[ ص: 77 ] بسم الله الرحمن الرحيم
تفسير سورة طه
هذه السورة مكية وآياتها خمس وثلاثون ومائة.
قوله عز وجل:
nindex.php?page=treesubj&link=32450_34237_28991nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=1طه nindex.php?page=treesubj&link=29785_30504_28991nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=2ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى nindex.php?page=treesubj&link=19995_29785_28991nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=3إلا تذكرة لمن يخشى nindex.php?page=treesubj&link=31756_32238_28991nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=4تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلا nindex.php?page=treesubj&link=28723_31748_33677_28991nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن على العرش استوى nindex.php?page=treesubj&link=29687_28991nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=6له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى nindex.php?page=treesubj&link=34091_28991nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=7وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى nindex.php?page=treesubj&link=28662_28723_28991nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=8الله لا إله إلا هو له الأسماء الحسنى
اختلف الناس في قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=1طه بحسب اختلافهم في كل الحروف المتقدمة في أوائل السور، إلا قول من قال هناك: إن الحروف إشارة إلى حروف المعجم، كما تقول: "أ، ب، ج"، فإنه لا يترتب ها هنا; لأن ما بعد "طه" من الكلام لا يصح أن يكون خبرا عن "طه".
واختصت "طه" بأقوال لا تترتب في أوائل السور المذكورة، فمنها قول من قال: "طه" اسم من أسماء
محمد صلى الله عليه وسلم، وقول من قال: "طه" معناه: "يا رجل" بالسريانية وقيل: بغيرها من لغات العجم، وحكي أنها لغة يمنية في عك، وأنشد الطبري في ذلك:
دعوت بطه في القتال فلم يجب فخفت عليه أن يكون موائلا
[ ص: 78 ] ويروى: مزايلا. وقال الآخر:
إن السفاهة طه من خلائقكم لا بارك الله في القوم الملاعين
وقالت فرقة: سبب نزول الآية إنما هو ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتحمله من مشقة الصلاة حتى كانت قدماه تتورم ويحتاج إلى الترويح، فقيل له: طا الأرض، أي: لا تتعب حتى تحتاج إلى الترويح، فالضمير في "طه" للأرض، وخففت الهمزة فصارت ألفا ساكنة.
وقرأت فرقة: "طه"، وأصله: طأ، فحذفت الهمزة وأدخلت هاء السكت، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر : "طه" بفتح الطاء والهاء، وروي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16810قالون عن
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع ، وروى
nindex.php?page=showalam&ids=17379يعقوب عنه كسرها، وروي عنه بين بالفتح والكسر، وأمالت فرقة، وفخمت فرقة، والتفخيم لغة
الحجاز والنبي صلى الله عليه وسلم، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي : "طه" بكسر الطاء والهاء، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبو عمرو : "طه" بفتح الطاء وكسر الهاء، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك وعمرو بن فائد أنهما قرآ: "طاوي".
وقوله تعالى: "لتشقى" معناه التبلغ من نفسك في العبادة والقيام في الصلاة، وقالت فرقة: إنما سبب الآية أن /
قريشا نظرت إلى عيش رسول الله صلى الله عليه وسلم وشظفه وكثرة عياله، فقالت: إن
محمدا مع ربه في شقاء، فنزلت الآية رادة عليهم، أي: إن الله تعالى لم ينزل القرآن ليجعل
محمدا شقيا، بل ليجعله أسعد بني آدم في النعيم المقيم في أعلى المراتب، فالشقاء الذي رأيتم هو تنعم النفس، ولا شقاء مع ذلك.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
[ ص: 79 ] فهذا التأويل أعم من الأول في لفظة الشقاء.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=3إلا تذكرة لمن يخشى يصح أن ينصب على البدل من موضع
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=2لتشقى ، ويصح أن ينصب بفعل مضمر تقديره: لكن أنزلناه تذكرة. و "يخشى" يتضمن الإيمان والعمل الصالح; إذ الخشية باعثة على ذلك. وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=4تنزيلا نصب على المصدر، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=4ممن خلق الأرض والسماوات العلا صفة أقامها مقام الموصوف، وأفاد ذلك العبرة والتذكرة وتحقير الأوثان وبعث النفوس على النظر. و "العلى" جمع عليا، فعلى.
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرحمن رفع بالابتداء، ويصح أن يكون بدلا من الضمير المستقر في "خلق". وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5استوى قالت فرقة: هو بمعنى: استولى، وقال
أبو المعالي وغيره من المتكلمين: هو بمعنى استواء القهر والغلبة، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري : فعل فعلا في العرش سماه استواء، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي وجماعة غيره: هذا من متشابه القرآن، نؤمن به ولا نعرض لمعناه، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك بن أنس لرجل سأله عن هذا الاستواء، فقال له
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : الاستواء معلوم، والكيفية مجهولة، والسؤال عن هذا بدعة، وأظنك رجل سوء، أخرجوه عني، فأدبر السائل وهو يقول: يا أبا عبد الله، لقد سألت عنها أهل
الشام وأهل
العراق فما وفق فيها أحد توفيقك.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
وضعف
أبو المعالي قول من قال: لا يتكلم في تفسيرها، فإن قال: إن كل مؤمن يجمع على أن لفظة الاستواء ليست على عرفها في معهود الكلام العزيز، فإذا فعل هذا فقد فسر ضرورة ولا فائدة في تأخره عن طلب الوجه والمخرج البين، بل في ذلك إلباس على الناس، وإيهام للعوام، وقد تقدم القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28728مسألة الاستواء.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=6له ما في السماوات وما في الأرض تماد في الصفة المذكورة المنبهة على الخالق المنعم، وفي قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=6وما تحت الثرى قصص في أمر الحوت ونحوه اختصرته لعدم صحته، والآية مضمنة أن كل موجود محدث فهو لله بالملك والاختراع، ولا قديم سواه تعالى. و "الثرى" التراب الندي.
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=7وإن تجهر بالقول الآية، معناه: وإن كنتم أيها الناس إذا أردتم إعلام
[ ص: 80 ] أحد بأمر، أو مخاطبة أوثانكم وغيرها، فأنتم تجهرون بالقول، فإن الله الذي هذه صفاته يعلم السر وأخفى، فالمخاطبة بـ "تجهر"
لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهي مراد بها جميع الناس إذ هي آية اعتبار.
واختلف الناس في ترتيب السر وما هو أخفى منه - فقالت فرقة: السر هو الكلام الخفي الخافت كقراءة السر في الصلاة، و الأخفى ما هو في النفس متحصل. وقالت فرقة: السر هو ما في نفوس البشر وكل ما يمكن أن يكون فيها في المستأنف بحسب الممكنات من معلومات البشر، والأخفى ما هو من معلومات الله تعالى، ولا يمكن أن يعلمه البشر البتة.
قال
القاضي أبو محمد رحمه الله :
فهذا كله معلوم لله عز وجل، وقد تؤول على بعض السلف أنه جعل "وأخفى" فعلا ماضيا، وهذا ضعيف.
و " الأسماء الحسنى " يريد بها المسميات التي تضمنت المعاني التي هي في غاية الحسن، ووحد الصفة مع جمع الموصوف لما كانت المسميات لا تعقل، وهذا جار مجرى
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18مآرب أخرى ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10يا جبال أوبي وغيره، وذكر أهل العلم أن هذه الأسماء هي التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652531إن لله تسعة وتسعين اسما، مائة إلا واحدا، من أحصاها دخل الجنة .
[ ص: 77 ] بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
تَفْسِيرُ سُورَةِ طَهَ
هَذِهِ السُّورَةُ مَكِّيَّةٌ وَآيَاتُهَا خَمْسٌ وَثَلَاثُونَ وَمِائَةٌ.
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ:
nindex.php?page=treesubj&link=32450_34237_28991nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=1طه nindex.php?page=treesubj&link=29785_30504_28991nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=2مَا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى nindex.php?page=treesubj&link=19995_29785_28991nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=3إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى nindex.php?page=treesubj&link=31756_32238_28991nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=4تَنْزِيلا مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا nindex.php?page=treesubj&link=28723_31748_33677_28991nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى nindex.php?page=treesubj&link=29687_28991nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=6لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى nindex.php?page=treesubj&link=34091_28991nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=7وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى nindex.php?page=treesubj&link=28662_28723_28991nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=8اللَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ لَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى
اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=1طه بِحَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي كُلِّ الْحُرُوفِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي أَوَائِلِ السُّورِ، إِلَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ هُنَاكَ: إِنَّ الْحُرُوفَ إِشَارَةٌ إِلَى حُرُوفِ الْمُعْجَمِ، كَمَا تَقُولُ: "أ، ب، ج"، فَإِنَّهُ لَا يَتَرَتَّبُ هَا هُنَا; لَأَنَّ مَا بَعْدَ "طَهَ" مِنَ الْكَلَامِ لَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ خَبَرًا عَنْ "طَهَ".
وَاخْتَصَّتْ "طَهَ" بِأَقْوَالٍ لَا تَتَرَتَّبُ فِي أَوَائِلِ السُّوَرِ الْمَذْكُورَةِ، فَمِنْهَا قَوْلُ مَنْ قَالَ: "طَهَ" اسْمٌ مِنْ أَسْمَاءِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَوْلُ مَنْ قَالَ: "طَهَ" مَعْنَاهُ: "يَا رَجُلُ" بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَقِيلَ: بِغَيْرِهَا مِنْ لُغَاتِ الْعَجَمِ، وَحُكِيَ أَنَّهَا لُغَةٌ يَمَنِيَّةٌ فِي عَكٍّ، وَأَنْشَدَ الطَّبَرَيُّ فِي ذَلِكَ:
دَعَوْتُ بِطَهَ فِي الْقِتَالِ فَلَمْ يُجِبْ فَخِفْتِ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مُوَائِلًا
[ ص: 78 ] وَيُرْوَى: مُزَايِلًا. وَقَالَ الْآخَرُ:
إِنَّ السَّفَاهَةَ طَهَ مِنْ خَلَائِقِكُمْ لَا بَارَكَ اللَّهُ فِي الْقَوْمِ الْمَلَاعِينِ
وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: سَبَبُ نُزُولِ الْآيَةِ إِنَّمَا هُوَ مَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَحَمَّلُهُ مِنْ مَشَقَّةِ الصَّلَاةِ حَتَّى كَانَتْ قَدَمَاهُ تَتَوَرَّمُ وَيَحْتَاجُ إِلَى التَّرْوِيحِ، فَقِيلَ لَهُ: طَا الْأَرْضَ، أَيْ: لَا تَتْعَبْ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى التَّرْوِيحِ، فَالضَّمِيرُ فِي "طَهَ" لِلْأَرْضِ، وَخُفِّفَتِ الْهَمْزَةُ فَصَارَتْ أَلِفًا سَاكِنَةً.
وَقَرَأَتْ فِرْقَةٌ: "طَهَ"، وَأَصْلُهُ: طَأْ، فَحُذِفَتِ الْهَمْزَةُ وَأُدْخِلَتْ هَاءُ السَّكْتِ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16447وَابْنُ عَامِرٍ : "طَهَ" بِفَتْحِ الطَّاءِ وَالْهَاءِ، وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16810قَالُونَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17192نَافِعٍ ، وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=17379يَعْقُوبُ عَنْهُ كَسْرَهَا، وَرُوِيَ عَنْهُ بَيْنَ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ، وَأَمَالَتْ فِرْقَةٌ، وَفَخَّمَتْ فَرِقَّةٌ، وَالتَّفْخِيمُ لُغَةُ
الْحِجَازِ وَالنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عَاصِمْ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15760وَحَمْزَةٌ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ : "طَهَ" بِكَسْرِ الطَّاءِ وَالْهَاءِ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=12114أَبُو عَمْرٍو : "طَهَ" بِفَتْحِ الطَّاءِ وَكَسْرِ الْهَاءِ، وَرُوِيَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضِّحَاكِ وَعَمْرِو بْنِ فَائِدٍ أَنَّهُمَا قَرَآ: "طَاوِي".
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: "لِتَشْقَى" مَعْنَاهُ التَّبَلُّغُ مِنْ نَفْسِكَ فِي الْعِبَادَةِ وَالْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ، وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: إِنَّمَا سَبَبُ الْآيَةِ أَنَّ /
قُرَيْشًا نَظَرَتْ إِلَى عَيْشِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَشَظَفِهِ وَكَثْرَةِ عِيَالِهِ، فَقَالَتْ: إِنَّ
مُحَمَّدًا مَعَ رَبِّهِ فِي شَقَاءٍ، فَنَزَلَتِ الْآيَةُ رَادَّةً عَلَيْهِمْ، أَيْ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يُنْزِلِ الْقُرْآنَ لِيَجْعَلَ
مُحَمَّدًا شَقِيًّا، بَلْ لِيَجْعَلَهُ أَسْعَدُ بَنِي آدَمَ فِي النَّعِيمِ الْمُقِيمِ فِي أَعْلَى الْمَرَاتِبِ، فَالشَّقَاءُ الَّذِي رَأَيْتُمْ هُوَ تَنَعُّمُ النَّفْسِ، وَلَا شَقَاءَ مَعَ ذَلِكَ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ :
[ ص: 79 ] فَهَذَا التَّأْوِيلُ أَعَمُّ مِنَ الْأَوَّلِ فِي لَفْظَةِ الشَّقَاءِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=3إِلا تَذْكِرَةً لِمَنْ يَخْشَى يَصِحُّ أَنْ يُنْصَبَ عَلَى الْبَدَلِ مِنْ مَوْضِعِ
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=2لِتَشْقَى ، وَيَصِحُّ أَنْ يُنْصَبَ بِفِعْلٍ مُضْمَرٍ تَقْدِيرُهُ: لَكِنْ أَنْزَلْنَاهُ تَذْكِرَةً. وَ "يَخْشَى" يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ وَالْعَمَلَ الصَّالِحَ; إِذِ الْخَشْيَةُ بَاعِثَةٌ عَلَى ذَلِكَ. وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=4تَنْزِيلا نُصِبَ عَلَى الْمَصْدَرِ، وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=4مِمَّنْ خَلَقَ الأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلا صِفَةٌ أَقَامَهَا مَقَامَ الْمَوْصُوفِ، وَأَفَادَ ذَلِكَ الْعِبْرَةَ وَالتَّذْكِرَةَ وَتَحْقِيرَ الْأَوْثَانِ وَبَعْثَ النُّفُوسِ عَلَى النَّظَرِ. وَ "الْعُلَى" جَمْعُ عُلْيَا، فُعْلَى.
وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5الرَّحْمَنُ رُفِعَ بِالِابْتِدَاءِ، وَيَصِحُّ أَنْ يَكُونَ بَدَلًا مِنَ الضَّمِيرِ الْمُسْتَقِرِّ فِي "خَلَقَ". وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=5اسْتَوَى قَالَتْ فِرْقَةٌ: هُوَ بِمَعْنَى: اسْتَوْلَى، وَقَالَ
أَبُو الْمَعَالِي وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُتَكَلِّمِينَ: هُوَ بِمَعْنَى اسْتِوَاءُ الْقَهْرِ وَالْغَلَبَةِ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ : فَعَلَ فِعْلًا فِي الْعَرْشِ سَمَّاهُ اسْتِوَاءً، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيُّ وَجَمَاعَةٌ غَيْرِهِ: هَذَا مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ، نُؤْمِنُ بِهِ وَلَا نَعْرِضُ لِمَعْنَاهُ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ لِرَجُلٍ سَأَلَهُ عَنْ هَذَا الِاسْتِوَاءِ، فَقَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ : الِاسْتِوَاءُ مَعْلُومٌ، وَالْكَيْفِيَّةُ مَجْهُولَةٌ، وَالسُّؤَالُ عَنْ هَذَا بِدَعَةٌ، وَأَظُنُّكَ رَجُلَ سُوءٍ، أَخْرَجُوهُ عَنِّي، فَأَدْبَرَ السَّائِلُ وَهُوَ يَقُولُ: يَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، لَقَدْ سَأَلَتُ عَنْهَا أَهْلَ
الشَّامِ وَأَهْلَ
الْعِرَاقِ فَمَا وُفِّقَ فِيهَا أَحَدٌ تَوْفِيقَكَ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ :
وَضَعَّفَ
أَبُو الْمَعَالِي قَوْلَ مَنْ قَالَ: لَا يُتَكَلَّمُ فِي تَفْسِيرِهَا، فَإِنْ قَالَ: إِنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ يُجْمِعُ عَلَى أَنَّ لَفْظَةَ الِاسْتِوَاءِ لَيْسَتْ عَلَى عُرْفِهَا فِي مَعْهُودِ الْكَلَامِ الْعَزِيزِ، فَإِذَا فَعَلَ هَذَا فَقَدَ فَسَّرَ ضَرُورَةً وَلَا فَائِدَةَ فِي تَأَخُّرِهِ عَنْ طَلَبِ الْوَجْهِ وَالْمَخْرَجِ الْبَيِّنِ، بَلْ فِي ذَلِكَ إِلْبَاسٌ عَلَى النَّاسِ، وَإِيهَامٌ لِلْعَوَّامِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28728مَسْأَلَةِ الِاسْتِوَاءِ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=6لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ تَمَادٍ فِي الصِّفَةِ الْمَذْكُورَةِ الْمُنَبِّهَةِ عَلَى الْخَالِقِ الْمُنْعِمْ، وَفِي قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=6وَمَا تَحْتَ الثَّرَى قَصَصٌ فِي أَمْرِ الْحُوتِ وَنَحْوِهِ اخْتَصَرْتُهُ لِعَدَمِ صِحَّتِهِ، وَالْآيَةُ مُضَمَّنَةٌ أَنَّ كُلَّ مَوْجُودٍ مُحْدَثٍ فَهُوَ لِلَّهِ بِالْمِلْكِ وَالِاخْتِرَاعِ، وَلَا قَدِيمَ سِوَاهُ تَعَالَى. وَ "الثَّرَى" التُّرَابُ النَّدِيُّ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=7وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ الْآيَةُ، مَعْنَاهُ: وَإِنْ كُنْتُمْ أَيُّهَا النَّاسُ إِذَا أَرَدْتُمْ إِعْلَامَ
[ ص: 80 ] أَحَدٍ بِأَمْرٍ، أَوْ مُخَاطَبَةَ أَوْثَانِكُمْ وَغَيْرِهَا، فَأَنْتُمْ تَجْهَرُونَ بِالْقَوْلِ، فَإِنَّ اللَّهَ الَّذِي هَذِهِ صِفَاتُهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، فَالْمُخَاطَبَةُ بِـ "تَجْهَرْ"
لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهِيَ مُرَادٌ بِهَا جَمِيعُ النَّاسِ إِذْ هِيَ آيَةُ اعْتِبَارٍ.
وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِي تَرْتِيبِ السِّرِّ وَمَا هُوَ أَخْفَى مِنْهُ - فَقَالَتْ فِرْقَةٌ: السِّرُّ هُوَ الْكَلَامُ الْخَفِيُّ الْخَافِتُ كَقِرَاءَةِ السِّرِّ فِي الصَّلَاةِ، و الْأَخْفَى مَا هُوَ فِي النَّفْسِ مُتَحَصِّلٌ. وَقَالَتْ فِرْقَةٌ: السِّرُّ هُوَ مَا فِي نُفُوسِ الْبَشَرِ وَكُلُّ مَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا فِي الْمُسْتَأْنِفِ بِحَسْبِ الْمُمْكِنَاتِ مِنْ مَعْلُومَاتِ الْبَشَرِ، وَالْأَخْفَى مَا هُوَ مِنْ مَعْلُومَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَعْلَمَهُ الْبَشَرُ الْبَتَّةَ.
قَالَ
الْقَاضِي أَبُو مُحَمَّدٍ رَحِمَهُ اللَّهُ :
فَهَذَا كُلُّهُ مَعْلُومٌ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَقَدْ تُؤَوَّلُ عَلَى بَعْضِ السَّلَفِ أَنَّهُ جَعَلَ "وَأَخْفَى" فِعْلًا مَاضِيًا، وَهَذَا ضَعِيفٌ.
و " الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى " يُرِيدُ بِهَا الْمُسَمَّيَاتِ الَّتِي تَضَمَّنَتِ الْمَعَانِيَ الَّتِي هِيَ فِي غَايَةِ الْحَسَنِ، وَوَحَّدَ الصِّفَةَ مَعَ جَمْعِ الْمَوْصُوفِ لِمَا كَانَتِ الْمُسَمَّيَاتُ لَا تَعْقِلُ، وَهَذَا جَارٍ مَجْرَى
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=18مَآرِبُ أُخْرَى ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=10يَا جِبَالُ أَوِّبِي وَغَيْرُهُ، وَذِكْرَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ هِيَ الَّتِي قَالَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=652531إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ .