قال
nindex.php?page=showalam&ids=17032أبو عبد الله : nindex.php?page=treesubj&link=30394_30415_30488فكل آية وعد الله المؤمنين فيها الجنة ، وبشرهم بها ، فإنما أراد المؤمنين الذين عملوا الصالحات ، استدلالا بهذه الآيات ، ولو لم يكن ذلك كذلك ، للزمنا أن نثبت الشهادة بالجنة لكل من لزمه اسم الإيمان ، وجرت عليه الأحكام التي أجراها الله على المؤمنين على أي حال مات من تضييع الفرائض ، وارتكاب المحارم بعد أن لا يكفر بالله ، فأما تفرقتهم بين قول الرجل : أنا مؤمن ، وبين قوله : آمنت بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله ، فقالوا : لا يجوز أن يقول : أنا مؤمن حتى يستثنى ، فإنه إن قال : أنا مؤمن بلا استثناء لزمه أن يشهد أنه في الجنة ، ولكنه يقول : آمنت بالله ، وملائكته ، وكتبه ، ورسله .
قلنا : لم نجد بين قوله : أنا مؤمن ، وبين قوله : آمنت بالله فرقا في المعنى ، سواء عليه قال : آمنت بالله ، أو أنا مؤمن بالله ، لأن معنى آمنت فعلت الإيمان ، وأنا مؤمن أنا فاعل الإيمان ، فهو مؤمن .
فإن قالوا : من قال : أنا مؤمن لزمه أن يقول : إني في الجنة ، لأن الله وعد المؤمنين الجنة .
[ ص: 570 ]
قيل : وكذلك من قال : آمنت بالله ، ورسله لزمه أن يقول : إني في الجنة ، لأن الله وعد الذين آمنوا بالله ، ورسله الجنة ، كما وعد المؤمنين الجنة ، قال الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ) .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=12يوم ترى المؤمنين ، والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم ، وبأيمانهم ) .
قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=8يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم ) .
وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=47وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا ) .
وقال في موضع آخر : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2وبشر الذين آمنوا أن لهم قدم صدق عند ربهم ) فبشر الذين آمنوا كما بشر المؤمنين ، ووعد الله الذين آمنوا بالله ، ورسله ، كما وعد المؤمنين ، لا فرق بين الأمرين في كتاب ، ولا سنة ، ولا لغة ، ولا معقول .
فإن قالوا : فإن الله لم يرد بإيجابه الجنة للذين آمنوا بالله ، ورسله كل من لزمه هذا الاسم .
قيل لهم : قد أطلق الله لهم الوعد على هذا الاسم .
[ ص: 571 ]
فمن ثبت له هذا الاسم بوجه من الوجوه ، لزمكم أن توجبوا له الجنة على ظاهر دعواكم في المؤمنين .
فإن قلتم : إنما عنى الله من لم يأت بكبيرة من الذين آمنوا بالله ، ورسله .
قيل لهم : وكذلك عنى بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=47وبشر المؤمنين ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55وعد الله الذين آمنوا منكم وعملوا الصالحات ) بورعهم ، عن الكبائر ، وقيامهم بواجب حق الله ، فكمل لهم الإيمان بذلك ، فوجب لهم الجنة .
* قال
nindex.php?page=showalam&ids=17032أبو عبد الله : وأما احتجاج من احتج بأن الله وصف النبي صلى الله عليه وسلم بالرأفة ، والرحمة للمؤمنين ، ثم قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله ) ، فإن الله عز وجل أوجب على الزانيين الحد ، وأمر بإقامته عليهما ، ونهاهم أن يأخذ بهما رأفة ، فيعطلوا عنهما الحد الذي أوجبه الله عليهما رأفة منهم بهما ، فالرأفة على وجهين : رأفة تدعو إلى تعطيل الحد ، وهي المنهي عنها ، ورأفة تدعو إلى إقامة الحد عليهما ، شفقة عليهما من عذاب الآخرة ، فهذه غير منهي عنها ،
nindex.php?page=treesubj&link=30997_30984فالنبي صلى الله عليه وسلم قد كان بالمؤمنين رؤوفا رحيما ، وكانت رأفته بهم لا تحمله على تعطيل الحدود عنه ، فالرأفة التي تدعو إلى تعطيل الحد منهية عن النبي صلى الله عليه وسلم ، والرأفة التي وجبت للمؤمنين
[ ص: 572 ] بالإيمان هو موصوف بها ، ألا تراه كان يقيم الحدود عليهم مع ظهور شدة ذلك ، ومشقته عليه ، ولولا رحمته ، ورأفته لما شق عليه .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17032أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : nindex.php?page=treesubj&link=30394_30415_30488فَكُلُّ آيَةٍ وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا الْجَنَّةَ ، وَبَشَّرَهُمْ بِهَا ، فَإِنَّمَا أَرَادَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ عَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ، اسْتِدْلَالًا بِهَذِهِ الْآيَاتِ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، لَلَزِمَنَا أَنْ نُثْبِتَ الشَّهَادَةَ بِالْجَنَّةِ لِكُلِّ مَنْ لَزِمَهُ اسْمُ الْإِيمَانِ ، وَجَرَتْ عَلَيْهِ الْأَحْكَامُ الَّتِي أَجْرَاهَا اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ عَلَى أَيِّ حَالٍ مَاتَ مِنْ تَضْيِيعِ الْفَرَائِضِ ، وَارْتِكَابِ الْمَحَارِمِ بَعْدَ أَنْ لَا يَكْفُرَ بِاللَّهِ ، فَأَمَّا تَفْرِقَتُهُمْ بَيْنَ قَوْلِ الرَّجُلِ : أَنَا مُؤْمِنٌ ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ : آمَنْتُ بِاللَّهِ ، وَمَلَائِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ ، فَقَالُوا : لَا يَجُوزُ أَنْ يَقُولَ : أَنَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يُسْتَثْنَى ، فَإِنَّهُ إِنْ قَالَ : أَنَا مُؤْمِنٌ بِلَا اسْتِثْنَاءِ لَزِمَهُ أَنْ يَشْهَدَ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ ، وَلَكِنَّهُ يَقُولُ : آمَنْتُ بِاللَّهِ ، وَمَلَائِكَتِهِ ، وَكُتُبِهِ ، وَرُسُلِهِ .
قُلْنَا : لَمْ نَجِدْ بَيْنَ قَوْلِهِ : أَنَا مُؤْمِنٌ ، وَبَيْنَ قَوْلِهِ : آمَنْتُ بِاللَّهِ فَرْقًا فِي الْمَعْنَى ، سَوَاءٌ عَلَيْهِ قَالَ : آمَنْتُ بِاللَّهِ ، أَوْ أَنَا مُؤْمِنٌ بِاللَّهِ ، لِأَنَّ مَعْنَى آمَنْتُ فَعَلْتُ الْإِيمَانَ ، وَأَنَا مُؤْمِنٌ أَنَا فَاعِلٌ الْإِيمَانَ ، فَهُوَ مُؤْمِنٌ .
فَإِنْ قَالُوا : مَنْ قَالَ : أَنَا مُؤْمِنٌ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ : إِنِّي فِي الْجَنَّةِ ، لِأَنَّ اللَّهَ وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ .
[ ص: 570 ]
قِيلَ : وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ : آمَنْتُ بِاللَّهِ ، وَرُسُلِهِ لَزِمَهُ أَنْ يَقُولَ : إِنِّي فِي الْجَنَّةِ ، لِأَنَّ اللَّهَ وَعَدَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ، وَرُسُلِهِ الْجَنَّةَ ، كَمَا وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ الْجَنَّةَ ، قَالَ اللَّهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=21وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ) .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=12يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ ، وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ ، وَبِأَيْمَانِهِمْ ) .
قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=8يَوْمَ لا يُخْزِي اللَّهُ النَّبِيَّ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ نُورُهُمْ يَسْعَى بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ ) .
وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=47وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّ لَهُمْ مِنَ اللَّهِ فَضْلا كَبِيرًا ) .
وَقَالَ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=2وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) فَبَشَّرَ الَّذِينَ آمَنُوا كَمَا بَشَّرَ الْمُؤْمِنِينَ ، وَوَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ، وَرُسُلِهِ ، كَمَا وَعَدَ الْمُؤْمِنِينَ ، لَا فَرْقَ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ فِي كِتَابٍ ، وَلَا سُنَّةٍ ، وَلَا لُغَةٍ ، وَلَا مَعْقُولٍ .
فَإِنْ قَالُوا : فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يُرِدْ بِإِيجَابِهِ الْجَنَّةَ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ، وَرُسُلِهِ كُلَّ مَنْ لَزِمَهُ هَذَا الِاسْمُ .
قِيلَ لَهُمْ : قَدْ أَطْلَقَ اللَّهُ لَهُمُ الْوَعْدَ عَلَى هَذَا الِاسْمِ .
[ ص: 571 ]
فَمَنْ ثَبَتَ لَهُ هَذَا الِاسْمُ بِوَجْهٍ مِنَ الْوُجُوهِ ، لَزِمَكُمْ أَنْ تُوجِبُوا لَهُ الْجَنَّةَ عَلَى ظَاهِرِ دَعْوَاكُمْ فِي الْمُؤْمِنِينَ .
فَإِنْ قُلْتُمْ : إِنَّمَا عَنَى اللَّهُ مَنْ لَمْ يَأْتِ بِكَبِيرَةٍ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ، وَرُسُلِهِ .
قِيلَ لَهُمْ : وَكَذَلِكَ عَنَى بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=47وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ ) و (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=55وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) بِوَرَعِهِمْ ، عَنِ الْكَبَائِرِ ، وَقِيَامِهِمْ بِوَاجِبِ حَقِّ اللَّهِ ، فَكَمُلَ لَهُمُ الْإِيمَانُ بِذَلِكَ ، فَوَجَبَ لَهُمُ الْجَنَّةُ .
* قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17032أَبُو عَبْدِ اللَّهِ : وَأَمَّا احْتِجَاجُ مَنِ احْتَجَّ بِأَنَّ اللَّهَ وَصَفَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالرَّأْفَةِ ، وَالرَّحْمَةِ لِلْمُؤْمِنِينَ ، ثُمَّ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ ) ، فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوْجَبَ عَلَى الزَّانِيَيْنِ الْحَدَّ ، وَأَمَرَ بِإِقَامَتِهِ عَلَيْهِمَا ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَأْخُذَ بِهِمَا رَأْفَةٌ ، فَيُعَطِّلُوا عَنْهُمَا الْحَدَّ الَّذِي أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهِمَا رَأْفَةً مِنْهُمْ بِهِمَا ، فَالرَّأْفَةُ عَلَى وَجْهَيْنِ : رَأْفَةٌ تَدْعُو إِلَى تَعْطِيلِ الْحَدِّ ، وَهِيَ الْمَنْهِيُّ عَنْهَا ، وَرَأْفَةٌ تَدْعُو إِلَى إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِمَا ، شَفَقَةً عَلَيْهِمَا مِنْ عَذَابِ الْآخِرَةِ ، فَهَذِهِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=30997_30984فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ كَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفًا رَحِيمًا ، وَكَانَتْ رَأْفَتُهُ بِهِمْ لَا تَحْمِلُهُ عَلَى تَعْطِيلِ الْحُدُودِ عَنْهُ ، فَالرَّأْفَةُ الَّتِي تَدْعُو إِلَى تَعْطِيلِ الْحَدِّ مَنْهِيَّةٌ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَالرَّأْفَةُ الَّتِي وَجَبَتْ لِلْمُؤْمِنِينَ
[ ص: 572 ] بِالْإِيمَانِ هُوَ مَوْصُوفٌ بِهَا ، أَلَا تَرَاهُ كَانَ يُقِيمُ الْحُدُودَ عَلَيْهِمْ مَعَ ظُهُورِ شِدَّةِ ذَلِكَ ، وَمَشَقَّتِهِ عَلَيْهِ ، وَلَوْلَا رَحْمَتُهُ ، وَرَأْفَتُهُ لَمَّا شَقَّ عَلَيْهِ .