(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12nindex.php?page=treesubj&link=28977قل لمن ما في السماوات والأرض قل لله ) لما ذكر تعالى تصريفه فيمن أهلكهم بذنوبهم ، أمر نبيه - صلى الله عليه وسلم - بسؤالهم ذلك ، فإنه لا يمكنهم أن يقولوا إلا أن ذلك لله تعالى ، فيلزمهم بذلك أنه تعالى هو المالك المهلك لهم . وهذا السؤال سؤال تبكيت وتقرير ، ثم أمره تعالى بنسبة ذلك لله تعالى; ليكون أول من بادر إلى الاعتراف بذلك . وقيل : في الكلام حذف تقديره : فإذا لم يجيبوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12قل لله ) . وقال قوم : المعنى أنه أمر بالسؤال ، فكأنه لما لم يجيبوا سألوا فقيل لهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12قل لله ) ، ولله خبر مبتدأ محذوف ، التقدير قل ذلك ، أو هو لله . (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12كتب على نفسه الرحمة ) لما ذكر تعالى أنه موجد العالم المتصرف فيهم بما يريد ، ودل ذلك على نفاذ قدرته ، أردفه بذكر رحمته وإحسانه إلى الخلق ، وظاهر كتب أنه بمعنى سطر ، وخط ، وقال به قوم هنا ، وأنه أريد حقيقة الكتب ، والمعنى أمر بالكتب في اللوح المحفوظ . وقيل : ( كتب ) هنا بمعنى وعد بها فضلا وكرما . وقيل : بمعنى أخبر . وقيل : أوجب إيجاب فضل وكرم ، لا إيجاب لزوم . وقيل : قضاها وأنفذها . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : أي أوجبها على ذاته في هدايتكم إلى معرفته ، ونصب الأدلة لكم على توحيد ما أنتم مقرون به من خلق السماوات والأرض انتهى . و ( الرحمة ) هنا الظاهر أنها عامة ، فتعم المحسن والمسيء في الدنيا ، وهي عبارة عن الاتصال إليهم والإحسان إليهم ، ولم يذكر متعلق الرحمة لمن هي ، فتعم كما ذكرنا . وقيل : الألف واللام للعهد ، فيراد بها الرحمة الواحدة التي أنزلها الله تعالى من المائة ( الرحمة ) التي خلقها ، وأخر تسعة وتسعين يرحم بها عباده في الآخرة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : ( الرحمة ) إمهال الكفار وتعميرهم ليتوبوا ، فلم يعاجلهم على كفرهم . وقيل : ( الرحمة ) لمن آمن وصدق الرسل . وفي صحيح مسلم لما قضى الله الخلق ، كتب في كتاب على نفسه ، فهو موضوع عنده; إن رحمتي تغلب غضبي .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12ليجمعنكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ) لما ذكر أنه تعالى رحم عباده
[ ص: 82 ] ذكر الحشر ، وأن فيه المجازاة على الخير والشر ، وهذه الجملة مقسم عليها ، ولا تعلق لها بما قبلها من جهة الإعراب ، وإن كانت من حيث المعنى متعلقة بما قبلها كما ذكرنا . وحكى
المهدوي أن جماعة من النحويين قالوا : إنها تفسير للرحمة ، تقديره : أن يجمعكم ، فتكون الجملة في موضع نصب على البدل من ( الرحمة ) وهو مثل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=35ثم بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننه ) المعنى أن يسجنوه . ورد ذلك
ابن عطية ، بأن النون الثقيلة تكون قد دخلت في الإيجاب ، قال : وإنما تدخل في الأمر والنهي وباختصاص من الواجب في القسم انتهى . وهذا الذي ذكره لا يحصر مواضع دخول نون التوكيد ، ألا ترى دخولها في الشرط ؟ وليس واحدا مما ذكر نحو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=200وإما ينزغنك ) وكذلك قوله : وباختصاص من الواجب في القسم بهذا ليس على إطلاقه ، بل له شروط ذكرت في علم النحو ، ولهم أن يقولوا : صورة الجملة صورة المقسم عليه ، فلذلك لحقت النون ، وإن كان المعنى على خلاف القسم ، ويبطل ما ذكروه; أن الجملة المقسم عليها لا موضع لها وحدها من الإعراب ، فإذا قلت : والله لأضربن زيدا ، فـ ( لأضربن ) لا موضع له من الإعراب ، فإذا قلت : زيد والله لأضربنه ، كانت جملة القسم والمقسم عليه في موضع رفع ، والجمع هنا قيل : حقيقة; أي (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12ليجمعنكم ) في القبور إلى يوم القيامة . والظاهر أن ( إلى ) للغاية ، والمعنى ليحشرنكم منتهين (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12إلى يوم القيامة ) . وقيل : المعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12ليجمعنكم ) في الدنيا يخلقكم قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة ، وقد تكون ( إلى ) هنا بمعنى اللام; أي ليوم القيامة ، كقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=9إنك جامع الناس ليوم لا ريب فيه ) وأبعد من زعم أن ( إلى ) بمعنى ( في ) أي ( في يوم القيامة ) وأبعد منه من ذهب إلى أنها صلة ، والتقدير (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12ليجمعنكم ) يوم القيامة . والظاهر أن الضمير في ( فيه ) عائد إلى يوم القيامة . وفيه رد على من ارتاب في الحشر ، ويحتمل أن يعود على الجمع ، وهو المصدر المفهوم من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12ليجمعنكم ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12الذين خسروا أنفسهم فهم لا يؤمنون ) اختلف في إعراب ( الذين ) فقال
الأخفش : هو بدل من ضمير
[ ص: 83 ] الخطاب في (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12ليجمعنكم ) ، ورده المبرد بأن البدل من ضمير الخطاب ، لا يجوز ، كما لا يجوز مررت بك زيد ، ورد رد
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد ابن عطية ، فقال : ما في الآية مخالف للمثال; لأن الفائدة في البدل مترتبة من الثاني ، وإذا قلت : مررت بك زيد ، فلا فائدة في الثاني ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12ليجمعنكم ) يصلح لمخاطبة الناس كافة فيفيدنا إبدال ( الذين ) من الضمير أنهم هم المختصون بالخطاب ، وخصوا على جهة الوعيد ، ويجيء هذا بدل البعض من الكل انتهى . وما ذكره
ابن عطية في هذا الرد ، ليس بجيد; لأنه إذا جعلنا (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12ليجمعنكم ) يصلح لمخاطبة الناس كافة ، كان ( الذين ) بدل بعض من كل ، ويحتاج إذ ذاك إلى ضمير . ويقدر (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12الذين خسروا أنفسهم ) منهم ، وقوله فيفيدنا إبدال ( الذين ) من الضمير أنهم هم المختصون بالخطاب ، وخصوا على جهة الوعيد ، وهذا يقتضي أن يكون بدل كل من كل ، فتناقض أول كلامه مع آخره; لأنه من حيث الصلاحية يكون بدل بعض من كل ، ومن حيث اختصاص الخطاب بهم يكون بدل كل من كل ، والمبدل منه متكلم أو مخاطب ، في جوازه خلاف; مذهب الكوفيين
والأخفش ; أنه يجوز ، ومذهب جمهور البصريين ; أنه لا يجوز ، وهذا إذا لم يكن البدل يفيد معنى التوكيد ، فإنه إذ ذاك يجوز ، وهذا كله مقرر في علم النحو . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12الذين ) مرفوع على الابتداء ، والخبر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12فهم لا يؤمنون ) ، ودخلت الفاء لما تضمن المبتدأ من معنى الشرط ، كأنه قيل : من يخسر نفسه ، فهو لا يؤمن ، ومن ذهب إلى البدل جعل الفاء عاطفة جملة على جملة ، وأجاز
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري أن يكون ( الذين ) منصوبا على الذم; أي : أريد (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12الذين خسروا أنفسهم ) انتهى . وتقديره : بأريد ، ليس بجيد ، إنما يقدر النحاة المنصوب على الذم بـ ( أذم ) ، وأبعد من ذهب إلى أن موضع ( الذين ) جر نعتا للمكذبين ، أو بدلا منهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : فإن قلت : كيف جعل عدم إيمانهم مسببا عن خسرهم ، والأمر بالعكس ؟ قلت : معناه (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12الذين خسروا أنفسهم ) في علم الله; لاختيارهم الكفر ( فهم لا يؤمنون ) انتهى . وفيه دسيسة الاعتزال بقوله : لاختيارهم الكفر .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=13nindex.php?page=treesubj&link=28977وله ما سكن في الليل والنهار ) . لما ذكر تعالى أنه له ملك ما حوى المكان من السماوات والأرض ، ذكر ما حواه الزمان من الليل والنهار ، وإن كان كل واحد من الزمان والمكان يستلزم الآخر ، لكن النص عليهما أبلغ في الملكية ، وقدم المكان; لأنه أقرب إلى العقول والأفكار من الزمان ، وله قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري وغيره : هو معطوف على قوله ( لله ) . والظاهر أنه استئناف إخبار ، وليس مندرجا تحت قوله : ( قل ) : و ( سكن ) هنا ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي وغيره : من السكنى أي ما ثبت وتقرر ، ولم يذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري غيره ، قال : وتعديه بـ ( في ) كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=45وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم ) وقالت فرقة : هو من السكون المقابل للحركة ، واختلف هؤلاء ، فقيل : ثم معطوف محذوف; أي وما تحرك ، وحذف كما حذف في قوله : ( تقيكم الحر والبرد ) . وقيل : لا محذوف هنا ، واقتصر على الساكن; لأن كل متحرك قد يسكن ، وليس كل ما يسكن يتحرك . وقيل : لأن السكون أكثر وجودا من الحركة ، وقال في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=13والنهار ) لأن من المخلوقات ما يسكن بالنهار وينتشر بالليل ، قاله
مقاتل ، ورجح
ابن عطية القول الأول ، قال : والمقصد في الآية عموم كل شيء ، وذلك لا يترتب إلا بأن يكون ( سكن ) بمعنى استقر وثبت ، وإلا فالمتحرك من الأشياء المخلوقات أكثر من السواكن ، ألا ترى أن الفلك والشمس والقمر والنجوم السايحة والملائكة وأنواع الحيوان متحركة ، والليل والنهار حاصران للزمان انتهى . وليس بجيد; لأنه قال لا يترتب العموم
[ ص: 84 ] إلا بأن يكون ( سكن ) بمعنى استقر وثبت ، ولا ينحصر فيما ذكر ، ألا ترى أنه يترتب العموم على قول من جعله من السكون ، وجعل في الكلام معطوفا محذوفا; أي وما تحرك ، وعلى قول من ادعى أن كل ما يتحرك قد يسكن ، وليس كل ما يسكن يتحرك ، فكل واحد من هذين القولين ، يترتب معه العموم ، فلم ينحصر العموم فيما ذكر
ابن عطية . (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=13وهو السميع العليم ) لما تقدم ذكر محاورات الكفار المكذبين ، وذكر الحشر الذي فيه الجزاء ، ناسب ذكر صفة السمع; لما وقعت فيه المحاورة ، وصفة العلم; لتضمنها معنى الجزاء ، إذ ذلك يدل على الوعيد والتهديد .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12nindex.php?page=treesubj&link=28977قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ ) لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى تَصْرِيفَهُ فِيمَنْ أَهْلَكَهُمْ بِذُنُوبِهِمْ ، أَمَرَ نَبِيَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسُؤَالِهِمْ ذَلِكَ ، فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَقُولُوا إِلَّا أَنَّ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَيَلْزَمُهُمْ بِذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمَالِكُ الْمُهْلِكُ لَهُمْ . وَهَذَا السُّؤَالُ سُؤَالُ تَبْكِيتٍ وَتَقْرِيرٍ ، ثُمَّ أَمَرَهُ تَعَالَى بِنِسْبَةِ ذَلِكَ لِلَّهِ تَعَالَى; لِيَكُونَ أَوَّلَ مَنْ بَادَرَ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِذَلِكَ . وَقِيلَ : فِي الْكَلَامِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ : فَإِذَا لَمْ يُجِيبُوا (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12قُلْ لِلَّهِ ) . وَقَالَ قَوْمٌ : الْمَعْنَى أَنَّهُ أُمِرَ بِالسُّؤَالِ ، فَكَأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يُجِيبُوا سَأَلُوا فَقِيلَ لَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12قُلْ لِلَّهِ ) ، وَلِلَّهِ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ ، التَّقْدِيرُ قُلْ ذَلِكَ ، أَوْ هُوَ لِلَّهِ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ ) لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ مُوجِدُ الْعَالَمِ الْمُتَصَرِّفُ فِيهِمْ بِمَا يُرِيدُ ، وَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى نَفَاذِ قُدْرَتِهِ ، أَرْدَفَهُ بِذِكْرِ رَحْمَتِهِ وَإِحْسَانِهِ إِلَى الْخَلْقِ ، وَظَاهِرُ كَتَبَ أَنَّهُ بِمَعْنَى سَطَّرَ ، وَخَطَّ ، وَقَالَ بِهِ قَوْمٌ هُنَا ، وَأَنَّهُ أُرِيدَ حَقِيقَةُ الْكَتْبِ ، وَالْمَعْنَى أَمَرَ بِالْكَتْبِ فِي اللَّوْحِ الْمَحْفُوظِ . وَقِيلَ : ( كَتَبَ ) هُنَا بِمَعْنَى وَعَدَ بِهَا فَضْلًا وَكَرَمًا . وَقِيلَ : بِمَعْنَى أَخْبَرَ . وَقِيلَ : أَوْجَبَ إِيجَابَ فَضْلٍ وَكَرَمٍ ، لَا إِيجَابَ لُزُومٍ . وَقِيلَ : قَضَاهَا وَأَنْفَذَهَا . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : أَيْ أَوْجَبَهَا عَلَى ذَاتِهِ فِي هِدَايَتِكُمْ إِلَى مَعْرِفَتِهِ ، وَنَصَبَ الْأَدِلَّةَ لَكُمْ عَلَى تَوْحِيدِ مَا أَنْتُمْ مُقِرُّونَ بِهِ مِنْ خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ انْتَهَى . وَ ( الرَّحْمَةَ ) هُنَا الظَّاهِرُ أَنَّهَا عَامَّةٌ ، فَتَعُمُّ الْمُحْسِنَ وَالْمُسِيءَ فِي الدُّنْيَا ، وَهِيَ عِبَارَةٌ عَنِ الِاتِّصَالِ إِلَيْهِمْ وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمْ ، وَلَمْ يَذْكُرْ مُتَعَلِّقَ الرَّحْمَةِ لِمَنْ هِيَ ، فَتَعُمُّ كَمَا ذَكَرْنَا . وَقِيلَ : الْأَلِفُ وَاللَّامُ لِلْعَهْدِ ، فَيُرَادُ بِهَا الرَّحْمَةُ الْوَاحِدَةُ الَّتِي أَنْزَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى مِنَ الْمِائَةِ ( الرَّحْمَةَ ) الَّتِي خَلَقَهَا ، وَأَخَّرَ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ يَرْحَمُ بِهَا عِبَادَهُ فِي الْآخِرَةِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : ( الرَّحْمَةَ ) إِمْهَالُ الْكُفَّارِ وَتَعْمِيرُهُمْ لِيَتُوبُوا ، فَلَمْ يُعَاجِلْهُمْ عَلَى كُفْرِهِمْ . وَقِيلَ : ( الرَّحْمَةَ ) لِمَنْ آمَنَ وَصَدَّقَ الرُّسُلَ . وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ ، كَتَبَ فِي كِتَابٍ عَلَى نَفْسِهِ ، فَهُوَ مَوْضُوعٌ عِنْدَهُ; إِنَّ رَحْمَتِي تَغْلِبُ غَضَبِي .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ ) لَمَّا ذَكَرَ أَنَّهُ تَعَالَى رَحِمَ عِبَادَهُ
[ ص: 82 ] ذَكَرَ الْحَشْرَ ، وَأَنَّ فِيهِ الْمُجَازَاةَ عَلَى الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مُقْسَمٌ عَلَيْهَا ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهَا بِمَا قَبْلَهَا مِنْ جِهَةِ الْإِعْرَابِ ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى مُتَعَلِّقَةً بِمَا قَبْلَهَا كَمَا ذَكَرْنَا . وَحَكَى
الْمَهْدَوِيُّ أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ النَّحْوِيِّينَ قَالُوا : إِنَّهَا تَفْسِيرٌ لِلرَّحْمَةِ ، تَقْدِيرُهُ : أَنْ يَجْمَعَكُمْ ، فَتَكُونَ الْجُمْلَةُ فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ ( الرَّحْمَةَ ) وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=35ثُمَّ بَدَا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ مَا رَأَوُا الْآيَاتِ لَيَسْجُنُنَّهُ ) الْمَعْنَى أَنْ يَسْجُنُوهُ . وَرَدَّ ذَلِكَ
ابْنُ عَطِيَّةَ ، بِأَنَّ النُّونَ الثَّقِيلَةَ تَكُونُ قَدْ دَخَلَتْ فِي الْإِيجَابِ ، قَالَ : وَإِنَّمَا تَدْخُلُ فِي الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ وَبِاخْتِصَاصٍ مِنَ الْوَاجِبِ فِي الْقَسَمِ انْتَهَى . وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ لَا يَحْصُرُ مَوَاضِعَ دُخُولِ نُونِ التَّوْكِيدِ ، أَلَا تَرَى دُخُولَهَا فِي الشَّرْطِ ؟ وَلَيْسَ وَاحِدًا مِمَّا ذَكَرَ نَحْوَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=200وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ ) وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : وَبِاخْتِصَاصٍ مِنَ الْوَاجِبِ فِي الْقَسَمِ بِهَذَا لَيْسَ عَلَى إِطْلَاقِهِ ، بَلْ لَهُ شُرُوطٌ ذُكِرَتْ فِي عِلْمِ النَّحْوِ ، وَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا : صُورَةُ الْجُمْلَةِ صُورَةُ الْمُقْسَمِ عَلَيْهِ ، فَلِذَلِكَ لَحِقَتِ النُّونُ ، وَإِنْ كَانَ الْمَعْنَى عَلَى خِلَافِ الْقَسَمِ ، وَيَبْطُلُ مَا ذَكَرُوهُ; أَنَّ الْجُمْلَةَ الْمُقْسَمَ عَلَيْهَا لَا مَوْضِعَ لَهَا وَحْدَهَا مِنَ الْإِعْرَابِ ، فَإِذَا قُلْتَ : وَاللَّهِ لَأَضْرِبَنَّ زَيْدًا ، فَـ ( لْأَضْرِبَنَّ ) لَا مَوْضِعَ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ ، فَإِذَا قُلْتَ : زَيْدٌ وَاللَّهِ لَأَضْرِبَنَّهُ ، كَانَتْ جُمْلَةُ الْقَسَمِ وَالْمُقْسَمِ عَلَيْهِ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ ، وَالْجَمْعُ هُنَا قِيلَ : حَقِيقَةٌ; أَيْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12لَيَجْمَعَنَّكُمْ ) فِي الْقُبُورِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ ( إِلَى ) لِلْغَايَةِ ، وَالْمَعْنَى لَيَحْشُرَنَّكُمْ مُنْتَهِينَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) . وَقِيلَ : الْمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12لَيَجْمَعَنَّكُمْ ) فِي الدُّنْيَا يَخْلُقُكُمْ قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَقَدْ تَكُونُ ( إِلَى ) هُنَا بِمَعْنَى اللَّامِ; أَيْ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=9إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لَا رَيْبَ فِيهِ ) وَأَبْعَدَ مَنْ زَعَمَ أَنَّ ( إِلَى ) بِمَعْنَى ( فِي ) أَيْ ( فِي يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) وَأَبْعَدُ مِنْهُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا صِلَةٌ ، وَالتَّقْدِيرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12لَيَجْمَعَنَّكُمْ ) يَوْمَ الْقِيَامَةِ . وَالظَّاهِرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي ( فِيهِ ) عَائِدٌ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . وَفِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنِ ارْتَابَ فِي الْحَشْرِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعُودَ عَلَى الْجَمْعِ ، وَهُوَ الْمَصْدَرُ الْمَفْهُومُ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12لَيَجْمَعَنَّكُمْ ) .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) اخْتُلِفَ فِي إِعْرَابِ ( الَّذِينَ ) فَقَالَ
الْأَخْفَشُ : هُوَ بَدَلٌ مِنْ ضَمِيرِ
[ ص: 83 ] الْخِطَابِ فِي (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12لَيَجْمَعَنَّكُمْ ) ، وَرَدَّهُ الْمُبَرِّدُ بِأَنَّ الْبَدَلَ مِنْ ضَمِيرِ الْخِطَابِ ، لَا يَجُوزُ ، كَمَا لَا يَجُوزُ مَرَرْتُ بِكَ زَيْدٌ ، وَرَدَّ رَدَّ
nindex.php?page=showalam&ids=15153الْمُبَرِّدِ ابْنُ عَطِيَّةَ ، فَقَالَ : مَا فِي الْآيَةِ مُخَالِفٌ لِلْمِثَالِ; لِأَنَّ الْفَائِدَةَ فِي الْبَدَلِ مُتَرَتِّبَةٌ مِنَ الثَّانِي ، وَإِذَا قُلْتَ : مَرَرْتُ بِكَ زَيْدٌ ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الثَّانِي ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12لَيَجْمَعَنَّكُمْ ) يَصْلُحُ لِمُخَاطَبَةِ النَّاسِ كَافَّةً فَيُفِيدُنَا إِبْدَالُ ( الَّذِينَ ) مِنَ الضَّمِيرِ أَنَّهُمْ هُمُ الْمُخْتَصُّونَ بِالْخِطَابِ ، وَخُصُّوا عَلَى جِهَةِ الْوَعِيدِ ، وَيَجِيءُ هَذَا بَدَلَ الْبَعْضِ مِنَ الْكُلِّ انْتَهَى . وَمَا ذَكَرَهُ
ابْنُ عَطِيَّةَ فِي هَذَا الرَّدِّ ، لَيْسَ بِجَيِّدٍ; لِأَنَّهُ إِذَا جَعَلْنَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12لَيَجْمَعَنَّكُمْ ) يَصْلُحُ لِمُخَاطَبَةِ النَّاسِ كَافَّةً ، كَانَ ( الَّذِينَ ) بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ ، وَيَحْتَاجُ إِذْ ذَاكَ إِلَى ضَمِيرٍ . وَيُقَدَّرُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ) مِنْهُمْ ، وَقَوْلُهُ فَيُفِيدُنَا إِبْدَالُ ( الَّذِينَ ) مِنَ الضَّمِيرِ أَنَّهُمْ هُمُ الْمُخْتَصُّونَ بِالْخِطَابِ ، وَخُصُّوا عَلَى جِهَةِ الْوَعِيدِ ، وَهَذَا يَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ بَدَلَ كُلِّ مِنْ كُلٍّ ، فَتَنَاقَضَ أَوَّلُ كَلَامِهِ مَعَ آخِرِهِ; لِأَنَّهُ مِنْ حَيْثُ الصَّلَاحِيَّةُ يَكُونُ بَدَلَ بَعْضٍ مِنْ كُلٍّ ، وَمِنْ حَيْثُ اخْتِصَاصُ الْخِطَابِ بِهِمْ يَكُونُ بَدَلَ كُلٍّ مِنْ كُلٍّ ، وَالْمُبْدَلُ مِنْهُ مُتَكَلِّمٌ أَوْ مُخَاطَبٌ ، فِي جَوَازِهِ خِلَافٌ; مَذْهَبُ الْكُوفِيِّينَ
وَالْأَخْفَشِ ; أَنَّهُ يَجُوزُ ، وَمَذْهَبُ جُمْهُورِ الْبَصْرِيِّينَ ; أَنَّهُ لَا يَجُوزُ ، وَهَذَا إِذَا لَمْ يَكُنِ الْبَدَلُ يُفِيدُ مَعْنَى التَّوْكِيدِ ، فَإِنَّهُ إِذْ ذَاكَ يَجُوزُ ، وَهَذَا كُلُّهُ مُقَرَّرٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12الَّذِينَ ) مَرْفُوعٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ ، وَالْخَبَرُ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) ، وَدَخَلَتِ الْفَاءُ لِمَا تَضَمَّنَ الْمُبْتَدَأُ مِنْ مَعْنَى الشَّرْطِ ، كَأَنَّهُ قِيلَ : مَنْ يَخْسَرُ نَفْسَهُ ، فَهُوَ لَا يُؤْمِنُ ، وَمَنْ ذَهَبَ إِلَى الْبَدَلِ جَعَلَ الْفَاءَ عَاطِفَةً جُمْلَةً عَلَى جُمْلَةٍ ، وَأَجَازَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ أَنْ يَكُونَ ( الَّذِينَ ) مَنْصُوبًا عَلَى الذَّمِّ; أَيْ : أُرِيدَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ) انْتَهَى . وَتَقْدِيرُهُ : بِأُرِيدَ ، لَيْسَ بِجَيِّدٍ ، إِنَّمَا يُقِدِّرُ النُّحَاةُ الْمَنْصُوبَ عَلَى الذَّمِّ بِـ ( أَذُمُّ ) ، وَأَبْعَدَ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ مَوْضِعَ ( الَّذِينَ ) جَرٌّ نَعْتًا لِلْمُكَذِّبِينَ ، أَوْ بَدَلًا مِنْهُمْ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : فَإِنْ قُلْتَ : كَيْفَ جُعِلَ عَدَمُ إِيمَانِهِمْ مُسَبَّبًا عَنْ خُسْرِهِمْ ، وَالْأَمْرُ بِالْعَكْسِ ؟ قُلْتُ : مَعْنَاهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ ) فِي عِلْمِ اللَّهِ; لِاخْتِيَارِهِمُ الْكُفْرَ ( فَهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ ) انْتَهَى . وَفِيهِ دَسِيسَةُ الِاعْتِزَالِ بِقَوْلِهِ : لِاخْتِيَارِهِمُ الْكُفْرَ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=13nindex.php?page=treesubj&link=28977وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ) . لَمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ لَهُ مُلْكُ مَا حَوَى الْمَكَانُ مِنَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ، ذَكَرَ مَا حَوَاهُ الزَّمَانُ مِنَ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الزَّمَانِ وَالْمَكَانِ يَسْتَلْزِمُ الْآخَرَ ، لَكِنَّ النَّصَّ عَلَيْهِمَا أَبْلَغُ فِي الْمِلْكِيَّةِ ، وَقُدِّمَ الْمَكَانُ; لِأَنَّهُ أَقْرَبُ إِلَى الْعُقُولِ وَالْأَفْكَارِ مِنَ الزَّمَانِ ، وَلَهُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ وَغَيْرُهُ : هُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ ( لِلَّهِ ) . وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْتِئْنَافُ إِخْبَارٍ ، وَلَيْسَ مُنْدَرِجًا تَحْتَ قَوْلِهِ : ( قُلْ ) : وَ ( سَكَنَ ) هُنَا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيُّ وَغَيْرُهُ : مِنَ السُّكْنَى أَيْ مَا ثَبَتَ وَتَقَرَّرَ ، وَلَمْ يَذْكُرِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ غَيْرَهُ ، قَالَ : وَتَعَدِّيهِ بِـ ( فِي ) كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=45وَسَكَنْتُمْ فِي مَسَاكِنِ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ) وَقَالَتْ فِرْقَةٌ : هُوَ مِنَ السُّكُونِ الْمُقَابِلِ لِلْحَرَكَةِ ، وَاخْتَلَفَ هَؤُلَاءِ ، فَقِيلَ : ثَمَّ مَعْطُوفٌ مَحْذُوفٌ; أَيْ وَمَا تَحَرَّكَ ، وَحُذِفَ كَمَا حُذِفَ فِي قَوْلِهِ : ( تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَالْبَرْدَ ) . وَقِيلَ : لَا مَحْذُوفَ هُنَا ، وَاقْتَصَرَ عَلَى السَّاكِنِ; لِأَنَّ كُلَّ مُتَحَرِّكٍ قَدْ يَسْكُنُ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَسْكُنُ يَتَحَرَّكُ . وَقِيلَ : لِأَنَّ السُّكُونَ أَكْثَرُ وُجُودًا مِنَ الْحَرَكَةِ ، وَقَالَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=13وَالنَّهَارِ ) لِأَنَّ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ مَا يَسْكُنُ بِالنَّهَارِ وَيَنْتَشِرُ بِاللَّيْلِ ، قَالَهُ
مُقَاتِلٌ ، وَرَجَّحَ
ابْنُ عَطِيَّةَ الْقَوْلَ الْأَوَّلَ ، قَالَ : وَالْمَقْصِدُ فِي الْآيَةِ عُمُومُ كُلِّ شَيْءٍ ، وَذَلِكَ لَا يَتَرَتَّبُ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ ( سَكَنَ ) بِمَعْنَى اسْتَقَرَّ وَثَبَتَ ، وَإِلَّا فَالْمُتَحَرِّكُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمَخْلُوقَاتِ أَكْثَرُ مِنَ السَّوَاكِنِ ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْفُلْكَ وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ السَّايِحَةَ وَالْمَلَائِكَةَ وَأَنْوَاعَ الْحَيَوَانِ مُتَحَرِّكَةٌ ، وَاللَّيْلَ وَالنَّهَارَ حَاصِرَانِ لِلزَّمَانِ انْتَهَى . وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ; لِأَنَّهُ قَالَ لَا يَتَرَتَّبُ الْعُمُومُ
[ ص: 84 ] إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ ( سَكَنَ ) بِمَعْنَى اسْتَقَرَّ وَثَبَتَ ، وَلَا يَنْحَصِرُ فِيمَا ذُكِرَ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَتَرَتَّبُ الْعُمُومُ عَلَى قَوْلِ مَنْ جَعَلَهُ مِنَ السُّكُونِ ، وَجَعَلَ فِي الْكَلَامِ مَعْطُوفًا مَحْذُوفًا; أَيْ وَمَا تَحَرَّكَ ، وَعَلَى قَوْلِ مَنِ ادَّعَى أَنَّ كُلَّ مَا يَتَحَرَّكُ قَدْ يَسْكُنُ ، وَلَيْسَ كُلُّ مَا يَسْكُنُ يَتَحَرَّكُ ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ ، يَتَرَتَّبُ مَعَهُ الْعُمُومُ ، فَلَمْ يَنْحَصِرِ الْعُمُومُ فِيمَا ذَكَرَ
ابْنُ عَطِيَّةَ . (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=13وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ ) لَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ مُحَاوَرَاتِ الْكُفَّارِ الْمُكَذِّبِينَ ، وَذِكْرُ الْحَشْرِ الَّذِي فِيهِ الْجَزَاءُ ، نَاسَبَ ذِكْرُ صِفَةِ السَّمْعِ; لِمَا وَقَعَتْ فِيهِ الْمُحَاوَرَةُ ، وَصِفَةِ الْعِلْمِ; لِتَضَمُّنِهَا مَعْنَى الْجَزَاءِ ، إِذْ ذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى الْوَعِيدِ وَالتَّهْدِيدِ .