قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا وأولئك هم الفاسقون nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإن الله غفور رحيم قوله تعالى في هذه الآية : يرمون معناه : يقذفون المحصنات بالزنا صريحا أو ما يستلزم الزنا كنفي نسب ولد المحصنة عن أبيه ; لأنه إن كان من غير أبيه كان من زنى ، وهذا القذف هو الذي أوجب الله تعالى فيه ثلاثة أحكام :
الأول :
nindex.php?page=treesubj&link=10484جلد القاذف ثمانين جلدة .
والثاني : عدم قبول شهادته .
والثالث : الحكم عليه بالفسق .
فإن قيل : أين الدليل من القرآن على أن معنى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4يرمون المحصنات في هذه الآية ، هو القذف بصريح الزنى ، أو بما يستلزمه كنفي النسب ؟
فالجواب : أنه دلت عليه قرينتان من القرآن :
الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4ثم لم يأتوا بأربعة شهداء بعد قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4يرمون المحصنات ومعلوم أنه ليس شيء من القذف يتوقف إثباته على أربعة شهداء إلا الزنى ، ومن قال : إن اللواط حكمه حكم الزنى أجرى أحكام هذه الآية على اللائط .
وقد قدمنا أحكام اللائط مستوفاة في سورة "
هود " ، كما أشرنا له غير بعيد .
القرينة الثانية : هي ذكر المحصنات بعد ذكر الزواني ، في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزاني لا ينكح إلا زانية الآية ، وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة فذكر المحصنات بعد ذكر الزواني ، يدل على إحصانهن ، أي : عفتهن عن الزنى ، وأن الذين يرمونهن إنما يرمونهن بالزنى ، وقد قدمنا جميع المعاني التي تراد بالمحصنات في القرآن ، ومثلنا لها كلها من القرآن في سورة " النساء " ، في الكلام على قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [ 4 \ 24 ] ، فذكرنا أن من المعاني التي
[ ص: 429 ] تراد بالمحصنات كونهن عفائف غير زانيات ; كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25محصنات غير مسافحات [ 4 \ 24 ] ، أي : عفائف غير زانيات ، ومن هذا المعنى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون المحصنات أي : العفائف ، وإطلاق المحصنات على العفائف معروف في كلام العرب ، ومنه قول
جرير :
فلا تأمنن الحي قيسا فإنهم بنو محصنات لم تدنس حجورها
وإطلاق الرمي على رمي الشخص لآخر بلسانه بالكلام القبيح معروف في كلام العرب ، ومنه قول
عمرو بن أحمر الباهلي :
رماني بأمر كنت منه ووالدي بريئا ومن أجل الطوي رماني
فقوله : رماني بأمر يعني : أنه رماه بالكلام القبيح ، وفي شعر
امرئ القيس أو غيره : وجرح اللسان كجرح اليد
واعلم أن هذه الآية الكريمة مبينة في الجملة من ثلاث جهات :
الجهة الأولى : هي القرينتان القرآنيتان الدالتان على أن المراد بالرمي في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4يرمون المحصنات هو الرمي بالزنى ، أو ما يستلزمه كنفي النسب ; كما أوضحناه قريبا .
الجهة الثانية : هي أن عموم هذه الآية ظاهر في شموله لزوج المرأة إذا رماها بالزنى ، ولكن الله - جل وعلا - بين أن
nindex.php?page=treesubj&link=10555زوج المرأة إذا قذفها بالزنى خارج من عموم هذه الآية ، وأنه إن لم يأت الشهداء تلاعنا ، وذلك في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=6والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم الآية [ 24 \ 6 ] .
ومضمونها : أن الزوج إذا قذف زوجته بالزنى ولم يكن له شاهد غير نفسه ، والمعنى : أنه لم يقدر على الإتيان ببينة تشهد له على الزنى الذي رماها به ، فإنه يشهد أربع شهادات يقول في كل واحدة منها : أشهد بالله إني لصادق فيما رميتها به من الزنى ، ثم يقول في الخامسة : علي لعنة الله إن كنت كاذبا عليها فيما رميتها به ، ويرتفع عنه الجلد وعدم قبول الشهادة والفسق بهذه الشهادات ، وتشهد هي أربع شهادات بالله ، تقول في كل واحدة منها : أشهد بالله إنه لكاذب فيما رماني به من الزنى ، ثم تقول في الخامسة : غضب الله
[ ص: 430 ] علي إن كان صادقا فيما رماني به من الزنى ; كما هو واضح من نص الآية .
الجهة الثالثة : أن الله بين هنا حكم
nindex.php?page=treesubj&link=10483عقوبة من رمى المحصنات في الدنيا ، ولم يبين ما أعد له في الآخرة ، ولكنه بين في هذه السورة الكريمة ما أعد له في الدنيا والآخرة من عذاب الله ، وذلك في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=23إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=24يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=25يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين [ 24 \ 23 - 25 ] ، وقد زاد في هذه الآية الأخيرة كونهن مؤمنات غافلات لإيضاح صفاتهن الكريمة .
ووصفه تعالى للمحصنات في هذه الآية بكونهن غافلات ثناء عليهن بأنهن سليمات الصدور نقيات القلوب لا تخطر الريبة في قلوبهن لحسن سرائرهن ، ليس فيهن دهاء ولا مكر ; لأنهن لم يجربن الأمر فلا يفطن لما تفطن له المجربات ذوات المكر والدهاء ، وهذا النوع من سلامة الصدور وصفائها من الريبة من أحسن الثناء ، وتطلق العرب على المتصفات به اسم البله مدحا لها لا ذما ، ومنه قول
حسان - رضي الله عنه - :
نفج الحقيبة بوصها متنضد بلهاء غير وشيكة الأقسام
وقول الآخر :
ولقد لهوت بطفلة ميالة بلهاء تطلعني على أسرارها
وقول الآخر :
عهدت بها هندا وهند غريرة عن الفحش بلهاء العشاء نئوم
رداح الضحى ميالة بخترية لها منطق يصبي الحليم رخيم
والظاهر أن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=23لعنوا في الدنيا والآخرة ولهم عذاب عظيم يوم تشهد عليهم ألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بما كانوا يعملون [ 24 \ 23 - 24 ] ، محله فيما إذا لم يتوبوا ويصلحوا ، فإن تابوا وأصلحوا ، لم ينلهم شيء من ذلك الوعيد ، ويدل له قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إلا الذين تابوا الآية .
وعمومات نصوص الكتاب والسنة دالة على أن
nindex.php?page=treesubj&link=19729_32478_10563من تاب إلى الله من ذنبه توبة نصوحا [ ص: 431 ] تقبلها منه ، وكفر عنه ذنبه ولو من الكبائر ، وبه تعلم أن قول جماعة من أجلاء المفسرين أن آية :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء التي جعل الله فيها التوبة بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إلا الذين تابوا عامة ، وأن آية :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=23إن الذين يرمون المحصنات الغافلات المؤمنات لعنوا في الدنيا والآخرة الآية [ 24 \ 23 ] ، خاصة بالذين رموا
عائشة - رضي الله عنها - أو غيرها من خصوص أزواجه - صلى الله عليه وسلم - وأن من رماهن لا توبة له خلاف التحقيق ، والعلم عند الله تعالى .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي هَذِهِ الْآيَةِ : يَرْمُونَ مَعْنَاهُ : يَقْذِفُونَ الْمُحْصَنَاتِ بِالزِّنَا صَرِيحًا أَوْ مَا يَسْتَلْزِمُ الزِّنَا كَنَفْيِ نَسَبِ وَلَدِ الْمُحْصَنَةِ عَنْ أَبِيهِ ; لِأَنَّهُ إِنْ كَانَ مِنْ غَيْرِ أَبِيهِ كَانَ مِنْ زِنًى ، وَهَذَا الْقَذْفُ هُوَ الَّذِي أَوْجَبَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهِ ثَلَاثَةَ أَحْكَامٍ :
الْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=10484جَلْدُ الْقَاذِفِ ثَمَانِينَ جَلْدَةً .
وَالثَّانِي : عَدَمُ قَبُولِ شَهَادَتِهِ .
وَالثَّالِثُ : الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِالْفِسْقِ .
فَإِنْ قِيلَ : أَيْنَ الدَّلِيلُ مِنَ الْقُرْآنِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، هُوَ الْقَذْفُ بِصَرِيحِ الزِّنَى ، أَوْ بِمَا يَسْتَلْزِمُهُ كَنَفْيِ النَّسَبِ ؟
فَالْجَوَابُ : أَنَّهُ دَلَّتْ عَلَيْهِ قَرِينَتَانِ مِنَ الْقُرْآنِ :
الْأُولَى : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ بَعْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ مِنَ الْقَذْفِ يَتَوَقَّفُ إِثْبَاتُهُ عَلَى أَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ إِلَّا الزِّنَى ، وَمَنْ قَالَ : إِنَّ اللِّوَاطَ حُكْمُهُ حُكْمُ الزِّنَى أَجْرَى أَحْكَامَ هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى اللَّائِطِ .
وَقَدْ قَدَّمْنَا أَحْكَامَ اللَّائِطِ مُسْتَوْفَاةً فِي سُورَةِ "
هُودٍ " ، كَمَا أَشَرْنَا لَهُ غَيْرَ بَعِيدٍ .
الْقَرِينَةُ الثَّانِيَةُ : هِيَ ذِكْرُ الْمُحْصَنَاتِ بَعْدَ ذِكْرِ الزَّوَانِي ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=3الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً الْآيَةَ ، وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ فَذِكْرُ الْمُحْصَنَاتِ بَعْدَ ذِكْرِ الزَّوَانِي ، يَدُلُّ عَلَى إِحْصَانِهِنَّ ، أَيْ : عِفَّتِهِنَّ عَنِ الزِّنَى ، وَأَنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَهُنَّ إِنَّمَا يَرْمُونَهُنَّ بِالزِّنَى ، وَقَدْ قَدَّمْنَا جَمِيعَ الْمَعَانِي الَّتِي تُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ فِي الْقُرْآنِ ، وَمَثَّلْنَا لَهَا كُلِّهَا مِنَ الْقُرْآنِ فِي سُورَةِ " النِّسَاءِ " ، فِي الْكَلَامِ عَلَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=24وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ [ 4 \ 24 ] ، فَذَكَرْنَا أَنَّ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي
[ ص: 429 ] تُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ كَوْنُهُنَّ عَفَائِفَ غَيْرَ زَانِيَاتٍ ; كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=25مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ [ 4 \ 24 ] ، أَيْ : عَفَائِفَ غَيْرَ زَانِيَاتٍ ، وَمِنْ هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ أَيِ : الْعَفَائِفَ ، وَإِطْلَاقُ الْمُحْصَنَاتِ عَلَى الْعَفَائِفِ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
جَرِيرٍ :
فَلَا تَأْمَنَنَّ الْحَيَّ قَيْسًا فَإِنَّهُمْ بَنُو مُحْصَنَاتٍ لَمْ تُدَنَّسْ حُجُورُهَا
وَإِطْلَاقُ الرَّمْيِ عَلَى رَمْيِ الشَّخْصِ لِآخَرَ بِلِسَانِهِ بِالْكَلَامِ الْقَبِيحِ مَعْرُوفٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
عَمْرِو بْنِ أَحْمَرَ الْبَاهِلِيِّ :
رَمَانِي بِأَمْرٍ كُنْتُ مِنْهُ وَوَالِدِي بَرِيئًا وَمِنْ أَجْلِ الطَّوِيِّ رَمَانِي
فَقَوْلُهُ : رَمَانِي بِأَمْرٍ يَعْنِي : أَنَّهُ رَمَاهُ بِالْكَلَامِ الْقَبِيحِ ، وَفِي شِعْرِ
امْرِئِ الْقَيْسِ أَوْ غَيْرِهِ : وَجُرْحُ اللِّسَانِ كَجُرْحِ الْيَدِ
وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ الْكَرِيمَةَ مُبَيَّنَةٌ فِي الْجُمْلَةِ مِنْ ثَلَاثِ جِهَاتٍ :
الْجِهَةُ الْأُولَى : هِيَ الْقَرِينَتَانِ الْقُرْآنِيَّتَانِ الدَّالَّتَانِ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالرَّمْيِ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ هُوَ الرَّمْيُ بِالزِّنَى ، أَوْ مَا يَسْتَلْزِمُهُ كَنَفْيِ النَّسَبِ ; كَمَا أَوْضَحْنَاهُ قَرِيبًا .
الْجِهَةُ الثَّانِيَةُ : هِيَ أَنَّ عُمُومَ هَذِهِ الْآيَةِ ظَاهِرٌ فِي شُمُولِهِ لِزَوْجِ الْمَرْأَةِ إِذَا رَمَاهَا بِالزِّنَى ، وَلَكِنَّ اللَّهَ - جَلَّ وَعَلَا - بَيَّنَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10555زَوْجَ الْمَرْأَةِ إِذَا قَذَفَهَا بِالزِّنَى خَارِجٌ مِنْ عُمُومِ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَأَنَّهُ إِنْ لَمْ يَأْتِ الشُّهَدَاءُ تَلَاعَنَا ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=6وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ الْآيَةَ [ 24 \ 6 ] .
وَمَضْمُونُهَا : أَنَّ الزَّوْجَ إِذَا قَذَفَ زَوْجَتَهُ بِالزِّنَى وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَاهِدٌ غَيْرَ نَفْسِهِ ، وَالْمَعْنَى : أَنَّهُ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِتْيَانِ بِبَيِّنَةٍ تَشْهَدُ لَهُ عَلَى الزِّنَى الَّذِي رَمَاهَا بِهِ ، فَإِنَّهُ يَشْهَدُ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ يَقُولُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا : أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنِّي لَصَادِقٌ فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ مِنَ الزِّنَى ، ثُمَّ يَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ : عَلَيَّ لَعْنَةُ اللَّهِ إِنْ كُنْتُ كَاذِبًا عَلَيْهَا فِيمَا رَمَيْتُهَا بِهِ ، وَيَرْتَفِعُ عَنْهُ الْجَلْدُ وَعَدَمُ قَبُولِ الشَّهَادَةِ وَالْفِسْقُ بِهَذِهِ الشَّهَادَاتِ ، وَتَشْهَدُ هِيَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ، تَقُولُ فِي كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا : أَشْهَدُ بِاللَّهِ إِنَّهُ لَكَاذِبٌ فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَى ، ثُمَّ تَقُولُ فِي الْخَامِسَةِ : غَضَبُ اللَّهِ
[ ص: 430 ] عَلَيَّ إِنْ كَانَ صَادِقًا فِيمَا رَمَانِي بِهِ مِنَ الزِّنَى ; كَمَا هُوَ وَاضِحٌ مِنْ نَصِّ الْآيَةِ .
الْجِهَةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّ اللَّهَ بَيَّنَ هَنَا حُكْمَ
nindex.php?page=treesubj&link=10483عُقُوبَةِ مَنْ رَمَى الْمُحْصَنَاتِ فِي الدُّنْيَا ، وَلَمْ يُبَيِّنْ مَا أُعِدَّ لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَلَكِنَّهُ بَيَّنَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ الْكَرِيمَةِ مَا أُعِدَّ لَهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=23إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=24يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=25يَوْمَئِذٍ يُوَفِّيهِمُ اللَّهُ دِينَهُمُ الْحَقَّ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ [ 24 \ 23 - 25 ] ، وَقَدْ زَادَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ كَوْنَهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ غَافِلَاتٍ لِإِيضَاحِ صِفَاتِهِنَّ الْكَرِيمَةَ .
وَوَصْفُهُ تَعَالَى لِلْمُحْصَنَاتِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِكَوْنِهِنَّ غَافِلَاتٍ ثَنَاءٌ عَلَيْهِنَّ بِأَنَّهُنَّ سَلِيمَاتُ الصُّدُورِ نَقِيَّاتُ الْقُلُوبِ لَا تَخْطُرُ الرِّيبَةُ فِي قُلُوبِهِنَّ لِحُسْنِ سَرَائِرِهِنَّ ، لَيْسَ فِيهِنَّ دَهَاءٌ وَلَا مَكْرٌ ; لِأَنَّهُنَّ لَمْ يُجَرِّبْنَ الْأَمْرَ فَلَا يَفْطُنَّ لِمَا تَفْطُنُ لَهُ الْمُجَرِّبَاتُ ذَوَاتُ الْمَكْرِ وَالدَّهَاءِ ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنْ سَلَامَةِ الصُّدُورِ وَصَفَائِهَا مِنَ الرِّيبَةِ مِنْ أَحْسَنِ الثَّنَاءِ ، وَتُطْلِقُ الْعَرَبُ عَلَى الْمُتَّصِفَاتِ بِهِ اسْمَ الْبُلْهِ مَدْحًا لَهَا لَا ذَمًّا ، وَمِنْهُ قَوْلُ
حَسَّانٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - :
نُفُجُ الْحَقِيبَةِ بُوصُهَا مُتَنَضِّدٌ بَلْهَاءُ غَيْرُ وَشِيكَةِ الْأَقْسَامِ
وَقَوْلُ الْآخَرِ :
وَلَقَدْ لَهَوْتُ بِطِفْلَةٍ مَيَّالَةٍ بِلْهَاءَ تُطْلِعُنِي عَلَى أَسْرَارِهَا
وَقَوْلُ الْآخَرِ :
عَهِدْتُ بِهَا هِنْدًا وَهِنْدٌ غَرِيرَةٌ عَنِ الْفُحْشِ بَلْهَاءُ الْعِشَاءِ نَئُومُ
رَدَاحُ الضُّحَى مَيَّالَةٌ بَخْتَرِيَّةٌ لَهَا مَنْطِقٌ يُصْبِي الْحَلِيمَ رَخِيمُ
وَالظَّاهِرُ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=23لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَأَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [ 24 \ 23 - 24 ] ، مَحَلُّهُ فِيمَا إِذَا لَمْ يَتُوبُوا وَيُصْلِحُوا ، فَإِنْ تَابُوا وَأَصْلَحُوا ، لَمْ يَنَلْهُمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ الْوَعِيدِ ، وَيَدُلُّ لَهُ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا الْآيَةَ .
وَعُمُومَاتُ نُصُوصِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19729_32478_10563مَنْ تَابَ إِلَى اللَّهِ مِنْ ذَنْبِهِ تَوْبَةً نَصُوحًا [ ص: 431 ] تَقَبَّلَهَا مِنْهُ ، وَكَفَّرَ عَنْهُ ذَنْبَهُ وَلَوْ مِنَ الْكَبَائِرِ ، وَبِهِ تَعْلَمُ أَنَّ قَوْلَ جَمَاعَةٍ مِنْ أَجِلَّاءِ الْمُفَسِّرِينَ أَنَّ آيَةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=4وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ فِيهَا التَّوْبَةَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=5إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا عَامَّةٌ ، وَأَنَّ آيَةَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=23إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ الْآيَةَ [ 24 \ 23 ] ، خَاصَّةً بِالَّذِينِ رَمَوْا
عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَوْ غَيْرَهَا مِنْ خُصُوصِ أَزْوَاجِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّ مَنْ رَمَاهُنَّ لَا تَوْبَةَ لَهُ خِلَافَ التَّحْقِيقِ ، وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى .