[ ص: 234 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=13nindex.php?page=treesubj&link=28976_32416يحرفون الكلم عن مواضعه ) التحريف : إمالة الشيء عن موضعه إلى أي جانب من جوانب ذلك الموضع ، مأخوذ من الحرف ، وهو الطرف والجانب ، و الكلم جمع كلمة ، وتطلق على اللفظ المفرد ، وهو ما اقتصر عليه النحاة ، وعلى الجملة المركبة ذات المعنى التام المفيد ; كقولك : كلمة التوحيد ، وتحريف الكلم عن مواضعه يصدق بتحريف الألفاظ بالتقديم والتأخير والحذف والزيادة والنقصان ، وبتحريف المعاني بحمل الألفاظ على غير ما وضعت له ، وقد اختار كثير من علمائنا الأعلام هذا المعنى في تفسير الآية ، وعللوه بأن التصرف في ألفاظ كتاب متواتر متعسر أو متعذر ، وسبب هذا الاختيار والتعليل عدم وقوف أولئك العلماء على تاريخ
أهل الكتاب ، وعدم اطلاعهم على كتبهم ، وقياس تواترها على القرآن . والتحقيق الذي عليه العلماء الذين عرفوا تاريخ القوم واطلعوا على كتبهم التي يسمونها التوراة وغيرها ( وكذا كتب
النصارى ) هو أن التحريف اللفظي والمعنوي كلاهما واقع في تلك الكتب ، ما له من دافع ، وأنها كتب غير متواترة ، فالتوراة التي كتبها
موسى عليه السلام ، وأخذ العهد والميثاق على
بني إسرائيل بحفظها - كما هو مسطور في الفصل الحادي والثلاثين من سفر تثنية الاشتراع - قد فقدت قطعا ، باتفاق مؤرخي
اليهود والنصارى ، ولم يكن عندهم نسخة سواها ، ولم يكن أحد يحفظها عن ظهر قلب ، كما حفظ المسلمون القرآن كله في عهد النبي صلى الله عليه وسلم . وهذه الأسفار الخمسة التي ينسبونها إلى
موسى فيها خبر كتابته التوراة ، وأخذه العهد عليهم بحفظها ، وهذا ليس منها قطعا ، وفيها خبر موته وكونه لم يقم بعده أحد مثله إلى ذلك الوقت ; أي الذي كتب فيه ما ذكر من سفر التثنية ، وهذا نص قاطع في كون الكاتب كان بعد
موسى بزمن يظهر أنه طويل ، وكون ما ذكر ليس من التوراة في شيء ، ومن المشهور عندهم أنها فقدت عند سبي
البابليين لهم . وفي هذه الأسفار ما لا يحصى من الكلم البابلي الدال على أنها كتبت بعد السبي . فأين التواتر الذي يشترط فيه نقل الجم الغفير الذين يؤمن تواطؤهم على التبديل والتغيير في كل طبقة من الطبقات ، بحيث لا ينقطع الإسناد في طبقة ما ؟ والمرجع عند محققي المؤرخين من الإفرنج أن هذه
nindex.php?page=treesubj&link=28740_29434التوراة الموجودة كتبت بعد موسى ببضعة قرون ، والمشهور أن أول من كتب الأسفار المقدسة بعد السبي
عزرا الكاهن في زمن الملك
أرتحششتا الذي أذن له بذلك ; إذ أذن
لبني إسرائيل بالعودة إلى بلادهم ، وقد أوضحنا هذه المسألة في تفسير سورة آل عمران وسورة النساء ، وسنزيدها بيانا .
[ ص: 234 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=13nindex.php?page=treesubj&link=28976_32416يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ) التَّحْرِيفُ : إِمَالَةُ الشَّيْءِ عَنْ مَوْضِعِهِ إِلَى أَيِّ جَانِبٍ مِنْ جَوَانِبَ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ ، مَأْخُوذٌ مِنَ الْحَرْفِ ، وَهُوَ الطَّرَفُ وَالْجَانِبُ ، وَ الْكَلِمُ جَمْعُ كَلِمَةٍ ، وَتُطْلَقُ عَلَى اللَّفْظِ الْمُفْرَدِ ، وَهُوَ مَا اقْتَصَرَ عَلَيْهِ النُّحَاةُ ، وَعَلَى الْجُمْلَةِ الْمُرَكَّبَةِ ذَاتِ الْمَعْنَى التَّامِّ الْمُفِيدِ ; كَقَوْلِكَ : كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ ، وَتَحْرِيفُ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ يَصْدُقُ بِتَحْرِيفِ الْأَلْفَاظِ بِالتَّقْدِيمِ وَالتَّأْخِيرِ وَالْحَذْفِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ، وَبِتَحْرِيفِ الْمَعَانِي بِحَمْلِ الْأَلْفَاظِ عَلَى غَيْرِ مَا وُضِعَتْ لَهُ ، وَقَدِ اخْتَارَ كَثِيرٌ مِنْ عُلَمَائِنَا الْأَعْلَامِ هَذَا الْمَعْنَى فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ ، وَعَلَّلُوهُ بِأَنَّ التَّصَرُّفَ فِي أَلْفَاظِ كِتَابٍ مُتَوَاتِرٍ مُتَعَسِّرٌ أَوْ مُتَعَذِّرٌ ، وَسَبَبُ هَذَا الِاخْتِيَارِ وَالتَّعْلِيلِ عَدَمُ وُقُوفِ أُولَئِكَ الْعُلَمَاءِ عَلَى تَارِيخِ
أَهْلِ الْكِتَابِ ، وَعَدَمُ اطِّلَاعِهِمْ عَلَى كُتُبِهِمْ ، وَقِيَاسُ تَوَاتُرِهَا عَلَى الْقُرْآنِ . وَالتَّحْقِيقُ الَّذِي عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ الَّذِينَ عَرَفُوا تَارِيخَ الْقَوْمِ وَاطَّلَعُوا عَلَى كُتُبِهِمُ الَّتِي يُسَمُّونَهَا التَّوْرَاةَ وَغَيْرِهَا ( وَكَذَا كُتُبُ
النَّصَارَى ) هُوَ أَنَّ التَّحْرِيفَ اللَّفْظِيَّ وَالْمَعْنَوِيَّ كِلَاهُمَا وَاقِعٌ فِي تِلْكَ الْكُتُبِ ، مَا لَهُ مِنْ دَافِعٍ ، وَأَنَّهَا كُتُبٌ غَيْرُ مُتَوَاتِرَةٍ ، فَالتَّوْرَاةُ الَّتِي كَتَبَهَا
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ ، وَأَخَذَ الْعَهْدَ وَالْمِيثَاقَ عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ بِحِفْظِهَا - كَمَا هُوَ مَسْطُورٌ فِي الْفَصْلِ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ سِفْرِ تَثْنِيَةِ الِاشْتِرَاعِ - قَدْ فُقِدَتْ قَطْعًا ، بِاتِّفَاقِ مُؤَرِّخِي
الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُمْ نُسْخَةٌ سِوَاهَا ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَحْفَظُهَا عَنْ ظَهْرِ قَلْبٍ ، كَمَا حَفِظَ الْمُسْلِمُونَ الْقُرْآنَ كُلَّهُ فِي عَهْدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَهَذِهِ الْأَسْفَارُ الْخَمْسَةُ الَّتِي يَنْسُبُونَهَا إِلَى
مُوسَى فِيهَا خَبَرُ كِتَابَتِهِ التَّوْرَاةَ ، وَأَخْذِهِ الْعَهْدَ عَلَيْهِمْ بِحِفْظِهَا ، وَهَذَا لَيْسَ مِنْهَا قَطْعًا ، وَفِيهَا خَبَرُ مَوْتِهِ وَكَوْنِهِ لَمْ يَقُمْ بَعْدَهُ أَحَدٌ مِثْلُهُ إِلَى ذَلِكَ الْوَقْتِ ; أَيِ الَّذِي كُتِبَ فِيهِ مَا ذُكِرَ مِنْ سِفْرِ التَّثْنِيَةِ ، وَهَذَا نَصٌّ قَاطِعٌ فِي كَوْنِ الْكَاتِبِ كَانَ بَعْدَ
مُوسَى بِزَمَنٍ يَظْهَرُ أَنَّهُ طَوِيلٌ ، وَكَوْنِ مَا ذُكِرَ لَيْسَ مِنَ التَّوْرَاةِ فِي شَيْءٍ ، وَمِنَ الْمَشْهُورِ عِنْدَهُمْ أَنَّهَا فُقِدَتْ عِنْدَ سَبْيِ
الْبَابِلِيِّينَ لَهُمْ . وَفِي هَذِهِ الْأَسْفَارِ مَا لَا يُحْصَى مِنَ الْكَلِمِ الْبَابِلِيِّ الدَّالِّ عَلَى أَنَّهَا كُتِبَتْ بَعْدَ السَّبْيِ . فَأَيْنَ التَّوَاتُرُ الَّذِي يُشْتَرَطُ فِيهِ نَقْلُ الْجَمِّ الْغَفِيرِ الَّذِينَ يُؤْمَنُ تَوَاطُؤُهُمْ عَلَى التَّبْدِيلِ وَالتَّغْيِيرِ فِي كُلِّ طَبَقَةٍ مِنَ الطَّبَقَاتِ ، بِحَيْثُ لَا يَنْقَطِعُ الْإِسْنَادُ فِي طَبَقَةٍ مَا ؟ وَالْمَرْجِعُ عِنْدَ مُحَقِّقِي الْمُؤَرِّخِينَ مِنَ الْإِفْرِنْجِ أَنَّ هَذِهِ
nindex.php?page=treesubj&link=28740_29434التَّوْرَاةَ الْمَوْجُودَةَ كُتِبَتْ بَعْدَ مُوسَى بِبِضْعَةِ قُرُونٍ ، وَالْمَشْهُورُ أَنَّ أَوَّلَ مَنْ كَتَبَ الْأَسْفَارَ الْمُقَدَّسَةَ بَعْدَ السَّبْيِ
عِزْرَا الْكَاهِنُ فِي زَمَنِ الْمَلِكِ
أَرْتَحْشِشْتَا الَّذِي أَذِنَ لَهُ بِذَلِكَ ; إِذْ أَذِنَ
لِبَنِي إِسْرَائِيلَ بِالْعَوْدَةِ إِلَى بِلَادِهِمْ ، وَقَدْ أَوْضَحْنَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ وَسُورَةِ النِّسَاءِ ، وَسَنَزِيدُهَا بَيَانًا .