[ ص: 17 ] فعن
أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال
nindex.php?page=showalam&ids=15211لبشر المريسي :
nindex.php?page=treesubj&link=29418العلم بالكلام هو الجهل ، والجهل بالكلام هو العلم ، وإذا صار الرجل رأسا في الكلام قيل : زنديق ، أو رمي بالزندقة . أراد بالجهل به اعتقاد عدم صحته ، فإن ذلك علم نافع ، أو أراد به الإعراض عنه أو ترك الالتفات إلى اعتباره . فإن ذلك يصون علم الرجل وعقله ، فيكون علما بهذا الاعتبار . والله أعلم .
وعنه أيضا أنه قال : من طلب العلم بالكلام تزندق ، ومن طلب المال بالكيمياء أفلس ، ومن طلب غريب الحديث كذب .
وقال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رحمه الله تعالى : حكمي في أهل الكلام أن يضربوا بالجريد والنعال ، ويطاف بهم في العشائر والقبائل ، ويقال :
[ ص: 18 ] هذا جزاء من ترك الكتاب والسنة وأقبل على الكلام .
وقال أيضا رحمه الله تعالى ( شعرا ) :
كل العلوم سوى القرآن مشغلة إلا الحديث وإلا الفقه في الدين العلم ما كان فيه قال حدثنا
وما سوى ذاك وسواس الشياطين
وذكر الأصحاب في الفتاوى : أنه لو أوصى لعلماء بلده : لا يدخل المتكلمون ، ولو أوصى إنسان أن يوقف من كتبه ما هو من كتب العلم ، فأفتى السلف أن يباع ما فيها من كتب الكلام . ذكر ذلك بمعناه في الفتاوى الظهيرية .
فكيف يرام الوصول إلى علم الأصول ، بغير اتباع ما جاء به الرسول ؟ ! ولقد أحسن القائل :
أيها المغتدي ليطلب علما كل علم عبد لعلم الرسول
تطلب الفرع كي تصحح أصلا كيف أغفلت علم أصل الأصول
[ ص: 19 ] nindex.php?page=treesubj&link=25038_29613_11467ونبينا صلى الله عليه وسلم أوتي فواتح الكلم وخواتمه وجوامعه ، فبعث بالعلوم الكلية والعلوم الأولية والآخرية على أتم الوجوه ، ولكن كلما ابتدع شخص بدعة اتسعوا في جوابها ، فلذلك صار كلام المتأخرين كثيرا ، قليل البركة ، بخلاف كلام المتقدمين ، فإنه قليل ، كثير البركة ، لا كما يقوله ضلال المتكلمين وجهلتهم : إن طريقة القوم أسلم ، وإن طريقتنا أحكم وأعلم ، وكما يقوله من لم يقدرهم قدرهم من المنتسبين إلى الفقه : إنهم لم يتفرغوا لاستنباطه ، وضبط قواعده وأحكامه اشتغالا منهم بغيره ! والمتأخرون تفرغوا لذلك ، فهم أفقه ! ! فكل هؤلاء محجوبون عن معرفة مقادير السلف ، وعمق علومهم ، وقلة تكلفهم ، وكمال بصائرهم . وتالله ما امتاز عنهم المتأخرون إلا بالتكلف والاشتغال بالأطراف التي كانت همة القوم مراعاة أصولها ،
[ ص: 20 ] وضبط قواعدها ، وشد معاقدها ، وهممهم مشمرة إلى المطالب العالية في كل شيء . فالمتأخرون في شأن ، والقوم في شأن آخر ، وقد جعل الله لكل شيء قدرا .
وقد شرح هذه العقيدة غير واحد من العلماء ، ولكن رأيت بعض الشارحين قد أصغى إلى أهل الكلام المذموم ، واستمد منهم ، وتكلم بعباراتهم .
[ ص: 17 ] فَعَنْ
أَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى أَنَّهُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15211لِبِشْرٍ الْمَرِيسِيِّ :
nindex.php?page=treesubj&link=29418الْعِلْمُ بِالْكَلَامِ هُوَ الْجَهْلُ ، وَالْجَهْلُ بِالْكَلَامِ هُوَ الْعِلْمُ ، وَإِذَا صَارَ الرَّجُلُ رَأْسًا فِي الْكَلَامِ قِيلَ : زِنْدِيقٌ ، أَوْ رُمِيَ بِالزَّنْدَقَةِ . أَرَادَ بِالْجَهْلِ بِهِ اعْتِقَادَ عَدَمِ صِحَّتِهِ ، فَإِنَّ ذَلِكَ عِلْمٌ نَافِعٌ ، أَوْ أَرَادَ بِهِ الْإِعْرَاضَ عَنْهُ أَوْ تَرْكَ الِالْتِفَاتِ إِلَى اعْتِبَارِهِ . فَإِنَّ ذَلِكَ يَصُونُ عِلْمَ الرَّجُلِ وَعَقْلَهُ ، فَيَكُونُ عِلْمًا بِهَذَا الِاعْتِبَارِ . وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
وَعَنْهُ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ : مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ بِالْكَلَامِ تَزَنْدَقَ ، وَمَنْ طَلَبَ الْمَالَ بِالْكِيمْيَاءِ أَفْلَسَ ، وَمَنْ طَلَبَ غَرِيبَ الْحَدِيثِ كَذَبَ .
وَقَالَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : حُكْمِي فِي أَهْلِ الْكَلَامِ أَنْ يُضْرَبُوا بِالْجَرِيدِ وَالنِّعَالِ ، وَيُطَافَ بِهِمْ فِي الْعَشَائِرِ وَالْقَبَائِلِ ، وَيُقَالُ :
[ ص: 18 ] هَذَا جَزَاءُ مَنْ تَرَكَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ وَأَقْبَلَ عَلَى الْكَلَامِ .
وَقَالَ أَيْضًا رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى ( شِعْرًا ) :
كُلُّ الْعُلُومِ سِوَى الْقُرْآنِ مَشْغَلَةٌ إِلَّا الْحَدِيثَ وَإِلَّا الْفِقْهَ فِي الدِّينِ الْعِلْمُ مَا كَانَ فِيهِ قَالَ حَدَّثَنَا
وَمَا سِوَى ذَاكَ وَسْوَاسُ الشَّيَاطِينِ
وَذَكَرَ الْأَصْحَابُ فِي الْفَتَاوَى : أَنَّهُ لَوْ أَوْصَى لِعُلَمَاءِ بَلَدِهِ : لَا يَدْخُلُ الْمُتَكَلِّمُونَ ، وَلَوْ أَوْصَى إِنْسَانٌ أَنْ يُوقَفَ مِنْ كُتُبِهِ مَا هُوَ مِنْ كُتُبِ الْعِلْمِ ، فَأَفْتَى السَّلَفُ أَنْ يُبَاعَ مَا فِيهَا مِنْ كُتُبِ الْكَلَامِ . ذُكِرَ ذَلِكَ بِمَعْنَاهُ فِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ .
فَكَيْفَ يُرَامُ الْوُصُولُ إِلَى عِلْمِ الْأُصُولِ ، بِغَيْرِ اتِّبَاعِ مَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ ؟ ! وَلَقَدْ أَحْسَنَ الْقَائِلُ :
أَيُّهَا الْمُغْتَدِي لِيَطْلُبَ عِلْمًا كُلُّ عِلْمٍ عَبْدٌ لِعِلْمِ الرَّسُولِ
تَطْلُبُ الْفَرْعَ كَيْ تُصَحِّحَ أَصْلًا كَيْفَ أَغْفَلْتَ عِلْمَ أَصْلِ الْأُصُولِ
[ ص: 19 ] nindex.php?page=treesubj&link=25038_29613_11467وَنَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُوتِيَ فَوَاتِحَ الْكَلِمِ وَخَوَاتِمَهُ وَجَوَامِعَهُ ، فَبُعِثَ بِالْعُلُومِ الْكُلِّيَّةِ وَالْعُلُومِ الْأَوَّلِيَّةِ وَالْآخِرِيَّةِ عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ ، وَلَكِنْ كُلَّمَا ابْتَدَعَ شَخْصٌ بِدْعَةً اتَّسَعُوا فِي جَوَابِهَا ، فَلِذَلِكَ صَارَ كَلَامُ الْمُتَأَخِّرِينَ كَثِيرًا ، قَلِيلَ الْبَرَكَةِ ، بِخِلَافِ كَلَامِ الْمُتَقَدِّمِينَ ، فَإِنَّهُ قَلِيلٌ ، كَثِيرُ الْبَرَكَةِ ، لَا كَمَا يَقُولُهُ ضُلَّالُ الْمُتَكَلِّمِينَ وَجَهَلَتُهُمْ : إِنَّ طَرِيقَةَ الْقَوْمِ أَسْلَمُ ، وَإِنَّ طَرِيقَتَنَا أَحْكَمُ وَأَعْلَمُ ، وَكَمَا يَقُولُهُ مَنْ لَمْ يُقَدِّرْهُمْ قَدْرَهُمْ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْفِقْهِ : إِنَّهُمْ لَمْ يَتَفَرَّغُوا لِاسْتِنْبَاطِهِ ، وَضَبْطِ قَوَاعِدِهِ وَأَحْكَامِهِ اشْتِغَالًا مِنْهُمْ بِغَيْرِهِ ! وَالْمُتَأَخِّرُونَ تَفَرَّغُوا لِذَلِكَ ، فَهُمْ أَفْقَهُ ! ! فَكُلُّ هَؤُلَاءِ مَحْجُوبُونَ عَنْ مَعْرِفَةِ مَقَادِيرِ السَّلَفِ ، وَعُمْقِ عُلُومِهِمْ ، وَقِلَّةِ تَكَلُّفِهِمْ ، وَكَمَالِ بَصَائِرِهِمْ . وَتَاللَّهِ مَا امْتَازَ عَنْهُمُ الْمُتَأَخِّرُونَ إِلَّا بِالتَّكَلُّفِ وَالِاشْتِغَالِ بِالْأَطْرَافِ الَّتِي كَانَتْ هِمَّةُ الْقَوْمِ مُرَاعَاةَ أُصُولِهَا ،
[ ص: 20 ] وَضَبْطَ قَوَاعِدِهَا ، وَشَدَّ مَعَاقِدِهَا ، وَهِمَمُهُمْ مُشَمَّرَةً إِلَى الْمَطَالِبِ الْعَالِيَةِ فِي كُلِّ شَيْءٍ . فَالْمُتَأَخِّرُونَ فِي شَأْنٍ ، وَالْقَوْمُ فِي شَأْنٍ آخَرَ ، وَقَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا .
وَقَدْ شَرَحَ هَذِهِ الْعَقِيدَةَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ الْعُلَمَاءِ ، وَلَكِنْ رَأَيْتُ بَعْضَ الشَّارِحِينَ قَدْ أَصْغَى إِلَى أَهْلِ الْكَلَامِ الْمَذْمُومِ ، وَاسْتَمَدَّ مِنْهُمْ ، وَتَكَلَّمَ بِعِبَارَاتِهِمْ .