ذكر
nindex.php?page=treesubj&link=31590ملك ابنه سابور ذي الأكتاف
وهو
سابور بن هرمز بن نرسي بن بهرام بن هرمز بن سابور بن أردشير بن بابك ، وقيل : ملك بوصية أبيه له ، فاستبشر الناس بولادته وبثوا خبره في الآفاق ، وتقلد الوزراء والكتاب ما كانوا يعملونه في ملك أبيه .
وسمع الملوك أن ملك
الفرس صغير في المهد ، فطمعت في مملكتهم
الترك والعرب
والروم ، وكانت العرب أقرب إلى
بلاد فارس ، فسار جمع عظيم منهم في البحر من
عبد القيس والبحرين إلى
بلاد فارس وسواحل
أردشير خرة ، وغلبوا أهلها على مواشيهم ومعايشهم ، وأكثروا الفساد ، وغلبت إياد على سواد
العراق وأكثروا الفساد فيهم ، فمكثوا حينا لا يغزوهم أحد من الفرس لصغر ملكهم .
فلما ترعرع
سابور وكبر كان أول ما عرف من حسن فهمه أنه سمع في البحر ضوضاء وأصواتا فسأل عن ذلك فقيل : إن الناس يزدحمون في الجسر الذي على
دجلة مقبلين ومدبرين ، فأمر بعمل جسر آخر يكون أحدهما للمقبلين والآخر للمدبرين ، فاستبشر الناس بذلك .
[ ص: 359 ] فلما بلغ ست عشرة سنة وقوي على حمل السلاح ، جمع رؤساء أصحابه فذكر لهم ما اختل من أمرهم ، وأنه يريد الذب عنهم ويشخص إلى بعض الأعداء ، فدعا له الناس وسألوه أن يقيم بموضعه ويوجه القواد والجنود ليكفوه ما يريد ، فأبى واختار من عسكره ألف رجل ، فسألوه الازدياد ، فلم يفعل ، وسار بهم ونهاهم على الإبقاء على أحد من العرب ، وقصد
بلاد فارس فأوقع بالعرب وهم غارون فقتل وأسر وأكثر . ثم قطع البحر إلى الخط فقتل من
بالبحرين لم يلتفت إلى غنيمة ، وسار إلى
هجر وبها ناس من
تميم وبكر بن وائل وعبد القيس ، فقتل منهم حتى سالت دماؤهم على الأرض ، وأباد
عبد القيس ، وقصد
اليمامة وأكثر في أهلها القتل ، وغور مياه العرب ، وقصد
بكرا وتغلب فيما بين مناظر
الشام والعراق فقتل وسبى ، وغور مياههم ، وسار إلى قرب المدينة ففعل كذلك ، وكان ينزع أكتاف رؤسائهم ويقتلهم إلى أن هلك فسموه
سابور ذا الأكتاف لهذا .
وانتقلت إياد حينئذ إلى الجزيرة ، وصارت تغير على
السواد ، فجهز
سابور إليهم الجيوش ، وكان
لقيط الإيادي معهم ، فكتب إلى
إياد :
سلام في الصحيفة من لقيط إلى من بالجزيرة من إياد .
بأن الليث كسرى قد أتاكم
فلا يشغلكم سوق النقاد .
[ ص: 360 ] أتاكم منهم سبعون ألفا
يزجون الكتائب كالجراد
.
فلم يقبلوا منه وداموا على الغارة ، فكتب إليهم أيضا :
أبلغ إيادا وطول في سراتهم أني أرى الرأي إن لم أعص قد نصعا
.
وهي قصيدة مشهورة من أجود ما قيل في صفة الحرب . فلم يحذروا ، وأوقع بهم
سابور وأبادهم قتلا إلا من لحق
بأرض الروم . فهذا فعله بالعرب .
وأما
الروم فإن
سابور كان هادن ملكهم ، وهو
قسطنطين ، وهو أول من تنصر من ملوك
الروم ، ونحن نذكر سبب تنصره عند الفراغ من ذكر
سابور إن شاء الله . ومات
قسطنطين وفرق ملكه بين ثلاثة بنين كانوا له ، فملكوا ، وملكت
الروم عليهم رجلا من أهل بيت
قسطنطين يقال له
إليانوس ، وكان على ملة
الروم الأولى ويكتم ذلك ، فلما ملك أظهر دينه ، وأعاد ملة
الروم ، وأخرب البيع وقتل الأساقفة ، ثم جمع جموعا من
الروم والخزر وسار نحو
سابور .
واجتمعت العرب للانتقام من
سابور ، فاجتمع في عسكر
إليانوس منهم خلق كثير ، وعادت عيون
سابور إليه فاختلفوا في الأخبار ، فسار
سابور بنفسه مع جماعة من ثقاته نحو
الروم ، فلما قرب من
يوسانوس ، وهو على مقدمة
إليانوس ، اختفى وأرسل بعض من معه إلى
الروم ، فأخذوا وأقر بعضهم على
سابور ، فأرسل
يوسانوس إليه سرا ينذره ، فارتحل
سابور إلى عسكره ، وتحارب هو والعرب
والروم ، فانهزم عسكره وقتل منهم مقتلة عظيمة ، وملكت
الروم مدينة
طيسفون ، وهي المدائن الشرقية ، وملكوا أيضا أموال
سابور وخزائنه .
[ ص: 361 ] وكتب
سابور إلى جنوده وقواده يعلمهم ما لقي من
الروم والعرب ، ويستحثهم على المسير إليه ، فاجتمعوا إليه وعاد واستنقذ مدينة
طيسفون ، ونزل
إليانوس مدينة
بهرسير ، واختلف الرسل بينهما ، فبينما
إليانوس جالس أصابه سهم لا يعرف راميه فقتله ، فسقط في أيدي
الروم ، ويئسوا من الخلاص من بلاد
الفرس ، فطلبوا من
يوسانوس أن يملك عليهم ، فلم يفعل وأبى إلا أن يعودوا إلى النصرانية ، فأخبروه أنهم على ملته ، وإنما كتموا ذلك خوفا من
إليانوس . فملك عليهم .
وأرسل
سابور إلى
الروم يتهددهم ، ويطلب الذي ملك عليهم ليجتمع به ، فسار إليه
يوسانوس في ثمانين رجلا ، فتلقاه
سابور وتساجدا وطعما ، وقوى
سابور أمر
يوسانوس بجهده ، وقال
للروم : إنكم أخربتم بلادنا وأفسدتم فيها ، فإما أن تعطونا قيمة ما أهلكتم وإما أن تعوضونا
نصيبين ، وكانت قديما
للفرس ، فغلبت
الروم عليها ، فدفعوها إليهم ، وتحول أهلها عنها ، فحول إليها
سابور اثني عشر ألف بيت من أهل
إصطخر وأصبهان وغيرهما ، وعادت
الروم إلى بلادهم ، وهلك ملكهم بعد ذلك بيسير .
وقيل : إن
سابور سار إلى حد
الروم وأعلم أصحابه أنه على قصد
الروم مختفيا لمعرفة أحوالهم وأخبار مدنهم ، وسار إليهم ، فجال فيهم حينا ، وبلغه أن قيصر أولم وجمع الناس فحضر بزي سائل لينظر إلى قيصر على الطعام ، ففطن به وأخذ وأدرج في جلد ثور .
وسار قيصر بجنوده إلى أرض
فارس ومعه
سابور على تلك الحال ، فقتل وأخرب حتى بلغ
جنديسابور ، فتحصن أهلها وحاصرها ، فبينما هو يحاصرها إذ غفل الموكلون بحراسة
سابور ، وكان بقربه قوم من سبي
الأهواز ، فأمرهم أن يلقوا على القد الذي عليه زيتا كان بقربهم ، ففعلوا ، ولان الجلد وانسل منه وسار إلى المدينة وأخبر حراسها فأدخلوه ، فارتفعت أصوات أهلها ، فاستيقظ
الروم ، وجمع
سابور من بها وعباهم ، وخرج إلى
الروم سحر تلك الليلة ، فقتلهم وأسر قيصر وغنم أمواله ونساءه وأثقله بالحديد ، وأمره بعمارة ما أخرب ، وألزمه بنقل التراب من بلد
الروم ليبني ما هدم المنجنيق من
جنديسابور ، وأن يغرس الزيتون مكان النخل ، ثم قطع عقبه وبعث به إلى
الروم على حمار وقال : هذا جزاؤك ببغيك علينا ، فأقام مدة ثم غزا فقتل وسبى سبايا أسكنهم مدينة بناها بناحية
السوس سماها
إيران شهر
سابور ، وبنى
مدينة نيسابور بخراسان في
[ ص: 362 ] قول ،
وبالعراق بزرج
سابور . وكان ملكه اثنتين وسبعين سنة .
وهلك في أيامه
امرؤ القيس بن عمرو بن عدي عامله على العرب ، فاستعمل ابنه
عمرو بن امرئ القيس ، فبقي في عمله بقية ملك
سابور وجميع أيام أخيه
أردشير بن هرمز وبعض أيام
سابور بن سابور .
وكانت ولايته ثلاثين سنة .
ذِكْرُ
nindex.php?page=treesubj&link=31590مُلْكِ ابْنِهِ سَابُورَ ذِي الْأَكْتَافِ
وَهُوَ
سَابُورُ بْنُ هُرْمُزَ بْنِ نَرْسِي بْنِ بَهْرَامَ بْنِ هُرْمُزَ بْنِ سَابُورَ بْنِ أَرْدَشِيرَ بْنِ بَابَكَ ، وَقِيلَ : مَلَكَ بِوَصِيَّةِ أَبِيهِ لَهُ ، فَاسْتَبْشَرَ النَّاسُ بِوِلَادَتِهِ وَبَثُّوا خَبَرَهُ فِي الْآفَاقِ ، وَتَقَلَّدَ الْوُزَرَاءُ وَالْكُتَّابُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَهُ فِي مُلْكِ أَبِيهِ .
وَسَمِعَ الْمُلُوكُ أَنَّ مَلِكَ
الْفُرْسِ صَغِيرٌ فِي الْمَهْدِ ، فَطَمِعَتْ فِي مَمْلَكَتِهِمُ
التُّرْكُ وَالْعَرَبُ
وَالرُّومُ ، وَكَانَتِ الْعَرَبُ أَقْرَبَ إِلَى
بِلَادِ فَارِسَ ، فَسَارَ جَمْعٌ عَظِيمٌ مِنْهُمْ فِي الْبَحْرِ مِنْ
عَبْدِ الْقَيْسِ وَالْبَحْرَيْنِ إِلَى
بِلَادِ فَارِسَ وَسَوَاحِلِ
أَرْدَشِيرَ خُرَّةَ ، وَغَلَبُوا أَهْلَهَا عَلَى مَوَاشِيهِمْ وَمَعَايِشِهِمْ ، وَأَكْثَرُوا الْفَسَادَ ، وَغَلَبَتْ إِيَادُ عَلَى سَوَادِ
الْعِرَاقِ وَأَكْثَرُوا الْفَسَادَ فِيهِمْ ، فَمَكَثُوا حِينًا لَا يَغْزُوهُمْ أَحَدٌ مِنَ الْفُرْسِ لِصِغَرِ مَلِكِهِمْ .
فَلَمَّا تَرَعْرَعَ
سَابُورُ وَكَبِرَ كَانَ أَوَّلَ مَا عُرِفَ مِنْ حُسْنِ فَهْمِهِ أَنَّهُ سَمِعَ فِي الْبَحْرِ ضَوْضَاءَ وَأَصْوَاتًا فَسَأَلَ عَنْ ذَلِكَ فَقِيلَ : إِنَّ النَّاسَ يَزْدَحِمُونَ فِي الْجِسْرِ الَّذِي عَلَى
دِجْلَةَ مُقْبِلِينَ وَمُدْبِرِينَ ، فَأَمَرَ بِعَمَلِ جِسْرٍ آخَرَ يَكُونُ أَحَدُهُمَا لِلْمُقْبِلِينَ وَالْآخَرُ لِلْمُدْبِرِينَ ، فَاسْتَبْشَرَ النَّاسُ بِذَلِكَ .
[ ص: 359 ] فَلَمَّا بَلَغَ سِتَّ عَشْرَةَ سَنَةً وَقَوِيَ عَلَى حَمْلِ السِّلَاحِ ، جَمَعَ رُؤَسَاءَ أَصْحَابِهِ فَذَكَرَ لَهُمْ مَا اخْتَلَّ مِنْ أَمْرِهِمْ ، وَأَنَّهُ يُرِيدُ الذَّبَّ عَنْهُمْ وَيَشْخَصَ إِلَى بَعْضِ الْأَعْدَاءِ ، فَدَعَا لَهُ النَّاسُ وَسَأَلُوهُ أَنْ يُقِيمَ بِمَوْضِعِهِ وَيُوَجِّهَ الْقُوَّادَ وَالْجُنُودَ لِيَكْفُوهُ مَا يُرِيدُ ، فَأَبَى وَاخْتَارَ مِنْ عَسْكَرِهِ أَلْفَ رَجُلٍ ، فَسَأَلُوهُ الِازْدِيَادَ ، فَلَمْ يَفْعَلْ ، وَسَارَ بِهِمْ وَنَهَاهُمْ عَلَى الْإِبْقَاءِ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الْعَرَبِ ، وَقَصَدَ
بِلَادَ فَارِسَ فَأَوْقَعَ بِالْعَرَبِ وَهُمْ غَارُّونَ فَقَتَلَ وَأَسَرَ وَأَكْثَرَ . ثُمَّ قَطَعَ الْبَحْرَ إِلَى الْخَطِّ فَقَتَلَ مَنْ
بِالْبَحْرَيْنِ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى غَنِيمَةٍ ، وَسَارَ إِلَى
هَجَرَ وَبِهَا نَاسٌ مِنْ
تَمِيمٍ وَبَكْرِ بْنِ وَائِلٍ وَعَبْدِ الْقَيْسِ ، فَقَتَلَ مِنْهُمْ حَتَّى سَالَتْ دِمَاؤُهُمْ عَلَى الْأَرْضِ ، وَأَبَادَ
عَبْدَ الْقَيْسِ ، وَقَصَدَ
الْيَمَامَةَ وَأَكْثَرَ فِي أَهْلِهَا الْقَتْلَ ، وَغَوَّرَ مِيَاهَ الْعَرَبِ ، وَقَصَدَ
بَكْرًا وَتَغْلِبَ فِيمَا بَيْنَ مَنَاظِرِ
الشَّامِ وَالْعِرَاقِ فَقَتَلَ وَسَبَى ، وَغَوَّرَ مِيَاهَهُمْ ، وَسَارَ إِلَى قُرْبِ الْمَدِينَةِ فَفَعَلَ كَذَلِكَ ، وَكَانَ يَنْزِعُ أَكْتَافَ رُؤَسَائِهِمْ وَيَقْتُلُهُمْ إِلَى أَنْ هَلَكَ فَسَمُّوهُ
سَابُورَ ذَا الْأَكْتَافِ لِهَذَا .
وَانْتَقَلَتْ إِيَادٌ حِينَئِذٍ إِلَى الْجَزِيرَةِ ، وَصَارَتْ تُغِيرُ عَلَى
السَّوَادِ ، فَجَهَّزَ
سَابُورُ إِلَيْهِمُ الْجُيُوشَ ، وَكَانَ
لَقِيطٌ الْإِيَادِيُّ مَعَهُمْ ، فَكَتَبَ إِلَى
إِيَادٍ :
سَلَامٌ فِي الصَّحِيفَةِ مِنْ لَقِيطٍ إِلَى مَنْ بِالْجَزِيرَةِ مِنْ إِيَادِ .
بِأَنَّ اللَّيْثَ كِسْرَى قَدْ أَتَاكُمْ
فَلَا يَشْغَلْكُمْ سُوقُ النُّقَادِ .
[ ص: 360 ] أَتَاكُمْ مِنْهُمُ سَبْعُونَ أَلْفًا
يَزُجُّونَ الْكَتَائِبَ كَالْجَرَادِ
.
فَلَمْ يَقْبَلُوا مِنْهُ وَدَامُوا عَلَى الْغَارَةِ ، فَكَتَبَ إِلَيْهِمْ أَيْضًا :
أَبْلِغْ إِيَادًا وَطَوِّلْ فِي سَرَاتِهِمْ أَنِّي أَرَى الرَّأْيَ إِنْ لَمْ أُعْصَ قَدْ نَصَعَا
.
وَهِيَ قَصِيدَةٌ مَشْهُورَةٌ مِنْ أَجْوَدِ مَا قِيلَ فِي صِفَةِ الْحَرْبِ . فَلَمْ يَحْذَرُوا ، وَأَوْقَعَ بِهِمْ
سَابُورُ وَأَبَادَهُمْ قَتْلًا إِلَّا مَنْ لَحِقَ
بِأَرْضِ الرُّومِ . فَهَذَا فِعْلُهُ بِالْعَرَبِ .
وَأَمَّا
الرُّومُ فَإِنَّ
سَابُورَ كَانَ هَادَنَ مَلِكَهُمْ ، وَهُوَ
قُسْطَنْطِينُ ، وَهُوَ أَوَّلُ مَنْ تَنَصَّرَ مِنْ مُلُوكِ
الرُّومِ ، وَنَحْنُ نَذْكُرُ سَبَبَ تَنَصُّرِهِ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنْ ذِكْرِ
سَابُورَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ . وَمَاتَ
قُسْطَنْطِينُ وَفُرِّقَ مُلْكُهُ بَيْنَ ثَلَاثَةِ بَنِينَ كَانُوا لَهُ ، فَمَلَكُوا ، وَمَلَّكَتِ
الرُّومُ عَلَيْهِمْ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِ
قُسْطَنْطِينَ يُقَالُ لَهُ
إِلْيَانُوسُ ، وَكَانَ عَلَى مِلَّةِ
الرُّومِ الْأُولَى وَيَكْتُمُ ذَلِكَ ، فَلَمَّا مَلَكَ أَظْهَرَ دِينَهُ ، وَأَعَادَ مِلَّةَ
الرُّومِ ، وَأَخْرَبَ الْبِيَعَ وَقَتَلَ الْأَسَاقِفَةَ ، ثُمَّ جَمَعَ جُمُوعًا مِنَ
الرُّومِ وَالْخَزَرِ وَسَارَ نَحْوَ
سَابُورَ .
وَاجْتَمَعَتِ الْعَرَبُ لِلِانْتِقَامِ مِنْ
سَابُورَ ، فَاجْتَمَعَ فِي عَسْكَرِ
إِلْيَانُوسَ مِنْهُمْ خَلْقٌ كَثِيرٌ ، وَعَادَتْ عُيُونُ
سَابُورَ إِلَيْهِ فَاخْتَلَفُوا فِي الْأَخْبَارِ ، فَسَارَ
سَابُورُ بِنَفْسِهِ مَعَ جَمَاعَةٍ مِنْ ثِقَاتِهِ نَحْوَ
الرُّومِ ، فَلَمَّا قَرُبَ مِنْ
يُوسَانُوسَ ، وَهُوَ عَلَى مُقَدِّمَةِ
إِلْيَانُوسَ ، اخْتَفَى وَأَرْسَلَ بَعْضَ مَنْ مَعَهُ إِلَى
الرُّومِ ، فَأُخِذُوا وَأَقَرَّ بَعْضُهُمْ عَلَى
سَابُورَ ، فَأَرْسَلَ
يُوسَانُوسُ إِلَيْهِ سِرًّا يُنْذِرُهُ ، فَارْتَحَلَ
سَابُورُ إِلَى عَسْكَرِهِ ، وَتَحَارَبَ هُوَ وَالْعَرَبُ
وَالرُّومُ ، فَانْهَزَمَ عَسْكَرُهُ وَقُتِلَ مِنْهُمْ مَقْتَلَةٌ عَظِيمَةٌ ، وَمَلَكَتِ
الرُّومُ مَدِينَةَ
طَيْسَفُونَ ، وَهِيَ الْمَدَائِنُ الشَّرْقِيَّةُ ، وَمَلَكُوا أَيْضًا أَمْوَالَ
سَابُورَ وَخَزَائِنَهُ .
[ ص: 361 ] وَكَتَبَ
سَابُورُ إِلَى جُنُودِهِ وَقُوَّادِهِ يُعْلِمُهُمْ مَا لَقِيَ مِنَ
الرُّومِ وَالْعَرَبِ ، وَيَسْتَحِثُّهُمْ عَلَى الْمَسِيرِ إِلَيْهِ ، فَاجْتَمَعُوا إِلَيْهِ وَعَادَ وَاسْتَنْقَذَ مَدِينَةَ
طَيْسَفُونَ ، وَنَزَلَ
إِلْيَانُوسُ مَدِينَةَ
بَهْرَسِيرَ ، وَاخْتَلَفَ الرُّسُلُ بَيْنَهُمَا ، فَبَيْنَمَا
إِلْيَانُوسُ جَالِسٌ أَصَابَهُ سَهْمٌ لَا يُعْرَفُ رَامِيهِ فَقَتَلَهُ ، فَسَقَطَ فِي أَيْدِي
الرُّومِ ، وَيَئِسُوا مِنَ الْخَلَاصِ مِنْ بِلَادِ
الْفُرْسِ ، فَطَلَبُوا مِنْ
يُوسَانُوسَ أَنْ يُمَلَّكَ عَلَيْهِمْ ، فَلَمْ يَفْعَلْ وَأَبَى إِلَّا أَنْ يَعُودُوا إِلَى النَّصْرَانِيَّةِ ، فَأَخْبَرُوهُ أَنَّهُمْ عَلَى مِلَّتِهِ ، وَإِنَّمَا كَتَمُوا ذَلِكَ خَوْفًا مِنَ
إِلْيَانُوسَ . فَمَلَّكَ عَلَيْهِمْ .
وَأَرْسَلَ
سَابُورُ إِلَى
الرُّومِ يَتَهَدَّدُهُمْ ، وَيَطْلُبُ الَّذِي مُلِّكَ عَلَيْهِمْ لِيَجْتَمِعَ بِهِ ، فَسَارَ إِلَيْهِ
يُوسَانُوسُ فِي ثَمَانِينَ رَجُلًا ، فَتَلَقَّاهُ
سَابُورُ وَتَسَاجَدَا وَطَعِمَا ، وَقَوَّى
سَابُورُ أَمْرَ
يُوسَانُوسَ بِجُهْدِهِ ، وَقَالَ
لِلرُّومِ : إِنَّكُمْ أَخْرَبْتُمْ بِلَادَنَا وَأَفْسَدْتُمْ فِيهَا ، فَإِمَّا أَنْ تُعْطُونَا قِيمَةَ مَا أَهْلَكْتُمْ وَإِمَّا أَنْ تُعَوِّضُونَا
نَصِيبِينَ ، وَكَانَتْ قَدِيمًا
لِلْفُرْسِ ، فَغَلَبَتِ
الرُّومُ عَلَيْهَا ، فَدَفَعُوهَا إِلَيْهِمْ ، وَتَحَوَّلَ أَهْلُهَا عَنْهَا ، فَحَوَّلَ إِلَيْهَا
سَابُورُ اثْنَيْ عَشَرَ أَلْفَ بَيْتٍ مِنْ أَهْلِ
إِصْطَخْرَ وَأَصْبَهَانَ وَغَيْرِهِمَا ، وَعَادَتِ
الرُّومُ إِلَى بِلَادِهِمْ ، وَهَلَكَ مَلِكُهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ بِيَسِيرٍ .
وَقِيلَ : إِنَّ
سَابُورَ سَارَ إِلَى حَدِّ
الرُّومِ وَأَعْلَمَ أَصْحَابَهُ أَنَّهُ عَلَى قَصْدِ
الرُّومِ مُخْتَفِيًا لِمَعْرِفَةِ أَحْوَالِهِمْ وَأَخْبَارِ مُدُنِهِمْ ، وَسَارَ إِلَيْهِمْ ، فَجَالَ فِيهِمْ حِينًا ، وَبَلَغَهُ أَنَّ قَيْصَرَ أَوْلَمَ وَجَمَعَ النَّاسَ فَحَضَرَ بِزِيِّ سَائِلٍ لِيَنْظُرَ إِلَى قَيْصَرَ عَلَى الطَّعَامِ ، فَفَطِنَ بِهِ وَأُخِذَ وَأُدْرِجَ فِي جِلْدِ ثَوْرٍ .
وَسَارَ قَيْصَرُ بِجُنُودِهِ إِلَى أَرْضِ
فَارِسَ وَمَعَهُ
سَابُورُ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ ، فَقَتَلَ وَأَخْرَبَ حَتَّى بَلَغَ
جُنْدَيْسَابُورْ ، فَتَحَصَّنَ أَهْلُهَا وَحَاصَرَهَا ، فَبَيْنَمَا هُوَ يُحَاصِرُهَا إِذْ غَفَلَ الْمُوَكَّلُونَ بِحِرَاسَةِ
سَابُورَ ، وَكَانَ بِقُرْبِهِ قَوْمٌ مِنْ سَبْيِ
الْأَهْوَازِ ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يُلْقُوا عَلَى الْقَدِّ الَّذِي عَلَيْهِ زَيْتًا كَانَ بِقُرْبِهِمْ ، فَفَعَلُوا ، وَلَانَ الْجِلْدُ وَانْسَلَّ مِنْهُ وَسَارَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَأَخْبَرَ حُرَّاسَهَا فَأَدْخَلُوهُ ، فَارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُ أَهْلِهَا ، فَاسْتَيْقَظَ
الرُّومُ ، وَجَمَعَ
سَابُورُ مَنْ بِهَا وَعَبَّاهُمْ ، وَخَرَجَ إِلَى
الرُّومِ سَحَرَ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ، فَقَتَلَهُمْ وَأَسَرَ قَيْصَرَ وَغَنِمَ أَمْوَالَهُ وَنِسَاءَهُ وَأَثْقَلَهُ بِالْحَدِيدِ ، وَأَمَرَهُ بِعِمَارَةِ مَا أَخْرَبَ ، وَأَلْزَمَهُ بِنَقْلِ التُّرَابِ مِنْ بَلَدِ
الرُّومِ لِيَبْنِيَ مَا هَدَمَ الْمَنْجَنِيقُ مِنْ
جُنْدَيْسَابُورْ ، وَأَنْ يَغْرِسَ الزَّيْتُونَ مَكَانَ النَّخْلِ ، ثُمَّ قَطَعَ عَقِبَهُ وَبَعَثَ بِهِ إِلَى
الرُّومِ عَلَى حِمَارٍ وَقَالَ : هَذَا جَزَاؤُكَ بِبَغْيِكَ عَلَيْنَا ، فَأَقَامَ مُدَّةً ثُمَّ غَزَا فَقَتَلَ وَسَبَى سَبَايَا أَسْكَنَهُمْ مَدِينَةً بَنَاهَا بِنَاحِيَةِ
السُّوسِ سَمَّاهَا
إِيرَانَ شَهْرَ
سَابُورَ ، وَبَنَى
مَدِينَةَ نَيْسَابُورَ بِخُرَاسَانَ فِي
[ ص: 362 ] قَوْلٍ ،
وَبِالْعِرَاقِ بَزْرَجَ
سَابُورَ . وَكَانَ مُلْكُهُ اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ سَنَةً .
وَهَلَكَ فِي أَيَّامِهِ
امْرُؤُ الْقَيْسِ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَدِيٍّ عَامِلُهُ عَلَى الْعَرَبِ ، فَاسْتَعْمَلَ ابْنَهُ
عَمْرَو بْنَ امْرِئِ الْقَيْسِ ، فَبَقِيَ فِي عَمَلِهِ بَقِيَّةَ مُلْكِ
سَابُورَ وَجَمِيعَ أَيَّامِ أَخِيهِ
أَرْدَشِيرَ بْنِ هُرْمُزَ وَبَعْضَ أَيَّامِ
سَابُورَ بْنِ سَابُورَ .
وَكَانَتْ وِلَايَتُهُ ثَلَاثِينَ سَنَةً .