في
nindex.php?page=treesubj&link=20645معنى البطلان ، وهو ما يقابل معنى الصحة ; فله معنيان : أحدهما : أن يراد به عدم ترتب آثار العمل عليه في الدنيا ; كما نقول في العبادات : إنها غير مجزئة ولا مبرئة للذمة ولا مسقطة للقضاء ، فكذلك نقول : إنها باطلة بذلك المعنى ، غير أن هنا نظرا ; فإن كون العبادة باطلة ; إنما هو لمخالفتها لما قصد الشارع فيها حسبما هو مبين في موضعه ، ولكن قد تكون المخالفة راجعة إلى نفس العبادة فيطلق عليها لفظ البطلان إطلاقا ; كالصلاة من غير نية أو ناقصة ركعة أو سجدة أو نحو ذلك مما يخل بها من الأصل ، وقد تكون راجعة إلى وصف خارجي منفك عن حقيقتها وإن كانت
[ ص: 453 ] متصفة به ;
nindex.php?page=treesubj&link=24348كالصلاة في الدار المغصوبة مثلا ; فيقع الاجتهاد : في اعتبار الانفكاك ; فتصح الصلاة لأنها واقعة على الموافقة للشارع ، ولا يضر حصول المخالفة من جهة الوصف .
أو في اعتبار الاتصاف ، فلا تصح بل تكون في الحكم باطلة من جهة أن الصلاة الموافقة إنما هي المنفكة عن هذا الوصف ، وليس الصلاة في الدار المغصوبة كذلك ; ، وهكذا سائر ما كان في معناها .
ونقول أيضا في العادات : إنها باطلة ، بمعنى عدم حصول فوائدها بها شرعا ; من حصول أملاك واستباحة فروج ، وانتفاع بالمطلوب ، ولما كانت العاديات في الغالب راجعة إلى مصالح الدنيا ; كان النظر فيها راجعا إلى اعتبارين : أحدهما : من حيث هي أمور مأذون فيها أو مأمور بها شرعا .
والثاني : من حيث هي راجعة إلى مصالح العباد .
فأما الأول ; فاعتبره قوم بإطلاق ، وأهملوا النظر في جهة المصالح ، وجعلوا مخالفة أمره مخالفة لقصده بإطلاق ; كالعبادات المحضة سواء ، وكأنهم مالوا إلى جهة التعبد ـ وسيأتي في كتاب " المقاصد " بيان أن في كل ما يعقل معناه تعبدا ـ ، وإذا كان كذلك ; فمواجهة أمر الشارع بالمخالفة يقضي بالخروج في ذلك الفعل عن مقتضى خطابه ، والخروج في الأعمال عن خطاب الشارع يقضي بأنها غير مشروعة ، وغير المشروع باطل ، فهذا كذلك ; كما لم تصح
[ ص: 454 ] العبادات الخارجة عن مقتضى خطاب الشارع .
وأما الثاني : فاعتبره قوم أيضا لا مع إهمال الأول ، بل جعلوا الأمر منزلا على اعتبار المصلحة ، بمعنى أن المعنى الذي لأجله كان العمل باطلا ينظر فيه ; فإن كان حاصلا أو في حكم الحاصل ، بحيث لا يمكن التلافي فيه ; بطل العمل من أصله ، وهو الأصل فيما نهى الشرع عنه ; لأن النهي يقتضي أن لا مصلحة للمكلف فيه ، وإن ظهرت مصلحته لبادئ الرأي ، فقد علم الله أن لا مصلحة في الإقدام ، وإن ظنها العامل ، وإن لم يحصل ولا كان في حكم الحاصل ، لكن أمكن تلافيه ، لم يحكم بإبطال ذلك العمل ; كما يقول
مالك [ ص: 455 ] في
nindex.php?page=treesubj&link=7517بيع المدبر : إنه يرد إلا أن يعتقه المسترق فلا يرد ; فإن البيع إنما منع لحق العبد في العتق أو لحق الله في العتق الذي انعقد سببه من سيده وهو التدبير ; فإن البيع يفيته في الغالب بعد موت السيد ، فإذا أعتقه المشتري حصل قصد الشارع في العتق ; فلم يرد لذلك ، وكذلك الكتابة الفاسدة ترد ما لم يعتق المكاتب ، وكذلك بيع الغاصب للمغصوب موقوف على إجازة المغصوب منه أو رده لأن المنع إنما كان لحقه ، فإذا أجازه جاز ، ومثله
nindex.php?page=treesubj&link=4902البيع والسلف منهي عنه ، فإذا أسقط مشترط السلف شرطه جاز ما عقداه ، ومضى على بعض الأقوال ، وقد يتلافى بإسقاط الشرط شرعا ، كما في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=216بريرة ، وعلى مقتضاه جرى الحنفية في تصحيح العقود الفاسدة كنكاح الشغار ، والدرهم بالدرهمين ، ونحوهما إلى غير ذلك من العقود التي هي باطلة على وجه ; فيزال ذلك الوجه فتمضي العقدة ، فمعنى هذا الوجه أن نهي الشارع كان لأمر ، فلما زال ذلك الأمر ارتفع النهي ، فصار العقد موافقا لقصد الشارع ; إما على حكم الانعطاف إن قدرنا رجوع الصحة إلى العقد الأول أو غير حكم الانعطاف إن قلنا : إن تصحيحه وقع الآن لا قبل ، وهذا الوجه بناء على أن مصالح العباد مغلبة على حكم التعبد .
والثاني من الإطلاقين : أن يراد بالبطلان عدم ترتب آثار العمل عليه في
[ ص: 456 ] الآخرة ، وهو الثواب ، ويتصور ذلك في العبادات والعادات .
فتكون العبادة باطلة بالإطلاق الأول ; فلا يترتب عليها جزاء ; لأنها غير مطابقة لمقتضى الأمر بها ، وقد تكون صحيحة بالإطلاق الأول ، ولا يترتب عليها ثواب أيضا .
فالأول :
nindex.php?page=treesubj&link=18690كالمتعبد رئاء الناس ; فإن تلك العبادة غير مجزئة ، ولا يترتب عليها ثواب .
والثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=23515كالمتصدق بالصدقة يتبعها بالمن والأذى ، وقد قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264يا أيها الذين آمنوا لا تبطلوا صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس الآية [ البقرة : 264 ] .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=65لئن أشركت ليحبطن عملك [ الزمر : 65 ] .
وفي الحديث :
أبلغي nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم أنه قد أبطل جهاده مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم ـ إن لم يتب .
[ ص: 457 ] على تأويل من جعل الإبطال حقيقة .
[ ص: 458 ] وتكون أعمال العادات باطلة أيضا ; بمعنى عدم ترتب الثواب عليها ، سواء علينا أكانت باطلة بالإطلاق الأول أم لا ; فالأول كالعقود المفسوخة شرعا ، والثاني كالأعمال التي يكون الحامل عليها مجرد الهوى والشهوة من غير التفات إلى خطاب الشارع فيها كالأكل والشرب والنوم وأشباهها ، والعقود المنعقدة بالهوى ، ولكنها وافقت الأمر أو الإذن الشرعي بحكم الاتفاق لا بالقصد إلى ذلك ; فهي أعمال مقرة شرعا لموافقتها للأمر أو الإذن ; لما يترتب عليها من المصلحة في الدنيا ، فروعي فيها هذا المقدار من حيث وافقت قصد الشارع فيه ، وتبقى جهة قصد الامتثال مفقودة ; فيكون ما يترتب عليها في الآخرة مفقودا أيضا ; لأن الأعمال بالنيات .
والحاصل أن هذه الأعمال التي كان الباعث عليها الهوى المجرد ، إن وافقت قصد الشارع بقيت ببقاء حياة العامل ; فإذا خرج من الدنيا فنيت بفناء الدنيا وبطلت
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96ما عندكم ينفد وما عند الله باق [ النحل : 96 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=20من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب [ الشورى : 20 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها [ الأحقاف : 20 ] .
وما أشبه ذلك مما هو نص أو ظاهر أو فيه إشارة إلى هذا المعنى ; فمن هنا أخذ من تقدم بالحزم في الأعمال العادية أن يضيفوا إليها قصدا يجدون به أعمالهم في الآخرة . وانظر في الإحياء وغيره .
فِي
nindex.php?page=treesubj&link=20645مَعْنَى الْبُطْلَانِ ، وَهُوَ مَا يُقَابِلُ مَعْنَى الصِّحَّةِ ; فَلَهُ مَعْنَيَانِ : أَحَدُهُمَا : أَنْ يُرَادَ بِهِ عَدَمُ تَرَتُّبِ آثَارِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا ; كَمَا نَقُولُ فِي الْعِبَادَاتِ : إِنَّهَا غَيْرُ مُجْزِئَةٍ وَلَا مُبْرِئَةٍ لِلذِّمَّةِ وَلَا مَسْقَطَةٍ لِلْقَضَاءِ ، فَكَذَلِكَ نَقُولُ : إِنَّهَا بَاطِلَةٌ بِذَلِكَ الْمَعْنَى ، غَيْرَ أَنَّ هُنَا نَظَرًا ; فَإِنَّ كَوْنَ الْعِبَادَةِ بَاطِلَةً ; إِنَّمَا هُوَ لِمُخَالَفَتِهَا لِمَا قَصَدَ الشَّارِعُ فِيهَا حَسْبَمَا هُوَ مُبَيَّنٌ فِي مَوْضِعِهِ ، وَلَكِنْ قَدْ تَكُونُ الْمُخَالَفَةُ رَاجِعَةً إِلَى نَفْسِ الْعِبَادَةِ فَيُطْلَقُ عَلَيْهَا لَفْظُ الْبُطْلَانِ إِطْلَاقًا ; كَالصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ نِيَّةٍ أَوْ نَاقِصَةً رَكْعَةٍ أَوْ سَجْدَةٍ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِمَّا يُخِلُّ بِهَا مِنَ الْأَصْلِ ، وَقَدْ تَكُونُ رَاجِعَةً إِلَى وَصْفٍ خَارِجِيٍّ مُنْفَكٍّ عَنْ حَقِيقَتِهَا وَإِنْ كَانَتْ
[ ص: 453 ] مُتَّصِفَةً بِهِ ;
nindex.php?page=treesubj&link=24348كَالصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ مَثَلًا ; فَيَقَعُ الِاجْتِهَادُ : فِي اعْتِبَارِ الِانْفِكَاكِ ; فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ لِأَنَّهَا وَاقِعَةٌ عَلَى الْمُوَافَقَةِ لِلشَّارِعِ ، وَلَا يَضُرُّ حُصُولُ الْمُخَالَفَةِ مِنْ جِهَةِ الْوَصْفِ .
أَوْ فِي اعْتِبَارِ الِاتِّصَافِ ، فَلَا تَصِحُّ بَلْ تَكُونُ فِي الْحُكْمِ بَاطِلَةً مِنْ جِهَةِ أَنَّ الصَّلَاةَ الْمُوَافِقَةَ إِنَّمَا هِيَ الْمُنْفَكَّةُ عَنْ هَذَا الْوَصْفِ ، وَلَيْسَ الصَّلَاةُ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ كَذَلِكَ ; ، وَهَكَذَا سَائِرُ مَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا .
وَنَقُولُ أَيْضًا فِي الْعَادَاتِ : إِنَّهَا بَاطِلَةٌ ، بِمَعْنَى عَدَمِ حُصُولِ فَوَائِدِهَا بِهَا شَرْعًا ; مِنْ حُصُولِ أَمْلَاكٍ وَاسْتِبَاحَةِ فُرُوجٍ ، وَانْتِفَاعٍ بِالْمَطْلُوبِ ، وَلَمَّا كَانَتِ الْعَادِيَّاتُ فِي الْغَالِبِ رَاجِعَةً إِلَى مَصَالِحِ الدُّنْيَا ; كَانَ النَّظَرُ فِيهَا رَاجِعًا إِلَى اعْتِبَارَيْنِ : أَحَدُهُمَا : مِنْ حَيْثُ هِيَ أُمُورٌ مَأْذُونٌ فِيهَا أَوْ مَأْمُورٌ بِهَا شَرْعًا .
وَالثَّانِي : مِنْ حَيْثُ هِيَ رَاجِعَةٌ إِلَى مَصَالِحِ الْعِبَادِ .
فَأَمَّا الْأَوَّلُ ; فَاعْتَبَرَهُ قَوْمٌ بِإِطْلَاقٍ ، وَأَهْمَلُوا النَّظَرَ فِي جِهَةِ الْمَصَالِحِ ، وَجَعَلُوا مُخَالَفَةَ أَمْرِهِ مُخَالَفَةً لِقَصْدِهِ بِإِطْلَاقٍ ; كَالْعِبَادَاتِ الْمَحْضَةِ سَوَاءً ، وَكَأَنَّهُمْ مَالُوا إِلَى جِهَةِ التَّعَبُّدِ ـ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ " الْمَقَاصِدِ " بَيَانُ أَنَّ فِي كُلِّ مَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ تَعَبُّدًا ـ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ; فَمُوَاجَهَةُ أَمْرِ الشَّارِعِ بِالْمُخَالَفَةِ يَقْضِي بِالْخُرُوجِ فِي ذَلِكَ الْفِعْلِ عَنْ مُقْتَضَى خِطَابِهِ ، وَالْخُرُوجُ فِي الْأَعْمَالِ عَنْ خِطَابِ الشَّارِعِ يَقْضِي بِأَنَّهَا غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ ، وَغَيْرُ الْمَشْرُوعِ بَاطِلٌ ، فَهَذَا كَذَلِكَ ; كَمَا لَمْ تَصِحَّ
[ ص: 454 ] الْعِبَادَاتُ الْخَارِجَةُ عَنْ مُقْتَضَى خِطَابِ الشَّارِعِ .
وَأَمَّا الثَّانِي : فَاعْتَبَرَهُ قَوْمٌ أَيْضًا لَا مَعَ إِهْمَالِ الْأَوَّلِ ، بَلْ جَعَلُوا الْأَمْرَ مُنَزَّلًا عَلَى اعْتِبَارِ الْمَصْلَحَةِ ، بِمَعْنَى أَنَّ الْمَعْنَى الَّذِي لِأَجْلِهِ كَانَ الْعَمَلُ بَاطِلًا يُنْظَرُ فِيهِ ; فَإِنْ كَانَ حَاصِلًا أَوْ فِي حُكْمِ الْحَاصِلِ ، بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُ التَّلَافِي فِيهِ ; بَطَلَ الْعَمَلُ مِنْ أَصْلِهِ ، وَهُوَ الْأَصْلُ فِيمَا نَهَى الشَّرْعُ عَنْهُ ; لِأَنَّ النَّهْيَ يَقْتَضِي أَنْ لَا مَصْلَحَةَ لِلْمُكَلَّفِ فِيهِ ، وَإِنْ ظَهَرَتْ مَصْلَحَتُهُ لِبَادِئِ الرَّأْيِ ، فَقَدْ عَلِمَ اللَّهُ أَنْ لَا مَصْلَحَةَ فِي الْإِقْدَامِ ، وَإِنْ ظَنَّهَا الْعَامِلُ ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ وَلَا كَانَ فِي حُكْمِ الْحَاصِلِ ، لَكِنْ أَمْكَنَ تَلَافِيهِ ، لَمْ يَحْكُمْ بِإِبْطَالِ ذَلِكَ الْعَمَلِ ; كَمَا يَقُولُ
مَالِكٌ [ ص: 455 ] فِي
nindex.php?page=treesubj&link=7517بَيْعِ الْمُدَبَّرِ : إِنَّهُ يُرَدُّ إِلَّا أَنْ يُعْتِقَهُ الْمُسْتَرِقُ فَلَا يُرَدُّ ; فَإِنَّ الْبَيْعَ إِنَّمَا مُنِعَ لِحَقِّ الْعَبْدِ فِي الْعِتْقِ أَوْ لِحَقِّ اللَّهِ فِي الْعِتْقِ الَّذِي انْعَقَدَ سَبَبُهُ مِنْ سَيِّدِهِ وَهُوَ التَّدْبِيرُ ; فَإِنَّ الْبَيْعَ يُفِيتُهُ فِي الْغَالِبِ بَعْدَ مَوْتِ السَّيِّدِ ، فَإِذَا أَعْتَقَهُ الْمُشْتَرِي حَصَلَ قَصْدُ الشَّارِعِ فِي الْعِتْقِ ; فَلَمْ يُرَدُّ لِذَلِكَ ، وَكَذَلِكَ الْكِتَابَةُ الْفَاسِدَةُ تُرَدُّ مَا لَمْ يَعْتِقِ الْمُكَاتَبُ ، وَكَذَلِكَ بَيْعُ الْغَاصِبِ لِلْمَغْصُوبِ مَوْقُوفٌ عَلَى إِجَازَةِ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ أَوْ رَدِّهِ لِأَنَّ الْمَنْعَ إِنَّمَا كَانَ لِحَقِّهِ ، فَإِذَا أَجَازَهُ جَازَ ، وَمِثْلُهُ
nindex.php?page=treesubj&link=4902الْبَيْعُ وَالسَّلَفُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ ، فَإِذَا أَسْقَطَ مُشْتَرِطُ السَّلَفِ شَرْطَهُ جَازَ مَا عَقَدَاهُ ، وَمَضَى عَلَى بَعْضِ الْأَقْوَالِ ، وَقَدْ يَتَلَافَى بِإِسْقَاطِ الشَّرْطِ شَرْعًا ، كَمَا فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=216بَرِيرَةَ ، وَعَلَى مُقْتَضَاهُ جَرَى الْحَنَفِيَّةُ فِي تَصْحِيحِ الْعُقُودِ الْفَاسِدَةِ كَنِكَاحِ الشَّغَارِ ، وَالدِّرْهَمِ بِالدِّرْهَمَيْنِ ، وَنَحْوَهُمَا إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْعُقُودِ الَّتِي هِيَ بَاطِلَةٌ عَلَى وَجْهٍ ; فَيُزَالُ ذَلِكَ الْوَجْهُ فَتَمْضِي الْعُقْدَةُ ، فَمَعْنَى هَذَا الْوَجْهِ أَنَّ نَهْيَ الشَّارِعِ كَانَ لِأَمْرٍ ، فَلَمَّا زَالَ ذَلِكَ الْأَمْرُ ارْتَفَعَ النَّهْيُ ، فَصَارَ الْعَقْدُ مُوَافِقًا لِقَصْدِ الشَّارِعِ ; إِمَّا عَلَى حُكْمِ الِانْعِطَافِ إِنْ قَدَّرْنَا رُجُوعَ الصِّحَّةِ إِلَى الْعَقْدِ الْأَوَّلِ أَوْ غَيْرِ حُكْمِ الِانْعِطَافِ إِنْ قُلْنَا : إِنَّ تَصْحِيحَهُ وَقَعَ الْآنَ لَا قَبْلُ ، وَهَذَا الْوَجْهُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَصَالِحَ الْعِبَادِ مُغَلَّبَةٌ عَلَى حُكْمِ التَّعَبُّدِ .
وَالثَّانِي مِنَ الْإِطْلَاقَيْنِ : أَنْ يُرَادَ بِالْبُطْلَانِ عَدَمُ تَرَتُّبِ آثَارِ الْعَمَلِ عَلَيْهِ فِي
[ ص: 456 ] الْآخِرَةِ ، وَهُوَ الثَّوَابُ ، وَيُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي الْعِبَادَاتِ وَالْعَادَاتِ .
فَتَكُونُ الْعِبَادَةُ بَاطِلَةً بِالْإِطْلَاقِ الْأَوَّلِ ; فَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا جَزَاءٌ ; لِأَنَّهَا غَيْرُ مُطَابِقَةٍ لِمُقْتَضَى الْأَمْرِ بِهَا ، وَقَدْ تَكُونُ صَحِيحَةً بِالْإِطْلَاقِ الْأَوَّلِ ، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ثَوَابٌ أَيْضًا .
فَالْأَوَّلُ :
nindex.php?page=treesubj&link=18690كَالْمُتَعَبِّدِ رِئَاءَ النَّاسِ ; فَإِنَّ تِلْكَ الْعِبَادَةَ غَيْرُ مُجْزِئَةٍ ، وَلَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا ثَوَابٌ .
وَالثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=23515كَالْمُتَصَدِّقِ بِالصَّدَقَةِ يُتْبِعُهَا بِالْمَنِّ وَالْأَذَى ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=264يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُبْطِلُوا صَدَقَاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذَى كَالَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَاءَ النَّاسِ الْآيَةَ [ الْبَقَرَةِ : 264 ] .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=65لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ [ الزُّمَرِ : 65 ] .
وَفِي الْحَدِيثِ :
أَبْلِغِي nindex.php?page=showalam&ids=68زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَدْ أَبْطَلَ جِهَادَهُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ إِنْ لَمْ يَتُبْ .
[ ص: 457 ] عَلَى تَأْوِيلِ مَنْ جَعَلَ الْإِبْطَالَ حَقِيقَةً .
[ ص: 458 ] وَتَكُونُ أَعْمَالُ الْعَادَاتِ بَاطِلَةً أَيْضًا ; بِمَعْنَى عَدَمِ تَرَتُّبِ الثَّوَابِ عَلَيْهَا ، سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَكَانَتْ بَاطِلَةً بِالْإِطْلَاقِ الْأَوَّلِ أَمْ لَا ; فَالْأَوَّلُ كَالْعُقُودِ الْمَفْسُوخَةِ شَرْعًا ، وَالثَّانِي كَالْأَعْمَالِ الَّتِي يَكُونُ الْحَامِلُ عَلَيْهَا مُجَرَّدَ الْهَوَى وَالشَّهْوَةِ مِنْ غَيْرِ الْتِفَاتٍ إِلَى خِطَابِ الشَّارِعِ فِيهَا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنَّوْمِ وَأَشْبَاهِهَا ، وَالْعُقُودِ الْمُنْعَقِدَةِ بِالْهَوَى ، وَلَكِنَّهَا وَافَقَتِ الْأَمْرَ أَوِ الْإِذْنَ الشَّرْعِيَّ بِحُكْمِ الِاتِّفَاقِ لَا بِالْقَصْدِ إِلَى ذَلِكَ ; فَهِيَ أَعْمَالٌ مُقَرَّةٌ شَرْعًا لِمُوَافَقَتِهَا لِلْأَمْرِ أَوِ الْإِذْنِ ; لِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَصْلَحَةِ فِي الدُّنْيَا ، فَرُوعِيَ فِيهَا هَذَا الْمِقْدَارُ مِنْ حَيْثُ وَافَقَتْ قَصْدَ الشَّارِعِ فِيهِ ، وَتَبْقَى جِهَةُ قَصْدِ الِامْتِثَالِ مَفْقُودَةً ; فَيَكُونُ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا فِي الْآخِرَةِ مَفْقُودًا أَيْضًا ; لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ .
وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذِهِ الْأَعْمَالَ الَّتِي كَانَ الْبَاعِثُ عَلَيْهَا الْهَوَى الْمُجَرَّدَ ، إِنْ وَافَقَتْ قَصْدَ الشَّارِعِ بَقِيَتْ بِبَقَاءِ حَيَاةِ الْعَامِلِ ; فَإِذَا خَرَجَ مِنَ الدُّنْيَا فَنِيَتْ بِفَنَاءِ الدُّنْيَا وَبَطَلَتْ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=96مَا عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَمَا عِنْدَ اللَّهِ بَاقٍ [ النَّحْلِ : 96 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=20مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ [ الشُّورَى : 20 ] .
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=20أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُمْ بِهَا [ الْأَحْقَافِ : 20 ] .
وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا هُوَ نَصٌّ أَوْ ظَاهِرٌ أَوْ فِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى ; فَمِنْ هُنَا أَخَذَ مَنْ تَقَدَّمَ بِالْحَزْمِ فِي الْأَعْمَالِ الْعَادِيَّةِ أَنْ يُضِيفُوا إِلَيْهَا قَصْدًا يَجِدُونَ بِهِ أَعْمَالَهُمْ فِي الْآخِرَةِ . وَانْظُرْ فِي الْإِحْيَاءِ وَغَيْرِهِ .