279 - أنا
أبو طالب : عمر بن إبراهيم بن سعيد الفقيه ، أنا
أبو إسحاق : إبراهيم بن محمد بن الفتح الجلي ، قال : حدثني
أبو ذر : الخضر بن أحمد الطبري ، قال : قال أبي :
أبو العباس أحمد بن أبي أحمد الطبري المعروف بابن القاص : " لا خلاف بين أهل الفقه في
nindex.php?page=treesubj&link=29595_26503قبول خبر الآحاد ، إذا عدلت نقلته ، وسلم من النسخ حكمه ، وإن كانوا متنازعين في شرط ذلك ، وإنما دفع خبر الآحاد بعض أهل الكلام لعجزه - والله أعلم - عن علم السنن ، زعم أنه لا يقبل منها إلا ما تواترت به أخبار من لا يجوز عليه الغلط والنسيان ، وهذا عندنا منه ذريعة إلى إبطال سنن المصطفى - صلى الله عليه وسلم - لوجهين : أحدهما : أن ما شرط من ذلك صفة الأمة المعصومة ، والأمة إذا تطابقت على شيء وجب القول به ، وإن لم يأت خبر .
والثاني : أنه لو طولب بسنة يتحاكم إليها المتنازعان ، تواترت عليها أخبار نقلتها ، وسلمت من خوف النسيان طرقها ، لم يجد إليها سبيلا ، وكانت شبهته في ذلك أنه وجد أخبار السنن آخرها عمن لا يجوز عليه الغلط والنسيان ، وهو النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وكذلك يجب أن يكون أولها
[ ص: 282 ] وأوسطها عن قوم لا يجوز عليهم الغلط والنسيان " ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=17300أبو العباس : " فكان ما اعتذر به ثانيا أفسد من جرمه أولا وأقبح ، وذلك أن آخر هذه الأخبار عمن صحت نبوته وصدقت المعجزات قوله ، فيلزمه على قود اعتلاله أن لا يقبل من الأخبار ، إلا ما روت الأنبياء عن الأنبياء ، وقد نطق الكتاب بتصديق ما اجتبيناه من تصديق خبر الآحاد ، قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون ) ، واسم الطائفة عند العرب قد يقع على دون العدد المعصوم من الزلل ، وقد يلزم الواحد فأكثر قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما ) ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2وليشهد عذابهما طائفة من المؤمنين ) ، فصح أن هذا الاسم ، واقع على العدد القليل .
وفيما تلونا وجهان من الحجة : أحدهما : أن أمر الله إياهم بذلك دليل على أن على المنذرين قبوله ، كما قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وأشهدوا ذوي عدل منكم ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282واستشهدوا شهيدين من رجالكم ) فكان ذلك دليلا على قبول قولهما .
والوجه الثاني : قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122لعلهم يحذرون ) ، فلولا قيام الحجة عليهم ما استوجبوا الحذر ، ومعنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122لعلهم يحذرون ) إيجابا للحذر به - والله
[ ص: 283 ] أعلم - نظير قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=3بل هو الحق من ربك لتنذر قوما ما أتاهم من نذير من قبلك لعلهم يهتدون ) إيجابا للاهتداء عليهم بذلك .
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون ) ، فوجب على العباد أن يعقلوا عن القرآن خطابه حجة لله عليهم .
وحجة أخرى : قول الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين ) الآية ، فكان في
nindex.php?page=treesubj&link=29595_26503أمر الله بالتثبت في خبر الفاسق دلالة واضحة من فحوى الكلام على إمضاء خبر العدل ، والفرق بينه وبين خبر الفاسق ، فلو كانا سيين في التوقف عنهما لأمر بالتثبت في خبرهما ، حتى يبلغ حد التواتر الذي يجب عند المخالفين القول به على مذهبهم ، كما رتب في الشهادات ، وفصل بينهما بأن جعل الشهادات منوطة بأعدادها ، وأطلق الأخبار إطلاقا ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6أن تصيبوا قوما بجهالة ) ، دليل على أن إنفاذنا لقبوله في خبر العدل إصابة بعلم لا بجهل له ، ولئلا نصبح على ما فعلنا نادمين والله أعلم .
279 - أَنَا
أَبُو طَالِبٍ : عُمَرُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ سَعِيدٍ الْفَقِيهُ ، أَنَا
أَبُو إِسْحَاقَ : إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَتْحِ الْجِلِّيُّ ، قَالَ : حَدَّثَنِي
أَبُو ذَرٍّ : الْخَضِرُ بْنُ أَحْمَدَ الطَّبَرِيُّ ، قَالَ : قَالَ أَبِي :
أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ أَبِي أَحْمَدَ الطَّبَرِيُّ الْمَعْرُوفُ بِابْنِ الْقَاصِّ : " لَا خِلَافَ بَيْنَ أَهْلِ الْفِقْهِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29595_26503قَبُولِ خَبَرِ الْآحَادِ ، إِذَا عُدِّلَتْ نَقَلَتُهُ ، وَسَلِمَ مِنَ النَّسْخِ حُكْمُهُ ، وَإِنْ كَانُوا مُتَنَازِعِينَ فِي شَرْطِ ذَلِكَ ، وَإِنَّمَا دَفَعَ خَبَرَ الْآحَادِ بَعْضُ أَهْلِ الْكَلَامِ لِعَجْزِهِ - وَاللَّهُ أَعْلَمُ - عَنْ عَلِمَ السُّنَنِ ، زَعَمَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ مِنْهَا إِلَّا مَا تَوَاتَرَتْ بِهِ أَخْبَارُ مَنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَالنِّسْيَانُ ، وَهَذَا عِنْدَنَا مِنْهُ ذَرِيعَةٌ إِلَى إِبْطَالِ سُنَنِ الْمُصْطَفَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ مَا شَرَطَ مِنْ ذَلِكَ صِفَةُ الْأُمَّةِ الْمَعْصُومَةِ ، وَالْأَمَةُ إِذَا تَطَابَقَتْ عَلَى شَيْءٍ وَجَبَ الْقَوْلُ بِهِ ، وَإِنْ لَمْ يَأْتِ خَبَرٌ .
وَالثَّانِي : أَنَّهُ لَوْ طُولِبَ بِسُنَّةٍ يَتَحَاكَمُ إِلَيْهَا الْمُتَنَازِعَانِ ، تَوَاتَرَتْ عَلَيْهَا أَخْبَارُ نَقَلَتِهَا ، وَسَلِمَتْ مِنْ خَوْفِ النِّسْيَانِ طُرُقُهَا ، لَمْ يَجِدْ إِلَيْهَا سَبِيلًا ، وَكَانَتْ شُبْهَتُهُ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ وَجَدَ أَخْبَارَ السُّنَنِ آخِرَهَا عَمَّنْ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ الْغَلَطُ وَالنِّسْيَانُ ، وَهُوَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ أَوَّلُهَا
[ ص: 282 ] وَأَوْسَطُهَا عَنْ قَوْمٍ لَا يَجُوزُ عَلَيْهِمُ الْغَلَطُ وَالنِّسْيَانُ " ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=17300أَبُو الْعَبَّاسِ : " فَكَانَ مَا اعْتَذَرَ بِهِ ثَانِيًا أَفْسَدَ مِنْ جُرْمِهِ أَوَّلًا وَأَقْبَحَ ، وَذَلِكَ أَنَّ آخِرَ هَذِهِ الْأَخْبَارِ عَمَّنْ صَحَّتْ نُبُوَّتُهُ وَصَدَّقَتِ الْمُعْجِزَاتُ قَوْلَهُ ، فَيَلْزَمُهُ عَلَى قَوَدِ اعْتِلَالِهِ أَنْ لَا يَقْبَلَ مِنَ الْأَخْبَارِ ، إِلَّا مَا رَوَتِ الْأَنْبِيَاءُ عَنِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَقَدْ نَطَقَ الْكِتَابُ بِتَصْدِيقِ مَا اجْتَبَيْنَاهُ مِنْ تَصْدِيقِ خَبَرِ الْآحَادِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ، وَاسْمُ الطَّائِفَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ قَدْ يَقَعُ عَلَى دُونِ الْعَدَدِ الْمَعْصُومِ مِنَ الزَّلَلِ ، وَقَدْ يَلْزَمُ الْوَاحِدَ فَأَكْثَرَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=9وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا ) ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) ، فَصَحَّ أَنَّ هَذَا الِاسْمَ ، وَاقِعٌ عَلَى الْعَدَدِ الْقَلِيلِ .
وَفِيمَا تَلَوْنَا وَجْهَانِ مِنَ الْحُجَّةِ : أَحَدُهُمَا : أَنَّ أَمْرَ اللَّهِ إِيَّاهُمْ بِذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَلَى الْمُنْذَرِينَ قَبُولَهُ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ) ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ ) فَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى قَبُولِ قَوْلِهِمَا .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي : قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) ، فَلَوْلَا قِيَامُ الْحِجَّةِ عَلَيْهِمْ مَا اسْتَوْجَبُوا الْحَذَرَ ، وَمَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ) إِيجَابًا لِلْحَذَرِ بِهِ - وَاللَّهُ
[ ص: 283 ] أَعْلَمُ - نَظِيرَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=3بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْمًا مَا أَتَاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ ) إِيجَابًا لِلِاهْتِدَاءِ عَلَيْهِمْ بِذَلِكَ .
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) ، فَوَجَبَ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْقِلُوا عَنِ الْقُرْآنِ خِطَابَهُ حُجَّةً لِلَّهِ عَلَيْهِمْ .
وَحُجَّةً أُخْرَى : قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ) الْآيَةُ ، فَكَانَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=29595_26503أَمْرِ اللَّهِ بِالتَّثَبُّتِ فِي خَبَرِ الْفَاسِقِ دَلَالَةٌ وَاضِحَةٌ مِنْ فَحْوَى الْكَلَامِ عَلَى إِمْضَاءِ خَبَرِ الْعَدْلِ ، وَالْفَرَقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَبَرِ الْفَاسِقِ ، فَلَوْ كَانَا سِيَّيْنِ فِي التَّوَقُّفِ عَنْهُمَا لَأَمَرَ بِالتَّثَبُّتِ فِي خَبَرِهِمَا ، حَتَّى يَبْلُغَ حَدَّ التَّوَاتُرِ الَّذِي يَجِبُ عِنْدَ الْمُخَالِفِينَ الْقَوْلَ بِهِ عَلَى مَذْهَبِهِمْ ، كَمَا رَتَّبَ فِي الشَّهَادَاتِ ، وَفَصَلَ بَيْنَهُمَا بِأَنْ جَعَلَ الشَّهَادَاتِ مَنُوطَةً بِأَعْدَادِهَا ، وَأَطْلَقَ الْأَخْبَارَ إِطْلَاقًا ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ ) ، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ إِنْفَاذَنَا لِقَبُولِهِ فِي خَبَرِ الْعَدْلِ إِصَابَةٌ بِعِلْمٍ لَا بِجَهْلٍ لَهُ ، وَلِئَلَّا نُصْبِحَ عَلَى مَا فَعَلْنَا نَادِمِينَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ .