nindex.php?page=treesubj&link=31948_32000_32416_32429_28972nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين
هذا بيان للصراط المستقيم ، أي المستوي الذي لا اعوجاج فيه ، وهو معبد لا يقف السائر فيه بعثرة يعثرها ولا بحجارة تدعثره ، فإعراب
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم بدل من (الصراط المستقيم ) ، يعمل فيها عامله (اهدنا ) فمعنى النص الكريم اهدنا طريق الذين أنعمت عليهم .
وأصل النعمة ما يستلذه الإنسان أو يستطيبه ، ولكنها هنا تفسر بأنها المنفعة التي تدوم ، ويستطيبها القلب ، سواء أكانت عاجلة أم آجلة ، وسواء أكانت دنيوية أم كانت أخروية ، وسواء أكانت مادية أم كانت روحية ، وإن نعم الله تعالى على عباده لا يحصيها العد ولا يحيط بها الحصر ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وإن تعدوا نعمت الله لا تحصوها ، فهناك نعمة الخلق الإنساني القويم والتكوين الجسمي السليم الذي يوجد أحيانا الغرور عند غير المؤمنين ، كما قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=6يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=7الذي خلقك فسواك فعدلك nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=8في أي صورة ما شاء ركبك .
ومن النعم أن يمكنه من زخارف الحياة من لباس حسن يلبسه ، وزخرفة باهرة يزخرف بها مسكنه ، وطيب رائحة يطيب بها نفسه ، ويقبل بها على جمعه ، فهذه نعم ظاهرة وباطنة ، فإن آمن بالنعم وشكر له ، فإنها نعمة ، وإن غره الغرور ، وفاخر بها ، واستطال على الناس فإنها عند الله النقمة .
[ ص: 70 ] ومن النعم أن يحس بإشراق النفس وإخلاص القلب ، والاتجاه إلى الله تعالى ، وأن يكون مستقيم الفكر ، نير المدارك ، ولا يضل ، بل يهتدي بما أنعم ، ومن النعم نعمة الإخلاص في القول والصدق فيه ، وأن يعمل العمل ، لا يعمله إلا لله ، وأن يراقب الله في سره وجهره وعمله ، حتى يصدق عليه قول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
لا يؤمن أحدكم حتى يحب الشيء لا يحبه إلا لله " .
إذا كان المؤمن كذلك يكون ممن هداه الله إلى صراط الذين أنعم عليهم ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقا .
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غير المغضوب عليهم ولا الضالين المغضوب عليهم هم الذين ينزل عليهم غضب الله ، ووراء غضبه عذابه إلا أن يتغمدهم الله برحمته فيتوبوا ، والتوبة تجب ما قبلها ، وبذلك لا يكونون من المغضوب عليهم ، بل ينخلعون منهم ، وإنما الأعمال بخواتيمها ، وإنما المغضوب عليهم هم من انتهوا إلى ألا يتوبوا ، وألا ينتهوا عما يوجب غضب الله تعالى .
والذين ينطبق عليهم غضب الله تعالى لدوام شرهم ، وبقاء فسادهم حتى يلقوا ربهم ، وهم على هذه الحال - الكافرون سواء أكانوا وثنيين ، وكثير ما هم في الماضي والحاضر ، أم كانوا من الذين أوتوا الكتاب كاليهود - لعنهم الله - ونصارى بولس الذين يعبدون
المسيح ، وهو بريء منهم ، هؤلاء هم المغضوب عليهم ولا ريب في نزول غضب الله تعالى بهم إلى يوم القيامة (غضب الله عليهم .
والضالون قال بعض العلماء إنهم النصارى لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=77قد ضلوا من قبل وأضلوا كثيرا وضلوا عن سواء السبيل ، وإنه لينطبق عليهم بلا ريب
[ ص: 71 ] وصف الضالين ; لأنهم عند تخليهم عن مبادئ
المسيح أضلهم بولس وأشباهه ، فضلوا ، ثم أضلوا غيرهم من بعدهم ، وكفروا بما جاء به
المسيح ، وضلوا ضلالا بعيدا ، وكفروا ، ولا يزالون يتيهون في أوهامهم ، كما توهموا وأوهموا فيما سموه رؤية العذراء ، وكذبوا وافتروا ، وحاولوا الإضلال كثيرا .
ومع انطباق الضلال والتضليل عليهم أولى بهم ثم أولى أن يكونوا ممن غضب الله تعالى عليهم ، فغضب الله تعالى يحيط بهم من كل جانب ; ولذلك نرى أن يدخلوا فيمن غضب الله تعالى عليه ، ويصح أن نقول : إن فيهم الأمرين ، فهم مغضوب عليهم وهم يضلون ، ويضلون كثيرا إلى اليوم كما رأيت في أمر العذراء .
والضالون كما تدل الآية الكريمة هم الذين في حيرة من أمر اعتقادهم ، لا يهتدون إلى عقيدة يطمئنون إليها ويستقرون عليها ، وليسوا مع هؤلاء ولا هؤلاء . . ولقد قيل إنهم المنافقون الذين ينطبق عليهم ذلك الوصف ، وتلك الحال المضطربة . ولقد يكون ذلك من ناحية حالهم قريبا في ذاته ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفهم بالاضطراب والحيرة ، فقال - صلى الله عليه وسلم - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=661998مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين غنمين ، إلى أيهما تذهب " ، فالمنافق ضال حائر ، لا يستقر على قرار ، ولا يطمئن إلى إيمان أو كفر ، والمنافقون كما وصفهم الله سبحانه وتعالى بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=143مذبذبين بين ذلك لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء
وهم أيضا موضع غضب الله تعالى ; لأنهم كفار كإخوانهم المغضوب عليهم ، ولكنهم اختصوا بأنهم ليس لهم اعتقاد ، فالمشركون لهم اعتقاد باطل ، وكذلك النصارى واليهود يعتقدون اعتقادا باطلا ليس لهم سلطان ولا حجة في اعتقادهم .
[ ص: 72 ] nindex.php?page=treesubj&link=1530وقراءة الفاتحة مطلوبة في الصلاة بحيث لا تكمل الصلاة إلا بها بيد أنها فرض عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي لا تصح الصلاة إلا بها ، وكذلك عند الجمهور لقوله - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=650714لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب " ، ولذلك سميت الصلاة ، كما ذكرنا من قبل ، لأن الصلاة ملازمة لها ، ومن المجاز المرسل أن يسمى اللازم باسم الملزوم ; ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما عرف أنه ترك قراءة الفاتحة . وعند
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة رضي الله عنه الفاتحة واجبة ، والواجب عند الحنفية دون الفرض ; لأن الفرض ما ثبت طلبه حتما بدليل قطعي لا شبهة فيه . والواجب ما ثبت طلبه الحتمي بدليل ظني فيه شبهة ، والفرض في الصلاة بالنسبة للقراءة قراءة ما تيسر من القرآن لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20فاقرءوا ما تيسر من القرآن ولذلك لو
nindex.php?page=treesubj&link=1530_1531_23393ترك الفاتحة وقرأ أي قدر من القرآن تصح صلاته ، وإن كانت غير كاملة ; لأن الفاتحة تعينت للوجوب بدليل ظني فيه شبهة ، وهو حديث الآحاد .
* * *
و (آمين ) يجب النطق بها عقب قراءة الفاتحة لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=99872وعلمني جبريل آمين عند فراغي من قراءة الفاتحة " ، وقال : "
إنه كالختم على الكتاب " ، فقد روي أن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا كرم الله تعالى وجهه قال : (آمين خاتم رب العالمين ) روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=101وائل بن حجر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " ولا الضالين آمين " ، وفي الحديث أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=650740إذا قال الإمام ولا الضالين فقولوا آمين "
[ ص: 73 ] وهكذا جاءت الأخبار عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ،
nindex.php?page=treesubj&link=1565بذكر آمين من المأمومين عندما يقرأ الإمام (ولا الضالين ) ،
nindex.php?page=treesubj&link=1565والمنفرد ينطق بها ، وبذلك قال جمهور الفقهاء وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة لم يلتزم ولم يلزم بقولها ، وروي عنه أنه يخفت بها ولا يجهر عند قول الإمام ولا الضالين ، ومهما يكن ما روي بالنسبة لها من أخبار فإن المجمع عليه أنها ليست من القرآن فهي زيادة بطلب إجابة الدعاء الذي اشتملت عليه فاتحة الكتاب من الضراعة والاستعانة وطلب الهداية ، فهي اسم فعل بمعنى استجب .
وإنما أجمع على أنها ليست من القرآن لأنها ليست بين دفتي المصحف كالبسملة ، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - مع طلبها لم يذكر أنها قرآن ولا من القرآن .
ورد أنه عليه الصلاة والسلام قال
nindex.php?page=showalam&ids=34لأبي بن كعب : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=707380ألا أخبرك بسورة لم تنزل في التوراة والإنجيل والقرآن مثلها ، قال : قلت : بلى يا رسول الله قال : " إنها nindex.php?page=treesubj&link=28892_28882الفاتحة وإنها السبع المثاني والقرآن العظيم الذي أوتيته " .
تم - بحمد الله - تفسير سورة الفاتحة
* * *
[ ص: 74 ]
nindex.php?page=treesubj&link=31948_32000_32416_32429_28972nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ
هَذَا بَيَانٌ لِلصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ ، أَيِ الْمُسْتَوِي الَّذِي لَا اعْوِجَاجَ فِيهِ ، وَهُوَ مُعَبَّدٌ لَا يَقِفُ السَّائِرُ فِيهِ بِعَثْرَةٍ يَعْثُرُهَا وَلَا بِحِجَارَةٍ تُدَعْثِرُهُ ، فَإِعْرَابُ
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ بَدَلٌ مِنْ (الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) ، يَعْمَلُ فِيهَا عَامِلُهُ (اهْدِنَا ) فَمَعْنَى النَّصِّ الْكَرِيمِ اهْدِنَا طَرِيقَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ .
وَأَصْلُ النِّعْمَةِ مَا يَسْتَلِذُّهُ الْإِنْسَانُ أَوْ يَسْتَطِيبُهُ ، وَلَكِنَّهَا هُنَا تُفَسَّرُ بِأَنَّهَا الْمَنْفَعَةُ الَّتِي تَدُومُ ، وَيَسْتَطِيبُهَا الْقَلْبُ ، سَوَاءٌ أَكَانَتْ عَاجِلَةً أَمْ آجِلَةً ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ دُنْيَوِيَّةً أَمْ كَانَتْ أُخْرَوِيَّةً ، وَسَوَاءٌ أَكَانَتْ مَادِّيَّةً أَمْ كَانَتْ رُوحِيَّةً ، وَإِنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى عِبَادِهِ لَا يُحْصِيهَا الْعَدُّ وَلَا يُحِيطُ بِهَا الْحَصْرُ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ، فَهُنَاكَ نِعْمَةُ الْخَلْقِ الْإِنْسَانِيِّ الْقَوِيمِ وَالتَّكْوِينُ الْجِسْمِيُّ السَّلِيمُ الَّذِي يُوجِدُ أَحْيَانًا الْغُرُورَ عِنْدَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=6يَا أَيُّهَا الإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=7الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فَعَدَلَكَ nindex.php?page=tafseer&surano=82&ayano=8فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ .
وَمِنَ النِّعَمِ أَنْ يُمَكِّنَهُ مِنْ زَخَارِفِ الْحَيَاةِ مِنْ لِبَاسٍ حَسَنٍ يَلْبَسُهُ ، وَزَخْرَفَةٍ بَاهِرَةٍ يُزَخْرِفُ بِهَا مَسْكَنَهُ ، وَطَيِبِ رَائِحَةٍ يُطَيِّبُ بِهَا نَفْسَهُ ، وَيُقْبِلُ بِهَا عَلَى جَمْعِهِ ، فَهَذِهِ نِعَمٌ ظَاهِرَةٌ وَبَاطِنَةٌ ، فَإِنْ آمَنَ بِالنِّعَمِ وَشَكَرَ لَهُ ، فَإِنَّهَا نِعْمَةٌ ، وَإِنْ غَرَّهُ الْغُرُورُ ، وَفَاخَرَ بِهَا ، وَاسْتَطَالَ عَلَى النَّاسِ فَإِنَّهَا عِنْدَ اللَّهِ النِّقْمَةُ .
[ ص: 70 ] وَمِنَ النِّعَمِ أَنْ يَحُسَّ بِإِشْرَاقِ النَّفْسِ وَإِخْلَاصِ الْقَلْبِ ، وَالِاتِّجَاهِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، وَأَنْ يَكُونَ مُسْتَقِيمَ الْفِكْرِ ، نَيِّرَ الْمَدَارِكِ ، وَلَا يَضِلُّ ، بَلْ يَهْتَدِي بِمَا أَنْعَمَ ، وَمِنَ النِّعَمِ نِعْمَةُ الْإِخْلَاصِ فِي الْقَوْلِ وَالصِّدْقِ فِيهِ ، وَأَنْ يَعْمَلَ الْعَمَلَ ، لَا يَعْمَلُهُ إِلَّا لِلَّهِ ، وَأَنْ يُرَاقِبَ اللَّهَ فِي سِرِّهِ وَجَهْرِهِ وَعَمَلِهِ ، حَتَّى يَصْدُقَ عَلَيْهِ قَوْلُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
لَا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى يُحِبَّ الشَّيْءَ لَا يُحِبُّهُ إِلَّا لِلَّهِ " .
إِذَا كَانَ الْمُؤْمِنُ كَذَلِكَ يَكُونُ مِمَّنْ هَدَاهُ اللَّهُ إِلَى صِرَاطِ الَّذِينَ أَنْعَمَ عَلَيْهِمْ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا .
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ هُمُ الَّذِينَ يَنْزِلُ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللَّهِ ، وَوَرَاءَ غَضَبِهِ عَذَابُهُ إِلَّا أَنْ يَتَغَمَّدَهُمُ اللَّهُ بِرَحْمَتِهِ فَيَتُوبُوا ، وَالتَّوْبَةُ تَجُبُّ مَا قَبْلَهَا ، وَبِذَلِكَ لَا يَكُونُونَ مِنَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ، بَلْ يَنْخَلِعُونَ مِنْهُمْ ، وَإِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِخَوَاتِيمِهَا ، وَإِنَّمَا الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ هُمْ مَنِ انْتَهَوْا إِلَى أَلَّا يَتُوبُوا ، وَأَلَّا يَنْتَهُوا عَمَّا يُوجِبُ غَضَبَ اللَّهِ تَعَالَى .
وَالَّذِينَ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِمْ غَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى لِدَوَامِ شَرِّهِمْ ، وَبَقَاءِ فَسَادِهِمْ حَتَّى يَلْقَوْا رَبَّهُمْ ، وَهُمْ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ - الْكَافِرُونَ سَوَاءٌ أَكَانُوا وَثَنِيِّينَ ، وَكَثِيرٌ مَا هُمْ فِي الْمَاضِي وَالْحَاضِرِ ، أَمْ كَانُوا مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ كَالْيَهُودِ - لَعَنَهُمُ اللَّهُ - وَنَصَارَى بُولَسَ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ
الْمَسِيحَ ، وَهُوَ بَرِيءٌ مِنْهُمْ ، هَؤُلَاءِ هُمُ الْمَغْضُوبُ عَلَيْهِمْ وَلَا رَيْبَ فِي نُزُولِ غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى بِهِمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ (غَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ .
وَالضَّالُّونَ قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّهُمُ النَّصَارَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=77قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ ، وَإِنَّهُ لَيَنْطَبِقُ عَلَيْهِمْ بِلَا رَيْبٍ
[ ص: 71 ] وَصْفُ الضَّالِّينَ ; لِأَنَّهُمْ عِنْدَ تَخَلِّيهِمْ عَنْ مَبَادِئِ
الْمَسِيحِ أَضَلَّهُمْ بُولَسُ وَأَشْبَاهُهُ ، فَضَّلُوا ، ثُمَّ أَضَلُّوا غَيْرَهُمْ مِنْ بَعْدِهِمْ ، وَكَفَرُوا بِمَا جَاءَ بِهِ
الْمَسِيحُ ، وَضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا ، وَكَفَرُوا ، وَلَا يَزَالُونَ يَتِيهُونَ فِي أَوْهَامِهِمْ ، كَمَا تَوَهَّمُوا وَأَوْهَمُوا فِيمَا سَمَّوْهُ رُؤْيَةَ الْعَذْرَاءِ ، وَكَذَبُوا وَافْتَرَوْا ، وَحَاوَلُوا الْإِضْلَالَ كَثِيرًا .
وَمَعَ انْطِبَاقِ الضَّلَالِ وَالتَّضْلِيلِ عَلَيْهِمْ أَوْلَى بِهِمْ ثُمَّ أَوْلَى أَنْ يَكُونُوا مِمَّنْ غَضِبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ ، فَغَضَبُ اللَّهِ تَعَالَى يُحِيطُ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ ; وَلِذَلِكَ نَرَى أَنْ يَدْخُلُوا فِيمَنْ غَضِبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ ، وَيَصِحُّ أَنْ نَقُولَ : إِنَّ فِيهِمُ الْأَمْرَيْنِ ، فَهُمْ مَغْضُوبٌ عَلَيْهِمْ وَهُمْ يَضِلُّونَ ، وَيُضِلُّونَ كَثِيرًا إِلَى الْيَوْمِ كَمَا رَأَيْتَ فِي أَمْرِ الْعَذْرَاءِ .
وَالضَّالُّونَ كَمَا تَدُلُّ الْآيَةُ الْكَرِيمَةُ هُمُ الَّذِينَ فِي حَيْرَةٍ مِنْ أَمْرِ اعْتِقَادِهِمْ ، لَا يَهْتَدُونَ إِلَى عَقِيدَةٍ يَطْمَئِنُّونَ إِلَيْهَا وَيَسْتَقِرُّونَ عَلَيْهَا ، وَلَيْسُوا مَعَ هَؤُلَاءِ وَلَا هَؤُلَاءِ . . وَلَقَدْ قِيلَ إِنَّهُمُ الْمُنَافِقُونَ الَّذِينَ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ الْوَصْفُ ، وَتِلْكَ الْحَالُ الْمُضْطَرِبَةُ . وَلَقَدْ يَكُونُ ذَلِكَ مِنْ نَاحِيَةِ حَالِهِمْ قَرِيبًا فِي ذَاتِهِ ; لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَصَفَهُمْ بِالِاضْطِرَابِ وَالْحَيْرَةِ ، فَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - "
nindex.php?page=hadith&LINKID=661998مَثَلُ الْمُنَافِقِ كَمَثَلِ الشَّاةِ الْعَائِرَةِ بَيْنَ غَنَمَيْنِ ، إِلَى أَيِّهِمَا تَذْهَبُ " ، فَالْمُنَافِقُ ضَالٌّ حَائِرٌ ، لَا يَسْتَقِرُّ عَلَى قَرَارٍ ، وَلَا يَطْمَئِنُّ إِلَى إِيمَانٍ أَوْ كُفْرٍ ، وَالْمُنَافِقُونَ كَمَا وَصَفَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=143مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لا إِلَى هَؤُلاءِ وَلا إِلَى هَؤُلاءِ
وَهُمْ أَيْضًا مَوْضِعُ غَضَبِ اللَّهِ تَعَالَى ; لِأَنَّهُمْ كُفَّارٌ كَإِخْوَانِهِمُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ ، وَلَكِنَّهُمُ اخْتُصُّوا بِأَنَّهُمْ لَيْسَ لَهُمُ اعْتِقَادٌ ، فَالْمُشْرِكُونَ لَهُمُ اعْتِقَادٌ بَاطِلٌ ، وَكَذَلِكَ النَّصَارَى وَالْيَهُودُ يَعْتَقِدُونَ اعْتِقَادًا بَاطِلًا لَيْسَ لَهُمْ سُلْطَانٌ وَلَا حُجَّةٌ فِي اعْتِقَادِهِمْ .
[ ص: 72 ] nindex.php?page=treesubj&link=1530وَقِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ مَطْلُوبَةٌ فِي الصَّلَاةِ بِحَيْثُ لَا تَكْمُلُ الصَّلَاةُ إِلَّا بِهَا بَيْدَ أَنَّهَا فَرْضٌ عِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ لَا تَصِحُّ الصَّلَاةُ إِلَّا بِهَا ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الْجُمْهُورِ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=650714لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ " ، وَلِذَلِكَ سُمِّيَتِ الصَّلَاةَ ، كَمَا ذَكَرْنَا مِنْ قَبْلُ ، لِأَنَّ الصَّلَاةَ مُلَازِمَةٌ لَهَا ، وَمِنَ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ أَنْ يُسَمَّى اللَّازِمُ بِاسْمِ الْمَلْزُومِ ; وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَا عُرِفَ أَنَّهُ تَرَكَ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ . وَعِنْدَ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبِي حَنِيفَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ الْفَاتِحَةُ وَاجِبَةٌ ، وَالْوَاجِبُ عِنْدَ الْحَنَفِيَّةِ دُونَ الْفَرْضِ ; لِأَنَّ الْفَرْضَ مَا ثَبَتَ طَلَبُهُ حَتْمًا بِدَلِيلٍ قَطْعِيٍّ لَا شُبْهَةَ فِيهِ . وَالْوَاجِبُ مَا ثَبَتَ طَلَبُهُ الْحَتْمِيُّ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ فِيهِ شُبْهَةٌ ، وَالْفَرْضُ فِي الصَّلَاةِ بِالنِّسْبَةِ لِلْقِرَاءَةِ قِرَاءَةُ مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=73&ayano=20فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ وَلِذَلِكَ لَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=1530_1531_23393تَرَكَ الْفَاتِحَةَ وَقَرَأَ أَيَّ قَدْرٍ مِنَ الْقُرْآنِ تَصِحُّ صَلَاتُهُ ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ كَامِلَةٍ ; لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ تَعَيَّنَتْ لِلْوُجُوبِ بِدَلِيلٍ ظَنِّيٍّ فِيهِ شُبْهَةٌ ، وَهُوَ حَدِيثُ الْآحَادِ .
* * *
وَ (آمِينَ ) يَجِبُ النُّطْقُ بِهَا عَقِبَ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=99872وَعَلَّمَنِي جِبْرِيلُ آمِينَ عِنْدَ فَرَاغِي مِنْ قِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ " ، وَقَالَ : "
إِنَّهُ كَالْخَتْمِ عَلَى الْكِتَابِ " ، فَقَدْ رُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا كَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَجْهَهُ قَالَ : (آمِينَ خَاتَمُ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) رُوِيَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=101وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : " وَلَا الضَّالِّينَ آمِينَ " ، وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=650740إِذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ "
[ ص: 73 ] وَهَكَذَا جَاءَتِ الْأَخْبَارُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ،
nindex.php?page=treesubj&link=1565بِذِكْرِ آمِينَ مِنَ الْمَأْمُومِينَ عِنْدَمَا يَقْرَأُ الْإِمَامُ (وَلَا الضَّالِّينَ ) ،
nindex.php?page=treesubj&link=1565وَالْمُنْفَرِدُ يَنْطِقُ بِهَا ، وَبِذَلِكَ قَالَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَرُوِيَ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَلْتَزِمْ وَلَمْ يُلْزِمْ بِقَوْلِهَا ، وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهُ يَخْفِتُ بِهَا وَلَا يَجْهَرُ عِنْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ وَلَا الضَّالِّينَ ، وَمَهْمَا يَكُنْ مَا رُوِيَ بِالنِّسْبَةِ لَهَا مِنْ أَخْبَارٍ فَإِنَّ الْمُجْمَعَ عَلَيْهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ فَهِيَ زِيَادَةٌ بِطَلَبِ إِجَابَةِ الدُّعَاءِ الَّذِي اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ فَاتِحَةُ الْكِتَابِ مِنَ الضَّرَاعَةِ وَالِاسْتِعَانَةِ وَطَلَبِ الْهِدَايَةِ ، فَهِيَ اسْمُ فِعْلٍ بِمَعْنَى اسْتَجِبْ .
وَإِنَّمَا أُجْمِعَ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنَ الْقُرْآنِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بَيْنَ دَفَّتَيِ الْمُصْحَفِ كَالْبَسْمَلَةِ ، وَلِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَعَ طَلَبِهَا لَمْ يَذْكُرْ أَنَّهَا قُرْآنٌ وَلَا مِنَ الْقُرْآنِ .
وَرُدَّ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=34لِأُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=707380أَلَا أُخْبِرُكَ بِسُورَةٍ لَمْ تَنْزِلْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ مِثْلُهَا ، قَالَ : قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ : " إِنَّهَا nindex.php?page=treesubj&link=28892_28882الْفَاتِحَةُ وَإِنَّهَا السَّبْعُ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنُ الْعَظِيمُ الَّذِي أُوتِيتُهُ " .
تَمَّ - بِحَمْدِ اللَّهِ - تَفْسِيرُ سُورَةِ الْفَاتِحَةِ
* * *
[ ص: 74 ]