مسألة : قال
الشافعي : " وأشكل وقت الحيض عليها من الاستحاضة فلا يجوز لها أن تترك الصلاة إلا أقل ما تحيض له النساء وذلك يوم وليلة فعليها أن تغتسل وتقضي الصلاة أربعة عشر يوما " .
قال
الماوردي : وهذه المسألة مقصورة على الكلام في
nindex.php?page=treesubj&link=623أقل الحيض وقد اختلف الناس فيه على مذاهب شتى فأما مذهب
الشافعي فالذي نص عليه هاهنا ، وفي كتاب الأم أن أقل الحيض يوم وليلة وقال في كتاب العدد أقله يوم فاختلف أصحابنا في اختلاف هذين النصين على ثلاثة طرق :
أحدها : وهو طريقة
المزني وابن شريح أن أقل الحيض يوم وليلة وما قاله من كتاب العدد أن أقله يوم يريد به مع ليلة ، وهذه عادة العرب وأهل اللسان أنهم يطلقون ذكر الأيام يريدون بها مع الليالي ، ويطلقون ذكر الليالي ، ويريدون بها مع الأيام ، وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=142وواعدنا موسى ثلاثين ليلة [ الأعراف : 142 ] يريد مع الأيام ، وكقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=65تمتعوا في داركم ثلاثة أيام [ هود : 65 ] يريد مع الليالي غير أن
المزني علل لطريقته هذه تعليلا قدح فيه أصحابنا فقال : لأن اليوم والليلة زيادة علم ، وقال أصحابنا : هذا خطأ لأن زيادة العلم وجود الأقل لا وجود الأكثر ، ولو كان اليوم والليلة أزيد علما من اليوم لكان الثلاث أزيد علما ، وهذا الاعتراض على
المزني خطأ في تأويل كلامه : لأن
المزني إنما أراد به زيادة علم في النقل ، لا في الوجود .
[ ص: 433 ] والطريقة الثانية حكاها
أبو إسحاق المروزي عن بعض متقدمي أصحابنا أن المسألة على قولين لاختلاف النص في الموضعين :
أحدهما : أن أقله يوم وليلة .
والثاني : أن أقله يوم ، وهذه طريقة فاسدة : لأنه إن وجد في العادة يوما لم يكن لزيادة الليلة معنى ، وإن لم يجد لم يكن لنقصانها وجها .
والطريقة الثالثة : أن أقله يوم ، وإنما كان
الشافعي يرى أن أقله يوم وليلة إلى أن أخبره
عبد الرحمن بن مهدي أن عندهم امرأة تحيض غدوة وتطهر عشية فرجع إلى قوله ، وأصح هذه الطرق الثلاث الطريقة الأولى أن أقله يوم وليلة ، وهو المشهور من مذهبه ، والمعول عليه من قوله ، وبه قال من الصحابة
علي بن أبي طالب وعبد الله بن عمر ومن التابعين
عطاء ومن الفقهاء
الأوزاعي وابن جريج وأحمد وأبو ثور .
وقال
أبو حنيفة : أقل الحيض ثلاثة أيام .
وقال
أبو يوسف : لعله يومان .
وقال
مالك : لا حد لأقله ، واستدل ناصر
أبي حنيفة لمذهبه بما روي عن
عبد الله عن العلاء بن عبد الرحمن عن
مكحول عن
أبي أمامة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
أقل الحيض ثلاث وليس فيما دون الثلاث حيض " وبرواية
عدي بن ثابت عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في المستحاضة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920971 " تدع الصلاة أقراءها " قال : وأقل ما ينطلق ذكر الأيام ثلاثة وأكثره عشرة ، قال وقد روى
الجلد بن أيوب عن
معاوية بن قرة عن
أنس بن مالك قال : قرء الحيض ثلاث أربع خمس حتى انتهى إلى عشر .
وقال
ابن مسعود : أقل الحيض ثلاث ، وهذان صحابيان لا يقولان ذلك ، إلا عن توقيف : لأن القياس لا مدخل له فيه ، قال : ولأن ما نقص من الثلاث لم يجز أن يكون حيضا قياسا على ما نقص اليوم والليلة .
دليلنا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن [ البقرة : 222 ] فلما أطلق ذكره ولم يحد قدره فكان الرجوع فيه عند عدم حده في الشرع إلى العرف والعادة ، وكالقصر واليوم والليلة موجود في العرف والعادة ، وإن كان مختلفا باختلاف الأبدان والأسفار والبلدان ، قال
الشافعي : ووجدت نساء
مكة وتهامة يحضن يوما
[ ص: 434 ] وليلة ، ويدل عليه قوله صلى الله عليه وسلم
لفاطمة بنت أبي حبيش :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920820 " فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة وإذا أدبرت فاغتسلي وصلي " وأمرها بترك الصلاة عند وجود صفة الحيض في دمها على الإطلاق من غير تقدير بثلاثة فوجب أن يكون محمولا على إطلاقه إلا ما قام دليل تخصيصه ، وروي عن
علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنه قال : ما زاد على خمسة عشر يوما فهو استحاضة ، وأقل الحيض يوم وليلة ، وروي عن
عبد الله بن عمرو بن العاص أنه قال : أدركت الناس يقولون أقل الحيض يوم وليلة ، والصحابي إذا قال هذا فإنما يريد به أكابر الصحابة وعلمائها ، فدل هذان الأثران على أن التوقيت باليوم والليلة موجود والوفاق عليه مشهور ، ولأنه دم يسقط فرض الصلاة فجاز أن يكون يوما وليلة كالنفاس ، ولأن كل مدة صلحت أن تكون زمنا للمسح على الخفين شرعا صلحت لأن تكون زمنا لأقل الحيض ، ولا يدخل عليه الحمل ، لأنه تقدر بالشهور دون الأيام .
فأما الجواب عن روايتهم عن النبي صلى الله عليه وسلم ، أنه قال :
أقل الحيض ثلاث فهو أنه خبر مردود ، لأن
عبد الملك مجهول ،
والعلاء ضعيف ،
ومكحول لم يلق
أبا أمامة ، فكان مرسلا ، ولو صح لكان محمولا على سؤال امرأة كانت عادتها ثلاثا ، وكذلك الجواب عن قوله في المستحاضة
nindex.php?page=hadith&LINKID=920973 " تدع الصلاة أيام أقرائها " وأما
ابن مسعود فقوله معارض بقول
علي ، وهو أولى : لأن عموم الكتاب والسنة يعاضده وأما
أنس فلم يكن في الحيض أصلا ، قال
ابن علية استحيضت امرأة من
آل أنس فسئل
ابن عباس عنها ،
وأنس حي ، ولو كان أصلا فيه لاكتفوا بسؤاله عن غيره ، وأما قياسهم على ما دون اليوم والليلة ، فالمعنى في اليوم والليلة أنه مستوعب لأوقات الصلوات الخمس .
فصل : وأما
مالك فاستدل على أنه لا حد لأقله بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222ويسألونك عن المحيض قل هو أذى [ البقرة : 222 ] فجعل الأذى حيضا ، ويسير الدم أذى فوجب أن يكون حيضا ، ولقوله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=920974 " فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة " قال : ولأنه دم يسقط فرض الصلاة فوجب أن يكون أقله غير محدود كالنفاس .
ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920974فإذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة فجعل زمان الحيض مسقطا لفرض الصلاة ، وسقوطها يتعلق بزمان محدود ، ولأنه خارج من الرحم يدل على براءته فوجب أن يكون محدودا كالحمل ، فأما الآية فلا دليل فيها : لأنه جعل الحيض أذى ، ولم يجعل الأذى حيضا ، وأما حديث
فاطمة فالمراد به إقبال حيضها ، وقد كان أياما ، وأما قياسه على النفاس فالمعنى فيه وجود العادة بيسيره .
مَسْأَلَةٌ : قَالَ
الشَّافِعِيُّ : " وَأُشْكِلَ وَقْتُ الْحَيْضِ عَلَيْهَا مِنَ الِاسْتِحَاضَةِ فَلَا يَجُوزُ لَهَا أَنْ تَتْرُكَ الصَّلَاةَ إِلَّا أَقَلَّ مَا تَحِيضُ لَهُ النَسَاءُ وَذَلِكَ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ فَعَلَيْهَا أَنْ تَغْتَسِلَ وَتَقْضِيَ الصَّلَاةَ أَرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا " .
قَالَ
الْمَاوَرْدِيُّ : وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مَقْصُورَةٌ عَلَى الْكَلَامِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=623أَقَلِّ الْحَيْضِ وَقَدِ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِيهِ عَلَى مَذَاهِبَ شَتَّى فَأَمَّا مَذْهَبُ
الشَّافِعِيِّ فَالَّذِي نَصَّ عَلَيْهِ هَاهُنَا ، وَفِي كِتَابِ الْأُمِّ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَقَالَ فِي كِتَابِ الْعَدَدِ أَقَلُّهُ يَوْمٌ فَاخْتَلَفَ أَصْحَابُنَا فِي اخْتِلَافِ هَذَيْنِ النَّصَّيْنِ عَلَى ثَلَاثَةِ طُرُقٍ :
أَحَدُهَا : وَهُوَ طَرِيقَةُ
الْمُزَنِيِّ وَابْنِ شُرَيْحٍ أَنَّ أَقَلَّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ وَمَا قَالَهُ مِنْ كِتَابِ الْعَدَدِ أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ يُرِيدُ بِهِ مَعَ لَيْلَةٍ ، وَهَذِهِ عَادَةُ الْعَرَبِ وَأَهْلِ اللِّسَانِ أَنَّهُمْ يُطْلِقُونَ ذِكْرَ الْأَيَّامِ يُرِيدُونَ بِهَا مَعَ اللَّيَالِي ، وَيُطْلِقُونَ ذِكْرَ اللَّيَالِي ، وَيُرِيدُونَ بِهَا مَعَ الْأَيَّامِ ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=142وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً [ الْأَعْرَافِ : 142 ] يُرِيدُ مَعَ الْأَيَّامِ ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=65تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ [ هُودٍ : 65 ] يُرِيدُ مَعَ اللَّيَالِي غَيْرَ أَنَّ
الْمُزَنِيَّ عَلَّلَ لِطَرِيقَتِهِ هَذِهِ تَعْلِيلًا قَدَحَ فِيهِ أَصْحَابُنَا فَقَالَ : لِأَنَّ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ زِيَادَةُ عِلْمٍ ، وَقَالَ أَصْحَابُنَا : هَذَا خَطَأٌ لِأَنَّ زِيَادَةَ الْعِلْمِ وُجُودُ الْأَقَلِّ لَا وُجُودُ الْأَكْثَرِ ، وَلَوْ كَانَ الْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ أَزْيَدَ عِلْمًا مِنَ الْيَوْمِ لَكَانَ الثَّلَاثُ أَزْيَدَ عِلْمًا ، وَهَذَا الِاعْتِرَاضُ عَلَى
الْمُزَنِيِّ خَطَأٌ فِي تَأْوِيلِ كَلَامِهِ : لِأَنَّ
الْمُزَنِيَّ إِنَّمَا أَرَادَ بِهِ زِيَادَةَ عِلْمٍ فِي النَّقْلِ ، لَا فِي الْوُجُودِ .
[ ص: 433 ] وَالطَّرِيقَةُ الثَّانِيَةُ حَكَاهَا
أَبُو إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيُّ عَنْ بَعْضِ مُتَقَدِّمِي أَصْحَابِنَا أَنَّ الْمَسْأَلَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ لِاخْتِلَافِ النَّصِّ فِي الْمَوْضِعَيْنِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ .
وَالثَّانِي : أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ ، وَهَذِهِ طَرِيقَةٌ فَاسِدَةٌ : لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِي الْعَادَةِ يَوْمًا لَمْ يَكُنْ لِزِيَادَةِ اللَّيْلَةِ مَعْنًى ، وَإِنْ لَمْ يَجِدْ لَمْ يَكُنْ لِنُقْصَانِهَا وَجْهًا .
وَالطَّرِيقَةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ ، وَإِنَّمَا كَانَ
الشَّافِعِيُّ يَرَى أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ إِلَى أَنْ أَخْبَرَهُ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ أَنَّ عِنْدَهُمُ امْرَأَةً تَحِيضُ غَدْوَةً وَتَطْهُرُ عَشِيَّةً فَرَجَعَ إِلَى قَوْلِهِ ، وَأَصَحُّ هَذِهِ الطُّرُقِ الثَّلَاثِ الطَّرِيقَةُ الْأُولَى أَنَّ أَقَلَّهُ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ، وَهُوَ الْمَشْهُورُ مِنْ مَذْهَبِهِ ، وَالْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ مِنْ قَوْلِهِ ، وَبِهِ قَالَ مِنَ الصَّحَابَةِ
عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ وَمِنَ التَّابِعِينَ
عَطَاءٌ وَمِنَ الْفُقَهَاءِ
الْأَوْزَاعِيُّ وَابْنُ جُرَيْجٍ وَأَحْمَدُ وَأَبُو ثَوْرٍ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ .
وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ : لَعَلَّهُ يَوْمَانِ .
وَقَالَ
مَالِكٌ : لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ ، وَاسْتَدَلَّ نَاصِرُ
أَبِي حَنِيفَةَ لِمَذْهَبِهِ بِمَا رُوِيَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ
مَكْحُولٍ عَنْ
أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ الثَّلَاثِ حَيْضٌ " وَبِرِوَايَةِ
عَدِيِّ بْنِ ثَابِتٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920971 " تَدَعُ الصَّلَاةَ أقْرَاءَهَا " قَالَ : وَأَقَلُّ مَا يَنْطَلِقُ ذِكْرُ الْأَيَّامِ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةٌ ، قَالَ وَقَدْ رَوَى
الْجَلْدُ بْنُ أَيُّوبَ عَنْ
مُعَاوِيَةَ بْنِ قُرَّةَ عَنْ
أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قُرْءُ الْحَيْضِ ثَلَاثٌ أَرْبَعٌ خَمْسٌ حَتَّى انْتَهَى إِلَى عَشْرٍ .
وَقَالَ
ابْنُ مَسْعُودٍ : أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثٌ ، وَهَذَانِ صَحَابِيَّانِ لَا يَقُولَانِ ذَلِكَ ، إِلَّا عَنِ تَوْقِيفٍ : لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا مَدْخَلَ لَهُ فِيهِ ، قَالَ : وَلِأَنَّ مَا نَقَصَ مِنَ الثَّلَاثِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا قِيَاسًا عَلَى مَا نَقَصَ الْيَوْمَ وَاللَّيْلَةَ .
دَلِيلُنَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلَا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ [ الْبَقَرَةِ : 222 ] فَلَمَّا أَطْلَقَ ذِكْرَهُ وَلَمْ يَحُدَّ قَدْرَهُ فَكَانَ الرُّجُوعُ فِيهِ عِنْدَ عَدَمِ حَدِّهِ فِي الشَّرْعِ إِلَى الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ، وَكَالْقَصْرِ وَالْيَوْمُ وَاللَّيْلَةُ مَوْجُودٌ فِي الْعُرْفِ وَالْعَادَةِ ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَلِفًا بِاخْتِلَافِ الْأَبْدَانِ وَالْأَسْفَارِ وَالْبُلْدَانِ ، قَالَ
الشَّافِعِيُّ : وَوَجَدْتُ نِسَاءَ
مَكَّةَ وَتِهَامَةَ يَحِضْنَ يَوْمًا
[ ص: 434 ] وَلَيْلَةً ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِفَاطِمَةَ بِنْتِ أَبِي حُبَيْشٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920820 " فَإِذَا أَقْبَلْتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ وَإِذَا أَدْبَرَتْ فَاغْتَسِلِي وَصَلِّي " وَأَمَرَهَا بِتَرْكِ الصَّلَاةِ عِنْدَ وُجُودِ صِفَةِ الْحَيْضِ فِي دَمِهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ مِنْ غَيْرِ تَقْدِيرٍ بِثَلَاثَةٍ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحْمُولًا عَلَى إِطْلَاقِهِ إِلَّا مَا قَامَ دَلِيلُ تَخْصِيصِهِ ، وَرُوِيَ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : مَا زَادَ عَلَى خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا فَهُوَ اسْتِحَاضَةٌ ، وَأَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ، وَرُوِيَ عَنْ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ أَنَّهُ قَالَ : أَدْرَكْتُ النَّاسَ يَقُولُونَ أَقَلُّ الْحَيْضِ يَوْمٌ وَلَيْلَةٌ ، وَالصَّحَابِيُّ إِذَا قَالَ هَذَا فَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ أَكَابِرَ الصَّحَابَةِ وَعُلَمَائِهَا ، فَدَلَّ هَذَانِ الْأَثَرَانِ عَلَى أَنَّ التَّوْقِيتَ بِالْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ مَوْجُودٌ وَالْوِفَاقُ عَلَيْهِ مَشْهُورٌ ، وَلِأَنَّهُ دَمٌ يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ فَجَازَ أَنْ يَكُونَ يَوْمًا وَلَيْلَةً كَالنِّفَاسِ ، وَلِأَنَّ كُلَّ مُدَّةٍ صَلُحَتْ أَنْ تَكُونَ زَمَنًا لِلْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ شَرْعًا صَلُحَتْ لِأَنْ تَكُونَ زَمَنًا لِأَقَلِّ الْحَيْضِ ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ الْحَمْلُ ، لِأَنَّهُ تُقُدِّرَ بِالشُّهُورِ دُونَ الْأَيَّامِ .
فَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْ رِوَايَتِهِمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَنَّهُ قَالَ :
أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثٌ فَهُوَ أَنَّهُ خَبَرٌ مَرْدُودٌ ، لِأَنَّ
عَبْدَ الْمَلِكِ مَجْهُولٌ ،
وَالْعَلَاءُ ضَعِيفٌ ،
وَمَكْحُولٌ لَمْ يَلْقَ
أَبَا أُمَامَةَ ، فَكَانَ مُرْسَلًا ، وَلَوْ صَحَّ لَكَانَ مَحْمُولًا عَلَى سُؤَالِ امْرَأَةٍ كَانَتْ عَادَتُهَا ثَلَاثًا ، وَكَذَلِكَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ فِي الْمُسْتَحَاضَةِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=920973 " تَدَعُ الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِهَا " وَأَمَّا
ابْنُ مَسْعُودٍ فَقَوْلُهُ مَعَارِضٌ بِقَوْلِ
عَلِيٍّ ، وَهُوَ أَوْلَى : لِأَنَّ عُمُومَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ يُعَاضِدُهُ وَأَمَّا
أَنَسٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي الْحَيْضِ أَصْلًا ، قَالَ
ابْنُ عُلَيَّةَ اسْتُحِيضَتِ امْرَأَةٌ مِنْ
آلِ أَنَسٍ فَسُئِلَ
ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْهَا ،
وَأَنَسٌ حَيٌّ ، وَلَوْ كَانَ أَصْلًا فِيهِ لَاكْتَفَوْا بِسُؤَالِهِ عَنْ غَيْرِهِ ، وَأَمَّا قِيَاسُهُمْ عَلَى مَا دُونَ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ ، فَالْمَعْنَى فِي الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ أَنَّهُ مُسْتَوْعِبٌ لِأَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ .
فَصْلٌ : وَأَمَّا
مَالِكٌ فَاسْتَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا حَدَّ لِأَقَلِّهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=222وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى [ الْبَقَرَةِ : 222 ] فَجُعِلَ الْأَذَى حَيْضًا ، وَيَسِيرُ الدَّمِ أَذًى فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ حَيْضًا ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=920974 " فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ " قَالَ : وَلِأَنَّهُ دَمٌ يُسْقِطُ فَرْضَ الصَّلَاةِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ أَقَلُّهُ غَيْرَ مَحْدُودٍ كَالنِّفَاسِ .
وَدَلِيلُنَا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=920974فَإِذَا أَقْبَلَتِ الْحَيْضَةُ فَدَعِي الصَّلَاةَ فَجَعَلَ زَمَانَ الْحَيْضِ مُسْقِطًا لِفَرْضِ الصَّلَاةِ ، وَسُقُوطِهَا يَتَعَلَّقُ بِزَمَانٍ مَحْدُودٍ ، وَلِأَنَّهُ خَارِجٌ مِنَ الرَّحِمِ يَدُلُّ عَلَى بَرَاءَتِهِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ مَحْدُودًا كَالْحَمْلِ ، فَأَمَّا الْآيَةُ فَلَا دَلِيلَ فِيهَا : لِأَنَّهُ جَعَلَ الْحَيْضَ أَذًى ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْأَذَى حَيْضًا ، وَأَمَّا حَدِيثُ
فَاطِمَةَ فَالْمُرَادُ بِهِ إِقْبَالُ حَيْضِهَا ، وَقَدْ كَانَ أَيَّامًا ، وَأَمَّا قِيَاسُهُ عَلَى النِّفَاسِ فَالْمَعْنَى فِيهِ وُجُودُ الْعَادَةِ بِيَسِيرِهِ .