(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96فالق الإصباح ) مصدر ، سمي به الصبح ، قال الشاعر :
ألا أيها الليل الطويل ألا انجلي بصبح وما الإصباح منك بأمثل
( فإن قلت ) : الظلمة هي التي تنفلق عن الصبح ، كما قال الشاعر :
تفرى ليل عن بياض نهار
فالجواب من وجوه ، أحدها أن يكون ذلك على حذف مضاف ، أي : فالق ظلمة الإصباح وهي الغبش الذي يلي الصبح ، أو يكون على ظاهره ، ومعناه فالقه عن بياض النار . وقالوا : انصدع الفجر وانشق عمود الفجر ، قال الشاعر :
فانشق عنها عمود الصبح جافلة عدو النحوص تخاف القانص اللحيا
وسموا الفجر فلقا بمعنى مفلوق ، أو يكون المعنى : مظهر الإصباح ، إلا أنه لما كان الفلق مقتضيا لذلك الإظهار أطلق على الإظهار فلقا ، والمراد المسبب وهو الإظهار ، وقيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96فالق الإصباح ) خالقه ، وقال
مجاهد : الإصباح إضاءة الفجر ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16405ابن أبي طلحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن ( الإصباح ) ضوء الشمس بالنهار وضوء القمر بالليل . وقال
الليث nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج : الصبح والصباح والإصباح أول النهار ، قال :
أفنى رياحا وبني رياح تناسخ الإمساء والإصباح
يريد المساء والصباح ، ويروى بفتح الهمزة ، جمع مسى وصبح ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أيضا : معناه خالق النهار والليل ، وقال
الكرماني : شاق عمود الصبح عن الظلمة وكاشفه ، وقرأ
الحسن وعيسى أبو رجاء : الأصباح بفتح الهمزة ، جمع صبح ، وقرأت فرقة بنصب الأصباح وحذف تنوين فالق ،
nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه إنما يجوز هذا في الشعر ، نحو قوله :
ولا ذاكر الله إلا قليلا
حذف التنوين لالتقاء الساكنين ،
nindex.php?page=showalam&ids=15153والمبرد يجوزه في الكلام ، وقرأ
النخعي وابن وثاب وأبو حيوة : فلق الإصباح ، فعلا ماضيا .
( وجاعل الليل سكنا والشمس والقمر حسبانا ) لما استدل على باهر حكمته وقدرته بدلالة أحوال
[ ص: 186 ] النبات والحيوان ، وذلك من الأحوال الأرضية ، استدل أيضا على ذلك بالأحوال الفلكية ; لأن قوله فلق الصبح أعظم من فلق الحب والنوى ; لأن الأحوال الفلكية أعظم وقعا في النفوس من الأحوال الأرضية ، والسكن فعل بمعنى مفعول أي مسكون إليه ، وهو من تستأنس به وتطمئن إليه ، ومنه قيل للنار لأنه يستأنس بها ; ولذلك يسمونها المؤنسة ، ومعنى أن الليل سكن لأن الإنسان يتعب نهاره ويسكن في الليل ; ولذلك قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67لتسكنوا فيه ) . والحسبان جمع حساب كشهاب وشهبان ، قاله
الأخفش ، أو مصدر حسب الشيء والحساب الاسم ، قاله
يعقوب ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : يعني بها عدد الأيام والشهور والسنين ، وقال
قتادة : حسبانا ضياء . انتهى . قيل : وتسمى النار حسبانا ، وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، قال مجاهد : المراد حسبان كحسبان الرحى وهو الدولاب والعود الذي عليه دورانه ، وقال تاج القراء : حسبانا أي بحساب ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=5الشمس والقمر بحسبان ) ، والمعنى : أنه جعل سيرهما بحساب ومقدار لأن الشمس تقطع البروج كلها في ثلاثمائة وخمسة وستين يوما وربع يوم ، وتعود إلى مكانها ، والقمر يقطعها في ثمانية وعشرين يوما ، وبدورانهما يعرف الناس حساب الأيام والشهور والأعوام ، وقيل : يجريان بحساب وعدد لبلوغ نهاية آجالهما ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : جعلهما على حساب لأن حساب الأوقات يعلم بدورهما وسيرهما ، وقرأ الكوفيون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96وجعل الليل ) ، فعلا ماضيا ، لما كان فالق بمعنى المضي حسن عطف ( وجعل ) عليه ، وانتصب (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96والشمس والقمر حسبانا ) عطفا على (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96الليل سكنا ) ، وقرأ باقي السبعة : ( وجاعل ) باسم الفاعل مضافا إلى الليل ، والظاهر أنه اسم فاعل ماض ولا يعمل عند البصريين ، فانتصاب ( سكنا ) على إضمار فعل أي يجعله سكنا ، لا باسم الفاعل ، هذا مذهب
أبي علي فيما انتصب مفعولا ثانيا بعد اسم فاعل ماض ، وذهب
nindex.php?page=showalam&ids=14551السيرافي إلى أنه ينتصب باسم الفاعل وإن كان ماضيا ; لأنه لما وجبت إضافته إلى الأول لم يمكن أن يضاف إلى الثاني ، فعمل فيه النصب وإن كان ماضيا . هذه مسألة تذكر في علم النحو ، وأما من أجاز إعمال اسم الفاعل الماضي ، وهو
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي وهشام ، فسكنا منصوب به ، وقرأ
يعقوب : ساكنا ، قال
الداني : ولا يصح عنه ، وقرأ
أبو حيوة بجر ( والشمس والقمر حسبانا ) عطفا على " الليل سكنا " ، وأما قراءة النصب وهي قراءة الجمهور فعلى قراءة ( وجاعل الليل ) ينتصبان على إضمار فعل ، أي : وجعل الشمس والقمر حسبانا ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري : أو يعطفان على محل الليل ، ( فإن قلت ) : كيف يكون لليل محل ، والإضافة حقيقة لأن اسم الفاعل المضاف إليه في معنى المضي ولا تقول زيد ضارب عمرا أمس ؟
[ ص: 187 ] ( قلت ) : ما هو في معنى الماضي ، وإنما هو دال على جعل مستمر في الأزمنة . انتهى . وملخصه أنه ليس اسم فاعل ماضيا فلا يلزم أن يكون عاملا ، فيكون للمضاف إليه موضع من الإعراب ، وهذا على مذهب
البصريين أن اسم الفاعل الماضي لا يعمل ، وأما قوله : إنما هو دال على جعل مستمر في الأزمنة ، يعني فيكون إذ ذاك عاملا ، ويكون للمجرور بعده موضع من الإعراب فيعطف عليه (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96والشمس والقمر ) ، وهذا ليس بصحيح إذا كان لا يتقيد بزمان خاص ، وإنما هو للاستمرار ، فلا يجوز له أن يعمل ، ولا لمجروره محل ، وقد نصوا على ذلك ، وأنشدوا :
ألقيت كاسبهم في قعر مظلمة
فليس الكاسب هنا مقيدا بزمان ، وإذا تقيد بزمان فإما أن يكون ماضيا دون أل فلا يعمل إذ ذاك عند
البصريين ، أو بأل أو حالا أو مستقبلا فيجوز إعماله ، والإضافة إليه على ما أحكم في علم النحو وفصل ، وعلى تسليم أن يكون حالا على الاستمرار في الأزمنة وتعمل ، فلا يجوز العطف على محل مجروره ، بل لو كان حالا أو مستقبلا لم يجز ذلك على القول الصحيح ، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه ، فلو قلت : زيد ضارب عمرا الآن أو غدا وخالدا ، لم يجز أن تعطف وخالدا على موضع عمرو ، وعلى مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه بل تقدره : وتضرب خالدا ; لأن شرط العطف على الموضع مفقود فيه ، وهو أن يكون الموضع محرزا لا يتغير ، وهذا موضح في علم النحو ، وقرئ شاذا : ( والشمس والقمر ) برفعهما على الابتداء ، والخبر محذوف ، تقديره : مجعولان حسبانا أو محسوبان حسبانا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96ذلك تقدير العزيز العليم ) أي ذلك الجعل ، أو ذلك الفلق ، والجعل أو ذلك إشارة إلى جميع الأخبار من قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=95فالق الحب ) إلى آخرها تقدير العزيز الغالب الذي كل شيء من هذه في تسخيره وقهره ، العليم الذي لا يعزب عنه شيء من هذه الأحوال ولا من غيرها ، وفي جعل ذلك كله بتقديره دلالة على أنه هو المختص الفاعل المختار لا أن ذلك فيها بالطبع ولا بالخاصية .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96فَالِقُ الْإِصْبَاحِ ) مَصْدَرٌ ، سُمِّيَ بِهِ الصُّبْحِ ، قَالَ الشَّاعِرِ :
أَلَا أَيُّهَا اللَّيْلُ الطَّوِيلُ أَلَا انْجَلِي بِصُبْحٍ وَمَا الْإِصْبَاحُ مِنْكَ بِأَمْثَلِ
( فَإِنْ قُلْتَ ) : الظُّلْمَةُ هِيَ الَّتِي تَنْفَلِقُ عَنِ الصُّبْحِ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
تَفَرَّى لَيْلُ عَنْ بَيَاضِ نَهَارِ
فَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ ، أَحَدُهَا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ ، أَيْ : فَالِقُ ظُلْمَةِ الْإِصْبَاحِ وَهِيَ الْغَبَشُ الَّذِي يَلِي الصُّبْحَ ، أَوْ يَكُونُ عَلَى ظَاهِرِهِ ، وَمَعْنَاهُ فَالِقُهُ عَنْ بَيَاضِ النَّارِ . وَقَالُوا : انْصَدَعَ الْفَجْرُ وَانْشَقَّ عَمُودُ الْفَجْرِ ، قَالَ الشَّاعِرُ :
فَانْشَقَّ عَنْهَا عَمُودُ الصُّبْحِ جَافِلَةً عَدْوَ النَّحُوصِ تَخَافُ الْقَانِصَ اللَّحْيَا
وَسَمَّوُا الْفَجْرَ فَلَقًا بِمَعْنَى مَفْلُوقٍ ، أَوْ يَكُونُ الْمَعْنَى : مُظْهِرُ الْإِصْبَاحِ ، إِلَّا أَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْفَلَقُ مُقْتَضِيًا لِذَلِكَ الْإِظْهَارِ أَطْلَقَ عَلَى الْإِظْهَارِ فَلَقًا ، وَالْمُرَادُ الْمُسَبَّبُ وَهُوَ الْإِظْهَارُ ، وَقِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96فَالِقُ الْإِصْبَاحِ ) خَالِقُهُ ، وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : الْإِصْبَاحُ إِضَاءَةُ الْفَجْرِ ، وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16405ابْنُ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ( الْإِصْبَاحَ ) ضَوْءُ الشَّمْسِ بِالنَّهَارِ وَضَوْءُ الْقَمَرِ بِاللَّيْلِ . وَقَالَ
اللَّيْثُ nindex.php?page=showalam&ids=14888وَالْفَرَّاءُ nindex.php?page=showalam&ids=14416وَالزَّجَّاجُ : الصُّبْحُ وَالصَّبَاحُ وَالْإِصْبَاحُ أَوَّلُ النَّهَارِ ، قَالَ :
أَفْنَى رِيَاحًا وَبَنِي رِيَاحْ تَنَاسُخُ الْإِمْسَاءِ وَالْإِصْبَاحْ
يُرِيدُ الْمَسَاءَ وَالصَّبَاحَ ، وَيُرْوَى بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ، جَمْعُ مَسَى وَصُبْحٍ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا : مَعْنَاهُ خَالِقُ النَّهَارِ وَاللَّيْلِ ، وَقَالَ
الْكِرْمَانِيُّ : شَاقُّ عَمُودِ الصُّبْحِ عَنِ الظُّلْمَةِ وَكَاشِفُهُ ، وَقَرَأَ
الْحَسَنُ وَعِيسَى أَبُو رَجَاءٍ : الْأَصْبَاحَ بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ ، جَمْعُ صُبْحٍ ، وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ بِنَصْبِ الْأَصْبَاحِ وَحَذْفِ تَنْوِينِ فَالِقٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16076وَسِيبَوَيْهِ إِنَّمَا يَجُوزُ هَذَا فِي الشِّعْرِ ، نَحْوَ قَوْلِهِ :
وَلَا ذَاكِرَ اللَّهِ إِلَّا قَلِيلًا
حُذِفَ التَّنْوِينُ لِالْتِقَاءِ السَّاكِنَيْنِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15153وَالْمُبَرِّدُ يُجَوِّزُهُ فِي الْكَلَامِ ، وَقَرَأَ
النَّخَعِيُّ وَابْنُ وَثَّابٍ وَأَبُو حَيْوَةَ : فَلَقَ الْإِصْبَاحَ ، فِعْلًا مَاضِيًا .
( وَجَاعِلُ اللَّيْلِ سَكَنًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ) لَمَّا اسْتَدَلَّ عَلَى بَاهِرِ حِكْمَتِهِ وَقُدْرَتِهِ بِدَلَالَةِ أَحْوَالِ
[ ص: 186 ] النَّبَاتِ وَالْحَيَوَانِ ، وَذَلِكَ مِنَ الْأَحْوَالِ الْأَرْضِيَّةِ ، اسْتَدَلَّ أَيْضًا عَلَى ذَلِكَ بِالْأَحْوَالِ الْفَلَكِيَّةِ ; لِأَنَّ قَوْلَهُ فَلَقَ الصُّبْحَ أَعْظَمُ مِنْ فَلْقِ الْحَبِّ وَالنَّوَى ; لِأَنَّ الْأَحْوَالَ الْفَلَكِيَّةَ أَعْظَمُ وَقْعًا فِي النُّفُوسِ مِنَ الْأَحْوَالِ الْأَرْضِيَّةِ ، وَالسَّكَنُ فِعْلٌ بِمَعْنَى مَفْعُولٍ أَيْ مَسْكُونٍ إِلَيْهِ ، وَهُوَ مَنْ تَسْتَأْنِسُ بِهِ وَتَطْمَئِنُّ إِلَيْهِ ، وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّارِ لِأَنَّهُ يُسْتَأْنَسُ بِهَا ; وَلِذَلِكَ يُسَمُّونَهَا الْمُؤْنِسَةَ ، وَمَعْنَى أَنَّ اللَّيْلَ سَكَنٌ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَتْعَبُ نَهَارَهُ وَيَسْكُنُ فِي اللَّيْلِ ; وَلِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=67لِتَسْكُنُوا فِيهِ ) . وَالْحُسْبَانُ جَمْعُ حِسَابٍ كَشِهَابٍ وَشُهْبَانٍ ، قَالَهُ
الْأَخْفَشُ ، أَوْ مَصْدَرُ حَسَبَ الشَّيْءَ وَالْحِسَابُ الِاسْمُ ، قَالَهُ
يَعْقُوبُ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : يَعْنِي بِهَا عَدَدَ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ وَالسِّنِينَ ، وَقَالَ
قَتَادَةُ : حُسْبَانًا ضِيَاءً . انْتَهَى . قِيلَ : وَتُسَمَّى النَّارُ حُسْبَانًا ، وَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيِّ ، قَالَ مُجَاهِدٌ : الْمُرَادُ حُسْبَانٌ كَحُسْبَانِ الرَّحَى وَهُوَ الدُّولَابُ وَالْعُودُ الَّذِي عَلَيْهِ دَوَرَانُهُ ، وَقَالَ تَاجُ الْقُرَّاءِ : حُسْبَانًا أَيْ بِحِسَابٍ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=55&ayano=5الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ ) ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ جَعَلَ سَيْرَهُمَا بِحِسَابٍ وَمِقْدَارٍ لِأَنَّ الشَّمْسَ تَقْطَعُ الْبُرُوجَ كُلَّهَا فِي ثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسَةٍ وَسِتِّينَ يَوْمًا وَرُبُعِ يَوْمٍ ، وَتَعُودُ إِلَى مَكَانِهَا ، وَالْقَمَرُ يَقْطَعُهَا فِي ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ يَوْمًا ، وَبِدَوَرَانِهِمَا يَعْرِفُ النَّاسُ حِسَابَ الْأَيَّامِ وَالشُّهُورِ وَالْأَعْوَامِ ، وَقِيلَ : يَجْرِيَانِ بِحِسَابٍ وَعَدَدٍ لِبُلُوغِ نِهَايَةِ آجَالِهِمَا ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : جَعَلَهُمَا عَلَى حِسَابٍ لِأَنَّ حِسَابَ الْأَوْقَاتِ يُعْلَمُ بِدَوْرِهِمَا وَسَيْرِهِمَا ، وَقَرَأَ الْكُوفِيُّونَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96وَجَعَلَ اللَّيْلَ ) ، فِعْلًا مَاضِيًا ، لَمَّا كَانَ فَالِقُ بِمَعْنَى الْمُضِيِّ حَسُنَ عَطْفُ ( وَجَعَلَ ) عَلَيْهِ ، وَانْتَصَبَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ) عَطْفًا عَلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96اللَّيْلَ سَكَنًا ) ، وَقَرَأَ بَاقِي السَّبْعَةِ : ( وَجَاعِلُ ) بَاسِمِ الْفَاعِلِ مُضَافًا إِلَى اللَّيْلِ ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ اسْمُ فَاعِلٍ مَاضٍ وَلَا يَعْمَلُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ ، فَانْتِصَابُ ( سَكَنَا ) عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ أَيْ يَجْعَلُهُ سَكَنًا ، لَا بَاسِمَ الْفَاعِلِ ، هَذَا مَذْهَبُ
أَبِي عَلِيٍّ فِيمَا انْتَصَبَ مَفْعُولًا ثَانِيًا بَعْدَ اسْمِ فَاعِلٍ مَاضٍ ، وَذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=14551السِّيرَافِيُّ إِلَى أَنَّهُ يَنْتَصِبُ بِاسْمِ الْفَاعِلِ وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا ; لِأَنَّهُ لَمَّا وَجَبَتْ إِضَافَتُهُ إِلَى الْأَوَّلِ لَمْ يُمْكِنْ أَنْ يُضَافَ إِلَى الثَّانِي ، فَعَمِلَ فِيهِ النَّصْبُ وَإِنْ كَانَ مَاضِيًا . هَذِهِ مَسْأَلَةٌ تُذْكَرُ فِي عِلْمِ النَّحْوِ ، وَأَمَّا مَنْ أَجَازَ إِعْمَالَ اسْمِ الْفَاعِلِ الْمَاضِي ، وَهُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=15080الْكِسَائِيُّ وَهُشَامٌ ، فَسَكَنًا مَنْصُوبٌ بِهِ ، وَقَرَأَ
يَعْقُوبُ : سَاكِنًا ، قَالَ
الدَّانِي : وَلَا يَصِحُّ عَنْهُ ، وَقَرَأَ
أَبُو حَيْوَةَ بِجَرِّ ( وَالشَّمْسِ وَالْقَمَرِ حُسْبَانًا ) عَطْفًا عَلَى " اللَّيْلِ سَكَنَا " ، وَأَمَّا قِرَاءَةُ النَّصْبِ وَهِيَ قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ فَعَلَى قِرَاءَةِ ( وَجَاعِلُ اللَّيْلِ ) يَنْتَصِبَانِ عَلَى إِضْمَارِ فِعْلٍ ، أَيْ : وَجَعَلَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ حُسْبَانًا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ : أَوْ يُعْطَفَانِ عَلَى مَحَلِّ اللَّيْلِ ، ( فَإِنْ قُلْتَ ) : كَيْفَ يَكُونُ لِلَّيْلِ مَحَلٌّ ، وَالْإِضَافَةُ حَقِيقَةٌ لِأَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ الْمُضَافَ إِلَيْهِ فِي مَعْنَى الْمُضِيِّ وَلَا تَقُولُ زِيدٌ ضَارِبٌ عَمْرًا أَمْسِ ؟
[ ص: 187 ] ( قُلْتُ ) : مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْمَاضِي ، وَإِنَّمَا هُوَ دَالٌّ عَلَى جَعْلٍ مُسْتَمِرٍّ فِي الْأَزْمِنَةِ . انْتَهَى . وَمُلَخَّصُهُ أَنَّهُ لَيْسَ اسْمَ فَاعِلٍ مَاضِيًا فَلَا يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ عَامِلًا ، فَيَكُونُ لِلْمُضَافِ إِلَيْهِ مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ ، وَهَذَا عَلَى مَذْهَبِ
الْبَصْرِيِّينَ أَنَّ اسْمَ الْفَاعِلِ الْمَاضِيَ لَا يَعْمَلُ ، وَأَمَّا قَوْلُهُ : إِنَّمَا هُوَ دَالٌّ عَلَى جَعْلٍ مُسْتَمِرٍّ فِي الْأَزْمِنَةِ ، يَعْنِي فَيَكُونُ إِذْ ذَاكَ عَامِلًا ، وَيَكُونُ لِلْمَجْرُورِ بَعْدَهُ مَوْضِعٌ مِنَ الْإِعْرَابِ فَيُعْطَفُ عَلَيْهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ ) ، وَهَذَا لَيْسَ بِصَحِيحٍ إِذَا كَانَ لَا يَتَقَيَّدُ بِزَمَانٍ خَاصٍّ ، وَإِنَّمَا هُوَ لِلِاسْتِمْرَارِ ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَعْمَلَ ، وَلَا لِمَجْرُورِهِ مَحَلٌّ ، وَقَدْ نَصُّوا عَلَى ذَلِكَ ، وَأَنْشَدُوا :
أَلْقَيْتُ كَاسِبَهُمْ فِي قَعْرِ مَظْلَمَةٍ
فَلَيْسَ الْكَاسِبُ هُنَا مُقَيَّدًا بِزَمَانٍ ، وَإِذَا تَقَيَّدَ بِزَمَانٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ مَاضِيًا دُونَ أَلْ فَلَا يَعْمَلُ إِذْ ذَاكَ عِنْدَ
الْبَصْرِيِّينَ ، أَوْ بِأَلْ أَوْ حَالًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا فَيَجُوزُ إِعْمَالُهُ ، وَالْإِضَافَةُ إِلَيْهِ عَلَى مَا أُحْكِمَ فِي عِلْمِ النَّحْوِ وَفُصِّلَ ، وَعَلَى تَسْلِيمِ أَنْ يَكُونَ حَالًا عَلَى الِاسْتِمْرَارِ فِي الْأَزْمِنَةِ وَتَعْمَلُ ، فَلَا يَجُوزُ الْعَطْفُ عَلَى مَحَلِّ مَجْرُورِهِ ، بَلْ لَوْ كَانَ حَالًا أَوْ مُسْتَقْبَلًا لَمْ يَجُزْ ذَلِكَ عَلَى الْقَوْلِ الصَّحِيحِ ، وَهُوَ مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ ، فَلَوْ قُلْتَ : زَيْدٌ ضَارِبٌ عَمْرًا الْآنَ أَوْ غَدًا وَخَالِدًا ، لَمْ يَجُزْ أَنْ تَعْطِفَ وَخَالِدًا عَلَى مَوْضِعِ عَمْرٍو ، وَعَلَى مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ بَلْ تُقَدِّرُهُ : وَتَضْرِبُ خَالِدًا ; لِأَنَّ شَرْطَ الْعَطْفِ عَلَى الْمَوْضِعِ مَفْقُودٌ فِيهِ ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمَوْضِعُ مُحْرِزًا لَا يَتَغَيَّرُ ، وَهَذَا مُوَضَّحٌ فِي عِلْمِ النَّحْوِ ، وَقُرِئَ شَاذًّا : ( وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ ) بِرَفْعِهِمَا عَلَى الِابْتِدَاءِ ، وَالْخَبَرُ مَحْذُوفٌ ، تَقْدِيرُهُ : مَجْعُولَانِ حُسْبَانًا أَوْ مَحْسُوبَانِ حُسْبَانًا .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=96ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ ) أَيْ ذَلِكَ الْجَعْلُ ، أَوْ ذَلِكَ الْفَلْقُ ، وَالْجَعْلُ أَوْ ذَلِكَ إِشَارَةٌ إِلَى جَمِيعِ الْأَخْبَارِ مِنْ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=95فَالِقُ الْحَبِّ ) إِلَى آخِرِهَا تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْغَالِبِ الَّذِي كُلُّ شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ فِي تَسْخِيرِهِ وَقَهْرِهِ ، الْعَلِيمِ الَّذِي لَا يَعْزُبُ عَنْهُ شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَلَا مِنْ غَيْرِهَا ، وَفِي جَعْلِ ذَلِكَ كُلِّهِ بِتَقْدِيرِهِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُ هُوَ الْمُخْتَصُّ الْفَاعِلُ الْمُخْتَارُ لَا أَنَّ ذَلِكَ فِيهَا بِالطَّبْعِ وَلَا بِالْخَاصِّيَّةِ .