الشبهة الرابعة: أن قوما منهم وقع لهم أن المراد رياضة النفوس لتخلص من أكدارها المردية فلما راضوها مدة ورأوا تعذر الصفاء قالوا ما لنا نتعب أنفسنا في أمر لا يحصل لبشر فتركوا العمل، وكشف هذا التلبيس أنهم ظنوا أن المراد قمع ما في البواطن من الصفات البشرية مثل قمع الشهوة والغضب وغير ذلك، وليس هذا مراد الشرع ولا يتصور إزالة ما في الطبع بالرياضة وإنما خلقت الشهوات لفائدة إذ لولا شهوة الطعام هلك الإنسان، ولولا شهوة النكاح انقطع النسل، ولولا الغضب لم يدفع الإنسان عن نفسه ما يؤذيه وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=34356حب المال مركوز في الطباع لأنه يوصل إلى الشهوات وإنما المراد من الرياضة كف النفس عما يؤذي من جميع ذلك وردها إلى الاعتدال فيه، وقد
nindex.php?page=treesubj&link=32514مدح الله عز وجل من نهى النفس عن الهوى وإنما تنتهي عما تطلبه ولو كان طلبه قد زال عن طبعها ما احتاج الإنسان إلى نهبها، وقد قال الله عز وجل: (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134والكاظمين الغيظ ) وما قال والفاقدين الغيظ والكظم رد الغيظ يقال كظم البعير على جرته إذا ردها في حلقه فمدح من رد النفس عن العمل بمقتضى هيجان الغيظ فمن ادعى أن الرياضة تغير الطباع ادعى المحال وإنما المقصود بالرياضة كسر شره شهوة النفس والغضب لا إزالة أصلها والمرتاض كالطبيب العاقل عند حضور الطعام يتناول ما يصلحه ويكف عما يؤذيه وعادم الرياضة كالصبي الجاهل يأكل ما يشتهي ولا يبالي بما جنى.
الشُّبْهَةُ الرَّابِعَةُ: أَنَّ قَوْمًا مِنْهُمْ وَقَعَ لَهُمْ أَنَّ الْمُرَادَ رِيَاضَةُ النُّفُوسِ لِتَخْلُصَ مِنْ أَكْدَارِهَا الْمُرْدِيَةِ فَلَمَّا رَاضَوْهَا مُدَّةً وَرَأَوْا تَعَذُّرَ الصَّفَاءِ قَالُوا مَا لَنَا نُتْعِبُ أَنْفُسَنَا فِي أَمْرٍ لَا يَحْصُلُ لِبَشَرٍ فَتَرَكُوا الْعَمَلَ، وَكَشَفَ هَذَا التَّلْبِيسَ أَنَّهُمْ ظَنُّوا أَنَّ الْمُرَادَ قَمْعُ مَا فِي الْبَوَاطِنِ مِنَ الصِّفَاتِ الْبَشَرِيَّةِ مِثْلَ قَمْعِ الشَّهْوَةِ وَالْغَضَبِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَلَيْسَ هَذَا مُرَادَ الشَّرْعِ وَلَا يُتَصَوَّرُ إِزَالَةُ مَا فِي الطَّبْعِ بِالرِّيَاضَةِ وَإِنَّمَا خُلِقَتِ الشَّهَوَاتُ لِفَائِدَةٍ إِذْ لَوْلَا شَهْوَةُ الطَّعَامِ هَلَكَ الْإِنْسَانُ، وَلَوْلَا شَهْوَةُ النِّكَاحِ انْقَطَعَ النَّسْلُ، وَلَوْلَا الْغَضَبُ لَمْ يَدْفَعِ الْإِنْسَانُ عَنْ نَفْسِهِ مَا يُؤْذِيهِ وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=34356حُبُّ الْمَالِ مَرْكُوزٌ فِي الطِّبَاعِ لِأَنَّهُ يُوَصِّلُ إِلَى الشَّهَوَاتِ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ مِنَ الرِّيَاضَةِ كَفُّ النَّفْسِ عَمَّا يُؤْذِي مِنْ جَمِيعِ ذَلِكَ وَرَدُّهَا إِلَى الِاعْتِدَالِ فِيهِ، وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=32514مَدَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَنْ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى وَإِنَّمَا تَنْتَهِي عَمَّا تَطْلُبُهُ وَلَوْ كَانَ طَلَبُهُ قَدْ زَالَ عَنْ طَبْعِهَا مَا احْتَاجَ الْإِنْسَانُ إِلَى نَهْبِهَا، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=134وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ ) وَمَا قَالَ وَالْفَاقِدِينَ الْغَيْظَ وَالْكَظْمُ رَدُّ الْغَيْظِ يُقَالُ كَظَمَ الْبَعِيرَ عَلَى جَرَّتِهِ إِذَا رَدَّهَا فِي حَلْقِهِ فَمَدَحَ مَنْ رَدَّ النَّفْسَ عَنِ الْعَمَلِ بِمُقْتَضَى هَيَجَانِ الْغَيْظِ فَمَنِ ادَّعَى أَنَّ الرِّيَاضَةَ تُغَيِّرُ الطِّبَاعَ ادَّعَى الْمُحَالَ وَإِنَّمَا الْمَقْصُودُ بِالرِّيَاضَةِ كَسْرُ شَرَهِ شَهْوَةِ النَّفْسِ وَالْغَضَبِ لَا إِزَالَةُ أَصْلِهَا وَالْمُرْتَاضُ كَالطَّبِيبِ الْعَاقِلِ عِنْدَ حُضُورِ الطَّعَامِ يَتَنَاوَلُ مَا يُصْلِحُهُ وَيَكُفُّ عَمَّا يُؤْذِيهِ وَعَادِمُ الرِّيَاضَةِ كَالصَّبِيِّ الْجَاهِلِ يَأْكُلُ مَا يَشْتَهِي وَلَا يُبَالِي بِمَا جَنَى.