nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=164nindex.php?page=treesubj&link=28974_28753لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين .
استئناف لتذكير رجال يوم
أحد وغيرهم من المؤمنين بنعمة الله عليهم . ومناسبة ذكره هنا أن فيه من
nindex.php?page=treesubj&link=29700_29703التسلية على مصيبة الهزيمة حظا عظيما ، إذ قد
[ ص: 158 ] شاع تصبير المحزون وتعزيته بتذكيره ما هو فيه من النعم ، وله مزيد ارتباط بقوله فبما رحمة من الله لنت لهم ، وكذلك جاءت آي هذا الغرض في قصة أحد ناشئا بعضها عن بعض ، متفننة في مواقعها بحسب ما سمحت به فرص الفراغ من غرض والشروع في غيره فما تجد طراد الكلام يغدو طلقا في حلبة الاستطراد إلا وتجد له رواحا إلى منبعثه .
والمن هنا : إسداء المنة أي النعمة ، وليس هو تعداد النعمة ، على المنعم عليه مثل الذي في قوله لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى في سورة البقرة ، وإن كان ذكر هذا المن منا بالمعنى الآخر ، والكل محمود من الله تعالى لأن المن إنما كان مذموما لما فيه من إبداء التطاول على المنعم عليه ، وطول الله ليس بمجحود .
والمراد ب ( المؤمنين ) هنا المؤمنون يومئذ وهم الذين كانوا مع النبيء - صلى الله عليه وسلم - بقرينة السياق وهو قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=164إذ بعث فيهم رسولا من أنفسهم أي أمتهم العربية .
و ( إذ ) ظرف لـ ( من ) لأن الإنعام بهذه النعمة حصل أوقات البعث .
nindex.php?page=treesubj&link=31791_11467ومعنى من أنفسهم المماثلة لهم في الأشياء التي تكون المماثلة فيها سببا لقوة التواصل ، وهي هنا النسب ، واللغة ، والوطن . والعرب تقول : فلان من بني فلان من أنفسهم ، أي من صميمهم ليس انتسابه إليهم بولاء أو لصق ، وكأن هذا وجه إطلاق النفس عليه التي هي في معنى المماثلة ، فكونه من أهل نسبهم أي كونه عربيا يوجب أنسهم به والركون إليه وعدم الاستيحاش منه ، وكونه يتكلم بلسانهم يجعلهم سريعين إلى فهم ما يجيء به ، وكونه جارا لهم وربيا فيهم يعجل لهم التصديق برسالته ، إذ يكونون قد خبروا أمره ، وعلموا فضله ، وشاهدوا استقامته ومعجزاته . وعن النقاش : قيل ليس في العرب قبيلة إلا ولها ولادة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا
تغلب ، وبذلك فسر قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى .
[ ص: 159 ] وهذه المنة خاصة بالعرب ومزية لهم ، زيادة على
nindex.php?page=treesubj&link=31048المنة ببعثة محمد على جميع البشر ، فالعرب وهم الذين تلقوا الدعوة قبل الناس كلهم ، لأن الله أراد ظهور الدين بينهم ليتلقوه التلقي الكامل المناسب لصفاء أذهانهم وسرعة فهمهم لدقائق اللغة ، ثم يكونوا هم حملته إلى البشر ، فيكونوا أعوانا على عموم الدعوة ، ولمن تخلق بأخلاق العرب وأتقن لسانهم والتبس بعوائدهم وأذواقهم اقتراب من هذه المزية وهو معظمها ، إذ لم يفته منها إلا النسب والموطن وما هما إلا مكملان لحسن التلقي ، ولذلك كان المؤمنون مدة حياة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من العرب خاصة بحيث إن تلقيهم الدعوة كان على سواء في الفهم حتى استقر الدين . وقد روي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال
من دخل في الإسلام فهو من العرب .
وقوله يتلو عليهم آياته أي يقرأ عليهم القرآن ، وسميت جمل القرآن آيات لأن كل واحدة منها دليل على صدق الرسول من حيث بلاغة اللفظ وكمال المعنى ، كما تقدم في المقدمة الثامنة من مقدمات هذا التفسير ، فكانوا صالحين لفهم ما يتلى عليهم من غير حاجة لترجمان .
والتزكية : التطهير ، أي يطهر النفوس بهدي الإسلام .
nindex.php?page=treesubj&link=30998وتعليم الكتاب هو تبيين مقاصد القرآن وأمرهم بحفظ ألفاظه ، لتكون معانيه حاضرة عندهم .
nindex.php?page=treesubj&link=19511والمراد بالحكمة ما اشتملت عليه الشريعة من تهذيب الأخلاق وتقنين الأحكام لأن ذلك كله مانع الأنفس من سوء الحال واختلال النظام ، وذلك من معنى الحكمة ، وتقدم القول في ذلك عند قوله تعالى يؤتي الحكمة من يشاء .
وعطف الحكمة على الكتاب عطف الأخص من وجه على الأعم من وجه ، فمن الحكمة ما هو في الكتاب نحو
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=9ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون ومنها ما ليس في الكتاب مثل قوله - عليه السلام -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341099لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين وفي الكتاب ما هو علم وليس حكمة مثل فرض الصلاة والحج .
[ ص: 160 ] وجملة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين حال ، و ( إن ) مخففة مهملة ، والجملة بعدها خبر عن ضمير الشأن محذوف ، والجملة خبره على رأي صاحب الكشاف ، وهو التحقيق إذ لا وجه لزوال عملها مع بقاء معناها ، ولا وجه للتفرقة بينها وبين المفتوحة إذا خففت فقد قدروا لها اسما هو ضمير الشأن ، بل نجد المكسورة أولى ببقاء العمل عند التخفيف لأنها أم الباب فلا يزول عملها بسهولة ، وقال جمهور النحاة : يبطل عملها وتكون بعدها جملة ، وعلى هذا فالمراد بإهمالها أنها لا تنصب مفردين بل تعمل في ضمير شأن وجملة إما اسمية ، أو فعلية فعلها من النواسخ غالبا .
ووصف الضلال بالمبين لأنه لشدته لا يلتبس على أحد بشائبة هدى ، أو شبهة ، فكان حاله مبينا كونه ضلالا كقوله وقالوا هذا سحر مبين .
والمراد به
nindex.php?page=treesubj&link=28675ضلال الشرك والجهالة والتقاتل وأحكام الجاهلية .
ويجوز أن يشمل قوله على المؤمنين المؤمنين في كل العصور ويراد بكونه من أنفسهم أنه من نوع البشر . ويراد بإسناد تعليم الكتاب والحكمة إليه ما يجمع بين الإسناد الحقيقي والمجازي ، لأن تعليم ذلك متلقى منه مباشرة أو بالواسطة .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=164nindex.php?page=treesubj&link=28974_28753لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ .
اسْتِئْنَافٌ لِتَذْكِيرِ رِجَالِ يَوْمِ
أُحُدٍ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ عَلَيْهِمْ . وَمُنَاسَبَةِ ذِكْرِهِ هُنَا أَنَّ فِيهِ مِنَ
nindex.php?page=treesubj&link=29700_29703التَّسْلِيَةِ عَلَى مُصِيبَةِ الْهَزِيمَةِ حَظًّا عَظِيمًا ، إِذْ قَدْ
[ ص: 158 ] شَاعَ تَصْبِيرُ الْمَحْزُونِ وَتَعْزِيَتُهُ بِتَذْكِيرِهِ مَا هُوَ فِيهِ مِنَ النِّعَمِ ، وَلَهُ مَزِيدُ ارْتِبَاطٍ بِقَوْلِهِ فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ ، وَكَذَلِكَ جَاءَتْ آيُ هَذَا الْغَرَضِ فِي قِصَّةِ أُحُدٍ نَاشِئًا بَعْضُهَا عَنْ بَعْضٍ ، مُتَفَنِّنَةً فِي مَوَاقِعِهَا بِحَسَبِ مَا سَمَحَتْ بِهِ فُرَصُ الْفَرَاغِ مِنْ غَرَضٍ وَالشُّرُوعِ فِي غَيْرِهِ فَمَا تَجِدُ طَرَّادَ الْكَلَامِ يَغْدُو طَلْقًا فِي حَلْبَةِ الِاسْتِطْرَادِ إِلَّا وَتَجِدُ لَهُ رَوَاحًا إِلَى مُنْبَعَثِهِ .
وَالْمَنُّ هُنَا : إِسْدَاءُ الْمِنَّةِ أَيِ النِّعْمَةِ ، وَلَيْسَ هُوَ تَعْدَادُ النِّعْمَةِ ، عَلَى الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي فِي قَوْلِهِ لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ ، وَإِنْ كَانَ ذِكْرُ هَذَا الْمَنِّ مَنًّا بِالْمَعْنَى الْآخَرِ ، وَالْكُلُّ مَحْمُودٌ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْمَنَّ إِنَّمَا كَانَ مَذْمُومًا لِمَا فِيهِ مِنْ إِبْدَاءِ التَّطَاوُلِ عَلَى الْمُنْعَمِ عَلَيْهِ ، وَطَوْلُ اللَّهِ لَيْسَ بِمَجْحُودٍ .
وَالْمُرَادُ بِ ( الْمُؤْمِنِينَ ) هُنَا الْمُؤْمِنُونَ يَوْمَئِذٍ وَهُمُ الَّذِينَ كَانُوا مَعَ النَّبِيءِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَرِينَةِ السِّيَاقِ وَهُوَ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=164إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَيْ أُمَّتِهِمُ الْعَرَبِيَّةِ .
وَ ( إِذْ ) ظَرْفٌ لِـ ( مَنَّ ) لِأَنَّ الْإِنْعَامَ بِهَذِهِ النِّعْمَةِ حَصَلَ أَوْقَاتَ الْبَعْثِ .
nindex.php?page=treesubj&link=31791_11467وَمَعْنَى مِنْ أَنْفُسِهِمْ الْمُمَاثَلَةُ لَهُمْ فِي الْأَشْيَاءِ الَّتِي تَكُونُ الْمُمَاثَلَةُ فِيهَا سَبَبًا لِقُوَّةِ التَّوَاصُلِ ، وَهِيَ هُنَا النَّسَبُ ، وَاللُّغَةُ ، وَالْوَطَنُ . وَالْعَرَبُ تَقُولُ : فُلَانٌ مِنْ بَنِي فُلَانٍ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، أَيْ مِنْ صَمِيمِهِمْ لَيْسَ انْتِسَابُهُ إِلَيْهِمْ بِوَلَاءٍ أَوْ لَصْقٍ ، وَكَأَنَّ هَذَا وَجْهُ إِطْلَاقِ النَّفْسِ عَلَيْهِ الَّتِي هِيَ فِي مَعْنَى الْمُمَاثَلَةِ ، فَكَوْنُهُ مِنْ أَهْلِ نَسَبِهِمْ أَيْ كَوْنُهُ عَرَبِيًّا يُوجِبُ أُنْسَهُمْ بِهِ وَالرُّكُونَ إِلَيْهِ وَعَدَمَ الِاسْتِيحَاشِ مِنْهُ ، وَكَوْنُهُ يَتَكَلَّمُ بِلِسَانِهِمْ يَجْعَلُهُمْ سَرِيعِينَ إِلَى فَهْمِ مَا يَجِيءُ بِهِ ، وَكَوْنُهُ جَارًا لَهُمْ وَرَبِيًّا فِيهِمْ يُعَجِّلُ لَهُمُ التَّصْدِيقَ بِرِسَالَتِهِ ، إِذْ يَكُونُونَ قَدْ خَبَرُوا أَمْرَهُ ، وَعَلِمُوا فَضْلَهُ ، وَشَاهَدُوا اسْتِقَامَتَهُ وَمُعْجِزَاتِهِ . وَعَنِ النِّقَاشِ : قِيلَ لَيْسَ فِي الْعَرَبِ قَبِيلَةٌ إِلَّا وَلَهَا وِلَادَةٌ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا
تَغْلِبَ ، وَبِذَلِكَ فُسِّرَ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى .
[ ص: 159 ] وَهَذِهِ الْمِنَّةُ خَاصَّةٌ بِالْعَرَبِ وَمَزِيَّةٌ لَهُمْ ، زِيَادَةً عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=31048الْمِنَّةِ بِبَعْثَةِ مُحَمَّدٍ عَلَى جَمِيعِ الْبَشَرِ ، فَالْعَرَبُ وَهُمُ الَّذِينَ تَلَقَّوُا الدَّعْوَةَ قَبْلَ النَّاسِ كُلِّهِمْ ، لِأَنَّ اللَّهَ أَرَادَ ظُهُورَ الدِّينِ بَيْنَهُمْ لِيَتَلَقَّوْهُ التَّلَقِّيَ الْكَامِلَ الْمُنَاسِبَ لِصَفَاءِ أَذْهَانِهِمْ وَسُرْعَةِ فَهْمِهِمْ لِدَقَائِقِ اللُّغَةِ ، ثُمَّ يَكُونُوا هُمْ حَمَلَتَهُ إِلَى الْبَشَرِ ، فَيَكُونُوا أَعْوَانًا عَلَى عُمُومِ الدَّعْوَةِ ، وَلِمَنْ تَخَلَّقَ بِأَخْلَاقِ الْعَرَبِ وَأَتْقَنَ لِسَانَهُمْ وَالْتَبَسَ بِعَوَائِدِهِمْ وَأَذْوَاقِهِمُ اقْتِرَابٌ مِنْ هَذِهِ الْمَزِيَّةِ وَهُوَ مُعْظَمُهَا ، إِذْ لَمْ يَفُتْهُ مِنْهَا إِلَّا النَّسَبُ وَالْمَوْطِنُ وَمَا هُمَا إِلَّا مُكَمِّلَانِ لِحُسْنِ التَّلَقِّي ، وَلِذَلِكَ كَانَ الْمُؤْمِنُونَ مُدَّةَ حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْعَرَبِ خَاصَّةً بِحَيْثُ إِنَّ تَلَقِّيَهُمُ الدَّعْوَةَ كَانَ عَلَى سَوَاءٍ فِي الْفَهْمِ حَتَّى اسْتَقَرَّ الدِّينُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ
مَنْ دَخَلَ فِي الْإِسْلَامِ فَهُوَ مِنَ الْعَرَبِ .
وَقَوْلُهُ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ أَيْ يَقْرَأُ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ ، وَسُمِّيَتْ جُمَلُ الْقُرْآنِ آيَاتٌ لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا دَلِيلٌ عَلَى صِدْقِ الرَّسُولِ مِنْ حَيْثُ بَلَاغَةِ اللَّفْظِ وَكَمَالِ الْمَعْنَى ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْمُقَدِّمَةِ الثَّامِنَةِ مِنْ مُقَدِّمَاتِ هَذَا التَّفْسِيرِ ، فَكَانُوا صَالِحِينَ لِفَهْمِ مَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ لِتُرْجُمَانٍ .
وَالتَّزْكِيَةُ : التَّطْهِيرُ ، أَيْ يُطَهِّرُ النُّفُوسَ بِهَدْيِ الْإِسْلَامِ .
nindex.php?page=treesubj&link=30998وَتَعْلِيمُ الْكِتَابِ هُوَ تَبْيِينُ مَقَاصِدِ الْقُرْآنِ وَأَمَرَهُمْ بِحِفْظِ أَلْفَاظِهِ ، لِتَكُونَ مَعَانِيهِ حَاضِرَةً عِنْدَهُمْ .
nindex.php?page=treesubj&link=19511وَالْمُرَادُ بِالْحِكْمَةِ مَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ الشَّرِيعَةُ مِنْ تَهْذِيبِ الْأَخْلَاقِ وَتَقْنِينِ الْأَحْكَامِ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مَانِعُ الْأَنْفُسِ مِنْ سُوءِ الْحَالِ وَاخْتِلَالِ النِّظَامِ ، وَذَلِكَ مِنْ مَعْنَى الْحِكْمَةِ ، وَتَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي ذَلِكَ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ .
وَعَطْفُ الْحِكْمَةِ عَلَى الْكِتَابِ عَطْفُ الْأَخَصِّ مِنْ وَجْهٍ عَلَى الْأَعَمِّ مِنْ وَجْهٍ ، فَمِنَ الْحِكْمَةِ مَا هُوَ فِي الْكِتَابِ نَحْوُ
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=9وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمِنْهَا مَا لَيْسَ فِي الْكِتَابِ مِثْلُ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -
nindex.php?page=hadith&LINKID=10341099لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ وَفِي الْكِتَابِ مَا هُوَ عِلْمٌ وَلَيْسَ حِكْمَةً مِثْلُ فَرْضِ الصَّلَاةِ وَالْحَجِّ .
[ ص: 160 ] وَجُمْلَةُ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ حَالٌ ، وَ ( إِنْ ) مُخَفَّفَةٌ مُهْمَلَةٌ ، وَالْجُمْلَةُ بَعْدَهَا خَبَرٌ عَنْ ضَمِيرِ الشَّأْنِ مَحْذُوفٌ ، وَالْجُمْلَةُ خَبَرُهُ عَلَى رَأْيِ صَاحِبِ الْكَشَّافِ ، وَهُوَ التَّحْقِيقُ إِذْ لَا وَجْهَ لِزَوَالِ عَمَلِهَا مَعَ بَقَاءِ مَعْنَاهَا ، وَلَا وَجْهَ لِلتَّفْرِقَةِ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْمَفْتُوحَةِ إِذَا خُفِّفَتْ فَقَدْ قَدَّرُوا لَهَا اسْمًا هُوَ ضَمِيرُ الشَّأْنِ ، بَلْ نَجِدُ الْمَكْسُورَةَ أَوْلَى بِبَقَاءِ الْعَمَلِ عِنْدَ التَّخْفِيفِ لِأَنَّهَا أُمُّ الْبَابِ فَلَا يَزُولُ عَمَلُهَا بِسُهُولَةٍ ، وَقَالَ جُمْهُورُ النُّحَاةِ : يَبْطُلُ عَمَلُهَا وَتَكُونُ بَعْدَهَا جُمْلَةً ، وَعَلَى هَذَا فَالْمُرَادُ بِإِهْمَالِهَا أَنَّهَا لَا تَنْصِبُ مُفْرَدَيْنِ بَلْ تَعْمَلُ فِي ضَمِيرِ شَأْنٍ وَجُمْلَةٍ إِمَّا اسْمِيَّةٍ ، أَوْ فِعْلِيَّةٍ فِعْلُهَا مِنَ النَّوَاسِخِ غَالِبًا .
وَوُصِفَ الضَّلَالُ بِالْمُبِينِ لِأَنَّهُ لِشِدَّتِهِ لَا يَلْتَبِسُ عَلَى أَحَدٍ بِشَائِبَةِ هُدًى ، أَوْ شُبْهَةٍ ، فَكَانَ حَالُهُ مُبَيِّنًا كَوْنَهُ ضَلَالًا كَقَوْلِهِ وَقَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ .
وَالْمُرَادُ بِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=28675ضَلَالُ الشِّرْكِ وَالْجَهَالَةِ وَالتَّقَاتُلِ وَأَحْكَامِ الْجَاهِلِيَّةِ .
وَيَجُوزُ أَنْ يَشْمَلَ قَوْلُهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ الْمُؤْمِنِينَ فِي كُلِّ الْعُصُورِ وَيُرَادُ بِكَوْنِهِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُ مِنْ نَوْعِ الْبَشَرِ . وَيُرَادُ بِإِسْنَادِ تَعْلِيمِ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ إِلَيْهِ مَا يَجْمَعُ بَيْنَ الْإِسْنَادِ الْحَقِيقِيِّ وَالْمَجَازِيِّ ، لِأَنَّ تَعْلِيمَ ذَلِكَ مُتَلَقًّى مِنْهُ مُبَاشَرَةً أَوْ بِالْوَاسِطَةِ .