[ ص: 464 ] النوع الخامس في العزائم والرخص .
والنظر فيه في مسائل : المسألة الأولى
nindex.php?page=treesubj&link=20658العزيمة : ما شرع من الأحكام الكلية ابتداء .
ومعنى كونها " كلية " أنها لا تختص ببعض المكلفين من حيث هم مكلفون دون بعض ، ولا ببعض الأحوال دون بعض ; كالصلاة مثلا ; فإنها مشروعة على الإطلاق والعموم في كل شخص وفي كل حال ، وكذلك الصوم والزكاة والحج والجهاد وسائر شعائر الإسلام الكلية ، ويدخل تحت هذا ما شرع لسبب مصلحي في الأصل ; كالمشروعات المتوصل بها إلى إقامة مصالح الدارين من البيع ، والإجارة ، وسائر عقود المعاوضات ، وكذلك أحكام الجنايات ، والقصاص ، والضمان ، وبالجملة جميع كليات الشريعة .
ومعنى " شرعيتها ابتداء " أن يكون قصد الشارع بها إنشاء
[ ص: 465 ] الأحكام التكليفية على العباد من أول الأمر ، فلا يسبقها حكم شرعي قبل ذلك ، فإن سبقها وكان منسوخا بهذا الأخير ، كان هذا الأخير كالحكم الابتدائي تمهيدا للمصالح الكلية العامة .
ولا يخرج عن هذا ما كان من الكليات واردا على سبب ; فإن الأسباب قد تكون مفقودة قبل ذلك ، فإذا وجدت اقتضت أحكاما ; كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104يا أيها الذين آمنوا لا تقولوا راعنا [ البقرة : 104 ] .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=108ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله [ الأنعام : 108 ] .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198ليس عليكم جناح أن تبتغوا فضلا من ربكم [ البقرة : 198 ] .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187علم الله أنكم كنتم تختانون أنفسكم الآية [ البقرة : 187 ] .
وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه ومن تأخر فلا إثم عليه [ البقرة : 203 ] .
وما كان مثل ذلك ; فإنه تمهيد لأحكام وردت [ شيئا ] بعد شيء بحسب
[ ص: 466 ] الحاجة إلى ذلك ; فكل هذا يشمله اسم العزيمة ; فإنه شرع ابتدائي حكما ، كما أن المستثنيات من العمومات وسائر المخصوصات كليات ابتدائية أيضا ; كقوله [ تعالى ] :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا ألا يقيما حدود الله [ البقرة : 229 ] .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19ولا تعضلوهن لتذهبوا ببعض ما آتيتموهن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة [ النساء : 19 ] .
وقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فاقتلوا المشركين [ التوبة : 5 ] .
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337441ونهى - صلى الله عليه وسلم ـ عن قتل النساء والصبيان ، هذا وما أشبهه من العزائم ; لأنه راجع إلى أحكام كلية ابتدائية .
[ ص: 464 ] النَّوْعُ الْخَامِسُ فِي الْعَزَائِمِ وَالرُّخَصِ .
وَالنَّظَرُ فِيهِ فِي مَسَائِلَ : الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى
nindex.php?page=treesubj&link=20658الْعَزِيمَةُ : مَا شُرِعَ مِنَ الْأَحْكَامِ الْكُلِّيَّةِ ابْتِدَاءً .
وَمَعْنَى كَوْنِهَا " كُلِّيَّةً " أَنَّهَا لَا تَخْتَصُّ بِبَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ حَيْثُ هُمْ مُكَلَّفُونَ دُونَ بَعْضٍ ، وَلَا بِبَعْضِ الْأَحْوَالِ دُونَ بَعْضٍ ; كَالصَّلَاةِ مَثَلًا ; فَإِنَّهَا مَشْرُوعَةٌ عَلَى الْإِطْلَاقِ وَالْعُمُومِ فِي كُلِّ شَخْصٍ وَفِي كُلِّ حَالٍ ، وَكَذَلِكَ الصَّوْمُ وَالزَّكَاةُ وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ وَسَائِرُ شَعَائِرِ الْإِسْلَامِ الْكُلِّيَّةِ ، وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا مَا شُرِعَ لِسَبَبٍ مَصْلَحِيٍّ فِي الْأَصْلِ ; كَالْمَشْرُوعَاتِ الْمُتَوَصَّلِ بِهَا إِلَى إِقَامَةِ مَصَالِحِ الدَّارَيْنِ مِنَ الْبَيْعِ ، وَالْإِجَارَةِ ، وَسَائِرِ عُقُودِ الْمُعَاوَضَاتِ ، وَكَذَلِكَ أَحْكَامُ الْجِنَايَاتِ ، وَالْقِصَاصِ ، وَالضَّمَانِ ، وَبِالْجُمْلَةِ جَمِيعُ كُلِّيَّاتِ الشَّرِيعَةِ .
وَمَعْنَى " شَرْعِيَّتِهَا ابْتِدَاءً " أَنْ يَكُونَ قَصْدُ الشَّارِعِ بِهَا إِنْشَاءَ
[ ص: 465 ] الْأَحْكَامِ التَّكْلِيفِيَّةِ عَلَى الْعِبَادِ مِنْ أَوَّلِ الْأَمْرِ ، فَلَا يَسْبِقُهَا حُكْمٌ شَرْعِيٌّ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَإِنْ سَبَقَهَا وَكَانَ مَنْسُوخًا بِهَذَا الْأَخِيرِ ، كَانَ هَذَا الْأَخِيرُ كَالْحُكْمِ الِابْتِدَائِيِّ تَمْهِيدًا لِلْمَصَالِحِ الْكُلِّيَّةِ الْعَامَّةِ .
وَلَا يَخْرُجُ عَنْ هَذَا مَا كَانَ مِنَ الْكُلِّيَّاتِ وَارِدًا عَلَى سَبَبٍ ; فَإِنَّ الْأَسْبَابَ قَدْ تَكُونُ مَفْقُودَةً قَبْلَ ذَلِكَ ، فَإِذَا وُجِدَتِ اقْتَضَتْ أَحْكَامًا ; كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=104يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا [ الْبَقَرَةِ : 104 ] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=108وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ [ الْأَنْعَامِ : 108 ] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=198لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ [ الْبَقَرَةِ : 198 ] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=187عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ تَخْتَانُونَ أَنْفُسَكُمْ الْآيَةَ [ الْبَقَرَةِ : 187 ] .
وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=203فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ وَمَنْ تَأَخَّرَ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ [ الْبَقَرَةِ : 203 ] .
وَمَا كَانَ مِثْلَ ذَلِكَ ; فَإِنَّهُ تَمْهِيدٌ لِأَحْكَامٍ وَرَدَتْ [ شَيْئًا ] بَعْدَ شَيْءٍ بِحَسَبِ
[ ص: 466 ] الْحَاجَةِ إِلَى ذَلِكَ ; فَكُلُّ هَذَا يَشْمَلُهُ اسْمُ الْعَزِيمَةِ ; فَإِنَّهُ شَرْعٌ ابْتِدَائِيٌّ حُكْمًا ، كَمَا أَنَّ الْمُسْتَثْنَيَاتِ مِنَ الْعُمُومَاتِ وَسَائِرِ الْمَخْصُوصَاتِ كُلِّيَّاتٌ ابْتِدَائِيَّةٌ أَيْضًا ; كَقَوْلِهِ [ تَعَالَى ] :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=229وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلَّا أَنْ يَخَافَا أَلَّا يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ [ الْبَقَرَةِ : 229 ] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=19وَلَا تَعْضُلُوهُنَّ لِتَذْهَبُوا بِبَعْضِ مَا آتَيْتُمُوهُنَّ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ [ النِّسَاءِ : 19 ] .
وَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=5فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ [ التَّوْبَةِ : 5 ] .
nindex.php?page=hadith&LINKID=10337441وَنَهَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ـ عَنْ قَتْلِ النِّسَاءِ وَالصِّبْيَانِ ، هَذَا وَمَا أَشْبَهَهُ مِنَ الْعَزَائِمِ ; لِأَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى أَحْكَامٍ كُلِّيَّةٍ ابْتِدَائِيَّةٍ .