[ ص: 47 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=168nindex.php?page=treesubj&link=28975_30437إن الذين كفروا وظلموا لم يكن الله ليغفر لهم ولا ليهديهم طريقا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=169إلا طريق جهنم خالدين فيها أبدا وكان ذلك على الله يسيرا الجملة بيان لجملة (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=167قد ضلوا ضلالا بعيدا ) ، لأن السامع يترقب معرفة جزاء هذا الضلال فبينته هذه الجملة .
وإعادة الموصول وصلته دون أن يذكر ضميرهم لتبنى عليه صلة ( وظلموا ) ، ولأن في تكرير الصلة تنديدا عليهم . ويجيء على الوجهين في المراد من الذين كفروا في الآية التي قبلها أن يكون عطف الظلم على الكفر في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=168إن الذين كفروا وظلموا ) إما أن يراد به ظلم النفس ، وظلم النبيء والمسلمين ، وذلك اللائق بأهل الكتاب ، وإما أن يراد به الشرك ، كما هو شائع في استعمال القرآن ، قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إن الشرك لظلم عظيم ، فيكون من عطف الأخص على الأعم في الأنواع ، وإما أن يراد به التعدي على الناس ، كظلمهم النبيء - صلى الله عليه وسلم - بإخراجه من أرضه ، وتأليب الناس عليه ، وغير ذلك ، وظلمهم المؤمنين بتعذيبهم في الله ، وإخراجهم ، ومصادرتهم في أموالهم ، ومعاملتهم بالنفاق والسخرية والخداع ، وإما أن يراد به ارتكاب المفاسد والجرائم مما استقر عند أهل العقول أنه ظلم وعدوان .
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=168لم يكن الله ليغفر لهم ) صيغة جحود ، وقد تقدم بيانها عند قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب في سورة آل عمران ، فهي تقتضي تحقيق النفي ، وقد نفي عن الله أن يغفر لهم تحذيرا من البقاء على الكفر والظلم ، لأن هذا الحكم نيط بالوصف ولم ينط بأشخاص معروفين ، فإن هم أقلعوا عن الكفر والظلم لم يكونوا من الذين كفروا وظلموا . ومعنى نفي ( أن يهديهم طريقا ) : إن كان طريق يوم القيامة فهو واضح : أي لا يهديهم طريقا يوصلهم إلى مكان إلا طريقا يوصل إلى جهنم . ويجوز أن يراد من الطريق الآيات في الدنيا ، كقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم . فنفي هديهم إليه
[ ص: 48 ] إنذار بأن
nindex.php?page=treesubj&link=30539_29557الكفر والظلم من شأنهما أن يخيما على القلب بغشاوة تمنعه من وصول الهدى إليه ، ليحذر المتلبس بالكفر والظلم من التوغل فيهما ، فلعله أن يصبح ولا مخلص له منهما . ونفي هدى الله إياهم على هذا الوجه مجاز عقلي في نفي تيسير أسباب الهدى بحسب قانون حصول الأسباب وحصول آثارها بعدها . وعلى أي الاحتمالين فتوبة الكافر الظالم بالإيمان مقبولة ، وكثيرا ما آمن الكافرون الظالمون وحسن إيمانهم ، وآيات قبول التوبة ، وكذلك مشاهدة الواقع ، مما يهدي إلى تأويل هذه الآية ، وتقدم نظير هذه الآية قريبا ، أي (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=137الذين آمنوا ثم كفروا ) الآية .
وقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=169إلا طريق جهنم ) استثناء متصل إن كان الطريق الذي نفى هديهم إليه الطريق الحقيقي ، ومنقطع إن أريد بالطريق الأول الهدى . وفي هذا الاستثناء تأكيد الشيء بما يشبه ضده ; لأن الكلام مسوق للإنذار ، والاستثناء فيه رائحة إطماع ، ثم إذا سمع المستثنى تبين أنه من قبيل الإنذار . وفيه تهكم لأنه استثنى من الطريق المعمول ليهديهم ، وليس الإقحام بهم في طريق جهنم بهدي لأن الهدي هو إرشاد الضال إلى المكان المحبوب .
ولذلك عقبه بقوله ( وكان ذلك ) أي الإقحام بهم في طريق النار (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=169على الله يسيرا ) إذ لا يعجزه شيء ، وإذ هم عبيده يصرفهم إلى حيث يشاء .
[ ص: 47 ] nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=168nindex.php?page=treesubj&link=28975_30437إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلَا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=169إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا الْجُمْلَةُ بَيَانٌ لِجُمْلَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=167قَدْ ضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا ) ، لِأَنَّ السَّامِعَ يَتَرَقَّبُ مَعْرِفَةَ جَزَاءِ هَذَا الضَّلَالِ فَبَيَّنَتْهُ هَذِهِ الْجُمْلَةُ .
وَإِعَادَةُ الْمَوْصُولِ وَصِلَتِهِ دُونَ أَنْ يُذْكَرَ ضَمِيرُهُمْ لِتُبْنَى عَلَيْهِ صِلَةُ ( وَظَلَمُوا ) ، وَلِأَنَّ فِي تَكْرِيرِ الصِّلَةِ تَنْدِيدًا عَلَيْهِمْ . وَيَجِيءُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فِي الْمُرَادِ مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا أَنْ يَكُونَ عَطْفُ الظُّلْمِ عَلَى الْكُفْرِ فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=168إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا ) إِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ ظُلْمُ النَّفْسِ ، وَظُلْمُ النَّبِيءِ وَالْمُسْلِمِينَ ، وَذَلِكَ اللَّائِقُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ ، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ الشِّرْكُ ، كَمَا هُوَ شَائِعٌ فِي اسْتِعْمَالِ الْقُرْآنِ ، قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=13إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ ، فَيَكُونُ مِنْ عَطْفِ الْأَخَصِّ عَلَى الْأَعَمِّ فِي الْأَنْوَاعِ ، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّعَدِّي عَلَى النَّاسِ ، كَظُلْمِهِمُ النَّبِيءَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِإِخْرَاجِهِ مِنْ أَرْضِهِ ، وَتَأْلِيبِ النَّاسِ عَلَيْهِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ ، وَظُلْمِهِمُ الْمُؤْمِنِينَ بِتَعْذِيبِهِمْ فِي اللَّهِ ، وَإِخْرَاجِهِمْ ، وَمُصَادَرَتِهِمْ فِي أَمْوَالِهِمْ ، وَمُعَامَلَتِهِمْ بِالنِّفَاقِ وَالسُّخْرِيَةِ وَالْخِدَاعِ ، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ ارْتِكَابُ الْمَفَاسِدِ وَالْجَرَائِمِ مِمَّا اسْتَقَرَّ عِنْدَ أَهْلِ الْعُقُولِ أَنَّهُ ظُلْمٌ وَعُدْوَانٌ .
وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=168لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ ) صِيغَةُ جُحُودٍ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=79مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُؤْتِيَهُ اللَّهُ الْكِتَابَ فِي سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ ، فَهِيَ تَقْتَضِي تَحْقِيقَ النَّفْيِ ، وَقَدْ نُفِيَ عَنِ اللَّهِ أَنْ يَغْفِرَ لَهُمْ تَحْذِيرًا مِنَ الْبَقَاءِ عَلَى الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ ، لِأَنَّ هَذَا الْحُكْمَ نِيطَ بِالْوَصْفِ وَلَمْ يُنَطْ بِأَشْخَاصٍ مَعْرُوفِينَ ، فَإِنْ هُمْ أَقْلَعُوا عَنِ الْكُفْرِ وَالظُّلْمِ لَمْ يَكُونُوا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا . وَمَعْنَى نَفْيِ ( أَنْ يَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا ) : إِنْ كَانَ طَرِيقَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ فَهُوَ وَاضِحٌ : أَيْ لَا يَهْدِيهِمْ طَرِيقًا يُوصِلُهُمْ إِلَى مَكَانٍ إِلَّا طَرِيقًا يُوَصِّلُ إِلَى جَهَنَّمَ . وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ مِنَ الطَّرِيقِ الْآيَاتُ فِي الدُّنْيَا ، كَقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ . فَنَفْيُ هَدْيِهِمْ إِلَيْهِ
[ ص: 48 ] إِنْذَارٌ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30539_29557الْكُفْرَ وَالظُّلْمَ مِنْ شَأْنِهِمَا أَنْ يُخَيِّمَا عَلَى الْقَلْبِ بِغِشَاوَةٍ تَمْنَعُهُ مِنْ وُصُولِ الْهُدَى إِلَيْهِ ، لِيُحَذِّرَ الْمُتَلَبِّسَ بِالْكُفْرِ وَالظُّلْمِ مِنَ التَّوَغُّلِ فِيهِمَا ، فَلَعَلَّهُ أَنْ يُصْبِحَ وَلَا مُخَلِّصَ لَهُ مِنْهُمَا . وَنَفْيُ هُدَى اللَّهِ إِيَّاهُمْ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ مَجَازٌ عَقْلِيٌّ فِي نَفْيِ تَيْسِيرِ أَسْبَابِ الْهُدَى بِحَسَبِ قَانُونِ حُصُولِ الْأَسْبَابِ وَحُصُولِ آثَارِهَا بَعْدَهَا . وَعَلَى أَيِّ الِاحْتِمَالَيْنِ فَتَوْبَةُ الْكَافِرِ الظَّالِمِ بِالْإِيمَانِ مَقْبُولَةٌ ، وَكَثِيرًا مَا آمَنَ الْكَافِرُونَ الظَّالِمُونَ وَحَسُنَ إِيمَانُهُمْ ، وَآيَاتُ قَبُولِ التَّوْبَةِ ، وَكَذَلِكَ مُشَاهَدَةُ الْوَاقِعِ ، مِمَّا يَهْدِي إِلَى تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَتَقَدَّمَ نَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ قَرِيبًا ، أَيِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=137الَّذِينَ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا ) الْآيَةَ .
وَقَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=169إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ ) اسْتِثْنَاءٌ مُتَّصِلٌ إِنْ كَانَ الطَّرِيقُ الَّذِي نَفَى هَدْيَهُمْ إِلَيْهِ الطَّرِيقَ الْحَقِيقِيَّ ، وَمُنْقَطِعٌ إِنْ أُرِيدَ بِالطَّرِيقِ الْأَوَّلِ الْهُدَى . وَفِي هَذَا الِاسْتِثْنَاءِ تَأْكِيدُ الشَّيْءِ بِمَا يُشْبِهُ ضِدَّهُ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ مَسُوقٌ لِلْإِنْذَارِ ، وَالِاسْتِثْنَاءُ فِيهِ رَائِحَةُ إِطْمَاعٍ ، ثُمَّ إِذَا سُمِعَ الْمُسْتَثْنَى تَبَيَّنَ أَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْإِنْذَارِ . وَفِيهِ تَهَكُّمٌ لِأَنَّهُ اسْتَثْنَى مِنَ الطَّرِيقِ الْمَعْمُولِ لِيَهْدِيَهُمْ ، وَلَيْسَ الْإِقْحَامُ بِهِمْ فِي طَرِيقِ جَهَنَّمَ بِهَدْيٍ لِأَنَّ الْهَدْيَ هُوَ إِرْشَادُ الضَّالِّ إِلَى الْمَكَانِ الْمَحْبُوبِ .
وَلِذَلِكَ عَقَّبَهُ بِقَوْلِهِ ( وَكَانَ ذَلِكَ ) أَيِ الْإِقْحَامُ بِهِمْ فِي طَرِيقِ النَّارِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=169عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا ) إِذْ لَا يُعْجِزُهُ شَيْءٌ ، وَإِذْ هُمْ عَبِيدُهُ يَصْرِفُهُمْ إِلَى حَيْثُ يَشَاءُ .