرٍ أَوْ وَتِدٍ إِشْعَارًا لِرَبِّ الْبَيْتِ أَنَّ نَزِيلًا نَزَلَ بِهِ ; لِأَنَّ نُزُولَهُ يَقْضِي بِأَنْ يُضَيِّفُوهُ ، فَأَطْلَقَ الطُّرُوقَ عَلَى النُّزُولِ لَيْلًا مَجَازًا مُرْسَلًا ، فَغَلَبَ الطُّرُوقُ عَلَى الْقُدُومِ لَيْلًا .
وَأُبْهِمَ الْمَوْصُوفُ بِالطَّارِقِ ابْتِدَاءً ، ثُمَّ زِيدَ إِبْهَامًا مَشُوبًا بِتَعْظِيمِ أَمْرِهِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=2وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ ثُمَّ بَيَّنَ بِأَنَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=3النَّجْمُ الثَّاقِبُ لِيَحْصُلَ مِنْ ذَلِكَ مَزِيدُ تَقَرُّرٍ لِلْمُرَادِ بِالْمُقْسَمِ بِهِ وَهُوَ أَنَّهُ مِنْ جِنْسِ النُّجُومِ شُبِّهَ طُلُوعُ النَّجْمِ لَيْلًا بِطُرُوقِ الْمُسَافِرِ الطَّارِقِ بَيْتًا بِجَامِعِ كَوْنِهِ ظُهُورًا فِي اللَّيْلِ .
وَ ( مَا أَدْرَاكَ ) اسْتِفْهَامٌ مُسْتَعْمَلٌ فِي تَعْظِيمِ الْأَمْرِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[ ص: 259 ] nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=17وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ قَرِيبٌ فِي سُورَةِ الشُّورَى ، وَعِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=69&ayano=3وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْحَاقَّةُ وَتَقَدَّمَ الْفَرْقُ بَيْنَ : مَا يُدْرِيكَ ، وَمَا أَدْرَاكَ .
وَقَوْلُهُ : النَّجْمُ خَبَرٌ عَنْ ضَمِيرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : هُوَ ، أَيِ : الطَّارِقُ النَّجْمُ الثَّاقِبُ .
وَالثَّقْبُ : خَرْقُ شَيْءٍ مُلْتَئِمٍ ، وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِظُهُورِ النُّورِ فِي خِلَالِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ ، شَبَّهَ النَّجْمَ بِمِسْمَارٍ أَوْ نَحْوِهِ ، وَظُهُورَ ضَوْئِهِ بِظُهُورِ مَا يَبْدُو مِنَ الْمِسْمَارِ مِنْ خِلَالِ الْجِسْمِ الَّذِي يَثْقُبُهُ مِثْلَ لَوْحٍ أَوْ ثَوْبٍ .
وَأَحْسَبُ أَنَّ اسْتِعَارَةَ الثَّقْبِ لِبُرُوزِ شُعَاعِ النَّجْمِ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ مِنْ مُبْتَكَرَاتِ الْقُرْآنِ وَلَمْ يَرِدْ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ قَبْلَ الْقُرْآنِ ، وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=10فَأَتْبَعَهُ شِهَابٌ ثَاقِبٌ فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ ، وَوَقَعَ فِي تَفْسِيرِ
الْقُرْطُبِيِّ : وَالْعَرَبُ تَقُولُ : اثْقُبْ نَارَكَ ، أَيْ : أَضِئْهَا ، وَسَاقَ بَيْتًا شَاهِدًا عَلَى ذَلِكَ وَلَمْ يَعْزُهُ إِلَى قَائِلٍ .
وَالتَّعْرِيفُ فِي النَّجْمِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَعْرِيفَ الْجِنْسِ كَقَوْلِ
النَّابِغَةِ :
أَقُولُ وَالنَّجْمُ قَدْ مَالَتْ أَوَاخِرُهُ
الْبَيْتَ
فَيَسْتَغْرِقُ جَمِيعَ النُّجُومِ اسْتِغْرَاقًا حَقِيقِيًّا وَكُلُّهَا ثَاقِبٌ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : وَالنُّجُومُ ، إِلَّا أَنَّ صِيغَةَ الْإِفْرَادِ فِي قَوْلِهِ : الثَّاقِبُ ظَاهِرٌ فِي إِرَادَةِ فَرْدٍ مُعَيَّنٍ مِنَ النُّجُومِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ التَّعْرِيفُ لِلْعَهْدِ إِشَارَةً إِلَى نَجْمٍ مَعْرُوفٍ يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ النَّجْمِ غَالِبًا ، أَيْ : وَالنَّجْمُ الَّذِي هُوَ طَارِقٌ .
وَيُنَاسِبُ أَنْ يَكُونَ نَجْمًا يَطْلُعُ فِي أَوَائِلِ ظُلْمَةِ اللَّيْلِ وَهِيَ الْوَقْتُ الْمَعْهُودُ لِطُرُوقِ الطَّارِقِينَ مِنَ السَّائِرِينَ ، وَلَعَلَّ الطَّارِقَ هُوَ النَّجْمُ الَّذِي يُسَمَّى الشَّاهِدُ ، وَهُوَ نَجْمٌ يَظْهَرُ عَقِبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ ، وَبِهِ سُمِّيَتْ صَلَاةُ الْمَغْرِبِ صَلَاةَ الشَّاهِدِ .
رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=15397النَّسَائِيُّ أَنَّ النَّبِيءَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=2002820إِنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ أَيْ : صَلَاةُ الْعَصْرِ فُرِضَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ فَضَيَّعُوهَا إِلَى قَوْلِهِ : وَلَا صَلَاةَ بَعْدَهَا حَتَّى يَطْلُعَ الشَّاهِدُ .
وَقِيلَ : أُرِيدَ بِـ الطَّارِقِ نَوْعُ الشُّهُبِ رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11867جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ : أَنَّ النَّجْمَ الطَّارِقَ هُوَ كَوْكَبُ زُحَلَ ; لِأَنَّهُ مُبْرَزٌ عَلَى الْكَوَاكِبِ بِقُوَّةِ شُعَاعِهِ . وَعَنْهُ : أَنَّهُ الثُّرَيَّا ;
[ ص: 260 ] لِأَنَّ الْعَرَبَ تُطْلِقُ عَلَيْهَا النَّجْمَ عَلَمًا بِالْغَلَبَةِ . وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ : أَنَّهُ نُجُومُ بُرْجِ الْجَدْيِ ، وَلَعَلَّ ذَلِكَ النَّجْمَ كَانَ مَعْهُودًا عِنْدَ الْعَرَبِ ، وَاشْتُهِرَ فِي ذَلِكَ فِي نَجْمِ الثُّرَيَّا .
وَقِيلَ : أُرِيدَ بِالطَّارِقِ نَوْعُ الشُّهُبِ ، أَيْ لِأَنَّ الشِّهَابَ يَنْقَضُّ فَيَلُوحُ كَأَنَّهُ يَجْرِي فِي السَّمَاءِ كَمَا يَسِيرُ السَّائِرُ الَّذِي أَدْرَكَهُ اللَّيْلُ . فَالتَّعْرِيفُ فِي لَفْظِ النَّجْمِ لِلِاسْتِغْرَاقِ ، وَخُصَّ عُمُومُهُ بِوُقُوعِهِ خَبَرًا عَنْ ضَمِيرِ الطَّارِقِ أَيْ أَنَّ الشِّهَابَ عِنْدَ انْقِضَاضِهِ يُرَى سَائِرًا بِسُرْعَةٍ ثُمَّ يَغِيبُ عَنِ النَّظَرِ فَيَلُوحُ كَأَنَّهُ اسْتَقَرَّ ، فَأَشْبَهَ إِسْرَاعَ السَّائِرِ لَيْلًا لِيَبْلُغَ إِلَى أَحْيَاءِ الْمَعْمُورَةِ ، فَإِذَا بَلَغَهَا وَقَفَ سَيْرُهُ .
وَجَوَابُ الْقَسَمِ هُوَ قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=4nindex.php?page=treesubj&link=29655إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ جُعِلَ كِنَايَةً تَلْوِيحِيَّةً رَمْزِيَّةً عَنِ الْمَقْصُودِ . وَهُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=28760_30336إِثْبَاتُ الْبَعْثِ فَهُوَ كَالدَّلِيلِ عَلَى إِثْبَاتِهِ ، فَإِنَّ إِقَامَةَ الْحَافِظِ تَسْتَلْزِمُ شَيْئًا يَحْفَظُهُ وَهُوَ الْأَعْمَالُ خَيْرُهَا وَشَرُّهَا ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ إِرَادَةَ الْمُحَاسَبَةِ عَلَيْهَا وَالْجَزَاءَ بِمَا تَقْتَضِيهِ جَزَاءً مُؤَخَّرًا بَعْدَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا لِئَلَّا تَذْهَبَ أَعْمَالُ الْعَامِلِينَ سُدًى ، وَذَلِكَ يَسْتَلْزِمُ أَنَّ الْجَزَاءَ مُؤَخَّرٌ إِلَى مَا بَعْدَ هَذِهِ الْحَيَاةِ ، إِذِ الْمُشَاهَدُ تَخَلُّفُ الْجَزَاءِ فِي هَذِهِ الْحَيَاةِ بِكَثْرَةٍ ، فَلَوْ أُهْمِلَ الْجَزَاءُ لَكَانَ إِهْمَالُهُ مُنَافِيًا لِحِكْمَةِ الْإِلَهِ الْحَكِيمِ مُبْدِعِ هَذَا الْكَوْنِ كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=115أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَهَذَا الْجَزَاءُ الْمُؤَخَّرُ يَسْتَلْزِمُ إِعَادَةَ حَيَاةٍ لِلذَّوَاتِ الصَّادِرَةِ مِنْهَا الْأَعْمَالُ .
فَهَذِهِ لَوَازِمُ أَرْبَعَةٌ بِهَا كَانَتِ الْكِنَايَةُ تَلْوِيحِيَّةً رَمْزِيَّةً .
وَقَدْ حَصَلَ مَعَ هَذَا الِاسْتِدْلَالِ إِفَادَةُ أَنَّ عَلَى الْأَنْفُسِ حَفَظَةً فَهُوَ إِدْمَاجٌ .
وَالْحَافِظُ : هُوَ الَّذِي يَحْفَظُ أَمْرًا وَلَا يُهْمِلُهُ لِيَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ غَرَضٌ مَقْصُودٌ .
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ ( لَمَا ) بِتَخْفِيفِ الْمِيمِ ، وَقَرَأَهُ ابْنُ عَامِرٍ وَحَمْزَةُ وَأَبُو جَعْفَرٍ وَخَلَفٌ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ .
فَعَلَى قِرَاءَةِ تَخْفِيفِ الْمِيمِ تَكُونُ إِنْ مُخَفَّفَةً مِنَ الثَّقِيلَةِ وَلَمَا مُرَكَّبَةً مِنَ اللَّامِ الْفَارِقَةِ بَيْنَ إِنِ النَّافِيَةِ وَإِنِ الْمُخَفَّفَةِ مِنَ الثَّقِيلَةِ وَمَعَهَا مَا الزَّائِدَةُ بَعْدَ اللَّامِ لِلتَّأْكِيدِ وَأَصْلُ الْكَلَامِ : إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَعَلَيْهَا حَافِظٌ .
[ ص: 261 ] وَعَلَى قِرَاءَةِ تَشْدِيدِ الْمِيمِ تَكُونُ إِنْ نَافِيَةً وَلَمَّا حَرْفٌ بِمَعْنَى إِلَّا فَإِنَّ لَمَّا تَرِدُ بِمَعْنَى إِلَّا فِي النَّفْيِ وَفِي الْقَسَمِ ، تَقُولُ : سَأَلْتُكَ لَمَّا فَعَلْتَ كَذَا أَيْ : إِلَّا فَعَلْتَ ، عَلَى تَقْدِيرِ : مَا أَسْأَلُكَ إِلَّا فِعْلَ كَذَا فَآلَتْ إِلَى النَّفْيِ وَكُلٌّ مِنْ إِنِ الْمُخَفَّفَةِ وَإِنِ النَّافِيَةِ يُتَلَقَّى بِهَا الْقَسَمُ .
وَقَدْ تَضَمَّنَ هَذَا الْجَوَابُ زِيَادَةً عَلَى إِفَادَتِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=29468_30531تَحْقِيقَ الْجَزَاءِ إِنْذَارًا لِلْمُشْرِكِينَ بِأَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ اعْتِقَادَهُمْ وَأَفْعَالَهُمْ وَأَنَّهُ سَيُجَازِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ .