nindex.php?page=treesubj&link=29030_32311_30868قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم .
أجمع المفسرون أنها في
بني النضير ، إلا قولا
للحسن أنها في
بني قريظة ، ورد هذا القول بأن
بني قريظة لم يخرجوا ، ولم يجلوا ولكن قتلوا .
وقد سميت هذه السورة بسورة "
بني النضير " ، حكاه
القرطبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=11لابن عباس : سورة " الحشر " قال : قل سورة " النضير " ، وهم رهط من
اليهود من ذرية
هارون - عليه السلام - نزلوا
المدينة في فتن
بني إسرائيل انتظارا
لمحمد صلى الله عليه وسلم .
واتفق المفسرون على أن
بني النضير كانوا قد صالحوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أن لا يكونوا عليه ولا له ، فلما ظهر يوم
بدر قالوا : هو النبي الذي نعته في التوراة ، لا ترد له راية ، فلما هزم المسلمون يوم
أحد ارتابوا ونكثوا ، فخرج
كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى
مكة ، فحالفوا عليه
قريشا عند
الكعبة ، فأخبر
جبريل الرسول - صلى الله عليه وسلم بذلك - فأمر
[ ص: 13 ] بقتل
كعب ، فقتله
محمد بن مسلمة غيلة ، وكان أخاه من الرضاعة ، وكان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد اطلع منهم على خيانة حين أتاهم في دية المسلمين اللذين قتلهما
nindex.php?page=showalam&ids=243عمرو بن أمية الضمري منصرفه من
بئر معونة ، فهموا بطرح الحجر عليه - صلى الله عليه وسلم - فعصمه الله تعالى .
ولما قتل
كعب أمر - صلى الله عليه وسلم - بالمسيرة إليهم ، وطالبهم بالخروج من
المدينة ، فاستمهلوه عشرة أيام ؛ ليتجهزوا للخروج ، ولكن أرسل إليهم
عبد الله بن أبي سرا : لا تخرجوا من الحصن ، ووعدهم بنصرهم بألفي مقاتل من قومه ، ومساعدة
بني قريظة وحلفائهم من
غطفان ، أو الخروج معهم ، فدربوا أنفسهم ، وامتنعوا بالتحصينات الداخلية ،
nindex.php?page=treesubj&link=29379_30868فحاصرهم - صلى الله عليه وسلم - إحدى وعشرين ليلة .
وقيل :
nindex.php?page=treesubj&link=29379أجمعوا على الغدر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا له : اخرج في ثلاثين من أصحابك ، ويخرج إليك ثلاثون منا ؛ ليسمعوا منك ، فإن صدقوا آمنا كلنا ففعل ، فقالوا : كيف نفهم ونحن ستون ؟ اخرج في ثلاثة ، ويخرج إليك ثلاثة من علمائنا ففعلوا فاشتملوا على الخناجر ، وأرادوا الفتك فأرسلت امرأة منهم ناصحة إلى أخيها ، وكان مسلما فأخبرته بما أرادوا ، فأسرع إلى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فساره بخبرهم قبل أن يصل - صلى الله عليه وسلم - إليهم ، فلما كان من الغد غدا عليهم بالكتائب فحاصرهم إحدى وعشرين ليلة ، فقذف الله في قلوبهم الرعب ، وآيسوا من نصر المنافقين الذي وعدهم به ابن أبي ، فطلبوا الصلح فأبى عليهم - صلى الله عليه وسلم - إلا الجلاء ، على أن يحمل كل أهل ثلاثة أبيات على بعير ما شاءوا من المتاع إلا الحلقة ، فكانوا يحملون كل ما استطاعوا ولو أبواب المنازل ، يخربون بيوتهم ويحملون ما استطاعوا معهم .
وقد أوردنا مجمل هذه القصة في سبب نزول هذه السورة ؛ لأن عليها تدور معاني هذه السورة كلها ، وكما قال
الإمام أبو العباس ابن تيمية - رحمه الله - في رسالة أصول التفسير : إن معرفة السبب تعين على معرفة التفسير ، وليعلم المسلمون مدى
nindex.php?page=treesubj&link=29379_31931ما جبل عليه اليهود من غدر ، وما سلكوا من أساليب المراوغة فما أشبه الليلة بالبارحة .
والذي من منهج الشيخ - رحمه الله - في الأضواء قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم ، حيث أسند إخراجهم إلى الله تعالى مع وجود حصار المسلمين إياهم .
وقد تقدم للشيخ - رحمه الله - نظيره عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=25ورد الله الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا [ ص: 14 ] [ 33 \ 25 ] ، قال - رحمه الله تعالى - عندها : ذكر جل وعلا أنه
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33قومه الذين كفروا وكذبوا الآية ، ولم يبين السبب الذي ردهم به ، ولكنه جل وعلا بين ذلك بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9فأرسلنا عليهم ريحا وجنودا لم تروها [ 33 \ 9 ] ا هـ .
وهنا أيضا في هذه الآية أسند إخراجهم إليه تعالى مع حصار المسلمين إياهم ، وقد
nindex.php?page=treesubj&link=29379_30868بين تعالى السبب الحقيقي لإخراجهم في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب ، وهذا من أهم أسباب إخراجهم ؛ لأنهم في موقف القوة وراء الحصون ، لم يتوقع المؤمنون خروجهم ، وظنوا هم أنهم مانعتهم حصونهم من الله ، فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقد كان هذا الإخراج من الله إياهم بوعد سابق من الله لرسوله في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=137فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به فقد اهتدوا وإن تولوا فإنما هم في شقاق فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم [ 2 \ 137 ] .
وبهذا الإخراج تحقق كفاية الله لرسوله - صلى الله عليه وسلم - منهم ، فقد كفاه إياهم بإخراجهم من ديارهم ، فكان إخراجهم حقا من الله تعالى ، وبوعد مسبق من الله لرسوله صلى الله عليه وسلم .
وقد أكد هذا بقوله تعالى مخاطبا للمسلمين في خصوصهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=6فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير [ 59 \ 6 ] وتسليط الرسول - صلى الله عليه وسلم - هو بما بين صلى الله عليه وسلم في قوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009478نصرت بالرعب مسيرة شهر " وهو ما يتمشى مع قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=26وقذف في قلوبهم الرعب [ 33 \ 26 ] .
وجملة هذا السياق هنا يتفق مع السياق في سورة الأحزاب عن
بني قريظة سواء بسواء ، وذلك في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=26وأنزل الذين ظاهروهم من أهل الكتاب من صياصيهم وقذف في قلوبهم الرعب فريقا تقتلون وتأسرون فريقا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=27وأورثكم أرضهم وديارهم وأموالهم [ 33 \ 26 - 27 ] ، وعليه ظهرت حقيقة إسناد إخراجهم لله تعالى ،
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب كما أنه هو تعالى الذي رد الذين كفروا بغيظهم لم ينالوا خيرا ، بما أرسل عليهم من الرياح ، والجنود ، وهو الذي كفى المؤمنين القتال ، وهو تعالى الذي أنزل
بني قريظة من صياصيهم ، وورث المؤمنين ديارهم وأموالهم ، وكان الله على كل شيء قديرا .
ورشح لهذا كله التذييل في آخر الآية ، يطلب الاعتبار والاتعاظ بما فعل الله بهم :
[ ص: 15 ] nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2يا أولي الأبصار [ 59 \ 2 ] ، أي : بإخراج الذين كفروا من حصونهم ، وديارهم ومواطن قوتهم ، ما ظننتم أن يخرجوا ؛ لضعف اقتداركم ،
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم لقوتها ومنعتها ، ولكن أتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ، وقذف في قلوبهم الرعب ، فلم يستطيعوا البقاء ، وكانت حقيقة إخراجهم من ديارهم هي من الله تعالى .
nindex.php?page=treesubj&link=29030_32311_30868قَوْلُهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ .
أَجْمَعَ الْمُفَسِّرُونَ أَنَّهَا فِي
بَنِي النَّضِيرِ ، إِلَّا قَوْلًا
لِلْحَسَنِ أَنَّهَا فِي
بَنِي قُرَيْظَةَ ، وَرُدَّ هَذَا الْقَوْلُ بِأَنَّ
بَنِي قُرَيْظَةَ لَمْ يَخْرُجُوا ، وَلَمْ يُجْلَوْا وَلَكِنْ قُتِلُوا .
وَقَدْ سُمِّيَتْ هَذِهِ السُّورَةُ بِسُورَةِ "
بَنِي النَّضِيرِ " ، حَكَاهُ
الْقُرْطُبِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ : قُلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=11لِابْنِ عَبَّاسٍ : سُورَةُ " الْحَشْرِ " قَالَ : قُلْ سُورَةُ " النَّضِيرِ " ، وَهُمْ رَهْطٌ مِنَ
الْيَهُودِ مِنْ ذُرِّيَّةِ
هَارُونَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَزَلُوا
الْمَدِينَةَ فِي فِتَنِ
بَنِي إِسْرَائِيلَ انْتِظَارًا
لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَاتَّفَقَ الْمُفَسِّرُونَ عَلَى أَنَّ
بَنِي النَّضِيرِ كَانُوا قَدْ صَالَحُوا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى أَنْ لَا يَكُونُوا عَلَيْهِ وَلَا لَهُ ، فَلَمَّا ظَهَرَ يَوْمَ
بَدْرٍ قَالُوا : هُوَ النَّبِيُّ الَّذِي نَعْتُهُ فِي التَّوْرَاةِ ، لَا تُرَدُّ لَهُ رَايَةٌ ، فَلَمَّا هُزِمَ الْمُسْلِمُونَ يَوْمَ
أُحُدٍ ارْتَابُوا وَنَكَثُوا ، فَخَرَجَ
كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ فِي أَرْبَعِينَ رَاكِبًا إِلَى
مَكَّةَ ، فَحَالَفُوا عَلَيْهِ
قُرَيْشًا عِنْدَ
الْكَعْبَةِ ، فَأَخْبَرَ
جِبْرِيلُ الرَّسُولَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ - فَأَمَرَ
[ ص: 13 ] بِقَتْلِ
كَعْبٍ ، فَقَتَلَهُ
مُحَمَّدُ بْنُ مَسْلَمَةَ غِيلَةً ، وَكَانَ أَخَاهُ مِنَ الرَّضَاعَةِ ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَدِ اطَّلَعَ مِنْهُمْ عَلَى خِيَانَةٍ حِينَ أَتَاهُمْ فِي دِيَةِ الْمُسْلِمَيْنِ اللَّذَيْنِ قَتَلَهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=243عَمْرُو بْنُ أُمَيَّةَ الضَّمْرِيُّ مُنْصَرَفَهُ مِنْ
بِئْرِ مَعُونَةَ ، فَهَمُّوا بِطَرْحِ الْحَجَرِ عَلَيْهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَعَصَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى .
وَلَمَّا قُتِلَ
كَعْبٌ أَمَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالْمَسِيرَةِ إِلَيْهِمْ ، وَطَالَبَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنَ
الْمَدِينَةِ ، فَاسْتَمْهَلُوهُ عَشَرَةَ أَيَّامٍ ؛ لِيَتَجَهَّزُوا لِلْخُرُوجِ ، وَلَكِنْ أَرْسَلَ إِلَيْهِمْ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أُبَيٍّ سِرًّا : لَا تَخْرُجُوا مِنَ الْحِصْنِ ، وَوَعَدَهُمْ بِنَصْرِهِمْ بِأَلْفَيْ مُقَاتِلٍ مِنْ قَوْمِهِ ، وَمُسَاعَدَةِ
بَنِي قُرَيْظَةَ وَحُلَفَائِهِمْ مِنْ
غَطَفَانَ ، أَوِ الْخُرُوجِ مَعَهُمْ ، فَدَرَّبُوا أَنْفُسَهُمْ ، وَامْتَنَعُوا بِالتَّحْصِينَاتِ الدَّاخِلِيَّةِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29379_30868فَحَاصَرَهُمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةً .
وَقِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=29379أَجْمَعُوا عَلَى الْغَدْرِ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالُوا لَهُ : اخْرُجْ فِي ثَلَاثِينَ مِنْ أَصْحَابِكِ ، وَيَخْرُجُ إِلَيْكَ ثَلَاثُونَ مِنَّا ؛ لِيَسْمَعُوا مِنْكَ ، فَإِنْ صَدَّقُوا آمَنَّا كُلُّنَا فَفَعَلَ ، فَقَالُوا : كَيْفَ نَفْهَمُ وَنَحْنُ سِتُّونَ ؟ اخْرُجْ فِي ثَلَاثَةٍ ، وَيَخْرُجُ إِلَيْكَ ثَلَاثَةٌ مِنْ عُلَمَائِنَا فَفَعَلُوا فَاشْتَمَلُوا عَلَى الْخَنَاجِرِ ، وَأَرَادُوا الْفَتْكَ فَأَرْسَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُمْ نَاصِحَةٌ إِلَى أَخِيهَا ، وَكَانَ مُسْلِمًا فَأَخْبَرَتْهُ بِمَا أَرَادُوا ، فَأَسْرَعَ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَسَارَّهُ بِخَبَرِهِمْ قَبْلَ أَنْ يَصِلَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهِمْ ، فَلَمَّا كَانَ مِنَ الْغَدِ غَدَا عَلَيْهِمْ بِالْكَتَائِبِ فَحَاصَرَهُمْ إِحْدَى وَعِشْرِينَ لَيْلَةً ، فَقَذَفَ اللَّهُ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ، وَآيَسُوا مِنْ نَصْرِ الْمُنَافِقِينَ الَّذِي وَعَدَهُمْ بِهِ ابْنُ أُبَيٍّ ، فَطَلَبُوا الصُّلْحَ فَأَبَى عَلَيْهِمْ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَّا الْجَلَاءَ ، عَلَى أَنْ يَحْمِلَ كُلُّ أَهْلِ ثَلَاثَةِ أَبْيَاتٍ عَلَى بَعِيرٍ مَا شَاءُوا مِنَ الْمَتَاعِ إِلَّا الْحَلْقَةَ ، فَكَانُوا يَحْمِلُونَ كُلَّ مَا اسْتَطَاعُوا وَلَوْ أَبْوَابَ الْمَنَازِلِ ، يُخَرِّبُونَ بُيُوتَهُمْ وَيَحْمِلُونَ مَا اسْتَطَاعُوا مَعَهُمْ .
وَقَدْ أَوْرَدْنَا مُجْمَلَ هَذِهِ الْقِصَّةِ فِي سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ السُّورَةِ ؛ لِأَنَّ عَلَيْهَا تَدُورُ مَعَانِي هَذِهِ السُّورَةِ كُلُّهَا ، وَكَمَا قَالَ
الْإِمَامُ أَبُو الْعَبَّاسِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي رِسَالَةِ أُصُولِ التَّفْسِيرِ : إِنَّ مَعْرِفَةَ السَّبَبِ تُعِينُ عَلَى مَعْرِفَةِ التَّفْسِيرِ ، وَلِيَعْلَمَ الْمُسْلِمُونَ مَدَى
nindex.php?page=treesubj&link=29379_31931مَا جُبِلَ عَلَيْهِ الْيَهُودُ مِنْ غَدْرٍ ، وَمَا سَلَكُوا مِنْ أَسَالِيبِ الْمُرَاوَغَةِ فَمَا أَشْبَهَ اللَّيْلَةَ بِالْبَارِحَةِ .
وَالَّذِي مِنْ مَنْهَجِ الشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي الْأَضْوَاءِ قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ دِيَارِهِمْ ، حَيْثُ أَسْنَدَ إِخْرَاجَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَعَ وُجُودِ حِصَارِ الْمُسْلِمِينَ إِيَّاهُمْ .
وَقَدْ تَقَدَّمَ لِلشَّيْخِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - نَظِيرُهُ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=25وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا [ ص: 14 ] [ 33 \ 25 ] ، قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - عِنْدَهَا : ذَكَرَ جَلَّ وَعَلَا أَنَّهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=33قَوْمِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا الْآيَةَ ، وَلَمْ يُبَيِّنِ السَّبَبَ الَّذِي رَدَّهُمْ بِهِ ، وَلَكِنَّهُ جَلَّ وَعَلَا بَيَّنَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=9فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا [ 33 \ 9 ] ا هـ .
وَهُنَا أَيْضًا فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَسْنَدَ إِخْرَاجَهُمْ إِلَيْهِ تَعَالَى مَعَ حِصَارِ الْمُسْلِمِينَ إِيَّاهُمْ ، وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=29379_30868بَيَّنَ تَعَالَى السَّبَبَ الْحَقِيقِيَّ لِإِخْرَاجِهِمْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ، وَهَذَا مِنْ أَهَمِّ أَسْبَابِ إِخْرَاجِهِمْ ؛ لِأَنَّهُمْ فِي مَوْقِفِ الْقُوَّةِ وَرَاءَ الْحُصُونِ ، لَمْ يَتَوَقَّعِ الْمُؤْمِنُونَ خُرُوجَهُمْ ، وَظَنُّوا هُمْ أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللَّهِ ، فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَدْ كَانَ هَذَا الْإِخْرَاجُ مِنَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِوَعْدٍ سَابِقٍ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=137فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ [ 2 \ 137 ] .
وَبِهَذَا الْإِخْرَاجِ تَحَقَّقَ كِفَايَةُ اللَّهِ لِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْهُمْ ، فَقَدْ كَفَاهُ إِيَّاهُمْ بِإِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ ، فَكَانَ إِخْرَاجُهُمْ حَقًّا مِنَ اللَّهِ تَعَالَى ، وَبِوَعْدٍ مُسْبَقٍ مِنَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
وَقَدْ أَكَّدَ هَذَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى مُخَاطِبًا لِلْمُسْلِمِينَ فِي خُصُوصِهِمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=6فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ وَلَكِنَّ اللَّهَ يُسَلِّطُ رُسُلَهُ عَلَى مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [ 59 \ 6 ] وَتَسْلِيطُ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ بِمَا بَيَّنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=1009478نُصِرْتُ بِالرُّعْبِ مَسِيرَةَ شَهْرٍ " وَهُوَ مَا يَتَمَشَّى مَعَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=26وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ [ 33 \ 26 ] .
وَجُمْلَةُ هَذَا السِّيَاقِ هُنَا يَتَّفِقُ مَعَ السِّيَاقِ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ عَنْ
بَنِي قُرَيْظَةَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ ، وَذَلِكَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=26وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=27وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ [ 33 \ 26 - 27 ] ، وَعَلَيْهِ ظَهَرَتْ حَقِيقَةُ إِسْنَادِ إِخْرَاجِهِمْ لِلَّهِ تَعَالَى ،
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ كَمَا أَنَّهُ هُوَ تَعَالَى الَّذِي رَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا ، بِمَا أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ الرِّيَاحِ ، وَالْجُنُودِ ، وَهُوَ الَّذِي كَفَى الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ ، وَهُوَ تَعَالَى الَّذِي أَنْزَلَ
بَنِي قُرَيْظَةَ مِنْ صَيَاصِيهِمْ ، وَوَرَّثَ الْمُؤْمِنِينَ دِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ ، وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا .
وَرَشَّحَ لِهَذَا كُلِّهِ التَّذْيِيلُ فِي آخِرِ الْآيَةِ ، يَطْلُبُ الِاعْتِبَارَ وَالِاتِّعَاظَ بِمَا فَعَلَ اللَّهُ بِهِمْ :
[ ص: 15 ] nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [ 59 \ 2 ] ، أَيْ : بِإِخْرَاجِ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ حُصُونِهِمْ ، وَدِيَارِهِمْ وَمَوَاطِنِ قُوَّتِهِمْ ، مَا ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا ؛ لِضَعْفِ اقْتِدَارِكُمْ ،
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2وَظَنُّوا أَنَّهُمْ مَانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ لِقُوَّتِهَا وَمَنَعَتِهَا ، وَلَكِنْ أَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا ، وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ ، فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا الْبَقَاءَ ، وَكَانَتْ حَقِيقَةُ إِخْرَاجِهِمْ مِنْ دِيَارِهِمْ هِيَ مِنَ اللَّهِ تَعَالَى .