(علم الكلام وآراء الفقهاء )
كثر القول في تفسير القرآن الكريم في الكتب التي تصدت للتفسير كتفسير
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري ،
وفخر الدين الرازي وغيرهما من أمهات كتب التفسير في أمور هي من
nindex.php?page=treesubj&link=29615علم الكلام ; كتعلق إرادة الله تعالى بأفعال العباد ، وكذلك الآيات القرآنية التي تتعرض للمشيئة والإرادة ، وهداية العبد وضلاله ، وللصفات أهي غير الذات ، أم هي والذات شيء واحد ، وغير ذلك من مسائل علم الكلام .
nindex.php?page=showalam&ids=14423والزمخشري مع مقامه في البيان ، وإثباته إعجاز القرآن من تفسير القرآن ، يذكر مذهبه الاعتزالي ويخرج تفسيره على هذا المذهب ، وتعقبه من جاء بعده في إثبات صحة مذهب
[ ص: 39 ] الأشاعرة أو
الماتريدية ، حتى يغلب القول التفسير والبيان ، وتختفي معاني القرآن الكريم في لجاجة التعصب المذهبي ، وهذا النوع من التفسير هو أحد القسمين اللذين ينطبق عليهما النهي عن الرأي ; لأن المفسرين سبقت آراؤهم تفسيرهم ، فحملوا معاني القرآن على ما يوافق مذهبهم ، والقرآن الكريم فوق آرائهم ، ومعاني القرآن فوق كل رأي ومذهب ، وتحمل الآراء والمذاهب على معاني القرآن لأنه الأعلى ، وهو الشرع الحكيم .
فليست معاني القرآن أشعرية ولا ماتريدية ، ولا اعتزالية ، وإن تخريج الآراء على مقتضى مذهب من المذاهب يجعل القرآن مفرقا ، ويجعله عضين ، وذلك حرام ; لذلك لا نفتح - بعون الله تعالى وتوفيقه - مجالا لهذه المجادلة في ذكر معاني القرآن ، بل نتجه - إن شاء الله تعالى - إلى المعاني الواضحة البينة ، من غير أن ننزلها من مقامها السامي إلى مضطرب المذاهب والآراء .
* * *
(وبالنسبة للآراء الفقهية نلاحظ أمرين )
أولهما : أن اختلاف الآراء الفقهية حول ما ثبت من الأحكام بالنصوص القرآنية قليل ، فلا اختلاف لأنظار الفقهاء في آيات الأحكام بالنسبة للزواج وشروطه ، والمحرمات ، وغيرها ، والاختلاف أساسه اختلاف الروايات ، وهو في الأحكام الفقهية نادر ، ولا يعلو إلى درجة الاختلاف الذي يورث عداوة ، أو يوجد تراميا بالكفر والخروج عن الربقة عند العلماء رضي الله تعالى عنهم وأرضاهم .
ثانيهما : وليس ثمة خلاف جوهري في أمر يتعلق بالأحكام الثابتة بالقرآن إلا الاختلاف بين جماهير المسلمين وطائفة
الإمامية في الميراث ، وهذا الاختلاف لا يخرج عن دائرة الثابت بالقرآن ، وهو في تقديم بعض الورثة على بعض ، فليس ثمة
[ ص: 40 ] خلاف في أن للذكر مثل حظ الأنثيين ، ولا في أن الميراث يكون للأقرب فالأقرب ، ولكن الاختلاف في معنى القرابة أحيانا ، وأحيانا نجد النص القرآني يقرب ، ولا يبعد .
ومسلكنا في آيات الأحكام أن نذكر الأحكام الثابتة بالقرآن بإجمال مستعينين بالسنة القولية والعملية في العبادات ، وفي الأنكحة ، وغيرها .
نذكر الأحكام بإجمال تفسير الآيات القرآنية مبينين ما يحتاج إلى بيان بالسنة النبوية ، مرجحين ما يتفق مع السنة ، أو ما نراه أقرب إلى النص ، كمعنى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء فإنا في هذه نأخذ بما يفهم من السنة .
وهكذا لا نتعرض للخلاف الفقهي إلا في أضيق دائرة ، وما يوجبه علينا ذكر معاني القرآن واضحة نيرة كشأنها دائما ، ولا نخضع هذه المعاني لآراء الفقهاء ، إنما نخضع آراء الفقهاء لها ; لأنها الحكم الذي لا ترد حكومته ، والقرآن هو الحاكم بالصحة لآراء الفقهاء وليس محكوما بها .
* * *
(عِلْمُ الْكَلَامِ وَآرَاءُ الْفُقَهَاءِ )
كَثُرَ الْقَوْلُ فِي تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي الْكُتُبِ الَّتِي تَصَدَّتْ لِلتَّفْسِيرِ كَتَفْسِيرِ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيِّ ،
وَفَخْرِ الدِّينِ الرَّازِيِّ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أُمَّهَاتِ كُتُبِ التَّفْسِيرِ فِي أُمُورٍ هِيَ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29615عِلْمِ الْكَلَامِ ; كَتَعَلُّقِ إِرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ ، وَكَذَلِكَ الْآيَاتُ الْقُرْآنِيَّةُ الَّتِي تَتَعَرَّضُ لِلْمَشِيئَةِ وَالْإِرَادَةِ ، وَهِدَايَةِ الْعَبْدِ وَضَلَالِهِ ، وَلِلصِّفَاتِ أَهِيَ غَيْرُ الذَّاتِ ، أَمْ هِيَ وَالذَّاتُ شَيْءٌ وَاحِدٌ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنْ مَسَائِلِ عِلْمِ الْكَلَامِ .
nindex.php?page=showalam&ids=14423وَالزَّمَخْشَرِيُّ مَعَ مَقَامِهِ فِي الْبَيَانِ ، وَإِثْبَاتِهِ إِعْجَازَ الْقُرْآنِ مِنْ تَفْسِيرِ الْقُرْآنِ ، يَذْكُرُ مَذْهَبَهُ الِاعْتِزَالِيَّ وَيَخْرُجُ تَفْسِيرُهُ عَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ ، وَتَعَقَّبَهُ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُ فِي إِثْبَاتِ صِحَّةِ مَذْهَبِ
[ ص: 39 ] الْأَشَاعِرَةِ أَوِ
الْمَاتُرِيدِيَّةِ ، حَتَّى يَغْلِبَ الْقَوْلُ التَّفْسِيرَ وَالْبَيَانَ ، وَتَخْتَفِيَ مَعَانِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ فِي لَجَاجَةِ التَّعَصُّبِ الْمَذْهَبِيِّ ، وَهَذَا النَّوْعُ مِنَ التَّفْسِيرِ هُوَ أَحَدُ الْقِسْمَيْنِ اللَّذَيْنِ يَنْطَبِقُ عَلَيْهِمَا النَّهْيُ عَنِ الرَّأْيِ ; لِأَنَّ الْمُفَسِّرِينَ سَبَقَتْ آرَاؤُهُمْ تَفْسِيرَهُمْ ، فَحَمَّلُوا مَعَانِيَ الْقُرْآنِ عَلَى مَا يُوَافِقُ مَذْهَبَهُمْ ، وَالْقُرْآنُ الْكَرِيمُ فَوْقَ آرَائِهِمْ ، وَمَعَانِي الْقُرْآنِ فَوْقَ كُلِّ رَأْيٍ وَمَذْهَبٍ ، وَتُحْمَلُ الْآرَاءُ وَالْمَذَاهِبُ عَلَى مَعَانِي الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ الْأَعْلَى ، وَهُوَ الشَّرْعُ الْحَكِيمُ .
فَلَيْسَتْ مَعَانِي الْقُرْآنِ أَشْعَرِيَّةً وَلَا مَاتُرِيدِيَّةً ، وَلَا اعْتِزَالِيَّةً ، وَإِنَّ تَخْرِيجَ الْآرَاءِ عَلَى مُقْتَضَى مَذْهَبٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ يَجْعَلُ الْقُرْآنَ مُفَرَّقًا ، وَيَجْعَلُهُ عِضِينَ ، وَذَلِكَ حَرَامٌ ; لِذَلِكَ لَا نَفْتَحُ - بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى وَتَوْفِيقِهِ - مَجَالًا لِهَذِهِ الْمُجَادَلَةِ فِي ذِكْرِ مَعَانِي الْقُرْآنِ ، بَلْ نَتَّجِهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى - إِلَى الْمَعَانِي الْوَاضِحَةِ الْبَيِّنَةِ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ نُنْزِلَهَا مِنْ مَقَامِهَا السَّامِي إِلَى مُضْطَرِبِ الْمَذَاهِبِ وَالْآرَاءِ .
* * *
(وَبِالنِّسْبَةِ لِلْآرَاءِ الْفِقْهِيَّةِ نُلَاحِظُ أَمْرَيْنِ )
أَوَّلُهُمَا : أَنَّ اخْتِلَافَ الْآرَاءِ الْفِقْهِيَّةِ حَوْلَ مَا ثَبَتَ مِنَ الْأَحْكَامِ بِالنُّصُوصِ الْقُرْآنِيَّةِ قَلِيلٌ ، فَلَا اخْتِلَافَ لِأَنْظَارِ الْفُقَهَاءِ فِي آيَاتِ الْأَحْكَامِ بِالنِّسْبَةِ لِلزَّوَاجِ وَشُرُوطِهِ ، وَالْمُحَرَّمَاتِ ، وَغَيْرِهَا ، وَالِاخْتِلَافُ أَسَاسُهُ اخْتِلَافُ الرِّوَايَاتِ ، وَهُوَ فِي الْأَحْكَامِ الْفِقْهِيَّةِ نَادِرٌ ، وَلَا يَعْلُو إِلَى دَرَجَةِ الِاخْتِلَافِ الَّذِي يُورِثُ عَدَاوَةً ، أَوْ يُوجِدُ تَرَامِيًا بِالْكُفْرِ وَالْخُرُوجِ عَنِ الرِّبْقَةِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ وَأَرْضَاهُمْ .
ثَانِيهِمَا : وَلَيْسَ ثَمَّةَ خِلَافٌ جَوْهَرِيٌّ فِي أَمْرٍ يَتَعَلَّقُ بِالْأَحْكَامِ الثَّابِتَةِ بِالْقُرْآنِ إِلَّا الِاخْتِلَافَ بَيْنَ جَمَاهِيرِ الْمُسْلِمِينَ وَطَائِفَةِ
الْإِمَامِيَّةِ فِي الْمِيرَاثِ ، وَهَذَا الِاخْتِلَافُ لَا يَخْرُجُ عَنْ دَائِرَةِ الثَّابِتِ بِالْقُرْآنِ ، وَهُوَ فِي تَقْدِيمِ بَعْضِ الْوَرَثَةِ عَلَى بَعْضٍ ، فَلَيْسَ ثَمَّةَ
[ ص: 40 ] خِلَافٌ فِي أَنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ، وَلَا فِي أَنَّ الْمِيرَاثَ يَكُونُ لِلْأَقْرَبِ فَالْأَقْرَبِ ، وَلَكِنَّ الِاخْتِلَافَ فِي مَعْنَى الْقَرَابَةِ أَحْيَانًا ، وَأَحْيَانًا نَجِدُ النَّصَّ الْقُرْآنِيَّ يَقْرُبُ ، وَلَا يَبْعُدُ .
وَمَسْلَكُنَا فِي آيَاتِ الْأَحْكَامِ أَنْ نَذْكُرَ الْأَحْكَامَ الثَّابِتَةَ بِالْقُرْآنِ بِإِجْمَالٍ مُسْتَعِينِينَ بِالسُّنَّةِ الْقَوْلِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ فِي الْعِبَادَاتِ ، وَفِيَّ الْأَنْكِحَةِ ، وَغَيْرِهَا .
نَذْكُرُ الْأَحْكَامَ بِإِجْمَالِ تَفْسِيرِ الْآيَاتِ الْقُرْآنِيَّةِ مُبَيِّنِينَ مَا يَحْتَاجُ إِلَى بَيَانٍ بِالسُّنَّةِ النَّبَوِيَّةِ ، مُرَجِّحِينَ مَا يَتَّفِقُ مَعَ السُّنَّةِ ، أَوْ مَا نَرَاهُ أَقْرَبَ إِلَى النَّصِّ ، كَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=228وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلاثَةَ قُرُوءٍ فَإِنَّا فِي هَذِهِ نَأْخُذُ بِمَا يُفْهَمُ مِنَ السُّنَّةِ .
وَهَكَذَا لَا نَتَعَرَّضُ لِلْخِلَافِ الْفِقْهِيِّ إِلَّا فِي أَضْيَقِ دَائِرَةٍ ، وَمَا يُوجِبُهُ عَلَيْنَا ذِكْرُ مَعَانِي الْقُرْآنِ وَاضِحَةً نَيِّرَةً كَشَأْنِهَا دَائِمًا ، وَلَا نُخْضِعُ هَذِهِ الْمَعَانِيَ لِآرَاءِ الْفُقَهَاءِ ، إِنَّمَا نُخْضِعُ آرَاءَ الْفُقَهَاءِ لَهَا ; لِأَنَّهَا الْحَكَمُ الَّذِي لَا تُرَدُّ حُكُومَتُهُ ، وَالْقُرْآنُ هُوَ الْحَاكِمُ بِالصِّحَّةِ لِآرَاءِ الْفُقَهَاءِ وَلَيْسَ مَحْكُومًا بِهَا .
* * *