قوله عز وجل:
nindex.php?page=treesubj&link=34133_28990nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=81واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا nindex.php?page=treesubj&link=30351_34101_28990nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=82كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا nindex.php?page=treesubj&link=34106_28990nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=83ألم تر أنا أرسلنا الشياطين على الكافرين تؤزهم أزا nindex.php?page=treesubj&link=30532_30550_28990nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=84فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا nindex.php?page=treesubj&link=19860_28723_30349_28990nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=85يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا nindex.php?page=treesubj&link=30351_30428_30433_30539_28990nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=86ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا nindex.php?page=treesubj&link=28723_30377_30495_30512_28990nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=87لا يملكون الشفاعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا
"اتخذ" افتعل من "أخذ" لكنه يتضمن إعدادا من المتخذ للمتخذ، وليس ذلك في "أخذ"، والضمير في "اتخذوا" لعبدة الأوثان، و "الآلهة": الأصنام وكل ما عبد من دون الله تبارك وتعالى، ومعنى "عزا" العموم في النصرة والمنفعة وغير ذلك من وجوه الخير.
وقوله تعالى: "كلا" زجر ورد، وهذا المعنى لازم لـ "كلا"، فإن كان القول المردود منصوصا عليه بان المعنى، وإن لم يكن منصوصا عليه فلا بد من أمر مردود يتضمنه
[ ص: 67 ] القول كقوله عز وجل:
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=6إن الإنسان ليطغى ، فإن قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=5علم الإنسان ما لم يعلم يتضمن مع ما قبله أن الإنسان يزعم من نفسه ويرى أن له حولا ما ولا يتفكر جدا في أن الله علمه ما لم يعلم وأنعم عليه بذلك.
وقرأ الجمهور : "كلا" على ما فسرناه، وقرأ
أبو نهيك : "كلا" بفتح الكاف والتنوين، حكاه عنه
أبو الفتح ، وهو نعت للآلهة. وحكى عنه
nindex.php?page=showalam&ids=12111أبو عمرو الداني "كلا" بضم الكاف والتنوين، وهو منصوب بفعل مضمر يدل عليه "سيكفرون"، تقديره: يرفضون أو يتركون أو يجحدون أو نحوه.
واختلف المفسرون في الضمير الذي في "سيكفرون" وفي "بعبادتهم" - فقالت فرقة: الأول للكفار والثاني للمعبودين، والمعنى أنه سيجيء يوم القيامة من الهول على الكفار والشدة ما يدفعهم إلى جحد الكفر وعبادة الأوثان، وذلك كقوله تعالى حكاية عنهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23والله ربنا ما كنا مشركين . وقالت فرقة: الأول للمعبودين والثاني للكفار، والمعنى أن الله تعالى يجعل للأصنام حياة تنكر بها ومعها عبادة الكفار وأن يكون لها من ذلك ذنب، وأما المعبودون من الملائكة وغيرهم فهذا منهم بين. وقوله تعالى: "ضدا" معناه: يجيئهم منهم خلاف ما كانوا أملوه فيؤول ذلك بهم إلى ذلة ضد ما أملوه من العز، وهذه صفة عامة، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : معناه: قرناء، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما: معناه: أعوانا، وقال لضحاك: أعداء، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد : بلاء، وقيل: غير هذا مما لفظ القرآن أعم منه وأجمع للمعنى المقصود، و "الضد" هنا مصدر يوصف به الجمع كما يوصف به الواحد.
[ ص: 68 ] وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري عن
أبي نهيك أنه قرأ: "كل" بالرفع، ورفعها بالابتداء.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=83ألم تر أنا أرسلنا الشياطين الآية. الرؤية رؤية قلب، و "أرسلنا" معناه: سلطنا، أو لم نحل بينهم وبينهم فهو تسليط، وهو مثل قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=36نقيض له شيطانا ، وتعديته بـ "على" دال على أنه تسليط. و "تؤزهم" معناه: تقلقهم وتحركهم إلى الكفر والضلال، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : تزعجهم إزعاجا، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابن زيد : تشليهم إشلاء، ومنه أزير القدر، وهو غليانه، ومنه ما في الحديث:
nindex.php?page=hadith&LINKID=696572أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فوجدته يصلي وهو يبكي، ولصدره أزيز كأزيز المرجل .
قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=84فلا تعجل عليهم ، أي: لا تستبطئ عذابهم وتحب تعجيله، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=84نعد لهم عدا أي مدة نعمتهم وقبيح أعمالهم لنصير بهم إلى العذاب إما في الدنيا، وإلا ففي الآخرة، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما: نعد أنفاسهم.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
وما تضمنته هذه الألفاظ من الوعيد بعذاب الآخرة هو العامل في قوله تعالى: "يوم" ويحتمل أن يعمل فيه فعل مقدر، تقديره: واذكر، أو احذر، ونحو هذا. و "الحشر": الجمع، وقد صار في عرف ألفاظ الشرع: البعث من القبور، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : "يوم يحشر المتقون ويساق المجرمون"، وروي عنه: "ويسوق المجرمين"، و "المتقون": المؤمنون الذين قد غفر لهم.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
وظاهر هذه الوفادة أنها بعد انقضاء الحساب، وإنما هي النهوض إلى الجنة، وكذلك "سوق المجرمين" إنما هو لدخول النار. و "وفدا" قال المفسرون: معناه:
[ ص: 69 ] ركبانا، وهي عادة الوفود; لأنهم سراة الناس وأحسنهم شكلا، فشبه أهل الجنة بأولئك، لا أنهم في معنى الوفادة إذ هو مضمن الانصراف، وإنما المراد تشبيههم بالوفد هيئة وكرامة. وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه أنهم يجيئون ركبانا على النوق المحلاة بحلية الجنة، خطمها من ياقوت وزبرجد ونحو هذا،وروي عن
عمر بن قيس الملائي أنهم يركبون على تماثيل من أعمالهم الصالحة هي في غاية الحسن، وروي أنهم يركب كل أحد منهم ما أحب، فمنهم من يركب الإبل، ومن يركب الخيل، ومن يركب السفن فتجيء عائمة بهم، وقد ورد في الضحايا
nindex.php?page=hadith&LINKID=12715أنها مطاياكم إلى الجنة ، وفي أكثر هذا بعد لكن ذكرناه بحسب الجمع للأقوال. و "السوق" يتضمن هوانا لأنهم يحفزون من ورائهم. و "الورد": العطاش، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن ، رضي الله عنهم.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
وهم القوم الذين ينحفزون من عطشهم لورود لماء، ويحتمل أن يكون المصدر، المعنى: نوردهم وردا، وهكذا يجعله من رأى في القرآن أربعة أوراد، وقد تقدم ذكر ذلك.
واختلف المتأولون في الضمير في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=87لا يملكون - فقالت فرقة: هو عائد على "المجرمين"، أي: لا يملكون أن يشفع لهم ولا سبيل لهم إليها، وعلى هذا التأويل فهم مشركون خاصة، ويكون قوله سبحانه
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=87إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا استثناء منقطعا، أي: لكن من اتخذ عهدا يشفع له، و "العهد" - على هذا - الإيمان، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما: العهد لا إله إلا الله، وفي الحديث:
يقول الله تعالى يوم القيامة: من كان له عندي عهد فليقم ، وفي الحديث:
nindex.php?page=hadith&LINKID=702480خمس صلوات كتبهن الله [ ص: 70 ] على العباد، فمن جاء بهن تامات كان له عند الله عهد أن يدخل الجنة . و "العهد" أيضا الإيمان، وبه فسر قوله تبارك وتعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124لا ينال عهدي الظالمين .
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
ويحتمل أن يكون "المجرمون" يعم الكفرة والعصاة، ثم أخبر أنهم لا يملكون الشفاعة إلا العصاة المؤمنون فإنهم يشفع فيهم، فيكون الاستثناء متصلا، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
لا أزال أشفع حتى أقول: يا رب شفعني فيمن قال لا إله إلا الله، فيقول الله: يا محمد ليست لك، ولكنها لي .
وقالت فرقة: الضمير في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=87لا يملكون للمتقين، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=87إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا أي: إلا من كان له عمل صالح مبرز يحصل به في حيز من يشفع، وقد تظاهرت الأحاديث بأن
nindex.php?page=treesubj&link=30381أهل العلم والفضل والصلاح يشفعون فيشفعون، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=104387في أمتي رجل يدخل الله بشفاعته الجنة أكثر من بني تميم " ، قال
[ ص: 71 ] nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة رحمه الله: وكنا نحدث أن الشهيد يشفع في سبعين.
وقال بعض هذه الفرقة: معنى الكلام: إلا لمن اتخذ عند الرحمن عهدا، أي: لا يملك المتقون الشفاعة إلا لهذه الصنيفة فيجيء "من" في التأويل الواحد للشافعين، وفي الثاني للمشفوع فيهم.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
وتحتمل الآية أن يراد بـ "من"
محمد صلى الله عليه وسلم وبـ "الشفاعة" الخاصة له صلى الله عليه وسلم العامة للناس، ويكون الضمير في "يملكون" لجميع أهل الموقف، ألا ترى أن سائر الأنبياء يتدافعون الشفاعة حتى تصير إليه فيقوم إليها صلى الله عليه وسلم، فالعهد - على هذا - النص على أمر الشفاعة في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79عسى أن يبعثك ربك مقاما محمودا .
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=treesubj&link=34133_28990nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=81وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا nindex.php?page=treesubj&link=30351_34101_28990nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=82كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا nindex.php?page=treesubj&link=34106_28990nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=83أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا nindex.php?page=treesubj&link=30532_30550_28990nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=84فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا nindex.php?page=treesubj&link=19860_28723_30349_28990nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=85يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا nindex.php?page=treesubj&link=30351_30428_30433_30539_28990nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=86وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا nindex.php?page=treesubj&link=28723_30377_30495_30512_28990nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=87لا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا
"اتَّخَذَ" افْتَعَلَ مِنْ "أَخْذَ" لَكِنَّهُ يَتَضَمَّنُ إِعْدَادًا مِنَ الْمُتَّخِذِ لِلْمُتَّخَذِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ فِي "أَخَذَ"، وَالضَّمِيرُ فِي "اتَّخَذُوا" لِعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ، وَ "الْآلِهَةُ": الْأَصْنَامُ وَكُلُّ مَا عُبِدَ مِنْ دُونِ اللَّهِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، وَمَعْنَى "عِزًّا" الْعُمُومُ فِي النُّصْرَةِ وَالْمَنْفَعَةِ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِنْ وُجُوهِ الْخَيْرِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: "كَلَّا" زَجْرٌ وَرَدٌ، وَهَذَا الْمَعْنَى لَازِمْ لـ "كَلَّا"، فَإِنْ كَانَ الْقَوْلُ الْمَرْدُودُ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ بَانَ الْمَعْنَى، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَنْصُوصًا عَلَيْهِ فَلَا بُدَّ مِنْ أَمْرٍ مَرْدُودٍ يَتَضَمَّنُهُ
[ ص: 67 ] الْقَوْلُ كَقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=6إِنَّ الإِنْسَانَ لَيَطْغَى ، فَإِنَّ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=96&ayano=5عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ يَتَضَمَّنُ مَعَ مَا قَبْلُهُ أَنَّ الْإِنْسَانَ يَزْعُمْ مِنْ نَفْسِهِ وَيَرَى أَنَّ لَهُ حَوْلًا مَا وَلَا يَتَفَكَّرُ جِدًّا فِي أَنَّ اللَّهَ عَلَّمَهُ مَا لَمْ يَعْلَمْ وَأَنْعَمَ عَلَيْهِ بِذَلِكَ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ : "كَلَّا" عَلَى مَا فَسَّرْنَاهُ، وَقَرَأَ
أَبُو نُهَيْكٍ : "كَلًّا" بِفَتْحِ الْكَافِ وَالتَّنْوِينِ، حَكَاهُ عَنْهُ
أَبُو الْفَتْحِ ، وَهُوَ نَعْتٌ للآلِهَةً. وَحَكَى عَنْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12111أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ "كُلًّا" بِضَمِّ الْكَافِ وَالتَّنْوِينِ، وَهُوَ مَنْصُوبٌ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ "سَيَكْفُرُونَ"، تَقْدِيرُهُ: يَرْفُضُونَ أَوْ يَتْرُكُونَ أَوْ يَجْحَدُونَ أَوْ نَحْوَهُ.
وَاخْتَلَفَ الْمُفَسِّرُونَ فِي الضَّمِيرِ الَّذِي فِي "سَيَكْفُرُونَ" وَفِي "بِعِبَادَتِهِمْ" - فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْأَوَّلُ لِلْكُفَّارِ وَالثَّانِي لِلْمَعْبُودِينَ، وَالْمَعْنَى أَنَّهُ سَيَجِيءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنَ الْهَوْلِ عَلَى الْكُفَّارِ وَالشِّدَّةِ مَا يَدْفَعُهُمْ إِلَى جَحْدِ الْكَفْرِ وَعِبَادَةِ الْأَوْثَانِ، وَذَلِكَ كَقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=23وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ . وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الْأَوَّلُ لِلْمَعْبُودِينَ وَالثَّانِي لِلْكُفَّارِ، وَالْمَعْنَى أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَجْعَلُ لِلْأَصْنَامِ حَيَاةً تُنْكِرُ بِهَا وَمَعَهَا عِبَادَةَ الْكُفَّارِ وَأَنْ يَكُونَ لَهَا مِنْ ذَلِكَ ذَنْبٌ، وَأَمَّا الْمَعْبُودُونَ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ فَهَذَا مِنْهُمْ بَيِّنٌ. وَقَوْلُهُ تَعَالَى: "ضِدًّا" مَعْنَاهُ: يَجِيئُهُمْ مِنْهُمْ خِلَافَ مَا كَانُوا أَمْلَوْهُ فَيُؤَوَّلُ ذَلِكَ بِهِمْ إِلَى ذِلَّةٍ ضِدَّ مَا أَمْلَوْهُ مِنَ الْعِزِّ، وَهَذِهِ صِفَةٌ عَامَّةٌ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ : مَعْنَاهُ: قُرَنَاءُ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: مَعْنَاهُ: أَعْوَانًا، وَقَالَ لِضِحَاكٍ: أَعْدَاءٌ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابْنُ زَيْدٍ : بَلَاءٌ، وَقِيلَ: غَيْرُ هَذَا مِمَّا لَفْظُ الْقُرْآنِ أَعَمُّ مِنْهُ وَأَجْمَعُ لِلْمَعْنَى الْمَقْصُودِ، وَ "الضِّدُّ" هُنَا مَصْدَرٌ يُوصَفُ بِهِ الْجَمْعُ كَمَا يُوصَفُ بِهِ الْوَاحِدُ.
[ ص: 68 ] وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=16935الطَّبَرَيُّ عَنْ
أَبِي نُهَيْكٍ أَنَّهُ قَرَأَ: "كُلُّ" بِالرَّفْعِ، وَرَفَعَهَا بِالِابْتِدَاءِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=83أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ الْآيَةُ. الرُّؤْيَةُ رُؤْيَةُ قَلْبٍ، وَ "أَرْسَلْنَا" مَعْنَاهُ: سَلَّطْنَا، أَوْ لَمْ نَحُلْ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَهُمْ فَهُوَ تَسْلِيطٌ، وَهُوَ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=36نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا ، وَتَعْدِيَتُهُ بِـ "عَلَى" دَالٌّ عَلَى أَنَّهُ تَسْلِيطٌ. وَ "تَؤُزُّهُمْ" مَعْنَاهُ: تُقْلِقُهُمْ وَتُحَرِّكُهُمْ إِلَى الْكُفْرِ وَالضَّلَالِ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ : تُزْعِجُهُمْ إِزْعَاجًا، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16327ابْنُ زَيْدٍ : تُشْلِيهِمْ إِشْلَاءً، وَمِنْهُ أُزِيرُ الْقِدْرِ، وَهُوَ غَلَيَانُهُ، وَمِنْهُ مَا فِي الْحَدِيثِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=696572أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَجَدْتُهُ يُصَلِّي وَهُوَ يَبْكِي، وَلِصَدْرِهِ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمُرْجِلِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=84فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ ، أَيْ: لَا تَسْتَبْطِئُ عَذَابَهُمْ وَتُحِبُّ تَعْجِيلَهُ، وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=84نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا أَيْ مُدَّةَ نِعْمَتِهِمْ وَقَبِيحَ أَعْمَالِهِمْ لِنَصِيرَ بِهِمْ إِلَى الْعَذَابِ إِمَّا فِي الدُّنْيَا، وَإِلَّا فَفِي الْآخِرَةِ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: نَعُدُّ أَنْفَاسَهُمْ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ :
وَمَا تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ الْأَلْفَاظُ مِنَ الْوَعِيدِ بِعَذَابِ الْآخِرَةِ هُوَ الْعَامِلُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: "يَوْمَ" وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَعْمَلَ فِيهِ فِعْلٌ مُقَدَّرٌ، تَقْدِيرُهُ: وَاذْكُرْ، أَوِ احْذَرْ، وَنَحْوَ هَذَا. وَ "الْحَشْرُ": الْجَمْعُ، وَقَدْ صَارَ فِي عُرْفِ أَلْفَاظِ الشَّرْعِ: الْبَعْثُ مِنَ الْقُبُورِ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ : "يَوْمَ يُحْشَرُ الْمُتَّقُونَ وَيُسَاقُ الْمُجْرِمُونَ"، وَرَوِيَ عَنْهُ: "وَيَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ"، وَ "الْمُتَّقُونَ": الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ قَدْ غَفَرَ لَهُمْ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ :
وَظَاهِرُ هَذِهِ الْوِفَادَةِ أَنَّهَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْحِسَابِ، وَإِنَّمَا هِيَ النُّهُوضُ إِلَى الْجَنَّةِ، وَكَذَلِكَ "سَوْقُ الْمُجْرِمِينَ" إِنَّمَا هُوَ لِدُخُولِ النَّارِ. وَ "وَفْدًا" قَالَ الْمُفَسِّرُونَ: مَعْنَاهُ:
[ ص: 69 ] رُكْبَانًا، وَهِيَ عَادَةُ الْوُفُودِ; لَأَنَّهُمْ سَرَاةُ النَّاسِ وَأَحْسَنُهُمْ شَكْلًا، فَشَبَّهَ أَهْلَ الْجَنَّةِ بِأُولَئِكَ، لَا أَنَّهُمْ فِي مَعْنَى الْوِفَادَةِ إِذْ هُوَ مُضَمَّنُ الِانْصِرَافَ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ تَشْبِيهُهُمْ بِالْوَفْدِ هَيْئَةً وَكَرَامَةً. وَرُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُمْ يَجِيئُونَ رُكْبَانًا عَلَى النُّوقِ الْمُحَلَّاةِ بِحِلْيَةِ الْجَنَّةِ، خُطُمُهَا مِنْ يَاقُوتٍ وَزَبَرْجَدٍ وَنَحْوَ هَذَا،وَرُوِيَ عَنْ
عُمَرَ بْنِ قَيْسٍ الْمَلَائِيِّ أَنَّهُمْ يَرْكَبُونَ عَلَى تَمَاثِيلَ مِنْ أَعْمَالِهِمُ الصَّالِحَةِ هِيَ فِي غَايَةِ الْحُسْنِ، وَرُوِيَ أَنَّهُمْ يَرْكَبُ كُلُّ أَحَدٍ مِنْهُمْ مَا أَحَبَّ، فَمِنْهُمْ مَنْ يَرْكَبُ الْإِبِلَ، وَمَنْ يَرْكَبُ الْخَيْلَ، وَمَنْ يَرْكَبُ السُّفُنَ فَتَجِيءُ عَائِمَةً بِهِمْ، وَقَدْ وَرَدَ فِي الضَّحَايَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=12715أَنَّهَا مَطَايَاكُمْ إِلَى الْجَنَّةِ ، وَفِي أَكْثَرِ هَذَا بُعْدٌ لَكِنْ ذَكَرْنَاهُ بِحَسْبِ الْجَمْعِ لِلْأَقْوَالِ. وَ "السَّوْقُ" يَتَضَمَّنُ هَوَانًا لَأَنَّهُمْ يُحَفَّزُونَ مِنْ وَرَائِهِمْ. وَ "الْوِرْدُ": الْعِطَاشُ، قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبُو هُرَيْرَةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102وَالْحَسَنُ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ :
وَهُمُ الْقَوْمُ الَّذِينَ يَنْحَفِزُونَ مَنْ عَطَشِهِمْ لِوُرُودٍ لِمَاءٍ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَصْدَرُ، الْمَعْنَى: نُورِدُهُمْ وِرْدًا، وَهَكَذَا يَجْعَلُهُ مَنْ رَأَى فِي الْقُرْآنِ أَرْبَعَةَ أَوْرَادٍ، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُ ذَلِكَ.
وَاخْتَلَفَ الْمُتَأَوِّلُونَ فِي الضَّمِيرِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=87لا يَمْلِكُونَ - فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: هُوَ عَائِدٌ عَلَى "الْمُجْرِمِينَ"، أَيْ: لَا يَمْلِكُونَ أَنْ يَشْفَعَ لَهُمْ وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَيْهَا، وَعَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ فَهُمْ مُشْرِكُونَ خَاصَّةً، وَيَكُونُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=87إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا اسْتِثْنَاءً مُنْقَطِعًا، أَيْ: لَكِنْ مَنِ اتَّخَذَ عَهْدًا يُشْفَعُ لَهُ، وَ "الْعَهْدُ" - عَلَى هَذَا - الْإِيمَانُ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: الْعَهْدُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَفِي الْحَدِيثِ:
يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَنْ كَانَ لَهُ عِنْدِي عَهْدٌ فَلْيَقُمْ ، وَفِي الْحَدِيثِ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=702480خَمْسُ صَلَوَاتٍ كَتَبَهُنَّ اللَّهُ [ ص: 70 ] عَلَى الْعِبَادِ، فَمَنْ جَاءَ بِهِنَّ تَامَّاتٍ كَانَ لَهُ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدٌ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ . وَ "الْعَهْدُ" أَيْضًا الْإِيمَانُ، وَبِهِ فُسِّرَ قَوْلُهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=124لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ .
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ :
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ "الْمُجْرِمُونَ" يَعُمُ الْكَفَرَةَ وَالْعُصَاةَ، ثُمْ أَخْبَرَ أَنَّهُمْ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا الْعُصَاةُ الْمُؤْمِنُونَ فَإِنَّهُمْ يُشْفَعُ فِيهِمْ، فَيَكُونُ الِاسْتِثْنَاءُ مُتَّصِلًا، وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
لَا أَزَالُ أَشْفَعُ حَتَّى أَقُولَ: يَا رَبِّ شَفَّعَنِي فِيمَنْ قَالَ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَيَقُولُ اللَّهُ: يَا مُحَمَّدُ لَيْسَتْ لَكَ، وَلَكِنَّهَا لِي .
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: الضَّمِيرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=87لا يَمْلِكُونَ لِلْمُتَّقِينَ، وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=87إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا أَيْ: إِلَّا مَنْ كَانَ لَهُ عَمَلٌ صَالِحٌ مُبَرَّزٌ يَحْصُلُ بِهِ فِي حَيِّزِ مَنْ يَشْفَعُ، وَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30381أَهْلَ الْعِلْمِ وَالْفَضْلِ وَالصَّلَاحِ يُشَفَّعُونَ فَيَشْفَعُونَ، رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=104387فِي أُمَّتِي رَجُلٌ يُدْخِلُ اللَّهُ بِشَفَاعَتِهِ الْجَنَّةَ أَكْثَرَ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ " ، قَالَ
[ ص: 71 ] nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ رَحِمَهُ اللَّهُ: وَكُنَّا نُحَدِّثُ أَنَّ الشَّهِيدَ يَشْفَعُ فِي سَبْعِينَ.
وَقَالَ بَعْضُ هَذِهِ الْفِرْقَةِ: مَعْنَى الْكَلَامِ: إِلَّا لِمَنِ اتَّخَذَ عِنْدَ الرَّحْمَنِ عَهْدًا، أَيْ: لَا يَمْلِكُ الْمُتَّقُونَ الشَّفَاعَةَ إِلَّا لِهَذِهِ الصَّنِيفَةِ فَيَجِيءُ "مَنِ" فِي التَّأْوِيلِ الْوَاحِدِ لِلشَّافِعِينَ، وَفِي الثَّانِي لِلْمَشْفُوعِ فِيهِمْ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ :
وَتَحْتَمِلُ الْآيَةُ أَنْ يُرَادَ بِـ "مَنْ"
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِـ "الشَّفَاعَةِ" الْخَاصَّةِ لَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْعَامَّةِ لِلنَّاسِ، وَيَكُونُ الضَّمِيرُ فِي "يَمْلِكُونَ" لِجَمِيعِ أَهْلِ الْمَوْقِفِ، أَلَّا تَرَى أَنَّ سَائِرَ الْأَنْبِيَاءِ يَتَدَافَعُونَ الشَّفَاعَةَ حَتَّى تَصِيرَ إِلَيْهِ فَيَقُومُ إِلَيْهَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَالْعَهْدُ - عَلَى هَذَا - النَّصُّ عَلَى أَمْرِ الشَّفَاعَةِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=79عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا .