وينبغي أن يعرف أن عامة من ضل في هذا الباب أو عجز فيه
[ ص: 9 ] عن معرفة الحق ، فإنما هو لتفريطه في اتباع ما جاء به الرسول ، وترك النظر والاستدلال الموصل إلى معرفته . فلما أعرضوا عن كتاب الله ضلوا ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=123nindex.php?page=treesubj&link=28991_29613فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=124ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=125قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=126قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى ( طه : 123 126 ) .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنه : تكفل الله لمن قرأ القرآن وعمل بما فيه ، أن لا يضل في الدنيا ، ولا يشقى في الآخرة ثم قرأ هذه الآية .
وكما في الحديث الذي رواه
الترمذي وغيره عن
علي رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964172إنها ستكون فتن قلت : nindex.php?page=treesubj&link=32233فما المخرج منها يا رسول الله ؟ قال : كتاب الله ، فيه نبأ ما قبلكم ، وخبر ما بعدكم ، وحكم ما بينكم ، هو الفصل ، ليس بالهزل ، من تركه من [ ص: 10 ] جبار قصمه الله ، ومن ابتغى الهدى في غيره أضله الله ، وهو حبل الله المتين ، وهو الذكر الحكيم ، وهو الصراط المستقيم ، وهو الذي لا تزيغ به الأهواء ، ولا تلتبس به الألسن ، ولا تنقضي عجائبه ، ولا يشبع منه العلماء ، من قال به صدق ، ومن عمل به أجر ، ومن حكم به عدل ، ومن دعا إليه هدي إلى صراط مستقيم إلى غير ذلك من الآيات والأحاديث ، الدالة على مثل هذا المعنى .
[ ص: 11 ] ولا يقبل الله من الأولين والآخرين دينا يدينونه ، إلا أن يكون موافقا لدينه الذي شرعه على ألسنة رسله عليهم السلام .
وقد نزه الله تعالى نفسه عما يصفه به العباد ، إلا ما وصفه به المرسلون بقوله سبحانه :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=180سبحان ربك رب العزة عما يصفون nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=181وسلام على المرسلين nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=182والحمد لله رب العالمين ( الصافات : 180 - 182 ) . فنزه نفسه سبحانه عما يصفه به الكافرون ، ثم سلم على المرسلين ، لسلامة ما وصفوه به من النقائص والعيوب ، ثم حمد نفسه على تفرده بالأوصاف التي يستحق عليها كمال الحمد .
ومضى على ما كان عليه الرسول صلى الله عليه وسلم خير القرون ، وهم
الصحابة والتابعون لهم بإحسان ، يوصي به الأول الآخر ويقتدي فيه اللاحق بالسابق . وهم في ذلك كله بنبيهم
محمد صلى الله عليه وسلم مقتدون ، وعلى منهاجه سالكون ، كما قال تعالى في كتابه العزيز :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني ( يوسف : 108 ) . فإن كان قوله . ومن اتبعني معطوفا على الضمير في أدعو ، فهو دليل على أن أتباعه هم الدعاة إلى الله . وإن كان معطوفا على الضمير المنفصل ، فهو صريح أن أتباعه هم
أهل البصيرة فيما جاء به دون غيرهم ، وكلا المعنيين حق .
وقد بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم البلاغ المبين ، وأوضح الحجة للمستبصرين ، وسلك سبيله خير القرون .
ثم خلف من بعدهم خلف اتبعوا أهواءهم ،
[ ص: 12 ] وافترقوا ، فأقام الله لهذه الأمة من يحفظ عليها أصول دينها ، كما أخبر الصادق صلى الله عليه وسلم بقوله :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964173لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق ، لا يضرهم من خذلهم .
وَيَنْبَغِي أَنْ يُعْرَفَ أَنَّ عَامَّةَ مَنْ ضَلَّ فِي هَذَا الْبَابِ أَوْ عَجَزَ فِيهِ
[ ص: 9 ] عَنْ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ ، فَإِنَّمَا هُوَ لِتَفْرِيطِهِ فِي اتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ، وَتَرْكِ النَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ الْمُوَصِّلِ إِلَى مَعْرِفَتِهِ . فَلَمَّا أَعْرَضُوا عَنْ كِتَابِ اللَّهِ ضَلُّوا ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=123nindex.php?page=treesubj&link=28991_29613فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=124وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=125قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=126قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى ( طه : 123 126 ) .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : تَكَفَّلَ اللَّهُ لِمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ وَعَمِلَ بِمَا فِيهِ ، أَنْ لَا يَضِلَّ فِي الدُّنْيَا ، وَلَا يَشْقَى فِي الْآخِرَةِ ثُمَّ قَرَأَ هَذِهِ الْآيَةَ .
وَكَمَا فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ
التِّرْمِذِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ
عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964172إِنَّهَا سَتَكُونُ فِتَنٌ قُلْتُ : nindex.php?page=treesubj&link=32233فَمَا الْمَخْرَجُ مِنْهَا يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : كِتَابُ اللَّهِ ، فِيهِ نَبَأُ مَا قَبْلَكُمْ ، وَخَبَرُ مَا بَعْدَكُمْ ، وَحُكْمُ مَا بَيْنَكُمْ ، هُوَ الْفَصْلُ ، لَيْسَ بِالْهَزْلِ ، مَنْ تَرَكَهُ مِنْ [ ص: 10 ] جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ ، وَمَنِ ابْتَغَى الْهُدَى فِي غَيْرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ ، وَهُوَ حَبْلُ اللَّهِ الْمَتِينُ ، وَهُوَ الذِّكْرُ الْحَكِيمُ ، وَهُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الْأَهْوَاءُ ، وَلَا تَلْتَبِسُ بِهِ الْأَلْسُنُ ، وَلَا تَنْقَضِي عَجَائِبُهُ ، وَلَا يَشْبَعُ مِنْهُ الْعُلَمَاءُ ، مَنْ قَالَ بِهِ صَدَقَ ، وَمَنْ عَمِلَ بِهِ أُجِرَ ، وَمَنْ حَكَمَ بِهِ عَدَلَ ، وَمَنْ دَعَا إِلَيْهِ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ وَالْأَحَادِيثِ ، الدَّالَّةِ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْمَعْنَى .
[ ص: 11 ] وَلَا يَقْبَلُ اللَّهُ مِنَ الْأَوَّلِينَ وَالْآخِرِينَ دِينًا يَدِينُونَهُ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِدِينِهِ الَّذِي شَرَعَهُ عَلَى أَلْسِنَةِ رُسُلِهِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ .
وَقَدْ نَزَّهَ اللَّهُ تَعَالَى نَفْسَهُ عَمَّا يَصِفُهُ بِهِ الْعِبَادُ ، إِلَّا مَا وَصَفَهُ بِهِ الْمُرْسَلُونَ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=180سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=181وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=182وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ( الصَّافَّاتِ : 180 - 182 ) . فَنَزَّهَ نَفْسَهُ سُبْحَانَهُ عَمَّا يَصِفُهُ بِهِ الْكَافِرُونَ ، ثُمَّ سَلَّمَ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ، لِسَلَامَةِ مَا وَصَفُوهُ بِهِ مِنَ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ ، ثُمَّ حَمِدَ نَفْسَهُ عَلَى تَفَرُّدِهِ بِالْأَوْصَافِ الَّتِي يَسْتَحِقُّ عَلَيْهَا كَمَالَ الْحَمْدِ .
وَمَضَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ خَيْرُ الْقُرُونِ ، وَهُمُ
الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ ، يُوصِي بِهِ الْأَوَّلُ الْآخِرَ وَيَقْتَدِي فِيهِ اللَّاحِقُ بِالسَّابِقِ . وَهُمْ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِنَبِيِّهِمْ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُقْتَدُونَ ، وَعَلَى مِنْهَاجِهِ سَالِكُونَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=108قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ( يُوسُفَ : 108 ) . فَإِنْ كَانَ قَوْلُهُ . وَمَنِ اتَّبَعَنِي مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِيرِ فِي أَدْعُو ، فَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ أَتْبَاعَهُ هُمُ الدُّعَاةُ إِلَى اللَّهِ . وَإِنْ كَانَ مَعْطُوفًا عَلَى الضَّمِيرِ الْمُنْفَصِلِ ، فَهُوَ صَرِيحٌ أَنَّ أَتْبَاعَهُ هُمْ
أَهْلُ الْبَصِيرَةِ فِيمَا جَاءَ بِهِ دُونَ غَيْرِهِمْ ، وَكِلَا الْمَعْنَيَيْنِ حَقٌّ .
وَقَدْ بَلَّغَ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْبَلَاغَ الْمُبِينَ ، وَأَوْضَحَ الْحُجَّةَ لِلْمُسْتَبْصِرِينَ ، وَسَلَكَ سَبِيلَهُ خَيْرُ الْقُرُونِ .
ثُمَّ خَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ اتَّبَعُوا أَهْوَاءَهُمْ ،
[ ص: 12 ] وَافْتَرَقُوا ، فَأَقَامَ اللَّهُ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ مَنْ يَحْفَظُ عَلَيْهَا أُصُولَ دِينِهَا ، كَمَا أَخْبَرَ الصَّادِقُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964173لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ ، لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ خَذَلَهُمْ .