(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146الذين آتيناهم الكتاب ) : هم علماء
اليهود والنصارى ، أو من آمن برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من
اليهود ،
كابن سلام وغيره ، أو من آمن به مطلقا ، أقوال . والكتاب : التوراة ، أو الإنجيل ، أو مجموعهما ، أو القرآن . أقوال تنبني على من المراد بالذين آتيناهم ، ولفظ آتيناهم أبلغ من أوتوا ، لإسناد الإيتاء إلى الله تعالى ، معبرا عنه بنون العظمة ، وكذا ما يجيء من نحو هذا ، مرادا به الإكرام نحو : هدينا ، واجتبينا ، واصطفينا . قيل : ولأن أوتوا قد يستعمل فيما لم يكن له قبول ، وآتيناهم أكثر ما يستعمل فيما له قبول نحو : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89الذين آتيناهم الكتاب والحكم والنبوة ) ، وإذا أريد بالكتاب أكثر من واحد ، فوحد ; لأنه صرف إلى المكتوب المعبر عنه بالمصدر .
( يعرفونه ) :
[ ص: 435 ] جملة في موضع الخبر عن المبتدأ الذي هو الذين آتيناهم ، وجوز أن يكون الذين مجرورا على أنه صفة للظالمين ، أو على أنه بدل من الظالمين ، أو على أنه بدل من (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=145الذين أوتوا الكتاب ) في الآية التي قبلها ، ومرفوعا على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هم الذين ، ومنصوبا على إضمار ، أعني : وعلى هذه الأعاريب يكون قوله : ( يعرفونه ) ، جملة في موضع الحال ، إما من المفعول الأول في آتيناهم ، أو من الثاني الذي هو الكتاب ; لأن في يعرفونه ضميرين يعودان عليهما . والظاهر هو الإعراب الأول ، لاستقلال الكلام جملة منعقدة من مبتدأ وخبر ، ولظاهر انتهاء الكلام عند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=145إنك إذا لمن الظالمين ) . والضمير المنصوب في يعرفونه عائد على النبي - صلى الله عليه وسلم - ، قاله
مجاهد وقتادة وغيرهما . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، واختاره
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج ، ورجحه
التبريزي ، وبدأ به
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري فقال : يعرفونه معرفة جلية ، يميزون بينه وبين غيره بالوصف المعين المشخص . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وغيره : واللفظ
nindex.php?page=showalam&ids=14423للزمخشري ، وجاز الإضمار ، وإن لم يسبق له ذكر ; لأن الكلام يدل عليه ولا يلتبس على السامع ، ومثل هذا الإضمار فيه تفخيم وإشعار بأنه لشهرته وكونه علما معلوما بغير إعلام . انتهى . وأقول : ليس كما قالوه من أنه إضمار قبل الذكر : بل هذا من باب الالتفات ; لأنه قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك ) ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=145ولئن أتيت الذين ) إلى آخر الآية ، فهذه كلها ضمائر خطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم التفت عن ضمير الخطاب إلى ضمير الغيبة . وحكمة هذا الالتفات أنه لما فرغ من الإقبال عليه بالخطاب ، أقبل على الناس فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146الذين آتيناهم الكتاب ) واخترناهم لتحمل العلم والوحي ، يعرفون هذا الذي خاطبناه في الآي السابقة وأمرناه ونهيناه ، لا يشكون في معرفته ، ولا في صدق أخباره ، بما كلفناه من التكاليف التي منها نسخ
بيت المقدس بالكعبة ، لما في كتابهم من ذكره ونعته ، والنص عليه يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل . فقد اتضح بما ذكرناه أنه ليس من باب الإضمار قبل الذكر ، وأنه من باب الالتفات ، وتبينت حكمة الالتفات . ويؤيد كون الضمير لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما روي أن
عمر سأل
nindex.php?page=showalam&ids=106عبد الله بن سلام - رضي الله عنهما - وقال : إن الله قد أنزل على نبيه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146nindex.php?page=treesubj&link=28973الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه ) الآية ، فكيف هذه المعرفة ؟ فقال
عبد الله : يا
عمر ، لقد عرفته حين رأيته ، كما أعرف ابني ، ومعرفتي
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - أشد من معرفتي بابني . فقال
عمر : وكيف ذلك ؟ فقال : أشهد أنه رسول الله حقا ، وقد نعته الله في كتابنا ، ولا أدري ما يصنع النساء . فقال
عمر : وفقك الله يا
ابن سلام فقد صدقت ، وقد روي هذا الأثر مختصرا بما يرادف بعض ألفاظه ويقاربها ، وفيه : فقبل
عمر رأسه . وإذا كان الضمير للرسول ، فقيل : المراد معرفة الوجه وتميزه ، لا معرفة حقيقة النسب . وقيل : المعنى يعرفون صدقه ونبوته . وقيل : الضمير عائد على الحق الذي هو التحول إلى الكعبة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وقتادة أيضا ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وابن جريج والربيع . وقيل : عائد على القرآن . وقيل : على العلم . وقيل : على كون البيت الحرام قبلة
إبراهيم ومن قبله من الأنبياء ، وهذه المعرفة مختصة بالعلماء ; لأنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146الذين آتيناهم الكتاب ) ، فإن تعلقت المعرفة بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ، فيكون حصولها بالرؤية والوصف ، أو بالقرآن ، فحصلت من تصديق كتابهم للقرآن ، وبنبوة
محمد - صلى الله عليه وسلم - وصفته ، أو بالقبلة ، أو التحويل ، فحصلت بخبر القرآن وخبر الرسول المؤيد بالخوارق .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146كما يعرفون أبناءهم ) ، الكاف : في موضع نصب ، على أنها صفة لمصدر محذوف تقديره عرفانا مثل عرفانهم أبناءهم ، أو في موضع نصب على الحال من ضمير المعرفة المحذوف ، كان التقدير : يعرفونه معرفة مماثلة لمعرفة
[ ص: 436 ] أبنائهم . وظاهر هذا التشبيه أن المعرفة أريد بها معرفة الوجه والصورة ، وتشبيهها بمعرفة الأبناء يقوي ذلك ، ويقوي أن الضمير عائد على الرسول - صلى الله عليه وسلم - ، حتى تكون المعرفتان تتعلقان بالمحسوس المشاهد ، وهو آكد في التشبيه من أن يكون التشبيه وقع بين معرفة متعلقها المعنى ، ومعرفة متعلقها المحسوس . وظاهر الأبناء الاختصاص بالذكور ، فيكونون قد خصوا بذلك ; لأنهم أكثر مباشرة ومعاشرة للآباء ، وألصق وأعلق بقلوب الآباء . ويحتمل أن يراد بالأبناء : الأولاد ، فيكون ذلك من باب التغليب . وكان التشبيه بمعرفة الأبناء آكد من التشبيه بالأنفس ; لأن الإنسان قد يمر عليه برهة من الزمان لا يعرف فيها نفسه ، بخلاف الأبناء ، فإنه لا يمر عليه زمان إلا وهو يعرف ابنه .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146وإن فريقا منهم ليكتمون الحق ) : أي من الذين آتيناهم الكتاب ، وهم المصرون على الكفر والعناد ، من علماء
اليهود النصارى ، على أحسن التفاسير في الذين آتيناهم الكتاب ، وأبعد من ذهب إلى أنه أريد بهذا الفريق جهال
اليهود والنصارى ، الذين قيل فيهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=78ومنهم أميون لا يعلمون الكتاب إلا أماني ) ، للإخبار عن هذا الفريق أنهم يكتمون الحق وهم عالمون به ، ولوصف الأميين هناك بأنهم لا يعلمون الكتاب إلا أماني . والحق المكتوم هنا هو نعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، قاله
قتادة ومجاهد ، والتوجه إلى الكعبة ، أو أن الكعبة هي القبلة ، أو أعم من ذلك ، فيندرج فيه كل حق .
( وهم يعلمون ) : جملة حالية ، أي عالمين بأنه حق . ويقرب أن يكون حالا مؤكدة ; لأن لفظ يكتمون الحق يدل على علمه به ; لأن الكتم هو إخفاء لما يعلم . وقيل : متعلق العلم هو ما على الكاتم من العقاب ، أي وهم يعلمون العقاب المرتب على كاتم الحق ، فيكون إذ ذاك حالا مبينة .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=147الحق من ربك ) : قرأ الجمهور : برفع الحق على أنه مبتدأ ، والخبر هو من ربك ، فيكون المجرور في موضع رفع ، أو على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي هو الحق من ربك ، والضمير عائد على الحق المكتوم ، أي ما كتموه هو الحق من ربك ، ويكون المجرور في موضع الحال ، أو خبرا بعد خبر . وأبعد من ذهب إلى أنه مبتدأ وخبره محذوف تقديره : الحق من ربك يعرفونه . والألف واللام في الحق للعهد ، وهو الحق الذي عليه الرسول ، أو الحق الذي كتموه ، أو للجنس على معنى : أن الحق هو من الله ، لا من غيره ، أي ما ثبت أنه حق فهو من الله ، كالذي عليه الرسول ، وما لم تثبت حقيقته ، فليس من الله ، كالباطل الذي عليه
أهل الكتاب . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب : الحق بالنصب ، وأعرب بأن يكون بدلا من الحق المكتوم ، فيكون التقدير : يكتمون الحق من ربك ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ; أو على أن يكون معمولا ليعلمون ، قاله
ابن عطية ، ويكون مما وقع فيه الظاهر موقع المضمر ، أي وهم يعلمونه كائنا من ربك ، وذلك سائغ حسن في أماكن التفخيم والتهويل ، كقوله :
لا أرى الموت يسبق الموت شيء
أي يسبقه شيء . وجوز
ابن عطية أن يكون منصوبا بفعل محذوف تقديره : الزم الحق من ربك ، ويدل عليه الخطاب بعده : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=147فلا تكونن من الممترين ) . والمراد بهذا الخطاب في المعنى هو الأمة . ودل الممترين على وجودهم ، ونهى أن يكون منهم ، والنهي عن كونه منهم أبلغ من النهي عن نفس الفعل . فقولك : لا تكن ظالما ، أبلغ من قولك : لا تظلم ; لأن لا تظلم نهي عن الالتباس بالظلم . وقولك : لا تكن ظالما نهي عن الكون بهذه الصفة . والنهي عن الكون على صفة ، أبلغ من النهي عن تلك الصفة ، إذ النهي عن الكون على صفة يدل بالوضع على عموم الأكوان المستقبلة على تلك الصفة ، ويلزم من ذلك عموم تلك الصفة . والنهي عن الصفة يدل بالوضع على عموم تلك الصفة . وفرق بين ما يدل على عموم ويستلزم عموما ، وبين ما يدل على عموم فقط ، فلذلك كان أبلغ ; ولذلك كثر النهي عن الكون . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35فلا تكونن من الجاهلين "
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=95ولا [ ص: 437 ] تكونن من الذين كذبوا بآيات الله " " فلا تكن في مرية منه ) . والكينونة في الحقيقة ليست متعلق النهي . والمعنى : لا تظلم في كل أكوانك ، أي في كل فرد من أكوانك ، فلا يمر بك وقت يوجد فيه منك ظلم ، فتصير كان فيه نصا على سائر الأكوان ، بخلاف لا تظلم فإنه يستلزم الأكوان . وأكد النهي بنون التوكيد مبالغة في النهي ، وكانت المشددة لأنها أبلغ في التأكيد من المخففة . والمعنى : فلا تكونن من الذين يشكون في الحق ; لأن ما جاء من الله تعالى لا يمكن أن يقع فيه شك ولا جدال ، إذ هو الحق المحض الذي لا يمكن أن يلحق فيه ريب ولا شك .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148ولكل وجهة هو موليها ) ، لما ذكر القبلة التي أمر المسلمون بالتوجه إليها ، وهي الكعبة ، وذكر من تصميم
أهل الكتاب على عدم اتباعها ، وأن كلا من طائفتي
اليهود والنصارى مصممة على عدم اتباع صاحبها ، أعلم أن ذلك هو بفعله ، وأنه هو المقدر ذلك ، وأنه هو موجه كل منهم إلى قبلته . ففي ذلك تنبيه على شكر الله ، إذ وفق المسلمين إلى اتباع ما أمر به من التوجه واختارهم لذلك . وقرأ الجمهور : " ولكل " : منونا ، " وجهة " : مرفوعا ، هو موليها : بكسر اللام اسم فاعل . وقرأ
ابن عامر : هو مولاها ، بفتح اللام اسم مفعول ، وهي قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقرأ قوم شاذا : ولكل وجهة ، بخفض اللام من " كل " من غير تنوين ، وجهة : بالخفض منونا على الإضافة ، والتنوين في كل تنوين عوض من الإضافة ، وذلك المضاف إليه " كل " المحذوف اختلف في تقديره . فقيل : المعنى : ولكل طائفة من أهل الأديان . وقيل : المعنى : ولكل أهل صقع من المسلمين وجهة من أهل سائر الآفاق إلى جهة الكعبة ، وراءها وقدامها ، ويمينها وشمالها ، ليست جهة من جهاتها بأولى أن تكون قبلة من غيرها . وقيل : المعنى : ولكل نبي قبلة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . وقيل : المعنى : ولكل ملك ورسول صاحب شريعة جهة قبلة ، فقبلة المقربين العرش ، وقبلة الروحانيين الكرسي ، وقبلة الكروبيين البيت المعمور ، وقبلة الأنبياء قبلك
بيت المقدس ، وقبلتك الكعبة ، وقد اندرج في هذا الذي ذكرناه أن المراد بوجهه : قبلة ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وهي قراءة
أبي ، قرأ : ولكل قبلة . وقرأ
عبد الله : ولكل جعلنا قبلة . وقال
الحسن : وجهة : طريقة ، كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ) ، أي لكل نبي طريقة . وقال
قتادة : وجهة : أي صلاة يصلونها ، وهو من قوله : " هو موليها " عائد على " كل " على لفظه ، لا على معناه ، أي هو مستقبلها وموجه إليها صلاته التي يتقرب بها ، والمفعول الثاني لموليها محذوف لفهم المعنى ، أي هو موليها وجهه أو نفسه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وعطاء والربيع ، ويؤيد أن " هو " عائد على كل قراءة من قرأ : " هو مولاها " . وقيل : هو عائد على الله تعالى ، قاله
الأخفش nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج ، أي الله موليها إياه ، اتبعها من اتبعها وتركها من تركها . فمعنى هو موليها على هذا التقدير : شارعها ومكلفهم بها . والجملة من الابتداء والخبر في موضع الصفة لوجهة . وأما قراءة من قرأ : " ولكل وجهة " على الإضافة ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=16935محمد بن جرير : هي خطأ ، ولا ينبغي أن يقدم على الحكم في ذلك بالخطأ ، لا سيما وهي معزوة إلى
ابن عامر ، أحد القراء السبعة ، وقد وجهت هذه القراءة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : المعنى : ولكل وجهة الله موليها ، فزيدت اللام لتقدم المفعول ،
[ ص: 438 ] كقولك : لزيد ضربت ، ولزيد أبوه ضاربه . انتهى كلامه ، وهذا فاسد ; لأن العامل إذا تعدى لضمير الاسم لم يتعد إلى ظاهره المجرور باللام . لا يجوز أن يقول : لزيد ضربته ، ولا : لزيد أنا ضاربه . وعليه أن الفعل إذا تعدى للضمير بغير واسطة كان قويا ، واللام إنما تدخل على الظاهر إذا تقدم ليقويه لضعف وصوله إليه متقدما ، ولا يمكن أن يكون العامل قويا ضعيفا في حالة واحدة ، ولأنه يلزم من ذلك أن يكون المتعدي إلى واحد يتعدى إلى اثنين ، ولذلك تأول النحويون قوله هذا :
سراقة للقرآن يدرسه
وليس نظير ما مثل به من قوله : لزيد ضربت ، أي زيدا ضربت ; لأن ضربت في هذا المثال لم يعمل في ضمير زيد ، ولا يجوز أن يقدر عامل في : " لكل وجهة " يفسره قوله : " موليها " ، كتقديرنا زيدا أنا ضاربه ، أي أضرب زيدا أنا ضاربه ، فتكون المسألة من باب الاشتغال ; لأن المشتغل عنه لا يجوز أن يجر بحرف الجر . تقول : زيدا مررت به ، أي لابست زيدا ، ولا يجوز : بزيد مررت به ، فيكون التقدير : مررت بزيد مررت به ، بل كل فعل يتعدى بحرف الجر ، إذا تسلط على ضمير اسم سابق في باب الاشتغال ، فلا يجوز في ذلك الاسم السابق أن يجر بحرف جر ، ويقدر ذلك الفعل ليتعلق به حرف الجر ، بل إذا أردت الاشتغال نصبته ، هكذا جرى كلام العرب . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=31والظالمين أعد لهم عذابا أليما ) . وقال الشاعر :
أثعلبة الفوارس أم رباحا عدلت بهم طهية والخشابا
وأما تمثيله : لزيد أبوه ضاربه ، فتركيب غير عربي . فإن قلت : لم لا تتوجه هذه القراءة على أن " لكل وجهة " في موضع المفعول الثاني " لموليها " ، والمفعول الأول هو المضاف إليه اسم الفاعل الذي هو مول ، وهو الهاء ، وتكون عائدة على أهل القبلات والطوائف ، وأنث على معنى الطوائف ، وقد تقدم ذكرهم ، ويكون التقدير : وكل وجهة الله مولي الطوائف أصحاب القبلات ؟ فالجواب : أنه منع هذا التقدير نص النحويين على أن المتعدي إلى واحد هو الذي يجوز أن تدخل اللام على مفعوله إذا تقدم . أما ما يتعدى إلى اثنين ، فلا يجوز أن يدخل على واحد منهما اللام إذا تقدم ، ولا إذا تأخر . وكذلك ما يتعدى إلى ثلاثة . ومول هنا اسم فاعل من فعل يتعدى إلى اثنين ، فلذلك لا يجوز هذا التقدير . وقال
ابن عطية ، في توجيه هذه القراءة : أي فاستبقوا الخيرات لكل وجهة ولاكموها ، ولا تعترضوا فيما أمركم بين هذه وهذه ، أي إنما عليكم الطاعة في الجميع . وقدم قوله : " لكل وجهة " على الأمر في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148فاستبقوا الخيرات " ; للاهتمام بالوجهة ، كما تقدم المفعول . انتهى كلام
ابن عطية ، وهو
[ ص: 439 ] توجيه لا بأس به .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148فاستبقوا الخيرات ) : هذا أمر بالبدار إلى فعل الخير والعمل الصالح . وناسب هذا أن من جعل الله له شريعة ، أو قبلة ، أو صلاة ، فينبغي الاهتمام بالمسارعة إليها . قال
قتادة : الاستباق في أمر الكعبة رغما لليهود بالمخالفة . وقال
ابن زيد : معناه : سارعوا إلى الأعمال الصالحة من التوجه إلى القبلة وغيره . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : ويجوز أن يكون المعنى : فاستبقوا الفاضلات من الجهات ، وهي الجهات المسامتة للكعبة ، وإن اختلفت . وذكرنا أن استبق بمعنى : تسابق ، فهو يدل على الاشتراك . (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17إنا ذهبنا نستبق ) ، أي نتسابق ، كما تقول . تضاربوا . واستبق لا يتعدى ; لأن تسابق لا يتعدى ، وذلك أن الفعل المتعدي ، إذا بنيت من لفظ معناه : تفاعل للاشتراك ، صار لازما ، تقول : ضربت زيدا ، ثم تقول : تضاربنا ، فلذلك قيل : إن " إلى " هنا محذوفة ، التقدير : فاستبقوا إلى الخيرات . قال
الراعي :
ثنائي عليكم آل حرب ومن يمل سواكم فإني مهتد غير مائل
يريد ومن يمل سواكم (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148أينما تكونوا يأت بكم الله جميعا ) : هذه جملة تتضمن وعظا وتحذيرا وإظهارا لقدرته ، ومعنى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148يأت بكم الله جميعا ) : أي يبعثكم ويحشركم للثواب والعقاب ، فأنتم لا تعجزونه ، وافقتم أم خالفتم ، ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يعني يوم القيامة . وقيل : المعنى : أينما تكونوا من الجهات المختلفة يأت بكم الله جميعا ، أي يجمعكم ويجعل صلاتكم كلها إلى جهة واحدة ، وكأنكم تصلون حاضري المسجد الحرام ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148إن الله على كل شيء قدير ) تقدم شرح هذه الجملة ، وسيقت بعد الجملة الشرطية المتضمنة للبعث والجزاء ، أي لا يستبعد إتيان الله تعالى بالأشلاء المتمزقة في الجهات المتعددة المتفرقة ، فإن قدرة الله تتعلق بالممكنات ، وهذا منها . وقد تقدم لنا أن مثل هذه الجملة المصدرة بأن تجيء كالعلة لما قبلها ، فكان المعنى : إتيان الله بكم جميعا لقدرته على ذلك .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ) : هُمْ عُلَمَاءُ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، أَوْ مَنْ آمَنَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ
الْيَهُودِ ،
كَابْنِ سَلَامٍ وَغَيْرِهِ ، أَوْ مَنْ آمَنَ بِهِ مُطْلَقًا ، أَقْوَالٌ . وَالْكِتَابُ : التَّوْرَاةُ ، أَوِ الْإِنْجِيلُ ، أَوْ مَجْمُوعُهُمَا ، أَوِ الْقُرْآنُ . أَقْوَالٌ تَنْبَنِي عَلَى مَنِ الْمُرَادِ بِالَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ ، وَلَفْظُ آتَيْنَاهُمْ أَبْلَغُ مِنْ أُوتُوا ، لِإِسْنَادِ الْإِيتَاءِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، مُعَبِّرًا عَنْهُ بِنُونِ الْعَظَمَةِ ، وَكَذَا مَا يَجِيءُ مِنْ نَحْوِ هَذَا ، مُرَادًا بِهِ الْإِكْرَامُ نَحْوُ : هَدَيْنَا ، وَاجْتَبَيْنَا ، وَاصْطَفَيْنَا . قِيلَ : وَلِأَنَّ أُوتُوا قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَبُولٌ ، وَآتَيْنَاهُمْ أَكْثَرُ مَا يُسْتَعْمَلُ فِيمَا لَهُ قَبُولٌ نَحْوُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=89الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ ) ، وَإِذًا أُرِيدَ بِالْكِتَابِ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدٍ ، فَوَحَّدَ ; لِأَنَّهُ صُرِفَ إِلَى الْمَكْتُوبِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ بِالْمَصْدَرِ .
( يَعْرِفُونَهُ ) :
[ ص: 435 ] جُمْلَةٌ فِي مَوْضِعِ الْخَبَرِ عَنِ الْمُبْتَدَأِ الَّذِي هُوَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمْ ، وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ الَّذِينَ مَجْرُورًا عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِلظَّالِمِينَ ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنَ الظَّالِمِينَ ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ بَدَلٌ مِنْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=145الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ ) فِي الْآيَةِ الَّتِي قَبْلَهَا ، وَمَرْفُوعًا عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، أَيْ هُمُ الَّذِينَ ، وَمَنْصُوبًا عَلَى إِضْمَارِ ، أَعْنِي : وَعَلَى هَذِهِ الْأَعَارِيبِ يَكُونُ قَوْلُهُ : ( يَعْرِفُونَهُ ) ، جُمْلَةً فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، إِمَّا مِنَ الْمَفْعُولِ الْأَوَّلِ فِي آتَيْنَاهُمْ ، أَوْ مِنَ الثَّانِي الَّذِي هُوَ الْكِتَابُ ; لِأَنَّ فِي يَعْرِفُونَهُ ضَمِيرَيْنِ يَعُودَانِ عَلَيْهِمَا . وَالظَّاهِرُ هُوَ الْإِعْرَابُ الْأَوَّلُ ، لِاسْتِقْلَالِ الْكَلَامِ جُمْلَةً مُنْعَقِدَةً مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ ، وَلِظَاهِرِ انْتِهَاءِ الْكَلَامِ عِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=145إِنَّكَ إِذًا لَمِنَ الظَّالِمِينَ ) . وَالضَّمِيرُ الْمَنْصُوبُ فِي يَعْرِفُونَهُ عَائِدٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَهُ
مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ وَغَيْرُهُمَا . وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَاخْتَارَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ ، وَرَجَّحَهُ
التَّبْرِيزِيُّ ، وَبَدَأَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ فَقَالَ : يَعْرِفُونَهُ مَعْرِفَةً جَلِيَّةً ، يُمَيِّزُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِالْوَصْفِ الْمُعَيِّنِ الْمُشَخِّصِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ : وَاللَّفْظُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423لِلزَّمَخْشَرِيِّ ، وَجَازَ الْإِضْمَارُ ، وَإِنْ لَمْ يَسْبِقْ لَهُ ذِكْرٌ ; لِأَنَّ الْكَلَامَ يَدُلُّ عَلَيْهِ وَلَا يَلْتَبِسُ عَلَى السَّامِعِ ، وَمِثْلُ هَذَا الْإِضْمَارِ فِيهِ تَفْخِيمٌ وَإِشْعَارٌ بِأَنَّهُ لِشُهْرَتِهِ وَكَوْنِهِ عِلْمًا مَعْلُومًا بِغَيْرِ إِعْلَامٍ . انْتَهَى . وَأَقُولُ : لَيْسَ كَمَا قَالُوهُ مِنْ أَنَّهُ إِضْمَارٌ قَبْلَ الذِّكْرِ : بَلْ هَذَا مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ ; لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ ) ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=145وَلَئِنْ أَتَيْتَ الَّذِينَ ) إِلَى آخَرِ الْآيَةِ ، فَهَذِهِ كُلُّهَا ضَمَائِرُ خِطَابٍ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، ثُمَّ الْتَفَتَ عَنْ ضَمِيرِ الْخِطَابِ إِلَى ضَمِيرِ الْغَيْبَةِ . وَحِكْمَةٌ هَذَا الِالْتِفَاتِ أَنَّهُ لَمَّا فَرَغَ مِنَ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِ بِالْخِطَابِ ، أَقْبَلَ عَلَى النَّاسِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ) وَاخْتَرْنَاهُمْ لِتَحَمُّلِ الْعِلْمِ وَالْوَحْيِ ، يَعْرِفُونَ هَذَا الَّذِي خَاطَبْنَاهُ فِي الْآيِ السَّابِقَةِ وَأَمَرْنَاهُ وَنَهَيْنَاهُ ، لَا يَشُكُّونَ فِي مَعْرِفَتِهِ ، وَلَا فِي صِدْقِ أَخْبَارِهِ ، بِمَا كَلَّفْنَاهُ مِنَ التَّكَالِيفِ الَّتِي مِنْهَا نُسِخَ
بَيْتُ الْمَقْدِسِ بِالْكَعْبَةِ ، لِمَا فِي كِتَابِهِمْ مِنْ ذِكْرِهِ وَنَعْتِهِ ، وَالنَّصِّ عَلَيْهِ يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ . فَقَدِ اتَّضَحَ بِمَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْ بَابِ الْإِضْمَارِ قَبْلَ الذِّكْرِ ، وَأَنَّهُ مِنْ بَابِ الِالْتِفَاتِ ، وَتَبَيَّنَتْ حِكْمَةُ الِالْتِفَاتِ . وَيُؤَيِّدُ كَوْنَ الضَّمِيرِ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا رُوِيَ أَنَّ
عُمَرَ سَأَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=106عَبْدَ اللَّهِ بْنَ سَلَامٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ قَدْ أَنْزَلَ عَلَى نَبِيِّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146nindex.php?page=treesubj&link=28973الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ ) الْآيَةَ ، فَكَيْفَ هَذِهِ الْمَعْرِفَةُ ؟ فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ : يَا
عُمَرُ ، لَقَدْ عَرَفْتُهُ حِينَ رَأَيْتُهُ ، كَمَا أَعْرِفُ ابْنِي ، وَمَعْرِفَتِي
بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَشَدُّ مِنْ مَعْرِفَتِي بِابْنِي . فَقَالَ
عُمَرُ : وَكَيْفَ ذَلِكَ ؟ فَقَالَ : أَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ حَقًّا ، وَقَدْ نَعَتَهُ اللَّهُ فِي كِتَابِنَا ، وَلَا أَدْرِي مَا يَصْنَعُ النِّسَاءُ . فَقَالَ
عُمَرُ : وَفَّقَكَ اللَّهُ يَا
ابْنَ سَلَامٍ فَقَدْ صَدَقْتَ ، وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْأَثَرُ مُخْتَصَرًا بِمَا يُرَادِفُ بَعْضَ أَلْفَاظِهِ وَيُقَارِبُهَا ، وَفِيهِ : فَقَبَّلَ
عُمَرُ رَأَسَهُ . وَإِذَا كَانَ الضَّمِيرُ لِلرَّسُولِ ، فَقِيلَ : الْمُرَادُ مَعْرِفَةُ الْوَجْهِ وَتَمَيُّزِهِ ، لَا مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ النَّسَبِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى يَعْرِفُونَ صِدْقَهُ وَنُبُوَّتَهُ . وَقِيلَ : الضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْحَقِّ الَّذِي هُوَ التَّحَوُّلُ إِلَى الْكَعْبَةِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَقَتَادَةُ أَيْضًا ،
nindex.php?page=showalam&ids=13036وَابْنُ جُرَيْجٍ وَالرَّبِيعُ . وَقِيلَ : عَائِدٌ عَلَى الْقُرْآنِ . وَقِيلَ : عَلَى الْعِلْمِ . وَقِيلَ : عَلَى كَوْنِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ قِبْلَةَ
إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ قَبْلَهُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ ، وَهَذِهِ الْمَعْرِفَةُ مُخْتَصَّةٌ بِالْعُلَمَاءِ ; لِأَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ) ، فَإِنْ تَعَلَّقَتِ الْمَعْرِفَةُ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَيَكُونُ حُصُولُهَا بِالرُّؤْيَةِ وَالْوَصْفِ ، أَوْ بِالْقُرْآنِ ، فَحَصَلَتْ مِنْ تَصْدِيقِ كِتَابِهِمْ لِلْقُرْآنِ ، وَبِنُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَفَتِهِ ، أَوْ بِالْقِبْلَةِ ، أَوِ التَّحْوِيلِ ، فَحَصَلَتْ بِخَبَرِ الْقُرْآنِ وَخَبَرِ الرَّسُولِ الْمُؤَيَّدِ بِالْخَوَارِقِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ) ، الْكَافُ : فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ ، عَلَى أَنَّهَا صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ عِرْفَانًا مِثْلَ عِرْفَانِهِمْ أَبْنَاءَهُمْ ، أَوْ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْحَالِ مِنْ ضَمِيرِ الْمَعْرِفَةِ الْمَحْذُوفِ ، كَانَ التَّقْدِيرُ : يَعْرِفُونَهُ مَعْرِفَةً مُمَاثِلَةً لِمَعْرِفَةِ
[ ص: 436 ] أَبْنَائِهِمْ . وَظَاهِرُ هَذَا التَّشْبِيهِ أَنَّ الْمَعْرِفَةَ أُرِيدَ بِهَا مَعْرِفَةُ الْوَجْهِ وَالصُّورَةِ ، وَتَشْبِيهُهَا بِمَعْرِفَةِ الْأَبْنَاءِ يُقَوِّي ذَلِكَ ، وَيُقَوِّي أَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ عَلَى الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، حَتَّى تَكُونَ الْمَعْرِفَتَانِ تَتَعَلَّقَانِ بِالْمَحْسُوسِ الْمُشَاهَدِ ، وَهُوَ آكَدُ فِي التَّشْبِيهِ مِنْ أَنْ يَكُونَ التَّشْبِيهُ وَقَعَ بَيْنَ مَعْرِفَةٍ مُتَعَلِّقُهَا الْمَعْنَى ، وَمَعْرِفَةٍ مُتَعَلِّقُهَا الْمَحْسُوسُ . وَظَاهِرُ الْأَبْنَاءِ الِاخْتِصَاصُ بِالذُّكُورِ ، فَيَكُونُونَ قَدْ خُصُّوا بِذَلِكَ ; لِأَنَّهُمْ أَكْثَرُ مُبَاشَرَةً وَمُعَاشَرَةً لِلْآبَاءِ ، وَأَلْصَقُ وَأَعْلَقُ بِقُلُوبِ الْآبَاءِ . وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِالْأَبْنَاءِ : الْأَوْلَادُ ، فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ بَابِ التَّغْلِيبِ . وَكَانَ التَّشْبِيهُ بِمَعْرِفَةِ الْأَبْنَاءِ آكَدَ مِنَ التَّشْبِيهِ بِالْأَنْفُسِ ; لِأَنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَمُرُّ عَلَيْهِ بُرْهَةٌ مِنَ الزَّمَانِ لَا يَعْرِفُ فِيهَا نَفْسَهُ ، بِخِلَافِ الْأَبْنَاءِ ، فَإِنَّهُ لَا يَمُرُّ عَلَيْهِ زَمَانٌ إِلَّا وَهُوَ يَعْرِفُ ابْنَهُ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=146وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ ) : أَيْ مِنَ الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ، وَهُمُ الْمُصِرُّونَ عَلَى الْكُفْرِ وَالْعِنَادِ ، مِنْ عُلَمَاءِ
الْيَهُودِ النَّصَارَى ، عَلَى أَحْسَنِ التَّفَاسِيرِ فِي الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ ، وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ أُرِيدَ بِهَذَا الْفَرِيقِ جُهَّالُ
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، الَّذِينَ قِيلَ فِيهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=78وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ ) ، لِلْإِخْبَارِ عَنْ هَذَا الْفَرِيقِ أَنَّهُمْ يَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ عَالِمُونَ بِهِ ، وَلِوَصْفِ الْأُمِّيِّينَ هُنَاكَ بِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ . وَالْحَقُّ الْمَكْتُومُ هُنَا هُوَ نَعْتُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، قَالَهُ
قَتَادَةُ وَمُجَاهِدٌ ، وَالتَّوَجُّهُ إِلَى الْكَعْبَةِ ، أَوْ أَنَّ الْكَعْبَةَ هِيَ الْقِبْلَةُ ، أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ ، فَيَنْدَرِجُ فِيهِ كُلُّ حَقٍّ .
( وَهُمْ يَعْلَمُونَ ) : جُمْلَةٌ حَالِيَّةٌ ، أَيْ عَالِمَيْنِ بِأَنَّهُ حَقٌّ . وَيَقْرُبُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مُؤَكِّدَةً ; لِأَنَّ لَفْظَ يَكْتُمُونَ الْحَقَّ يَدُلُّ عَلَى عِلْمِهِ بِهِ ; لِأَنَّ الْكَتْمَ هُوَ إِخْفَاءٌ لِمَا يُعْلَمُ . وَقِيلَ : مُتَعَلِّقُ الْعِلْمِ هُوَ مَا عَلَى الْكَاتِمِ مِنَ الْعِقَابِ ، أَيْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ الْعِقَابَ الْمُرَتَّبَ عَلَى كَاتِمِ الْحَقِّ ، فَيَكُونُ إِذْ ذَاكَ حَالًا مُبَيِّنَةً .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=147الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ) : قَرَأَ الْجُمْهُورُ : بِرَفْعِ الْحَقِّ عَلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ ، وَالْخَبَرُ هُوَ مِنْ رَبِّكَ ، فَيَكُونُ الْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ ، أَوْ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، أَيْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ، وَالضَّمِيرُ عَائِدٌ عَلَى الْحَقِّ الْمَكْتُومِ ، أَيْ مَا كَتَمُوهُ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ ، وَيَكُونُ الْمَجْرُورُ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ ، أَوْ خَبَرًا بَعْدَ خَبَرٍ . وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ يَعْرِفُونَهُ . وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْحَقِّ لِلْعَهْدِ ، وَهُوَ الْحَقُّ الَّذِي عَلَيْهِ الرَّسُولُ ، أَوِ الْحَقُّ الَّذِي كَتَمُوهُ ، أَوْ لِلْجِنْسِ عَلَى مَعْنَى : أَنَّ الْحَقَّ هُوَ مِنَ اللَّهِ ، لَا مِنْ غَيْرِهِ ، أَيْ مَا ثَبَتَ أَنَّهُ حَقٌّ فَهُوَ مِنَ اللَّهِ ، كَالَّذِي عَلَيْهِ الرَّسُولُ ، وَمَا لَمْ تَثْبُتْ حَقِيقَتُهُ ، فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ ، كَالْبَاطِلِ الَّذِي عَلَيْهِ
أَهْلُ الْكِتَابِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ : الْحَقَّ بِالنَّصْبِ ، وَأُعْرِبَ بِأَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الْحَقِّ الْمَكْتُومِ ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : يَكْتُمُونَ الْحَقَّ مِنْ رَبِّكَ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ ; أَوْ عَلَى أَنْ يَكُونَ مَعْمُولًا لِيَعْلَمُونِ ، قَالَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ ، وَيَكُونُ مِمَّا وَقَعَ فِيهِ الظَّاهِرُ مَوْقِعَ الْمُضْمَرِ ، أَيْ وَهُمْ يَعْلَمُونَهُ كَائِنًا مِنْ رَبِّكَ ، وَذَلِكَ سَائِغٌ حَسَنٌ فِي أَمَاكِنِ التَّفْخِيمِ وَالتَّهْوِيلِ ، كَقَوْلِهِ :
لَا أَرَى الْمَوْتَ يَسْبِقُ الْمَوْتَ شَيْءٌ
أَيْ يَسْبِقُهُ شَيْءٌ . وَجَوَّزَ
ابْنُ عَطِيَّةَ أَنْ يَكُونَ مَنْصُوبًا بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : الْزَمِ الْحَقَّ مِنْ رَبِّكَ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْخِطَابُ بَعْدَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=147فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ ) . وَالْمُرَادُ بِهَذَا الْخِطَابِ فِي الْمَعْنَى هُوَ الْأُمَّةُ . وَدَلَّ الْمُمْتَرِينَ عَلَى وُجُودِهِمْ ، وَنَهَى أَنْ يَكُونَ مِنْهُمْ ، وَالنَّهْيُ عَنْ كَوْنِهِ مِنْهُمْ أَبْلَغَ مِنَ النَّهْيِ عَنْ نَفْسِ الْفِعْلِ . فَقَوْلُكَ : لَا تَكُنْ ظَالِمًا ، أَبْلَغُ مِنْ قَوْلِكَ : لَا تَظْلِمْ ; لِأَنَّ لَا تَظْلِمْ نَهْيٌ عَنِ الِالْتِبَاسِ بِالظُّلْمِ . وَقَوْلُكُ : لَا تَكُنْ ظَالِمًا نَهْيٌ عَنِ الْكَوْنِ بِهَذِهِ الصِّفَةِ . وَالنَّهْيُ عَنِ الْكَوْنِ عَلَى صِفَةٍ ، أَبْلَغُ مِنَ النَّهْيِ عَنْ تِلْكَ الصِّفَةِ ، إِذِ النَّهْيُ عَنِ الْكَوْنِ عَلَى صِفَةٍ يَدُلُّ بِالْوَضْعِ عَلَى عُمُومِ الْأَكْوَانِ الْمُسْتَقْبِلَةِ عَلَى تِلْكَ الصِّفَةِ ، وَيَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ عُمُومُ تِلْكَ الصِّفَةِ . وَالنَّهْيُ عَنِ الصِّفَةِ يَدُلُّ بِالْوَضْعِ عَلَى عُمُومِ تِلْكَ الصِّفَةِ . وَفَرْقٌ بَيْنَ مَا يَدُلُّ عَلَى عُمُومٍ وَيَسْتَلْزِمُ عُمُومًا ، وَبَيْنَ مَا يَدُلُّ عَلَى عُمُومٍ فَقَطْ ، فَلِذَلِكَ كَانَ أَبْلَغَ ; وَلِذَلِكَ كَثُرَ النَّهْيُ عَنِ الْكَوْنِ . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=35فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الْجَاهِلِينَ "
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=95وَلَا [ ص: 437 ] تَكُونُنَّ مِنَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ " " فَلَا تَكُنْ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ ) . وَالْكَيْنُونَةُ فِي الْحَقِيقَةِ لَيْسَتْ مُتَعَلِّقَ النَّهْيِ . وَالْمَعْنَى : لَا تَظْلِمْ فِي كُلِّ أَكْوَانِكَ ، أَيْ فِي كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَكْوَانِكَ ، فَلَا يَمُرُّ بِكَ وَقْتٌ يُوجَدُ فِيهِ مِنْكَ ظُلْمٌ ، فَتَصِيرُ كَانَ فِيهِ نَصًّا عَلَى سَائِرِ الْأَكْوَانِ ، بِخِلَافِ لَا تَظْلِمْ فَإِنَّهُ يَسْتَلْزِمُ الْأَكْوَانَ . وَأَكَّدَ النَّهْيَ بِنُونِ التَّوْكِيدِ مُبَالَغَةً فِي النَّهْيِ ، وَكَانَتِ الْمُشَدَّدَةُ لِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي التَّأْكِيدِ مِنَ الْمُخَفَّفَةِ . وَالْمَعْنَى : فَلَا تَكُونَنَّ مِنَ الَّذِينَ يَشُكُّونَ فِي الْحَقِّ ; لِأَنَّ مَا جَاءَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُمْكِنُ أَنْ يَقَعَ فِيهِ شَكٌّ وَلَا جِدَالٌ ، إِذْ هُوَ الْحَقُّ الْمَحْضُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ أَنْ يَلْحَقَ فِيهِ رَيْبَ وَلَا شَكَّ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا ) ، لَمَّا ذَكَرَ الْقِبْلَةَ الَّتِي أُمِرَ الْمُسْلِمُونَ بِالتَّوَجُّهِ إِلَيْهَا ، وَهِيَ الْكَعْبَةُ ، وَذَكَرَ مِنْ تَصْمِيمِ
أَهْلِ الْكِتَابِ عَلَى عَدَمِ اتِّبَاعِهَا ، وَأَنَّ كُلًّا مِنْ طَائِفَتِي
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى مُصَمِّمَةٌ عَلَى عَدَمِ اتِّبَاعِ صَاحِبِهَا ، أَعْلَمَ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ بِفِعْلِهِ ، وَأَنَّهُ هُوَ الْمُقَدِّرُ ذَلِكَ ، وَأَنَّهُ هُوَ مُوَجِّهُ كُلٍّ مِنْهُمْ إِلَى قِبْلَتِهِ . فَفِي ذَلِكَ تَنْبِيهٌ عَلَى شُكْرِ اللَّهِ ، إِذْ وَفَّقَ الْمُسْلِمِينَ إِلَى اتِّبَاعِ مَا أَمَرَ بِهِ مِنَ التَّوَجُّهِ وَاخْتَارَهُمْ لِذَلِكَ . وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : " وَلِكُلٍّ " : مَنَّوْنًا ، " وِجْهَةٌ " : مَرْفُوعًا ، هُوَ مُوَلِّيهَا : بِكَسْرِ اللَّامِ اسْمُ فَاعِلٍ . وَقَرَأَ
ابْنُ عَامِرٍ : هُوَ مُوَلَّاهَا ، بِفَتْحِ اللَّامِ اسْمُ مَفْعُولٍ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ . وَقَرَأَ قَوْمٌ شَاذًّا : وَلِكُلِّ وِجْهَةٍ ، بِخَفْضِ اللَّامِ مِنْ " كُلِّ " مِنْ غَيْرِ تَنْوِينٍ ، وِجِهَةٍ : بِالْخَفْضِ مَنَّوْنًا عَلَى الْإِضَافَةِ ، وَالتَّنْوِينُ فِي كُلٍّ تَنْوِينُ عِوَضٍ مِنَ الْإِضَافَةِ ، وَذَلِكَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ " كُلٍّ " الْمَحْذُوفُ اخْتُلِفَ فِي تَقْدِيرِهِ . فَقِيلَ : الْمَعْنَى : وَلِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ أَهْلِ الْأَدْيَانِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى : وَلِكُلِّ أَهْلِ صَقْعٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ وِجْهَةٌ مِنْ أَهْلِ سَائِرِ الْآفَاقِ إِلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ ، وَرَاءَهَا وَقُدَّامَهَا ، وَيَمِينَهَا وَشِمَالَهَا ، لَيْسَتْ جِهَةٌ مِنْ جِهَاتِهَا بِأَوْلَى أَنْ تَكُونَ قِبْلَةً مِنْ غَيْرِهَا . وَقِيلَ : الْمَعْنَى : وَلِكُلِّ نَبِيٍّ قِبْلَةٌ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى : وَلِكُلِّ مَلَكٍ وَرَسُولٍ صَاحِبِ شَرِيعَةٍ جِهَةُ قِبْلَةٍ ، فَقِبْلَةُ الْمُقَرَّبِينَ الْعَرْشُ ، وَقِبْلَةُ الرُّوحَانِيِّينَ الْكُرْسِيُّ ، وَقِبْلَةُ الْكُرُوبِيِّينَ الْبَيْتُ الْمَعْمُورُ ، وَقِبْلَةُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَكَ
بَيْتُ الْمَقْدِسِ ، وَقِبْلَتُكَ الْكَعْبَةُ ، وَقَدِ انْدَرَجَ فِي هَذَا الَّذِي ذَكَرْنَاهُ أَنَّ الْمُرَادَ بِوَجْهِهِ : قِبْلَةٌ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، وَهِيَ قِرَاءَةُ
أُبَيٍّ ، قَرَأَ : وَلِكُلٍّ قِبْلَةٌ . وَقَرَأَ
عَبْدُ اللَّهِ : وَلِكُلٍّ جَعَلْنَا قِبْلَةً . وَقَالَ
الْحَسَنُ : وِجْهَةً : طَرِيقَةً ، كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ) ، أَيْ لِكُلِّ نَبِيٍّ طَرِيقَةٌ . وَقَالَ
قَتَادَةُ : وِجْهَةً : أَيْ صَلَاةً يُصَلُّونَهَا ، وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ : " هُوَ مُوَلِّيهَا " عَائِدٌ عَلَى " كُلٍّ " عَلَى لَفْظِهِ ، لَا عَلَى مَعْنَاهُ ، أَيْ هُوَ مُسْتَقْبِلُهَا وَمُوَجِّهٌ إِلَيْهَا صَلَاتَهُ الَّتِي يَتَقَرَّبُ بِهَا ، وَالْمَفْعُولُ الثَّانِي لِمُوَلِّيهَا مَحْذُوفٌ لِفَهْمِ الْمَعْنَى ، أَيْ هُوَ مُوَلِّيهَا وَجْهَهُ أَوْ نَفْسَهُ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ وَعَطَاءٌ وَالرَّبِيعُ ، وَيُؤَيِّدُ أَنَّ " هُوَ " عَائِدٌ عَلَى كُلِّ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ : " هُوَ مُوَلَّاهَا " . وَقِيلَ : هُوَ عَائِدٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى ، قَالَهُ
الْأَخْفَشُ nindex.php?page=showalam&ids=14416وَالزَّجَّاجُ ، أَيِ اللَّهُ مُوَلِّيهَا إِيَّاهُ ، اتَّبَعَهَا مَنِ اتَّبَعَهَا وَتَرَكَهَا مَنْ تَرَكَهَا . فَمَعْنَى هُوَ مُوَلِّيهَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ : شَارِعُهَا وَمُكَلِّفُهُمْ بِهَا . وَالْجُمْلَةُ مِنَ الِابْتِدَاءِ وَالْخَبَرِ فِي مَوْضِعِ الصِّفَةِ لِوِجْهَةٍ . وَأَمَّا قِرَاءَةُ مَنْ قَرَأَ : " وَلِكُلِّ وِجْهَةٍ " عَلَى الْإِضَافَةِ ، فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ : هِيَ خَطَأٌ ، وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُقْدَمَ عَلَى الْحُكْمِ فِي ذَلِكَ بِالْخَطَأِ ، لَا سِيَّمَا وَهِيَ مَعْزُوَّةٌ إِلَى
ابْنِ عَامِرٍ ، أَحَدِ الْقُرَّاءِ السَّبْعَةِ ، وَقَدْ وُجِّهَتْ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : الْمَعْنَى : وَلِكُلِّ وِجْهَةٍ اللَّهُ مُوَلِّيهَا ، فَزِيدَتِ اللَّامُ لِتَقَدُّمِ الْمَفْعُولِ ،
[ ص: 438 ] كَقَوْلِكَ : لِزَيْدٍ ضَرَبْتُ ، وَلِزَيْدٍ أَبُوهُ ضَارِبُهُ . انْتَهَى كَلَامُهُ ، وَهَذَا فَاسِدٌ ; لِأَنَّ الْعَامِلَ إِذَا تَعَدَّى لِضَمِيرِ الِاسْمِ لَمْ يَتَعَدَّ إِلَى ظَاهِرِهِ الْمَجْرُورِ بِاللَّامِ . لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ : لِزَيْدٍ ضَرَبْتُهُ ، وَلَا : لِزَيْدٍ أَنَا ضَارِبُهُ . وَعَلَيْهِ أَنَّ الْفِعْلَ إِذَا تَعَدَّى لِلضَّمِيرِ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ كَانَ قَوِيًّا ، وَاللَّامُ إِنَّمَا تَدْخُلُ عَلَى الظَّاهِرِ إِذَا تَقَدَّمَ لِيُقَوِّيَهُ لِضَعْفِ وُصُولِهِ إِلَيْهِ مُتَقَدِّمًا ، وَلَا يُمْكِنَ أَنْ يَكُونَ الْعَامِلُ قَوِيًّا ضَعِيفًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَلِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ الْمُتَعَدِّي إِلَى وَاحِدٍ يَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ ، وَلِذَلِكَ تَأَوَّلَ النَّحْوِيُّونَ قَوْلَهُ هَذَا :
سُرَاقَةُ لِلْقُرْآنِ يَدْرُسُهُ
وَلَيْسَ نَظِيرَ مَا مُثِّلَ بِهِ مِنْ قَوْلِهِ : لِزَيْدٍ ضَرَبْتُ ، أَيْ زَيْدًا ضَرَبْتُ ; لِأَنَّ ضَرَبْتُ فِي هَذَا الْمِثَالِ لَمْ يَعْمَلْ فِي ضَمِيرِ زَيْدٍ ، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُقَدَّرَ عَامِلٌ فِي : " لِكُلِّ وِجْهَةٍ " يُفَسِّرُهُ قَوْلُهُ : " مُوَلِّيهَا " ، كَتَقْدِيرِنَا زَيْدًا أَنَا ضَارِبُهُ ، أَيْ أَضْرِبُ زَيْدًا أَنَا ضَارِبُهُ ، فَتَكُونُ الْمَسْأَلَةُ مِنْ بَابِ الِاشْتِغَالِ ; لِأَنَّ الْمُشْتَغَلَ عَنْهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يُجَرَّ بِحَرْفِ الْجَرِّ . تَقُولُ : زَيْدًا مَرَرْتُ بِهِ ، أَيْ لَابَسْتُ زَيْدًا ، وَلَا يَجُوزُ : بِزَيْدٍ مَرَرْتُ بِهِ ، فَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : مَرَرْتُ بِزَيْدٍ مَرَرْتُ بِهِ ، بَلْ كُلُّ فِعْلٍ يَتَعَدَّى بِحَرْفِ الْجَرِّ ، إِذَا تَسَلَّطَ عَلَى ضَمِيرِ اسْمٍ سَابِقٍ فِي بَابِ الِاشْتِغَالِ ، فَلَا يَجُوزُ فِي ذَلِكَ الِاسْمِ السَّابِقِ أَنْ يُجَرَّ بِحَرْفِ جَرٍّ ، وَيُقَدَّرُ ذَلِكَ الْفِعْلِ لِيَتَعَلَّقَ بِهِ حَرْفُ الْجَرِّ ، بَلْ إِذَا أَرَدْتَ الِاشْتِغَالَ نَصَبْتَهُ ، هَكَذَا جَرَى كَلَامُ الْعَرَبِ . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=31وَالظَّالِمِينَ أَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا ) . وَقَالَ الشَّاعِرُ :
أَثَعْلَبَةَ الْفَوَارِسِ أَمْ رَبَاحًا عَدَلْتَ بِهِمْ طُهَيَّةَ وَالْخِشَابَا
وَأَمَّا تَمْثِيلُهُ : لِزَيْدٍ أَبُوهُ ضَارِبُهُ ، فَتَرْكِيبٌ غَيْرُ عَرَبِيٍّ . فَإِنْ قُلْتَ : لِمَ لَا تَتَوَجَّهُ هَذِهِ الْقِرَاءَةُ عَلَى أَنَّ " لِكُلٍّ وِجْهَةٍ " فِي مَوْضِعِ الْمَفْعُولِ الثَّانِي " لِمُوَلِّيهَا " ، وَالْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ هُوَ الْمُضَافُ إِلَيْهِ اسْمُ الْفَاعِلِ الَّذِي هُوَ مُوَلٍّ ، وَهُوَ الْهَاءُ ، وَتَكُونُ عَائِدَةٌ عَلَى أَهْلِ الْقِبْلَاتِ وَالطَّوَائِفِ ، وَأَنَّثَ عَلَى مَعْنَى الطَّوَائِفِ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ ، وَيَكُونُ التَّقْدِيرُ : وَكُلُّ وِجْهَةٍ اللَّهُ مُوَلِّي الطَّوَائِفَ أَصْحَابَ الْقِبْلَاتِ ؟ فَالْجَوَابُ : أَنَّهُ مَنَعَ هَذَا التَّقْدِيرَ نَصُّ النَّحْوِيِّينَ عَلَى أَنَّ الْمُتَعَدِّيَ إِلَى وَاحِدٍ هُوَ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ تَدْخُلَ اللَّامُ عَلَى مَفْعُولِهِ إِذَا تَقَدَّمَ . أَمَّا مَا يَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا اللَّامُ إِذَا تَقَدَّمَ ، وَلَا إِذَا تَأَخَّرَ . وَكَذَلِكَ مَا يَتَعَدَّى إِلَى ثَلَاثَةٍ . وَمُوَلٍّ هُنَا اسْمُ فَاعِلٍ مِنْ فِعْلٍ يَتَعَدَّى إِلَى اثْنَيْنِ ، فَلِذَلِكَ لَا يَجُوزُ هَذَا التَّقْدِيرُ . وَقَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ ، فِي تَوْجِيهِ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ : أَيْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ لِكُلِّ وُجْهَةٍ وَلَاكِمُوهَا ، وَلَا تَعْتَرِضُوا فِيمَا أَمَرَكُمْ بَيْنَ هَذِهِ وَهَذِهِ ، أَيْ إِنَّمَا عَلَيْكُمُ الطَّاعَةُ فِي الْجَمِيعِ . وَقَدَّمَ قَوْلَهُ : " لِكُلِّ وِجْهَةٍ " عَلَى الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ " ; لِلِاهْتِمَامِ بِالْوِجْهَةِ ، كَمَا تَقَدَّمَ الْمَفْعُولُ . انْتَهَى كَلَامُ
ابْنِ عَطِيَّةَ ، وَهُوَ
[ ص: 439 ] تَوْجِيهٌ لَا بَأْسَ بِهِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ) : هَذَا أَمْرٌ بِالْبِدَارِ إِلَى فِعْلِ الْخَيْرِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ . وَنَاسَبَ هَذَا أَنَّ مَنْ جَعَلَ اللَّهُ لَهُ شَرِيعَةً ، أَوْ قِبْلَةً ، أَوْ صَلَاةً ، فَيَنْبَغِي الِاهْتِمَامُ بِالْمُسَارَعَةِ إِلَيْهَا . قَالَ
قَتَادَةُ : الِاسْتِبَاقُ فِي أَمْرِ الْكَعْبَةِ رَغْمًا لِلْيَهُودِ بِالْمُخَالَفَةِ . وَقَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : مَعْنَاهُ : سَارِعُوا إِلَى الْأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ مِنَ التَّوَجُّهِ إِلَى الْقِبْلَةِ وَغَيْرِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى : فَاسْتَبِقُوا الْفَاضِلَاتِ مِنَ الْجِهَاتِ ، وَهِيَ الْجِهَاتُ الْمُسَامِتَةُ لِلْكَعْبَةِ ، وَإِنِ اخْتَلَفَتْ . وَذَكَرْنَا أَنَّ اسْتَبِقْ بِمَعْنَى : تَسَابَقْ ، فَهُوَ يَدُلُّ عَلَى الِاشْتِرَاكِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=17إِنَّا ذَهَبْنَا نَسْتَبِقُ ) ، أَيْ نَتَسَابَقُ ، كَمَا تَقُولُ . تَضَارَبُوا . وَاسْتَبَقَ لَا يَتَعَدَّى ; لِأَنَّ تَسَابَقَ لَا يَتَعَدَّى ، وَذَلِكَ أَنَّ الْفِعْلَ الْمُتَعَدِّيَ ، إِذَا بَنَيْتَ مِنْ لَفْظٍ مَعْنَاهُ : تَفَاعَلَ لِلِاشْتِرَاكِ ، صَارَ لَازِمًا ، تَقُولُ : ضَرَبْتُ زَيْدًا ، ثُمَّ تَقُولُ : تَضَارَبْنَا ، فَلِذَلِكَ قِيلَ : إِنَّ " إِلَى " هُنَا مَحْذُوفَةٌ ، التَّقْدِيرُ : فَاسْتَبِقُوا إِلَى الْخَيْرَاتِ . قَالَ
الرَّاعِي :
ثَنَائِي عَلَيْكُمْ آلَ حَرْبٍ وَمَنْ يَمِلْ سِوَاكُمْ فَإِنِّي مُهْتَدٍ غَيْرُ مَائِلِ
يُرِيدُ وَمَنْ يَمِلْ سِوَاكُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148أَيْنَمَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ) : هَذِهِ جُمْلَةٌ تَتَضَمَّنُ وَعْظًا وَتَحْذِيرًا وَإِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ ، وَمَعْنَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ) : أَيْ يَبْعَثُكُمْ وَيَحْشُرُكُمْ لِلثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، فَأَنْتُمْ لَا تُعْجِزُونَهُ ، وَافَقْتُمْ أَمْ خَالَفْتُمْ ، وَلِذَلِكَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يَعْنِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى : أَيْنَمَا تَكُونُوا مِنَ الْجِهَاتِ الْمُخْتَلِفَةِ يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ، أَيْ يَجْمَعُكُمْ وَيَجْعَلُ صَلَاتَكُمْ كُلَّهَا إِلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ ، وَكَأَنَّكُمْ تُصَلُّونَ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=148إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) تَقَدَّمَ شَرْحُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ ، وَسِيقَتْ بَعْدَ الْجُمْلَةِ الشَّرْطِيَّةِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْبَعْثِ وَالْجَزَاءِ ، أَيْ لَا يُسْتَبْعَدُ إِتْيَانُ اللَّهِ تَعَالَى بِالْأَشْلَاءِ الْمُتَمَزِّقَةِ فِي الْجِهَاتِ الْمُتَعَدِّدَةِ الْمُتَفَرِّقَةِ ، فَإِنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تَتَعَلَّقُ بِالْمُمْكِنَاتِ ، وَهَذَا مِنْهَا . وَقَدْ تَقَدَّمَ لَنَا أَنَّ مِثْلَ هَذِهِ الْجُمْلَةِ الْمُصَدَّرَةِ بِأَنْ تَجِيءُ كَالْعِلَّةِ لِمَا قَبْلَهَا ، فَكَانَ الْمَعْنَى : إِتْيَانُ اللَّهِ بِكُمْ جَمِيعًا لِقُدْرَتِهِ عَلَى ذَلِكَ .