وقوله: ولا تقولوا لمن يقتل في سبيل الله أموات
رفع بإضمار مكني من أسمائهم كقولك: لا تقولوا: هم أموات بل هم أحياء. ولا يجوز في الأموات النصب؛ لأن القول لا يقع على الأسماء إذا أضمرت وصوفها أو أظهرت، كما لا يجوز قلت عبد الله قائما، فكذلك لا يجوز نصب الأموات؛ لأنك مضمر لأسمائهم، إنما يجوز النصب فيما قبله القول إذا كان الاسم في معنى قول، من ذلك: قلت خيرا، وقلت شرا. فترى الخير والشر منصوبين؛ لأنهما قول، فكأنك قلت: قلت كلاما حسنا أو قبيحا. وتقول: قلت لك خيرا، وقلت لك خير، فيجوز، إن جعلت الخير قولا نصبته كأنك قلت: قلت لك كلاما، فإذا رفعته فليس بالقول، إنما هو بمنزلة قولك: قلت لك مال.
فابن على ذا ما ورد عليك، من المرفوع قوله: سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم و خمسة و سبعة ، لا يكون نصبا؛ لأنه إخبار عنهم فيه أسماء مضمرة كقولك: هم ثلاثة، وهم خمسة. وأما قوله -تبارك وتعالى-: ويقولون طاعة فإنه رفع على غير هذا المذهب؛ وذلك أن العرب كانوا يقال لهم: لا بد لكم من الغزو في الشتاء والصيف، فيقولون: سمع وطاعة معناه: منا السمع والطاعة، فجرى الكلام على الرفع. ولو نصب على: نسمع سمعا ونطيع طاعة كان صوابا.
وكذلك قوله تبارك وتعالى في سورة محمد صلى الله عليه وسلم: فأولى لهم طاعة وقول معروف عيرهم وتهددهم بقوله: فأولى لهم ، ثم ذكر ما يقولون فقال: يقولون إذا أمروا طاعة . فإذا عزم الأمر نكلوا [ ص: 94 ] وكذبوا فلم يفعلوا. فقال الله تبارك وتعالى: فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم ، وربما قال بعضهم: إنما رفعت الطاعة بقوله: لهم طاعة، وليس ذلك بشيء. والله أعلم. ويقال أيضا: وذكر فيها القتال و طاعة فأضمر الواو، وليس ذلك عندنا من مذاهب العرب، فإن يك موافقا للتفسير فهو صواب.