بسم الله الرحمن الرحيم .
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا إنه هو السميع البصير nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل ألا تتخذوا من دوني وكيلا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذرية من حملنا مع نوح إنه كان عبدا شكورا .
قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28988_34026سبحان الذي أسرى بعبده ليلا هو مصدر سبح ، يقال سبح يسبح تسبيحا وسبحانا ، مثل كفر اليمين تكفيرا وكفرانا ، ومعناه التنزيه والبراءة لله من كل نقص .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه : العامل فيه فعل لا من لفظه ، والتقدير أنزه الله تنزيها ، فوقع سبحانه مكان تنزيها ، فهو على هذا مثل قعد القرفصاء واشتمل الصماء ، وقيل : هو علم للتسبيح كعثمان للرجل ، وانتصابه بفعل مضمر متروك إظهاره تقديره أسبح الله سبحان ، ثم نزل منزلة الفعل وسد مسده وقد قدمنا في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا طرفا من الكلام المتعلق بسبحان .
والإسراء قيل : هو سير الليل ، يقال سرى وأسرى : كسقى وأسقى لغتان ، وقد جمع بينهما الشاعر في قوله : .
حي النضير وربة الخدر أسرت إلي ولم تكن تسري
.
وقيل : هو سير أول الليل خاصة ، وإذا كان الإسراء لا يكون إلا في الليل فلا بد للتصريح بذكر الليل بعده من فائدة ، فقيل أراد بقوله ( ليلا ) تقليل مدة الإسراء وأنه أسرى به في بعض الليل من
مكة إلى
الشام مسافة أربعين ليلة .
ووجه دلالة ( ليلا ) على تقليل المدة ما فيه من التنكير الدال على البعضية ، بخلاف ما إذا قلت سريت الليل فإنه يفيد استيعاب السير له جميعا .
وقد استدل صاحب الكشاف على إفادة ( ليلا ) للبعضية بقراءة
عبد الله ،
وحذيفة ( من الليل ) .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج : معنى أسرى بعبده ليلا سير عبده ، يعني
محمدا ليلا وعلى هذا فيكون معنى أسرى معنى سير فيكون للتقييد بالليل فائدة ، وقال ( بعبده ) ولم يقل بنبيه أو رسوله أو
بمحمد تشريفا له - صلى الله عليه وسلم - قال أهل العلم : لو كان غير هذا الاسم أشرف منه لسماه الله سبحانه به في هذا المقام العظيم والحالة العلية :
لا تدعني إلا بيا عبدها فإنه أشرف أسمائي
ادعاء بأسماء نبزا في قبائلها كأن أسماء أضحت بعض أسمائي
.
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1من المسجد الحرام قال
الحسن ،
وقتادة : يعني المسجد نفسه وهو ظاهر القرآن .
وقال عامة المفسرين : أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - من دار
أم هانئ ، فحملوا المسجد الحرام على
مكة أو الحرام لإحاطة كل واحد منهما بالمسجد الحرام ، أو لأن الحرم كله مسجد .
ثم ذكر سبحانه الغاية التي أسرى برسوله - صلى الله عليه وسلم - إليها فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1إلى المسجد الأقصى وهو
بيت المقدس ، وسمي الأقصى لبعد المسافة بينه وبين المسجد الحرام ولم يكن حينئذ وراءه مسجد ، ثم وصف المسجد الأقصى بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1الذي باركنا حوله بالثمار والأنهار والأنبياء والصالحين ، فقد بارك الله سبحانه حول
[ ص: 810 ] المسجد الأقصى ببركات الدنيا والآخرة ، وفي ( باركنا ) بعد قوله ( أسرى ) التفات من الغيبة إلى التكلم .
ثم ذكر العلة التي أسرى به لأجلها فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1لنريه من آياتنا أي ما أراه الله سبحانه في تلك الليلة من العجائب التي من جملتها قطع هذه المسافة الطويلة في جزء من الليل إنه سبحانه هو السميع بكل مسموع ، ومن جملة ذلك قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : البصير بكل مبصر ، ومن جملة ذلك ذات رسوله وأفعاله .
وقد اختلف أهل العلم
nindex.php?page=treesubj&link=34026هل كان الإسراء بجسده - صلى الله عليه وسلم - مع روحه أو بروحه فقط ؟ فذهب معظم السلف والخلف إلى الأول .
وذهب إلى الثاني طائفة من أهل العلم منهم
عائشة ومعاوية ،
والحسن ،
وابن إسحاق وحكاه
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=21حذيفة بن اليمان .
وذهبت طائفة إلى التفصيل فقالوا : كان الإسراء بجسده يقظة إلى بيت المقدس وإلى السماء بالروح ، واستدلوا على هذا التفصيل بقوله إلى المسجد الأقصى ، فجعله غاية للإسراء بذاته - صلى الله عليه وسلم - فلو كان الإسراء من بيت المقدس إلى السماء وقع بذاته لذكره ، والذي دلت عليه الأحاديث الصحيحة الكثيرة هو ما ذهب إليه معظم السلف والخلف من أن الإسراء بجسده وروحه يقظة إلى بيت المقدس ، ثم إلى السماوات ، ولا حاجة إلى التأويل وصرف هذا النظم القرآني وما يماثله من ألفاظ الأحاديث إلى ما يخالف الحقيقة ، ولا مقتضى لذلك إلا مجرد الاستبعاد وتحكيم محض العقول القاصرة عن فهم ما هو معلوم من أنه لا يستحيل عليه سبحانه شيء ، ولو كان ذلك مجرد رؤيا كما يقوله من زعم أن الإسراء كان بالروح فقط ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=24397رؤيا الأنبياء حق لم يقع التكذيب من الكفرة للنبي - صلى الله عليه وسلم - عند إخباره لهم بذلك حتى ارتد من ارتد ممن لم يشرح بالإيمان صدرا ، فإن الإنسان قد يرى في نومه ما هو مستبعد ، بل ما هو محال ولا ينكر ذلك أحد ، وأما التمسك لمن قال بأن هذا الإسراء إنما كان بالروح على سبيل الرؤيا بقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=60وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس فعلى تسليم أن المراد بهذه الرؤيا هو هذا الإسراء ، فالتصريح الواقع هنا بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سبحان الذي أسرى بعبده ليلا والتصريح في الأحاديث الصحيحة الكثيرة بأنه أسري به لا تقصر عن الاستدلال بها على تأويل هذه الرؤيا الواقعة في الآية برؤية العين ، فإنه قد يقال لرؤية العين رؤيا ، وكيف يصح حمل هذا الإسراء على الرؤيا مع تصريحه - صلى الله عليه وسلم - بأنه كان عند أن أسري به بين النائم واليقظان .
وقد اختلف أيضا في
nindex.php?page=treesubj&link=29291تاريخ الإسراء ، فروي أن ذلك كان قبل الهجرة إلى
المدينة بسنة ، وروي أن الإسراء كان قبل الهجرة بأعوام .
ووجه ذلك أن
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة صلت مع النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد ماتت قبل الهجرة بخمس سنين ، وقيل : بثلاث ، وقيل : بأربع ، ولم تفرض الصلاة إلا ليلة الإسراء .
وقد استدل بهذا
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر على ذلك ، وقد اختلفت الرواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري .
وممن قال بأن الإسراء كان قبل الهجرة بسنة
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري في رواية عنه ، وكذلك
الحربي فإنه قال : أسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة سبع وعشرين من ربيع الأول قبل الهجرة بسنة .
وقال
ابن القاسم في تاريخه : كان الإسراء بعد مبعثه بثمانية عشر شهرا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : لا أعلم أحدا من أهل السير قال بمثل هذا .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري أنه أسري به قبل مبعثه بسبعة أعوام ، وروي عنه أنه قال : كان قبل مبعثه بخمس سنين .
وروى
يونس عن
عروة عن
عائشة أنها قالت : توفيت
nindex.php?page=showalam&ids=10640خديجة قبل أن تفرض الصلاة .
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2وآتينا موسى الكتاب أي التوراة ، قيل والمعنى : كرمنا
محمدا بالمعراج وأكرمنا
موسى بالكتاب وجعلناه أي ذلك الكتاب ، وقيل :
موسى nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2هدى لبني إسرائيل يهتدون به ألا تتخذوا قرأ
أبو عمرو بالياء التحتية ، وقرأ الباقون بالفوقية ، أي : لئلا يتخذوا .
والمعنى : آتيناه الكتاب لهداية بني إسرائيل لئلا يتخذوا
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2من دوني وكيلا قال
الفراء ، أي : كفيلا بأمورهم ، وروي عنه أنه قال كافيا ، وقيل : معناه ، أي : متوكلون عليه في أمورهم ، وقيل : شريكا ، ومعنى الوكيل في اللغة من توكل إليه الأمور .
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذرية من حملنا مع نوح نصب على الاختصاص أو النداء ذكرهم سبحانه إنعامه عليهم في ضمن إنجاء آبائهم من الغرق ، ويجوز أن يكون المفعول الأول لقوله أن لا تتخذوا أي لا تتخذوا ذرية من حملنا مع نوح من دوني وكيلا كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=80ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا وقرئ بالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو بدل من فاعل ( تتخذوا ) .
وقرأ
مجاهد بفتح الذال . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=47زيد بن ثابت بكسرها ، والمراد بالذرية هنا جميع من في الأرض لأنهم من ذرية من كان في السفينة ، وقيل :
موسى وقومه من بني إسرائيل وهذا هو المناسب لقراءة النصب على النداء . والنصب على الاختصاص ، والرفع على البدل وعلى الخبر فإنها كلها راجعة إلى بني إسرائيل المذكورين وأما على جعل النصب على أن ( ذرية ) هي المفعول الأول لقوله ( لا تتخذوا ) ، فالأولى تفسير الذرية بجميع من في الأرض من بني آدم
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3إنه كان عبدا شكورا أي
نوحا ، وصفه الله بكثرة الشكر وجعله كالعلة لما قبله إيذانا بكون الشكر من أعظم أسباب الخير ، ومن أفضل الطاعات حثا لذريته على شكر الله سبحانه .
وقد أخرج
ابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16709عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده . قال : أسري بالنبي - صلى الله عليه وسلم - ليلة سبع عشرة من شهر ربيع الأول قبل الهجرة بسنة .
وأخرج
البيهقي في الدلائل عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب قال : أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى بيت المقدس قبل خروجه إلى المدينة بسنة .
وأخرج
البيهقي عن
عروة مثله .
وأخرج
البيهقي أيضا عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : أسري برسول الله - صلى الله عليه وسلم - قبل مهاجره بستة عشر شهرا .
وأخرج
ابن أبي [ ص: 811 ] حاتم عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1الذي باركنا حوله قال : أنبتنا حوله الشجر .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
قتادة في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28988_31912وآتينا موسى الكتاب وجعلناه هدى لبني إسرائيل قال : جعله الله هدى يخرجهم من الظلمات إلى النور وجعله رحمة لهم .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وابن جرير ،
وابن المنذر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وابن أبي حاتم عن
مجاهد في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2ألا تتخذوا من دوني وكيلا قال : شريكا .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابن أبي حاتم عنه في قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذرية من حملنا مع نوح . قال : هو على النداء يا ذرية من حملنا مع
نوح .
وأخرج
ابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=113عبد الله بن زيد الأنصاري قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
ذرية من حملنا مع نوح ما كان مع نوح إلا أربعة أولاد : حام ، وسام ، ويافث ، وكوش ، فذلك أربعة أولاد انتسلوا هذا الخلق .
واعلم أنه قد أطال كثير من المفسرين
كابن كثير ،
والسيوطي وغيرهما في هذا الموضع بذكر الأحاديث الواردة في الإسراء على اختلاف ألفاظها ، وليس في ذلك كثير فائدة ، فهي معروفة في موضعها من كتب الحديث ، وهكذا أطالوا بذكر فضائل المسجد الحرام والمسجد الأقصى ، وهو مبحث آخر ، والمقصود في كتب التفسير ما يتعلق بتفسير ألفاظ الكتاب العزيز ، وذكر أسباب النزول ، وبيان ما يؤخذ منه من المسائل الشرعية ، وما عدا ذلك فهو فضلة لا تدعو إليه حاجة .
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا .
قَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1nindex.php?page=treesubj&link=28988_34026سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا هُوَ مَصْدَرُ سَبَّحَ ، يُقَالُ سَبَّحَ يُسَبِّحُ تَسْبِيحًا وَسُبْحَانًا ، مِثْلُ كَفَّرَ الْيَمِينَ تَكْفِيرًا وَكُفْرَانًا ، وَمَعْنَاهُ التَّنْزِيهُ وَالْبَرَاءَةُ لِلَّهِ مِنْ كُلِّ نَقْصٍ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16076سِيبَوَيْهِ : الْعَامِلُ فِيهِ فِعْلٌ لَا مِنْ لَفْظِهِ ، وَالتَّقْدِيرُ أُنَزِّهُ اللَّهَ تَنْزِيهًا ، فَوَقَعَ سُبْحَانَهُ مَكَانَ تَنْزِيهًا ، فَهُوَ عَلَى هَذَا مِثْلُ قَعَدَ الْقُرْفُصَاءَ وَاشْتَمَلَ الصَّمَّاءَ ، وَقِيلَ : هُوَ عَلَمٌ لِلتَّسْبِيحِ كَعُثْمَانَ لِلرَّجُلِ ، وَانْتِصَابُهُ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ مَتْرُوكٍ إِظْهَارُهُ تَقْدِيرُهُ أُسَبِّحُ اللَّهَ سُبْحَانَ ، ثُمَّ نَزَلَ مَنْزِلَةَ الْفِعْلِ وَسَدَّ مَسَدَّهُ وَقَدْ قَدَّمْنَا فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=32سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا طَرَفًا مِنَ الْكَلَامِ الْمُتَعَلِّقِ بِسُبْحَانَ .
وَالْإِسْرَاءُ قِيلَ : هُوَ سَيْرُ اللَّيْلِ ، يُقَالُ سَرَى وَأَسْرَى : كَسَقَى وَأَسْقَى لُغَتَانِ ، وَقَدْ جَمَعَ بَيْنَهُمَا الشَّاعِرُ فِي قَوْلِهِ : .
حَيُّ النَّضِيرِ وَرَبَّةُ الْخِدْرِ أَسْرَتْ إِلَيَّ وَلَمْ تَكُنْ تُسْرِي
.
وَقِيلَ : هُوَ سَيْرُ أَوَّلِ اللَّيْلِ خَاصَّةً ، وَإِذَا كَانَ الْإِسْرَاءُ لَا يَكُونُ إِلَّا فِي اللَّيْلِ فَلَا بُدَّ لِلتَّصْرِيحِ بِذِكْرِ اللَّيْلِ بَعْدَهُ مِنْ فَائِدَةٍ ، فَقِيلَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ ( لَيْلًا ) تَقْلِيلَ مُدَّةِ الْإِسْرَاءِ وَأَنَّهُ أَسْرَى بِهِ فِي بَعْضِ اللَّيْلِ مِنْ
مَكَّةَ إِلَى
الشَّامِ مَسَافَةَ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً .
وَوَجْهُ دَلَالَةِ ( لَيْلًا ) عَلَى تَقْلِيلِ الْمُدَّةِ مَا فِيهِ مِنَ التَّنْكِيرِ الدَّالِّ عَلَى الْبَعْضِيَّةِ ، بِخِلَافِ مَا إِذَا قُلْتَ سَرَيْتُ اللَّيْلَ فَإِنَّهُ يُفِيدُ اسْتِيعَابَ السَّيْرِ لَهُ جَمِيعًا .
وَقَدِ اسْتَدَلَّ صَاحِبُ الْكَشَّافِ عَلَى إِفَادَةِ ( لَيْلًا ) لِلْبَعْضِيَّةِ بِقِرَاءَةِ
عَبْدِ اللَّهِ ،
وَحُذَيْفَةَ ( مِنَ اللَّيْلِ ) .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزَّجَّاجُ : مَعْنَى أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا سَيَّرَ عَبْدَهُ ، يَعْنِي
مُحَمَّدًا لَيْلًا وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ مَعْنَى أَسْرَى مَعْنَى سَيَّرَ فَيَكُونُ لِلتَّقْيِيدِ بِاللَّيْلِ فَائِدَةٌ ، وَقَالَ ( بِعَبْدِهِ ) وَلَمْ يَقُلْ بِنَبِيِّهِ أَوْ رَسُولِهِ أَوْ
بِمُحَمَّدٍ تَشْرِيفًا لَهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ أَهْلُ الْعِلْمِ : لَوْ كَانَ غَيْرُ هَذَا الِاسْمِ أَشْرَفَ مِنْهُ لَسَمَّاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بِهِ فِي هَذَا الْمَقَامِ الْعَظِيمِ وَالْحَالَةِ الْعَلِيَّةِ :
لَا تَدْعُنِي إِلَّا بِيَا عَبْدَهَا فَإِنَّهُ أَشْرَفُ أَسْمَائِي
ادِّعَاءً بِأَسْمَاءٍ نَبْزًا فِي قَبَائِلِهَا كَأَنَّ أَسْمَاءً أَضْحَتْ بَعْضَ أَسْمَائِي
.
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ
الْحَسَنُ ،
وَقَتَادَةُ : يَعْنِي الْمَسْجِدَ نَفْسَهُ وَهُوَ ظَاهِرُ الْقُرْآنِ .
وَقَالَ عَامَّةُ الْمُفَسِّرِينَ : أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ دَارِ
أُمِّ هَانِئٍ ، فَحَمَلُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ عَلَى
مَكَّةَ أَوِ الْحَرَامَ لِإِحَاطَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ، أَوْ لِأَنَّ الْحَرَمَ كُلَّهُ مَسْجِدٌ .
ثُمَّ ذَكَرَ سُبْحَانَهُ الْغَايَةَ الَّتِي أَسْرَى بِرَسُولِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَيْهَا فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى وَهُوَ
بَيْتُ الْمَقْدِسِ ، وَسُمِّيَ الْأَقْصَى لِبُعْدِ الْمَسَافَةِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَلَمْ يَكُنْ حِينَئِذٍ وَرَاءَهُ مَسْجِدٌ ، ثُمَّ وَصَفَ الْمَسْجِدَ الْأَقْصَى بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ بِالثِّمَارِ وَالْأَنْهَارِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ ، فَقَدْ بَارَكَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ حَوْلَ
[ ص: 810 ] الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى بِبَرَكَاتِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَفِي ( بَارَكْنَا ) بَعْدَ قَوْلِهِ ( أَسْرَى ) الْتِفَاتٌ مِنَ الْغَيْبَةِ إِلَى التَّكَلُّمِ .
ثُمَّ ذَكَرَ الْعِلَّةَ الَّتِي أَسْرَى بِهِ لِأَجْلِهَا فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا أَيْ مَا أَرَاهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ مِنَ الْعَجَائِبِ الَّتِي مِنْ جُمْلَتِهَا قَطْعُ هَذِهِ الْمَسَافَةِ الطَّوِيلَةِ فِي جُزْءٍ مِنَ اللَّيْلِ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ هُوَ السَّمِيعُ بِكُلِّ مَسْمُوعٍ ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : الْبَصِيرُ بِكُلِّ مُبْصَرٍ ، وَمِنْ جُمْلَةِ ذَلِكَ ذَاتُ رَسُولِهِ وَأَفْعَالُهُ .
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ
nindex.php?page=treesubj&link=34026هَلْ كَانَ الْإِسْرَاءُ بِجَسَدِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ رُوحِهِ أَوْ بِرُوحِهِ فَقَطْ ؟ فَذَهَبَ مُعْظَمُ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ إِلَى الْأَوَّلِ .
وَذَهَبَ إِلَى الثَّانِي طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْهُمْ
عَائِشَةُ وَمُعَاوِيَةُ ،
وَالْحَسَنُ ،
وَابْنُ إِسْحَاقَ وَحَكَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=21حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ .
وَذَهَبَتْ طَائِفَةٌ إِلَى التَّفْصِيلِ فَقَالُوا : كَانَ الْإِسْرَاءُ بِجَسَدِهِ يَقَظَةً إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَإِلَى السَّمَاءِ بِالرُّوحِ ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ بِقَوْلِهِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ، فَجَعَلَهُ غَايَةً لِلْإِسْرَاءِ بِذَاتِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَلَوْ كَانَ الْإِسْرَاءُ مِنْ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إِلَى السَّمَاءِ وَقَعَ بِذَاتِهِ لَذَكَرَهُ ، وَالَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ الْكَثِيرَةُ هُوَ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ مُعْظَمُ السَّلَفِ وَالْخَلْفِ مِنْ أَنَّ الْإِسْرَاءَ بِجَسَدِهِ وَرُوحِهِ يَقَظَةً إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، ثُمَّ إِلَى السَّمَاوَاتِ ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى التَّأْوِيلِ وَصَرْفِ هَذَا النَّظْمِ الْقُرْآنِيِّ وَمَا يُمَاثِلُهُ مِنْ أَلْفَاظِ الْأَحَادِيثِ إِلَى مَا يُخَالِفُ الْحَقِيقَةَ ، وَلَا مُقْتَضًى لِذَلِكَ إِلَّا مُجَرَّدُ الِاسْتِبْعَادِ وَتَحْكِيمُ مَحْضِ الْعُقُولِ الْقَاصِرَةِ عَنْ فَهْمِ مَا هُوَ مَعْلُومٌ مِنْ أَنَّهُ لَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ سُبْحَانَهُ شَيْءٌ ، وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ مُجَرَّدَ رُؤْيَا كَمَا يَقُولُهُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ بِالرُّوحِ فَقَطْ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=24397رُؤْيَا الْأَنْبِيَاءِ حَقٌّ لَمْ يَقَعِ التَّكْذِيبُ مِنَ الْكَفَرَةِ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عِنْدَ إِخْبَارِهِ لَهُمْ بِذَلِكَ حَتَّى ارْتَدَّ مَنِ ارْتَدَّ مِمَّنْ لَمْ يَشْرَحْ بِالْإِيمَانِ صَدْرًا ، فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَرَى فِي نَوْمِهِ مَا هُوَ مُسْتَبْعَدٌ ، بَلْ مَا هُوَ مُحَالٌ وَلَا يُنْكِرُ ذَلِكَ أَحَدٌ ، وَأَمَّا التَّمَسُّكُ لِمَنْ قَالَ بِأَنَّ هَذَا الْإِسْرَاءَ إِنَّمَا كَانَ بِالرُّوحِ عَلَى سَبِيلِ الرُّؤْيَا بِقَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=60وَمَا جَعَلْنَا الرُّؤْيَا الَّتِي أَرَيْنَاكَ إِلَّا فِتْنَةً لِلنَّاسِ فَعَلَى تَسْلِيمِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَذِهِ الرُّؤْيَا هُوَ هَذَا الْإِسْرَاءُ ، فَالتَّصْرِيحُ الْوَاقِعُ هُنَا بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا وَالتَّصْرِيحُ فِي الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْكَثِيرَةِ بِأَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ لَا تَقْصُرُ عَنِ الِاسْتِدْلَالِ بِهَا عَلَى تَأْوِيلِ هَذِهِ الرُّؤْيَا الْوَاقِعَةِ فِي الْآيَةِ بِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ ، فَإِنَّهُ قَدْ يُقَالُ لِرُؤْيَةِ الْعَيْنِ رُؤْيَا ، وَكَيْفَ يَصِحُّ حَمْلُ هَذَا الْإِسْرَاءِ عَلَى الرُّؤْيَا مَعَ تَصْرِيحِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِأَنَّهُ كَانَ عِنْدَ أَنْ أُسَرِيَ بِهِ بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ .
وَقَدِ اخْتُلِفَ أَيْضًا فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29291تَارِيخِ الْإِسْرَاءِ ، فَرُوِيَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ إِلَى
الْمَدِينَةِ بِسَنَةٍ ، وَرُوِيَ أَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِأَعْوَامٍ .
وَوَجْهُ ذَلِكَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=10640خَدِيجَةَ صَلَّتْ مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَقَدْ مَاتَتْ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِخَمْسِ سِنِينَ ، وَقِيلَ : بِثَلَاثٍ ، وَقِيلَ : بِأَرْبَعٍ ، وَلَمْ تُفْرَضِ الصَّلَاةُ إِلَّا لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ .
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ عَلَى ذَلِكَ ، وَقَدِ اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَةُ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ .
وَمِمَّنْ قَالَ بِأَنَّ الْإِسْرَاءَ كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ فِي رِوَايَةٍ عَنْهُ ، وَكَذَلِكَ
الْحَرْبِيُّ فَإِنَّهُ قَالَ : أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ .
وَقَالَ
ابْنُ الْقَاسِمِ فِي تَارِيخِهِ : كَانَ الْإِسْرَاءُ بَعْدَ مَبْعَثِهِ بِثَمَانِيَةَ عَشَرَ شَهْرًا .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ : لَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنْ أَهْلِ السِّيَرِ قَالَ بِمِثْلِ هَذَا .
وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ أُسْرِيَ بِهِ قَبْلَ مَبْعَثِهِ بِسَبْعَةِ أَعْوَامٍ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : كَانَ قَبْلَ مَبْعَثِهِ بِخَمْسِ سِنِينَ .
وَرَوَى
يُونُسُ عَنْ
عُرْوَةَ عَنْ
عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ : تُوُفِّيَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=10640خَدِيجَةُ قَبْلَ أَنْ تُفْرَضَ الصَّلَاةُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ أَيِ التَّوْرَاةَ ، قِيلَ وَالْمَعْنَى : كَرَّمْنَا
مُحَمَّدًا بِالْمِعْرَاجِ وَأَكْرَمْنَا
مُوسَى بِالْكِتَابِ وَجَعَلْنَاهُ أَيْ ذَلِكَ الْكِتَابَ ، وَقِيلَ :
مُوسَى nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ يَهْتَدُونَ بِهِ أَلَّا تَتَّخِذُوا قَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو بِالْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ ، وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْفَوْقِيَّةِ ، أَيْ : لِئَلَّا يَتَّخِذُوا .
وَالْمَعْنَى : آتَيْنَاهُ الْكِتَابَ لِهِدَايَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ لِئَلَّا يَتَّخِذُوا
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2مِنْ دُونِي وَكِيلًا قَالَ
الْفَرَّاءُ ، أَيْ : كَفِيلًا بِأُمُورِهِمْ ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ كَافِيًا ، وَقِيلَ : مَعْنَاهُ ، أَيْ : مُتَوَكِّلُونَ عَلَيْهِ فِي أُمُورِهِمْ ، وَقِيلَ : شَرِيكًا ، وَمَعْنَى الْوَكِيلِ فِي اللُّغَةِ مَنْ تُوكَلُ إِلَيْهِ الْأُمُورُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ نَصْبٌ عَلَى الِاخْتِصَاصِ أَوِ النِّدَاءِ ذَكَّرَهُمْ سُبْحَانَهُ إِنْعَامَهُ عَلَيْهِمْ فِي ضِمْنِ إِنْجَاءِ آبَائِهِمْ مِنَ الْغَرَقِ ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ أَنْ لَا تَتَّخِذُوا أَيْ لَا تَتَّخِذُوا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ مِنْ دُونِي وَكِيلًا كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=80وَلَا يَأْمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا وَقُرِئَ بِالرَّفْعِ عَلَى أَنَّهُ خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ أَوْ بَدَلٌ مِنْ فَاعِلِ ( تَتَّخِذُوا ) .
وَقَرَأَ
مُجَاهِدٌ بِفَتْحِ الذَّالِ . وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=47زَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ بِكَسْرِهَا ، وَالْمُرَادُ بِالذَّرِّيَّةِ هُنَا جَمِيعُ مَنْ فِي الْأَرْضِ لِأَنَّهُمْ مِنْ ذُرِّيَّةِ مَنْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ ، وَقِيلَ :
مُوسَى وَقَوْمُهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَهَذَا هُوَ الْمُنَاسِبُ لِقِرَاءَةِ النَّصْبِ عَلَى النِّدَاءِ . وَالنَّصْبُ عَلَى الِاخْتِصَاصِ ، وَالرَّفْعُ عَلَى الْبَدَلِ وَعَلَى الْخَبَرِ فَإِنَّهَا كُلَّهَا رَاجِعَةٌ إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْمَذْكُورِينَ وَأَمَّا عَلَى جَعْلِ النَّصْبِ عَلَى أَنَّ ( ذُرِّيَّةَ ) هِيَ الْمَفْعُولُ الْأَوَّلُ لِقَوْلِهِ ( لَا تَتَّخِذُوا ) ، فَالْأَوْلَى تَفْسِيرُ الذُّرِّيَّةِ بِجَمِيعِ مَنْ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَنِي آدَمَ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3إِنَّهُ كَانَ عَبْدًا شَكُورًا أَيْ
نُوحًا ، وَصَفَهُ اللَّهُ بِكَثْرَةِ الشُّكْرِ وَجَعَلَهُ كَالْعِلَّةِ لِمَا قَبْلَهُ إِيذَانًا بِكَوْنِ الشُّكْرِ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ الْخَيْرِ ، وَمِنْ أَفْضَلِ الطَّاعَاتِ حَثًّا لِذُرِّيَّتِهِ عَلَى شُكْرِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ .
وَقَدْ أَخْرَجَ
ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16709عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ . قَالَ : أُسْرِيَ بِالنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لَيْلَةَ سَبْعَ عَشْرَةَ مِنْ شَهْرِ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ .
وَأَخْرَجَ
الْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابْنِ شِهَابٍ قَالَ : أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ خُرُوجِهِ إِلَى الْمَدِينَةِ بِسَنَةٍ .
وَأَخْرَجَ
الْبَيْهَقِيُّ عَنْ
عُرْوَةَ مِثْلَهُ .
وَأَخْرَجَ
الْبَيْهَقِيُّ أَيْضًا عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ قَالَ : أُسْرِيَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ مُهَاجَرِهِ بِسِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا .
وَأَخْرَجَ
ابْنُ أَبِي [ ص: 811 ] حَاتِمٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ قَالَ : أَنْبَتْنَا حَوْلَهُ الشَّجَرَ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ
قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28988_31912وَآتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ قَالَ : جَعَلَهُ اللَّهُ هُدًى يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَجَعَلَهُ رَحْمَةً لَهُمْ .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=12508ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16935وَابْنُ جَرِيرٍ ،
وَابْنُ الْمُنْذِرِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16328وَابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=2أَلَّا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِي وَكِيلًا قَالَ : شَرِيكًا .
وَأَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16328ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ عَنْهُ فِي قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=3ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ . قَالَ : هُوَ عَلَى النِّدَاءِ يَا ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ
نُوحٍ .
وَأَخْرَجَ
ابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=113عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الْأَنْصَارِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ مَا كَانَ مَعَ نُوحٍ إِلَّا أَرْبَعَةُ أَوْلَادٍ : حَامٌ ، وَسَامٌ ، وَيَافِثُ ، وَكُوشٌ ، فَذَلِكَ أَرْبَعَةُ أَوْلَادٍ انْتَسَلُوا هَذَا الْخَلْقَ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ قَدْ أَطَالَ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ
كَابْنِ كَثِيرٍ ،
وَالسُّيُوطِيِّ وَغَيْرِهِمَا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ بِذِكْرِ الْأَحَادِيثِ الْوَارِدَةِ فِي الْإِسْرَاءِ عَلَى اخْتِلَافِ أَلْفَاظِهَا ، وَلَيْسَ فِي ذَلِكَ كَثِيرُ فَائِدَةٍ ، فَهِيَ مَعْرُوفَةٌ فِي مَوْضِعِهَا مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ ، وَهَكَذَا أَطَالُوا بِذِكْرِ فَضَائِلِ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَالْمَسْجِدِ الْأَقْصَى ، وَهُوَ مَبْحَثٌ آخَرُ ، وَالْمَقْصُودُ فِي كُتُبِ التَّفْسِيرِ مَا يَتَعَلَّقُ بِتَفْسِيرِ أَلْفَاظِ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ ، وَذِكْرُ أَسْبَابِ النُّزُولِ ، وَبَيَانُ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ مِنَ الْمَسَائِلِ الشَّرْعِيَّةِ ، وَمَا عَدَا ذَلِكَ فَهُوَ فَضْلَةٌ لَا تَدْعُو إِلَيْهِ حَاجَةٌ .