nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78nindex.php?page=treesubj&link=28975أينما تكونوا يدرككم الموت ولو كنتم في بروج مشيدة أي : إن الموت حتم لا مفر منه ولا مهرب ، فهو لا بد أن يدرككم في أي مكان كنتم ولو تحصنتم منه في البروج المشيدة ، وهي القصور العالية التي يسكنها الملوك والأمراء فيعز الارتقاء إليها بدون إذنهم ، أو الحصون المنيعة التي تعتصم فيها حامية الجند ، شيد البناء يشيده علاه وأحكم بناءه ، وأصله أن يبنيه بالشيد وهو - بالكسر - كل ما يطلى به الحائط كالجص والبلاط ، يقال : شاد البناء إذا جصصه ، قال في اللسان : وكل ما أحكم من البناء فقد شيد ، وتشييد البناء إحكامه ورفعه ، أي : لأن في التفعيل معنى من المبالغة والكثرة في الشيء ، وأجاز
الراغب أن يكون المراد بالبروج بروج النجم ويكون استعمال لفظ المشيدة فيها على سبيل الاستعارة وتكون الإشارة بالمعنى إلى نحو ما قال
زهير :
ومن هاب أسباب المنايا ينلنه ولو نال أسباب السماء بسلم
وإذا كان الموت لا مفر عنه ولا عاصم ، وكان المرء يخوض معامع القتال فيصاب ولا يموت ، ويخاطر بنفسه فيها أحيانا فلا يصاب بجرح ولا يقتل ، وقد يموت المعتصم في البروج والحصون اغتضارا ، وإذا كان
nindex.php?page=treesubj&link=7862_33429الإقدام على القتال هو أقوى أسباب النجاة من القتل لأن الجبناء يغرون أعداءهم بأنفسهم لعدم دفاعهم عنها ، وإذا كان الاستعداد للقتال والإقدام فيه لأجل الدفاع عن الحق وحماية الحقيقة ومنع الباطل أن يسود والشر أن يفشو - موجبا لمرضاة الله ولسعادة الآخرة ، فما هو عذركم أيها القاعدون المبطئون ؟
وطعم الموت في أمر حقير كطعم الموت في أمر عظيم
[ ص: 217 ] فلماذا تختارون لأنفسكم الحقير على العظيم ، وهذا ليس من شأن العقلاء والمؤمنين ؟
كان من مرض قلوب هؤلاء أن كرهوا القتال وجبنوا عنه وخافوا الناس وتمنوا بذلك طول البقاء ، فكان هذا صدعا في دينهم وعقولهم قامت به عليهم الحجة ، ثم ذكرنا شأنا آخر من شئونهم يشبهه في الدلالة على مرض القلب والعقل فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78nindex.php?page=treesubj&link=28975أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ أَيْ : إِنَّ الْمَوْتَ حَتْمٌ لَا مَفَرَّ مِنْهُ وَلَا مَهْرَبَ ، فَهُوَ لَا بُدَّ أَنْ يُدْرِكَكُمْ فِي أَيِّ مَكَانٍ كُنْتُمْ وَلَوْ تَحَصَّنْتُمْ مِنْهُ فِي الْبُرُوجِ الْمُشَيَّدَةِ ، وَهِيَ الْقُصُورُ الْعَالِيَةُ الَّتِي يَسْكُنُهَا الْمُلُوكُ وَالْأُمَرَاءُ فَيَعُزُّ الِارْتِقَاءُ إِلَيْهَا بِدُونِ إِذْنِهِمْ ، أَوِ الْحُصُونُ الْمَنِيعَةُ الَّتِي تَعْتَصِمُ فِيهَا حَامِيَةُ الْجُنْدِ ، شَيَّدَ الْبِنَاءَ يُشَيِّدُهُ عَلَّاهُ وَأَحْكَمَ بِنَاءَهُ ، وَأَصْلُهُ أَنْ يَبْنِيَهُ بِالشِّيدِ وَهُوَ - بِالْكَسْرِ - كُلُّ مَا يُطْلَى بِهِ الْحَائِطُ كَالْجِصِّ وَالْبَلَاطِ ، يُقَالُ : شَادَّ الْبِنَاءَ إِذَا جَصَّصَهُ ، قَالَ فِي اللِّسَانِ : وَكُلُّ مَا أُحْكِمَ مِنَ الْبِنَاءِ فَقَدْ شُيِّدَ ، وَتَشْيِيدُ الْبِنَاءِ إِحْكَامُهُ وَرَفْعُهُ ، أَيْ : لِأَنَّ فِي التَّفْعِيلِ مَعْنًى مِنَ الْمُبَالَغَةِ وَالْكَثْرَةِ فِي الشَّيْءِ ، وَأَجَازَ
الرَّاغِبُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِالْبُرُوجِ بُرُوجَ النَّجْمِ وَيَكُونَ اسْتِعْمَالُ لَفْظِ الْمُشَيَّدَةِ فِيهَا عَلَى سَبِيلِ الِاسْتِعَارَةِ وَتَكُونَ الْإِشَارَةُ بِالْمَعْنَى إِلَى نَحْوِ مَا قَالَ
زُهَيْرٌ :
وَمَنْ هَابَ أَسْبَابَ الْمَنَايَا يَنَلْنَهُ وَلَوْ نَالَ أَسْبَابَ السَّمَاءِ بِسُلَّمِ
وَإِذَا كَانَ الْمَوْتُ لَا مَفَرَّ عَنْهُ وَلَا عَاصِمَ ، وَكَانَ الْمَرْءُ يَخُوضُ مَعَامِعَ الْقِتَالِ فَيُصَابُ وَلَا يَمُوتُ ، وَيُخَاطِرُ بِنَفْسِهِ فِيهَا أَحْيَانًا فَلَا يُصَابُ بِجُرْحٍ وَلَا يُقْتَلُ ، وَقَدْ يَمُوتُ الْمُعْتَصِمُ فِي الْبُرُوجِ وَالْحُصُونِ اغْتِضَارًا ، وَإِذَا كَانَ
nindex.php?page=treesubj&link=7862_33429الْإِقْدَامُ عَلَى الْقِتَالِ هُوَ أَقْوَى أَسْبَابِ النَّجَاةِ مِنَ الْقَتْلِ لِأَنَّ الْجُبَنَاءَ يُغْرُونَ أَعْدَاءَهُمْ بِأَنْفُسِهِمْ لِعَدَمِ دِفَاعِهِمْ عَنْهَا ، وَإِذَا كَانَ الِاسْتِعْدَادُ لِلْقِتَالِ وَالْإِقْدَامُ فِيهِ لِأَجْلِ الدِّفَاعِ عَنِ الْحَقِّ وَحِمَايَةِ الْحَقِيقَةِ وَمَنْعِ الْبَاطِلِ أَنْ يَسُودَ وَالشَّرِّ أَنْ يَفْشُوَ - مُوجِبًا لِمَرْضَاةِ اللَّهِ وَلِسَعَادَةِ الْآخِرَةِ ، فَمَا هُوَ عُذْرُكُمْ أَيُّهَا الْقَاعِدُونَ الْمُبْطِئُونَ ؟
وَطَعْمُ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ حَقِيرٍ كَطَعْمِ الْمَوْتِ فِي أَمْرٍ عَظِيمِ
[ ص: 217 ] فَلِمَاذَا تَخْتَارُونَ لِأَنْفُسِكُمُ الْحَقِيرَ عَلَى الْعَظِيمِ ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْ شَأْنِ الْعُقَلَاءِ وَالْمُؤْمِنِينَ ؟
كَانَ مِنْ مَرَضِ قُلُوبِ هَؤُلَاءِ أَنْ كَرِهُوا الْقِتَالَ وَجَبُنُوا عَنْهُ وَخَافُوا النَّاسَ وَتَمَنَّوْا بِذَلِكَ طُولَ الْبَقَاءِ ، فَكَانَ هَذَا صَدْعًا فِي دِينِهِمْ وَعُقُولِهِمْ قَامَتْ بِهِ عَلَيْهِمُ الْحُجَّةُ ، ثُمَّ ذَكَرْنَا شَأْنًا آخَرَ مِنْ شُئُونِهِمْ يُشْبِهُهُ فِي الدَّلَالَةِ عَلَى مَرَضِ الْقَلْبِ وَالْعَقْلِ فَقَالَ :