(
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=34لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=35ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=36أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=37ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=34لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=35ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=36أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=37ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام )
[ ص: 243 ] اعلم أنه تعالى لما ذكر وعيد الكاذبين والمكذبين للصادقين ذكر عقيبه
nindex.php?page=treesubj&link=19481_19476وعد الصادقين ووعد المصدقين ، ليكون الوعد مقرونا بالوعيد ، وفيه مسائل :
المسألة الأولى : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33والذي جاء بالصدق وصدق به ) ، تقديره : والذي جاء بالصدق والذي صدق به ، وفيه قولان :
الأول : أن المراد شخص واحد ، فالذي جاء بالصدق
محمد ، والذي صدق به هو
أبو بكر ، وهذا القول مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب عليه السلام وجماعة من المفسرين - رضي الله عنهم - .
والثاني : أن المراد منه كل من جاء بالصدق ، فالذي جاء بالصدق الأنبياء ، والذي صدق به الأتباع ، واحتج القائلون بهذا القول بأن الذي جاء بالصدق جماعة ، وإلا لم يجز أن يقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33أولئك هم المتقون ) .
المسألة الثانية : أن الرسالة لا تتم إلا بأركان أربعة : المرسل والمرسل والرسالة والمرسل إليه ، والمقصود من الإرسال إقدام المرسل إليه على القبول والتصديق ، فأول شخص أتى بالتصديق هو الذي يتم به الإرسال ، وسمعت بعض القاصين من الذي يروي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
دعوا أبا بكر ، فإنه من تتمة النبوة .
واعلم أنا سواء قلنا : المراد بالذي صدق به شخص معين ، أو قلنا : المراد منه كل من كان موصوفا بهذه الصفة ، فإن
أبا بكر داخل فيه .
أما على التقدير الأول : فدخول
أبي بكر فيه ظاهر ، وذلك لأن هذا يتناول أسبق الناس إلى التصديق ، وأجمعوا على أن الأسبق الأفضل إما
أبو بكر وإما
علي ، وحمل هذا اللفظ على
أبي بكر أولى ، لأن
عليا عليه السلام كان وقت البعثة صغيرا ، فكان كالولد الصغير الذي يكون في البيت ، ومعلوم أن إقدامه على التصديق لا يفيد مزيد قوة وشوكة . أما
أبو بكر فإنه كان رجلا كبيرا في السن كبيرا في المنصب ، فإقدامه على التصديق يفيد مزيد قوة وشوكة في الإسلام ، فكان حمل هذا اللفظ إلى
أبي بكر أولى .
وأما على التقدير الثاني : فهو أن يكون المراد كل من كان موصوفا بهذه الصفة ، وعلى هذا التقدير يكون
أبو بكر داخلا فيه .
المسألة الثالثة : قال صاحب " الكشاف " : قرئ " وصدق " بالتخفيف ، أي صدق به الناس ولم يكذبهم ، يعني : أداه إليهم كما نزل عليه من غير تحريف ، وقيل : صار صادقا به ، أي : بسببه ، لأن القرآن معجزة ، والمعجزة تصديق من الحكيم الذي لا يفعل القبيح ، فيصير المدعي للرسالة صادقا بسبب تلك المعجزة ، وقرئ : " وصدق " .
واعلم أنه تعالى أثبت للذي جاء بالصدق وصدق به أحكاما كثيرة .
فالحكم الأول : قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33أولئك هم المتقون ) ، وتقريره أن التوحيد والشرك ضدان ، وكلما كان أحد الضدين أشرف وأكمل كان الضد الثاني أخس وأرذل ، ولما كان التوحيد أشرف الأسماء كان الشرك أخس الأشياء ، والآتي بأحد الضدين يكون تاركا للضد الثاني ، فالآتي بالتوحيد الذي هو أفضل الأشياء يكون تاركا للشرك الذي هو أخس الأشياء وأرذلها ، فلهذا المعنى وصف المصدقين بكونهم متقين .
الحكم الثاني للمصدقين : قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=34لهم ما يشاءون عند ربهم ذلك جزاء المحسنين ) ، وهذا
[ ص: 244 ] الوعد يدخل فيه كل ما يرغب المكلف فيه ، فإن قيل : لا شك أن الكمال محبوب لذاته مرغوب فيه لذاته ، وأهل الجنة لا شك أنهم عقلاء ، فإذا شاهدوا الدرجات العالية التي هي للأنبياء وأكابر الأولياء عرفوا أنها خيرات عالية ودرجات كاملة ، والعلم بالشيء من حيث إنه كمال وخير يوجب الميل إليه والرغبة فيه ، وإذا كان كذلك فهم يشاءون حصول تلك الدرجات لأنفسهم ، فوجب حصولها لهم بحكم هذه الآية ، وأيضا فإن لم يحصل لهم ذلك المراد كانوا في الغصة ووحشة القلب ، وأجيب عنه بأن
nindex.php?page=treesubj&link=28766_30345الله تعالى يزيل الحقد والحسد عن قلوب أهل الآخرة ، وذلك يقتضي أن أحوالهم في الآخرة بخلاف أحوالهم في الدنيا ، ومن الناس من تمسك بهذه الآية في أن المؤمنين يرون الله تعالى يوم القيامة ، قالوا : إن الذين يعتقدون أنهم يرون الله تعالى لا شك أنهم داخلون تحت قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33وصدق به ) لأنهم صدقوا الأنبياء عليهم السلام ، ثم إن ذلك الشخص يريد رؤية الله تعالى ، فوجب أن يحصل له ذلك لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=34لهم ما يشاءون عند ربهم ) ، فإن قالوا : لا نسلم أن أهل الجنة يشاءون ذلك ، قلنا : هذا باطل ، لأن
nindex.php?page=treesubj&link=28725الرؤية أعظم وجوه التجلي وزوال الحجاب ، ولا شك أنها حالة مطلوبة لكل أحد نظرا إلى هذا الاعتبار ، بل لو ثبت بالدليل كون هذا المطلوب ممتنع الوجود لعينه فإنه يترك طلبه ، لا لأجل عدم المقتضي للطلب ، بل لقيام المانع ، وهو كونه ممتنعا في نفسه ، فثبت أن هذه الشبهة قائمة ، والنص يقتضي حصول كل ما أرادوه وشاءوه فوجب حصولها .
واعلم أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=34عند ربهم ) لا يفيد العندية بمعنى الجهة والمكان ، بل بمعنى الصمدية والإخلاص كما في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55عند مليك مقتدر ) [ القمر : 55 ] ، واعلم أن
المعتزلة تمسكوا بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=85وذلك جزاء المحسنين ) على أن هذا الأجر مستحق لهم على إحسانهم في العبادة .
الحكم الثالث : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=35ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذي كانوا يعملون ) فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=34لهم ما يشاءون عند ربهم ) يدل على حصول الثواب على أكمل الوجوه ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=35ليكفر الله عنهم ) يدل على سقوط العقاب عنهم على أكمل الوجوه ، فقيل : المراد أنهم إذا صدقوا الأنبياء عليهم فيما أوتوا ، فإن الله يكفر عنهم أسوأ أعمالهم ، وهو الكفر السابق على ذلك الإيمان ، ويوصل إليهم أحسن أنواع الثواب ، وقال
مقاتل : يجزيهم بالمحاسن من أعمالهم ولا يجزيهم بالمساوئ .
واعلم أن
مقاتلا كان شيخ
المرجئة ، وهم الذين يقولون :
nindex.php?page=treesubj&link=28835_28650_30488لا يضر شيء من المعاصي مع الإيمان ، كما لا ينفع شيء من الطاعات مع الكفر ، واحتج بهذه الآية فقال : إنها تدل على أن من صدق الأنبياء والرسل فإنه تعالى يكفر عنهم أسوأ الذي عملوا ، ولا يجوز حمل هذا الأسوأ على الكفر السابق ، لأن الظاهر من الآية يدل على أن التكفير إنما حصل في حال ما وصفهم الله بالتقوى ، وهو التقوى من الشرك ، وإذا كان كذلك وجب أن يكون المراد منه الكبائر التي يأتي بها بعد الإيمان ، فتكون هذه الآية تنصيصا على أنه تعالى يكفر عنهم بعد إيمانهم أسوأ ما يأتون به ، وذلك هو الكبائر .
الحكم الرابع : أنه جرت العادة أن المبطلين يخوفون المحقين بالتخويفات الكثيرة ، فحسم الله مادة هذه الشبهة بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=36أليس الله بكاف عبده ) ، وذكره بلفظ الاستفهام ، والمراد تقرير ذلك في النفوس ، والأمر كذلك ، لأنه ثبت أنه عالم بجميع المعلومات ، قادر على كل الممكنات ، غني عن كل الحاجات ، فهو تعالى عالم حاجات العباد ، وقادر على دفعها وإبدالها بالخيرات والراحات ، وهو ليس بخيلا ولا محتاجا
[ ص: 245 ] حتى يمنعه بخله وحاجته عن إعطاء ذلك المراد ، وإذا ثبت هذا كان الظاهر
nindex.php?page=treesubj&link=29682_24262_28791أنه سبحانه يدفع الآفات ويزيل البليات ، ويوصل إليه كل المرادات ، فلهذا قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=36أليس الله بكاف عبده ) ولما ذكر الله المقدمة رتب عليها النتيجة المطلوبة ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=36ويخوفونك بالذين من دونه ) يعني لما ثبت أن الله كاف عبده كان التخويف بغير الله عبثا وباطلا ، قرأ أكثر القراء : " عبده " بلفظ الواحد ، وهو اختيار
أبي عبيدة ، لأنه قال له : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=36ويخوفونك ) ، روي أن
قريشا قالت للنبي - صلى الله عليه وسلم - : إنا نخاف أن تخبلك آلهتنا ، فأنزل الله تعالى هذه الآية ، وقرأ جماعة : " عباده " بلفظ الجميع ، قيل : المراد بالعباد الأنبياء ، فإن نوحا كفاه الغرق ،
وإبراهيم النار ،
ويونس بالإنجاء مما وقع له ، فهو تعالى كافيك يا
محمد كما كفى هؤلاء الرسل قبلك ، وقيل : أمم الأنبياء قصدوهم بالسوء ، لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5وهمت كل أمة برسولهم ) [ غافر : 5 ] وكفاهم الله شر من عاداهم .
واعلم أنه تعالى لما أطنب في شرح الوعيد والوعد والترهيب والترغيب ختم الكلام بخاتمة هي الفصل الحق ، فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=36ومن يضلل الله فما له من هاد nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=37ومن يهد الله فما له من مضل ) يعني : هذا الفضل لا ينفع والبينات إلا إذا خص الله العبد بالهداية والتوفيق ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=37أليس الله بعزيز ذي انتقام ) تهديد للكفار .
واعلم أن أصحابنا يتمسكون في مسألة خلق الأعمال وإرادة الكائنات بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=36ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل ) والمباحث فيه من الجانبين معلومة ،
والمعتزلة يتمسكون على صحة مذهبهم في هاتين المسألتين بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=37أليس الله بعزيز ذي انتقام ) ، ولو كان الخالق للكفر فيهم هو الله لكان الانتقام والتهديد غير لائق به .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=34لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=35لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=36أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=37وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=34لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=35لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=36أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=37وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ )
[ ص: 243 ] اعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ وَعِيدَ الْكَاذِبِينَ وَالْمُكَذِّبِينَ لِلصَّادِقِينَ ذَكَرَ عَقِيبَهُ
nindex.php?page=treesubj&link=19481_19476وَعْدَ الصَّادِقِينَ وَوَعْدَ الْمُصَدِّقِينَ ، لِيَكُونَ الْوَعْدُ مَقْرُونًا بِالْوَعِيدِ ، وَفِيهِ مَسَائِلُ :
الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ ) ، تَقْدِيرُهُ : وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَالَّذِي صَدَّقَ بِهِ ، وَفِيهِ قَوْلَانِ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْمُرَادَ شَخْصٌ وَاحِدٌ ، فَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ
مُحَمَّدٌ ، وَالَّذِي صَدَّقَ بِهِ هُوَ
أَبُو بَكْرٍ ، وَهَذَا الْقَوْلُ مَرْوِيٌّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَجَمَاعَةٍ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ كُلُّ مَنْ جَاءَ بِالصِّدْقِ ، فَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ الْأَنْبِيَاءُ ، وَالَّذِي صَدَّقَ بِهِ الْأَتْبَاعُ ، وَاحْتَجَّ الْقَائِلُونَ بِهَذَا الْقَوْلِ بِأَنَّ الَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ جَمَاعَةٌ ، وَإِلَّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) .
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّ الرِّسَالَةَ لَا تَتِمُّ إِلَّا بِأَرْكَانٍ أَرْبَعَةٍ : الْمُرْسِلِ وَالْمُرْسَلُ وَالرِّسَالَةِ وَالْمُرْسَلِ إِلَيْهِ ، وَالْمَقْصُودُ مِنَ الْإِرْسَالِ إِقْدَامُ الْمُرْسَلِ إِلَيْهِ عَلَى الْقَبُولِ وَالتَّصْدِيقِ ، فَأَوَّلُ شَخْصٍ أَتَى بِالتَّصْدِيقِ هُوَ الَّذِي يَتِمُّ بِهِ الْإِرْسَالُ ، وَسَمِعْتُ بَعْضَ الْقَاصِّينَ مِنَ الَّذِي يَرْوِي عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
دَعُوا أَبَا بَكْرٍ ، فَإِنَّهُ مِنْ تَتِمَّةِ النُّبُوَّةِ .
وَاعْلَمْ أَنَّا سَوَاءٌ قُلْنَا : الْمُرَادُ بِالَّذِي صَدَّقَ بِهِ شَخْصٌ مُعَيَّنٌ ، أَوْ قُلْنَا : الْمُرَادُ مِنْهُ كُلُّ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، فَإِنَّ
أَبَا بَكْرٍ دَاخِلٌ فِيهِ .
أَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الْأَوَّلِ : فَدُخُولُ
أَبِي بَكْرٍ فِيهِ ظَاهِرٌ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ هَذَا يَتَنَاوَلُ أَسْبَقَ النَّاسِ إِلَى التَّصْدِيقِ ، وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَسْبَقَ الْأَفْضَلَ إِمَّا
أَبُو بَكْرٍ وَإِمَّا
عَلِيٌّ ، وَحَمْلُ هَذَا اللَّفْظِ عَلَى
أَبِي بَكْرٍ أَوْلَى ، لِأَنَّ
عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ وَقْتَ الْبَعْثَةِ صَغِيرًا ، فَكَانَ كَالْوَلَدِ الصَّغِيرِ الَّذِي يَكُونُ فِي الْبَيْتِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ إِقْدَامَهُ عَلَى التَّصْدِيقِ لَا يُفِيدُ مَزِيدَ قُوَّةٍ وَشَوْكَةٍ . أَمَّا
أَبُو بَكْرٍ فَإِنَّهُ كَانَ رَجُلًا كَبِيرًا فِي السِّنِّ كَبِيرًا فِي الْمَنْصِبِ ، فَإِقْدَامُهُ عَلَى التَّصْدِيقِ يُفِيدُ مَزِيدَ قُوَّةٍ وَشَوْكَةٍ فِي الْإِسْلَامِ ، فَكَانَ حَمْلُ هَذَا اللَّفْظِ إِلَى
أَبِي بَكْرٍ أَوْلَى .
وَأَمَّا عَلَى التَّقْدِيرِ الثَّانِي : فَهُوَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ كُلَّ مَنْ كَانَ مَوْصُوفًا بِهَذِهِ الصِّفَةِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَكُونُ
أَبُو بَكْرٍ دَاخِلًا فِيهِ .
الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ صَاحِبُ " الْكَشَّافِ " : قُرِئَ " وَصَدَقَ " بِالتَّخْفِيفِ ، أَيْ صَدَقَ بِهِ النَّاسَ وَلَمْ يَكْذِبْهُمْ ، يَعْنِي : أَدَّاهُ إِلَيْهِمْ كَمَا نَزَلَ عَلَيْهِ مِنْ غَيْرِ تَحْرِيفٍ ، وَقِيلَ : صَارَ صَادِقًا بِهِ ، أَيْ : بِسَبَبِهِ ، لِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزَةٌ ، وَالْمُعْجِزَةُ تَصْدِيقٌ مِنَ الْحَكِيمِ الَّذِي لَا يَفْعَلُ الْقَبِيحَ ، فَيَصِيرُ الْمُدَّعِي لِلرِّسَالَةِ صَادِقًا بِسَبَبِ تِلْكَ الْمُعْجِزَةِ ، وَقُرِئَ : " وَصَدَّقَ " .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى أَثْبَتَ لِلَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أَحْكَامًا كَثِيرَةً .
فَالْحُكْمُ الْأَوَّلُ : قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ ) ، وَتَقْرِيرُهُ أَنَّ التَّوْحِيدَ وَالشِّرْكَ ضِدَّانِ ، وَكُلَّمَا كَانَ أَحَدُ الضِّدَّيْنِ أَشْرَفَ وَأَكْمَلَ كَانَ الضِّدُّ الثَّانِي أَخَسَّ وَأَرْذَلَ ، وَلَمَّا كَانَ التَّوْحِيدُ أَشْرَفَ الْأَسْمَاءِ كَانَ الشِّرْكُ أَخَسَّ الْأَشْيَاءِ ، وَالْآتِي بِأَحَدِ الضِّدَّيْنِ يَكُونُ تَارِكًا لِلضِّدِّ الثَّانِي ، فَالْآتِي بِالتَّوْحِيدِ الَّذِي هُوَ أَفْضَلُ الْأَشْيَاءِ يَكُونُ تَارِكًا لِلشِّرْكِ الَّذِي هُوَ أَخَسُّ الْأَشْيَاءِ وَأَرْذَلُهَا ، فَلِهَذَا الْمَعْنَى وَصَفَ الْمُصَدِّقِينَ بِكَوْنِهِمْ مُتَّقِينَ .
الْحُكْمُ الثَّانِي لِلْمُصَدِّقِينَ : قَوْلُهُ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=34لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ) ، وَهَذَا
[ ص: 244 ] الْوَعْدُ يَدْخُلُ فِيهِ كُلُّ مَا يَرْغَبُ الْمُكَلَّفُ فِيهِ ، فَإِنْ قِيلَ : لَا شَكَّ أَنَّ الْكَمَالَ مَحْبُوبٌ لِذَاتِهِ مَرْغُوبٌ فِيهِ لِذَاتِهِ ، وَأَهْلُ الْجَنَّةِ لَا شَكَّ أَنَّهُمْ عُقَلَاءُ ، فَإِذَا شَاهَدُوا الدَّرَجَاتِ الْعَالِيَةَ الَّتِي هِيَ لِلْأَنْبِيَاءِ وَأَكَابِرِ الْأَوْلِيَاءِ عَرَفُوا أَنَّهَا خَيْرَاتٌ عَالِيَةٌ وَدَرَجَاتٌ كَامِلَةٌ ، وَالْعِلْمُ بِالشَّيْءِ مِنْ حَيْثُ إِنَّهُ كَمَالٌ وَخَيْرٌ يُوجِبُ الْمَيْلَ إِلَيْهِ وَالرَّغْبَةَ فِيهِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَهُمْ يَشَاءُونَ حُصُولَ تِلْكَ الدَّرَجَاتِ لِأَنْفُسِهِمْ ، فَوَجَبَ حُصُولُهَا لَهُمْ بِحُكْمِ هَذِهِ الْآيَةِ ، وَأَيْضًا فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَهُمْ ذَلِكَ الْمُرَادُ كَانُوا فِي الْغُصَّةِ وَوَحْشَةِ الْقَلْبِ ، وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28766_30345اللَّهَ تَعَالَى يُزِيلُ الْحِقْدَ وَالْحَسَدَ عَنْ قُلُوبِ أَهْلِ الْآخِرَةِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّ أَحْوَالَهُمْ فِي الْآخِرَةِ بِخِلَافِ أَحْوَالِهِمْ فِي الدُّنْيَا ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ تَمَسَّكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ فِي أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، قَالُوا : إِنَّ الَّذِينَ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ يَرَوْنَ اللَّهَ تَعَالَى لَا شَكَّ أَنَّهُمْ دَاخِلُونَ تَحْتَ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=33وَصَدَّقَ بِهِ ) لِأَنَّهُمْ صَدَّقُوا الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ ، ثُمَّ إِنَّ ذَلِكَ الشَّخْصَ يُرِيدُ رُؤْيَةَ اللَّهِ تَعَالَى ، فَوَجَبَ أَنْ يَحْصُلَ لَهُ ذَلِكَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=34لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) ، فَإِنْ قَالُوا : لَا نُسَلِّمُ أَنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَشَاءُونَ ذَلِكَ ، قُلْنَا : هَذَا بَاطِلٌ ، لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28725الرُّؤْيَةَ أَعْظَمُ وُجُوهِ التَّجَلِّي وَزَوَالِ الْحِجَابِ ، وَلَا شَكَّ أَنَّهَا حَالَةٌ مَطْلُوبَةٌ لِكُلِّ أَحَدٍ نَظَرًا إِلَى هَذَا الِاعْتِبَارِ ، بَلْ لَوْ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ كَوْنُ هَذَا الْمَطْلُوبِ مُمْتَنِعَ الْوُجُودِ لِعَيْنِهِ فَإِنَّهُ يُتْرَكُ طَلَبُهُ ، لَا لِأَجْلِ عَدَمِ الْمُقْتَضِي لِلطَّلَبِ ، بَلْ لِقِيَامِ الْمَانِعِ ، وَهُوَ كَوْنُهُ مُمْتَنِعًا فِي نَفْسِهِ ، فَثَبَتَ أَنَّ هَذِهِ الشُّبْهَةَ قَائِمَةٌ ، وَالنَّصُّ يَقْتَضِي حُصُولَ كُلِّ مَا أَرَادُوهُ وَشَاءُوهُ فَوَجَبَ حُصُولُهَا .
وَاعْلَمْ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=34عِنْدَ رَبِّهِمْ ) لَا يُفِيدُ الْعِنْدِيَّةَ بِمَعْنَى الْجِهَةِ وَالْمَكَانِ ، بَلْ بِمَعْنَى الصَّمَدِيَّةِ وَالْإِخْلَاصِ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=55عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ ) [ الْقَمَرِ : 55 ] ، وَاعْلَمْ أَنَّ
الْمُعْتَزِلَةَ تَمَسَّكُوا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=85وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ ) عَلَى أَنَّ هَذَا الْأَجْرَ مُسْتَحَقٌّ لَهُمْ عَلَى إِحْسَانِهِمْ فِي الْعِبَادَةِ .
الْحُكْمُ الثَّالِثُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=35لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَيَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كَانُوا يَعْمَلُونَ ) فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=34لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ) يَدُلُّ عَلَى حُصُولِ الثَّوَابِ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=35لِيُكَفِّرَ اللَّهُ عَنْهُمْ ) يَدُلُّ عَلَى سُقُوطِ الْعِقَابِ عَنْهُمْ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ ، فَقِيلَ : الْمُرَادُ أَنَّهُمْ إِذَا صَدَّقُوا الْأَنْبِيَاءَ عَلَيْهِمْ فِيمَا أُوتُوا ، فَإِنَّ اللَّهَ يُكَفِّرُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ أَعْمَالِهِمْ ، وَهُوَ الْكُفْرُ السَّابِقُ عَلَى ذَلِكَ الْإِيمَانِ ، وَيُوَصِّلُ إِلَيْهِمْ أَحْسَنَ أَنْوَاعِ الثَّوَابِ ، وَقَالَ
مُقَاتِلٌ : يَجْزِيهِمْ بِالْمَحَاسِنِ مِنْ أَعْمَالِهِمْ وَلَا يَجْزِيهِمْ بِالْمَسَاوِئِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ
مُقَاتِلًا كَانَ شَيْخَ
الْمُرْجِئَةِ ، وَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28835_28650_30488لَا يَضُرُّ شَيْءٌ مِنَ الْمَعَاصِي مَعَ الْإِيمَانِ ، كَمَا لَا يَنْفَعُ شَيْءٌ مِنَ الطَّاعَاتِ مَعَ الْكُفْرِ ، وَاحْتَجَّ بِهَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ : إِنَّهَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ صَدَّقَ الْأَنْبِيَاءَ وَالرُّسُلَ فَإِنَّهُ تَعَالَى يُكَفِّرُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا ، وَلَا يَجُوزُ حَمْلُ هَذَا الْأَسْوَأِ عَلَى الْكُفْرِ السَّابِقِ ، لِأَنَّ الظَّاهِرَ مِنَ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ التَّكْفِيرَ إِنَّمَا حَصَلَ فِي حَالِ مَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِالتَّقْوَى ، وَهُوَ التَّقْوَى مِنَ الشِّرْكِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْهُ الْكَبَائِرَ الَّتِي يَأْتِي بِهَا بَعْدَ الْإِيمَانِ ، فَتَكُونُ هَذِهِ الْآيَةُ تَنْصِيصًا عَلَى أَنَّهُ تَعَالَى يُكَفِّرُ عَنْهُمْ بَعْدَ إِيمَانِهِمْ أَسْوَأَ مَا يَأْتُونَ بِهِ ، وَذَلِكَ هُوَ الْكَبَائِرُ .
الْحُكْمُ الرَّابِعُ : أَنَّهُ جَرَتِ الْعَادَةُ أَنَّ الْمُبْطِلِينَ يُخَوِّفُونَ الْمُحِقِّينَ بِالتَّخْوِيفَاتِ الْكَثِيرَةِ ، فَحَسَمَ اللَّهُ مَادَّةَ هَذِهِ الشُّبْهَةِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=36أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) ، وَذَكَرَهُ بِلَفْظِ الِاسْتِفْهَامِ ، وَالْمُرَادُ تَقْرِيرُ ذَلِكَ فِي النُّفُوسِ ، وَالْأَمْرُ كَذَلِكَ ، لِأَنَّهُ ثَبَتَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِجَمِيعِ الْمَعْلُومَاتِ ، قَادِرٌ عَلَى كُلِّ الْمُمْكِنَاتِ ، غَنِيٌّ عَنْ كُلِّ الْحَاجَاتِ ، فَهُوَ تَعَالَى عَالِمٌ حَاجَاتِ الْعِبَادِ ، وَقَادِرٌ عَلَى دَفْعِهَا وَإِبْدَالِهَا بِالْخَيْرَاتِ وَالرَّاحَاتِ ، وَهُوَ لَيْسَ بَخِيلًا وَلَا مُحْتَاجًا
[ ص: 245 ] حَتَّى يَمْنَعَهُ بُخْلُهُ وَحَاجَتُهُ عَنْ إِعْطَاءِ ذَلِكَ الْمُرَادِ ، وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا كَانَ الظَّاهِرُ
nindex.php?page=treesubj&link=29682_24262_28791أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَدْفَعُ الْآفَاتِ وَيُزِيلُ الْبَلِيَّاتِ ، وَيُوَصِّلُ إِلَيْهِ كُلَّ الْمُرَادَاتِ ، فَلِهَذَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=36أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ ) وَلَمَّا ذَكَرَ اللَّهُ الْمُقَدِّمَةَ رَتَّبَ عَلَيْهَا النَّتِيجَةَ الْمَطْلُوبَةَ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=36وَيُخَوِّفُونَكَ بِالَّذِينَ مِنْ دُونِهِ ) يَعْنِي لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ اللَّهَ كَافٍ عَبْدَهُ كَانَ التَّخْوِيفُ بِغَيْرِ اللَّهِ عَبَثًا وَبَاطِلًا ، قَرَأَ أَكْثَرُ الْقُرَّاءِ : " عَبْدَهُ " بِلَفْظِ الْوَاحِدِ ، وَهُوَ اخْتِيَارُ
أَبِي عُبَيْدَةَ ، لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=36وَيُخَوِّفُونَكَ ) ، رُوِيَ أَنَّ
قُرَيْشًا قَالَتْ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : إِنَّا نَخَافُ أَنْ تُخْبِلَكَ آلِهَتُنَا ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ ، وَقَرَأَ جَمَاعَةٌ : " عِبَادَهُ " بِلَفْظِ الْجَمِيعِ ، قِيلَ : الْمُرَادُ بِالْعِبَادِ الْأَنْبِيَاءُ ، فَإِنَّ نُوحًا كَفَاهُ الْغَرَقَ ،
وَإِبْرَاهِيمَ النَّارَ ،
وَيُونُسَ بِالْإِنْجَاءِ مِمَّا وَقَعَ لَهُ ، فَهُوَ تَعَالَى كَافِيكَ يَا
مُحَمَّدُ كَمَا كَفَى هَؤُلَاءِ الرُّسُلَ قَبْلَكَ ، وَقِيلَ : أُمَمُ الْأَنْبِيَاءِ قَصَدُوهُمْ بِالسُّوءِ ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=5وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ ) [ غَافِرٍ : 5 ] وَكَفَاهُمُ اللَّهُ شَرَّ مَنْ عَادَاهُمْ .
وَاعْلَمْ أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَطْنَبَ فِي شَرْحِ الْوَعِيدِ وَالْوَعْدِ وَالتَّرْهِيبِ وَالتَّرْغِيبِ خَتَمَ الْكَلَامَ بِخَاتِمَةٍ هِيَ الْفَصْلُ الْحَقُّ ، فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=36وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=37وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ ) يَعْنِي : هَذَا الْفَضْلُ لَا يَنْفَعُ وَالْبَيِّنَاتُ إِلَّا إِذَا خَصَّ اللَّهُ الْعَبْدَ بِالْهِدَايَةِ وَالتَّوْفِيقِ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=37أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ ) تَهْدِيدٌ لِلْكُفَّارِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ أَصْحَابَنَا يَتَمَسَّكُونَ فِي مَسْأَلَةِ خَلْقِ الْأَعْمَالِ وَإِرَادَةِ الْكَائِنَاتِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=36وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ وَمَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُضِلٍّ ) وَالْمَبَاحِثُ فِيهِ مِنَ الْجَانِبَيْنِ مَعْلُومَةٌ ،
وَالْمُعْتَزِلَةُ يَتَمَسَّكُونَ عَلَى صِحَّةِ مَذْهَبِهِمْ فِي هَاتَيْنِ الْمَسْأَلَتَيْنِ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=37أَلَيْسَ اللَّهُ بِعَزِيزٍ ذِي انْتِقَامٍ ) ، وَلَوْ كَانَ الْخَالِقُ لِلْكُفْرِ فِيهِمْ هُوَ اللَّهَ لَكَانَ الِانْتِقَامُ وَالتَّهْدِيدُ غَيْرَ لَائِقٍ بِهِ .