وقال
ابن حجر أيضا : اختلف أهل الكلام في أن
nindex.php?page=treesubj&link=29626_28743كلام الله هل هو بحرف وصوت أم لا ؟ فقالت
المعتزلة : لا يكون الكلام إلا بحرف وصوت . والكلام المنسوب إلى الله تعالى قائم بالشجرة . وقالت
الأشاعرة : كلامه ليس بحرف ولا صوت ، وأثبتت الكلام النفسي ، وحقيقته : معنى قائم بالنفس وإن اختلفت عنه العبارة ، كالعربية والعجمية ، واختلافها لا يدل على اختلاف المعبر عنه ، والكلام النفسي هو ذلك المعبر عنه . وأثبت الحنابلة أن الله تكلم بحرف وصوت . أما الحروف : فللتصريح بها في ظاهر القرآن ، وأما الصوت : فمن منع منه قال : إن الصوت هو الهواء المتقطع المسموع من الحنجرة ، وأجاب من أثبته بأن الصوت الموصوف بذلك هو المعهود من الآدميين كالسمع والبصر ، وصفات الرب بخلاف ذلك . فلا يلزم المحذور
[ ص: 194 ] المذكور ، مع اعتقاد التنزيه وعدم التشبيه . ويجوز أن يكون من غير الحنجرة ، فلا يلزم التشبيه ، وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن قوم يقولون : لما كلم الله
موسى لم يتكلم بصوت ؟ فقال لي أبي : بل يتكلم بصوت ، وهذه الأحاديث تروى كما جاءت . وذكر حديث
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وغيره ، قال
أبو العباس بن تيمية في الرد على الرافضي : اضطرب الناس في مسألة الكلام ، ولم يعرف أكثرهم قول
السلف فيها ، بل يذكرون قولين وثلاثة وأقل وأكثر ، مع أنها بلغت أقوالهم فيها إلى تسعة . أحدها : أن كلام الله هو ما يفيض على النفوس من المعاني ، إما من العقل الفاعل عند بعضهم ، أو من غيره عند بعض آخر ، وهو قول
الصابئة والمتفلسفة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13251كابن سينا وأمثاله . الثاني : قول
المعتزلة : أنه مخلوق خلقه الله منفصلا عنه . الثالث :
للكلابية والأشعرية ونحوها : أنه معنى واحد قائم بذات الله ، ليس بحرف ولا صوت ، والكلام الذي بين الناس عبارة عنه ، وهو الأمر والنهي والخبر والاستخبار ، فإن عبر عنه بالعربية : كان قرآنا ، وإن عبر عنه بالعبرية : كان توراة . الرابع :
للسالمية وطائفة من
المتكلمين والمحدثين ، أنه حروف وأصوات مجتمعة في الأزل وذكره
الأشعري عن طائفة نحو
السالمية ، فهو محدث مخلوق عندهم . الخامس :
للكرامية ونحوهم : أنه حروف وأصوات ; لكن تكلم الله تعالى بها بعد أن لم يكن متكلما . السادس :
للرازي في إشكاله مثلا ، وصاحب المعتبر : أن كلامه يرجع إلى ما يحدثه من علمه وإرادته القائم بذاته . السابع :
لأبي منصور الماتريدي : أن كلامه يتضمن معنى قائما بذاته هو ما خلقه في غيره . الثامن :
لأبي المعالي ومن تبعه : أنه مشترك بين المعنى القديم القائم بالذات ، وبين ما يخلقه في غيره من الأصوات . التاسع : أنه يقال : لم يزل الله متكلما إذا شاء ومتى شاء وكيف شاء بكلام يقوم به ، وهو يتكلم بصوت يسمع ، وأن نوع الكلام قديم ، وإن لم يكن الصوت المعين قديما . وهذا القول : هو المأثور عن أئمة الحديث والسنة . ومن أعظم القائلين به : إمامنا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك وعثمان بن سعيد الدارمي ونحوهم .
[ ص: 195 ]
وقال
الحافظ ابن حجر : نص الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في كتاب الرد على الجهمية : أن كلام الله غير مخلوق ، وأنه لم يزل متكلما إذا شاء كيف شاء ومتى شاء بلا كيف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي : قوله : إذا شاء ، أي أن يسمعنا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : لم يزل الله يأمر بما شاء ويحكم .
ثم قال
ابن حجر : وافترق أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد فرقتين . فمنهم من قال : كلامه لازم لذاته . والحروف والأصوات مقترنة لا متعاقبة . ويسمع كلامه من شاء ، وأكثرهم أنه يتكلم بما شاء إذا شاء . وأنه نادى
موسى حين كلمه ، ولم يكن ناداه من قبل . والذي استقر عليه قول
الأشعرية : أن القرآن كلام الله غير مخلوق مكتوب في المصاحف ، محفوظ في الصدور ، مقروء بالألسنة . قال تعالى ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6فأجره حتى يسمع كلام الله } ) ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=49بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم } ) وفي الحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46593لا تسافروا بالقرآن إلى أرض العدو كراهة أن يناله العدو } وليس المراد ما في الصدور ، بل ما في المصحف . وأجمع
السلف على أن الذي بين الدفتين كلام الله تعالى . وقال بعضهم : القرآن يطلق ويراد به المقروء ، وهو الصفة القديمة ، ويطلق ويراد به القراءة . وهي الألفاظ الدالة على ذلك . وبسبب ذلك وقع الاختلاف .
وأما قولهم عن الحروف والأصوات : فمرادهم الكلام النفسي القائم بالذات المقدسة ، وهو من الصفات الموجودة القديمة . وأما الحروف : فإن كانت بحركات أو أدوات ، كاللسان والشفتين ، فهي أعراض ; وإن كانت كتابة فهي أجسام ، وقيام الأجسام والأعراض بذات الله محال ، ويلزم من أثبت ذلك أن يقول بخلق القرآن ، وهو يأبى ذلك ويفر منه . فألجأ ذلك بعضهم إلى أن ادعى قدم الحروف ، كما التزمته
السالمية . ومنهم من التزم قيام ذلك بذاته . ومن شدة اللبس في هذه المسألة كثر نهي
السلف عن الخوض فيها . واكتفوا باعتقاد أن القرآن غير مخلوق ، ولم يزيدوا على ذلك شيئا ، وهو أسلم الأقوال إن شاء الله تعالى وهو المستعان . وقال
أبو العباس أيضا : لم يكن في كلام الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ولا الأئمة أن الصوت الذي تكلم به قديم ، بل يقولون : لم يزل الله متكلما إذا شاء بما شاء وكيف شاء ، كقول
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري [ ص: 196 ] nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك . وقال ، رادا على الرافضي : من العلماء من يقول : لم يزل الله متكلما إذا شاء وكيف شاء . كقول أئمة الحديث والسنة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418كعبد الله بن المبارك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل وغيرهما من أئمة
السلف . وقال : قد تنازع الناس في معنى كون القرآن غير مخلوق . هل المراد به أن نفس الكلام قديم أزلي كالعلم ، أو أن الله تعالى لم يزل موصوفا بأنه متكلم يتكلم إذا شاء ؟ على قولين . ذكرهما
nindex.php?page=showalam&ids=15166الحارث المحاسبي عن
أهل السنة ،
وأبو بكر عبد العزيز في كتاب الشافي عن أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد . وذكرهما
أبو عبد الله بن حامد في أصوله ا هـ . وقال
الحافظ زين الدين بن رجب في المناقب : ومن البدع التي أنكرها
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في القرآن : قول من قال : إن الله تكلم بغير صوت .
فأنكر هذا القول وبدع قائله . وقد قيل : إن
nindex.php?page=showalam&ids=15166الحارث المحاسبي إنما هجره
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد لأجل ذلك . انتهى . قال
أبو العباس : وهذا سبب تحذير
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد من
nindex.php?page=showalam&ids=15166الحارث المحاسبي ونحوه من
الكلابية . كما أمر بهجر القائل بأن الله لما خلق الحروف انتصبت الألف وسجدت الباء ، وشدد في التنفير عنه . ولما أظهروا ذلك أمر بهجرهم كما أمر
nindex.php?page=showalam&ids=14479السري السقطي nindex.php?page=showalam&ids=14021الجنيد أن يتقي بعض كلام
nindex.php?page=showalam&ids=15166الحارث المحاسبي . فذكروا أن
nindex.php?page=showalam&ids=15166الحارث رحمه الله تاب من ذلك ، واشتهر علما وفضلا وحقائق وزهدا . ونقل عنه
أبو بكر الكلاباذي . وقالت طائفة من
الصوفية : كلام الله حروف وأصوات ، وأنه لا يعرف كلام إلا كذلك ، مع إقرارهم أنه صفة الله تعالى في ذاته ، وأنه غير محدث . قال : وهو
nindex.php?page=showalam&ids=15166الحارث المحاسبي ، ومن المتأخرين
ابن سالم . قال
ابن رجب : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد : سألت أبي عن إنكار
الجهمية كلام الله
لموسى ، وعن قوم أنكروا صوت الله تعالى ؟ فقال لي : بل تكلم الله بصوت . هذه الأحاديث يمرونها كما جاءت . وقال أبي : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود " إذا تكلم الله سمع له صوت كمر السلسلة على الصفوان " وروى
nindex.php?page=showalam&ids=14243الخلال عن
nindex.php?page=showalam&ids=17002محمد بن علي عن
يعقوب بن بختان قال : سئل
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد عمن زعم أن الله لم يتكلم بصوت ؟ فقال : بل تكلم بصوت . هاتان الروايتان صحتا عن الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد بلا شك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في كتابه خلق أفعال
[ ص: 197 ] العباد : ويذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46594كان يحب أن يكون الرجل خفيض الصوت } و {
أن الله تعالى ينادي بصوت يسمعه من بعد ، كما يسمعه من قرب ، فليس هذا لغير الله تعالى وفي هذا دليل على أن صوت الله تعالى لا يشبه صوت المخلوقين لأن [ صوت ] الله تعالى يسمعه من بعد ، كما يسمعه من قرب ، وإن الملائكة يصعقون من صوته . فإذا نادى الملائكة لم يصعقوا } وقال تعالى ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22فلا تجعلوا لله أندادا } ) فليس لصفة الله ند ولا مثل ، ولا يوجد شيء من صفاته بالمخلوقين . هذا لفظه بعينه . وذكر حديثي
ابن أنيس nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، وتقدما .
قال العلامة
المرداوي . فإن قيل : أي المذاهب أقرب إلى الحق والتحقيق من الأقوال التسعة ؟ قلت : إن صحت الأحاديث بذكر الصوت فلا كلام ; في أنه أولى وأحرى وأصح من غيره ، مع الاعتقاد فيه بما يليق بجلال الله تعالى وعظمته وكبريائه من غير تشبيه بوجه ما ألبتة . ثم قال : وقد صحت الأحاديث بحمد الله تعالى ، وصححها الأئمة الكبار المعتمد عليهم ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251كأحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418وابن المبارك والرازي وغيرهم ، حتى
الحافظ ابن حجر في زمننا . قال : وقد صحت هذه الأحاديث كلها في ذلك . وكذلك صححها غيرهم من المحدثين وغيرهم . وفيه كفاية وهداية ، ولولا أن الصادق المصدوق المعصوم قال ذلك ، لما قلناه ولا حمنا حوله . كما قال
السهروردي ذلك في عقيدته . فإن صفات الله سبحانه وتعالى لا تعرف إلا بالنقل المحض من الكتاب العزيز ، أو من صاحب الشريعة صلوات الله وسلامه عليه . فتصحيح هؤلاء وإثباتهم للأحاديث بذكر الصوت أولى من نفي من نفى أنه لم يأت في حديث واحد ذكر الصوت من وجوه . منها : أن المثبت مقدم على النافي .
ومنها عظم المصحح وجلالة قدره وكثرة اطلاعه ، لا سيما في إثبات صفة الله تعالى مع الزهد العظيم والقدم المتين . أفيليق
nindex.php?page=showalam&ids=12251بأحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري ونحوهما من
السلف الصالح إثبات صفة لله من غير دليل ويدينون الله بها . ويعتقدونها ويهجرون من يخالفها من غير دليل صح عندهم ؟ فما الحامل لنا أو لهم على ذلك ؟ وهل يعتقد هذا مسلم في مسلم فضلا عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري . ثم الأسلم - بعد هذا المذهب من المذاهب التسعة - ما قاله
ابن حجر : الاكتفاء باعتقاد أن القرآن كلام الله غير مخلوق ، ولم يزيدوا
[ ص: 198 ] على ذلك شيئا . وقال : وهذا أسلم الأقوال ، لشدة اللبس ونهي
السلف عن الخوض فيها . انتهى . والظاهر - والله أعلم - أن
السلف إنما اكتفى بذلك حسما لمادة الكلام فيه ، وما يترتب عليه من وقوع الناس فيما وقعوا فيه من الشبه الموجبة لخبط العقائد وسدا للذريعة ، لقول
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : من قال لفظي بالقرآن مخلوق فهو جهمي . ومن قال : لفظي بالقرآن غير مخلوق : مبتدع . وإنما أطلنا لأن غالب الناس في زمننا يزعمون أن القائل بأن الله يتكلم بصوت وحرف قديمين غير متعاقبين من فوق السماء بقدرته ومشيئته إذا شاء وكيف شاء ، كما قرر ، يكون كافرا . فهذا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=12070والبخاري وغيرهما ممن ذكرنا صرحوا بذلك . وقد سموا مخالفه مبتدعا . واستدلوا بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة وغيره . وقد أجمع على ذلك أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد من زمنه إلى زمننا ، ولم يغادر منهم أحد ، كما قال إمامهم . وصنفوا في ذلك كثيرا جدا . وإذا نظر المنصف في كلام العلماء المقتدى بهم . واطلع على ما قالوه في هذه المسألة علم الحق وعذر القائل ، وأحجم عن المقالات التي لا تليق بمسلم أن يعتقدها في مسلم ، وعلم أن هذه من جملة مسائل الصفات . ولهذا قال الحافظ العلامة
ابن حجر : قد صحت الأحاديث بذلك . فما بقي إلا التسليم أو التأويل ، فليس لأحد أن يدفع حديث النبي صلى الله عليه وسلم ويقول : بعقله هذه الأحاديث مشكلة ، ويلزم منها المحذور العظيم . فيتبع قول هذا ، أو قول من اتبع الأحاديث على حكم صفات الله تعالى اللائقة بجلاله وعظمته ؟ بل قد صرح
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في غير رواية منصوصة بجميع ذلك .
وَقَالَ
ابْنُ حَجَرٍ أَيْضًا : اخْتَلَفَ أَهْلُ الْكَلَامِ فِي أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29626_28743كَلَامَ اللَّهِ هَلْ هُوَ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ أَمْ لَا ؟ فَقَالَتْ
الْمُعْتَزِلَةُ : لَا يَكُونُ الْكَلَامُ إلَّا بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ . وَالْكَلَامُ الْمَنْسُوبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى قَائِمٌ بِالشَّجَرَةِ . وَقَالَتْ
الْأَشَاعِرَةُ : كَلَامُهُ لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ ، وَأَثْبَتَتْ الْكَلَامَ النَّفْسِيَّ ، وَحَقِيقَتُهُ : مَعْنًى قَائِمٌ بِالنَّفْسِ وَإِنْ اخْتَلَفَتْ عَنْهُ الْعِبَارَةُ ، كَالْعَرَبِيَّةِ وَالْعَجَمِيَّةِ ، وَاخْتِلَافُهَا لَا يَدُلُّ عَلَى اخْتِلَافِ الْمُعَبَّرِ عَنْهُ ، وَالْكَلَامُ النَّفْسِيُّ هُوَ ذَلِكَ الْمُعَبَّرُ عَنْهُ . وَأَثْبَتَ الْحَنَابِلَةُ أَنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِحَرْفٍ وَصَوْتٍ . أَمَّا الْحُرُوفُ : فَلِلتَّصْرِيحِ بِهَا فِي ظَاهِرِ الْقُرْآنِ ، وَأَمَّا الصَّوْتُ : فَمَنْ مَنَعَ مِنْهُ قَالَ : إنَّ الصَّوْتَ هُوَ الْهَوَاءُ الْمُتَقَطِّعُ الْمَسْمُوعُ مِنْ الْحَنْجَرَةِ ، وَأَجَابَ مَنْ أَثْبَتَهُ بِأَنَّ الصَّوْتَ الْمَوْصُوفَ بِذَلِكَ هُوَ الْمَعْهُودُ مِنْ الْآدَمِيِّينَ كَالسَّمْعِ وَالْبَصَرِ ، وَصِفَاتُ الرَّبِّ بِخِلَافِ ذَلِكَ . فَلَا يَلْزَمُ الْمَحْذُورُ
[ ص: 194 ] الْمَذْكُورُ ، مَعَ اعْتِقَادِ التَّنْزِيهِ وَعَدَمِ التَّشْبِيهِ . وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِنْ غَيْرِ الْحَنْجَرَةِ ، فَلَا يَلْزَمُ التَّشْبِيهُ ، وَقَدْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16408عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ : سَأَلْت أَبِي عَنْ قَوْمٍ يَقُولُونَ : لَمَّا كَلَّمَ اللَّهُ
مُوسَى لَمْ يَتَكَلَّمْ بِصَوْتٍ ؟ فَقَالَ لِي أَبِي : بَلْ يَتَكَلَّمْ بِصَوْتٍ ، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تُرْوَى كَمَا جَاءَتْ . وَذَكَرَ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِ ، قَالَ
أَبُو الْعَبَّاسِ بْنُ تَيْمِيَّةَ فِي الرَّدِّ عَلَى الرَّافِضِيِّ : اضْطَرَبَ النَّاسُ فِي مَسْأَلَةِ الْكَلَامِ ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَكْثَرُهُمْ قَوْلَ
السَّلَفِ فِيهَا ، بَلْ يَذْكُرُونَ قَوْلَيْنِ وَثَلَاثَةً وَأَقَلَّ وَأَكْثَرَ ، مَعَ أَنَّهَا بَلَغَتْ أَقْوَالُهُمْ فِيهَا إلَى تِسْعَةٍ . أَحَدُهَا : أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ هُوَ مَا يَفِيضُ عَلَى النُّفُوسِ مِنْ الْمَعَانِي ، إمَّا مِنْ الْعَقْلِ الْفَاعِلِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ ، أَوْ مِنْ غَيْرِهِ عِنْدَ بَعْضٍ آخَرَ ، وَهُوَ قَوْلُ
الصَّابِئَةِ وَالْمُتَفَلْسِفَة ،
nindex.php?page=showalam&ids=13251كَابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ . الثَّانِي : قَوْلُ
الْمُعْتَزِلَةِ : أَنَّهُ مَخْلُوقٌ خَلَقَهُ اللَّهُ مُنْفَصِلًا عَنْهُ . الثَّالِثُ :
لِلْكُلَّابِيَّةِ وَالْأَشْعَرِيَّةِ وَنَحْوِهَا : أَنَّهُ مَعْنًى وَاحِدٌ قَائِمٌ بِذَاتِ اللَّهِ ، لَيْسَ بِحَرْفٍ وَلَا صَوْتٍ ، وَالْكَلَامُ الَّذِي بَيْنَ النَّاسِ عِبَارَةٌ عَنْهُ ، وَهُوَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ وَالْخَبَرُ وَالِاسْتِخْبَارُ ، فَإِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعَرَبِيَّةِ : كَانَ قُرْآنًا ، وَإِنْ عُبِّرَ عَنْهُ بِالْعِبْرِيَّةِ : كَانَ تَوْرَاةً . الرَّابِعُ :
لِلسَّالِمِيَّةِ وَطَائِفَةٍ مِنْ
الْمُتَكَلِّمِينَ وَالْمُحَدِّثِينَ ، أَنَّهُ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ مُجْتَمِعَةٌ فِي الْأَزَلِ وَذَكَرَهُ
الْأَشْعَرِيُّ عَنْ طَائِفَةٍ نَحْوِ
السَّالِمِيَّةِ ، فَهُوَ مُحْدَثٌ مَخْلُوقٌ عِنْدَهُمْ . الْخَامِسُ :
لِلْكَرَّامِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ : أَنَّهُ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ ; لَكِنْ تَكَلَّمَ اللَّهُ تَعَالَى بِهَا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ مُتَكَلِّمًا . السَّادِسُ :
لِلرَّازِيِّ فِي إشْكَالِهِ مَثَلًا ، وَصَاحِبِ الْمُعْتَبَرِ : أَنَّ كَلَامَهُ يَرْجِعُ إلَى مَا يُحْدِثُهُ مِنْ عِلْمِهِ وَإِرَادَتِهِ الْقَائِمِ بِذَاتِهِ . السَّابِعُ :
لِأَبِي مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيِّ : أَنَّ كَلَامَهُ يَتَضَمَّنُ مَعْنًى قَائِمًا بِذَاتِهِ هُوَ مَا خَلَقَهُ فِي غَيْرِهِ . الثَّامِنُ :
لِأَبِي الْمَعَالِي وَمَنْ تَبِعَهُ : أَنَّهُ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَعْنَى الْقَدِيمِ الْقَائِمِ بِالذَّاتِ ، وَبَيْنَ مَا يَخْلُقُهُ فِي غَيْرِهِ مِنْ الْأَصْوَاتِ . التَّاسِعُ : أَنَّهُ يُقَالُ : لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَمَتَى شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ بِكَلَامٍ يَقُومُ بِهِ ، وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ يُسْمَعُ ، وَأَنَّ نَوْعَ الْكَلَامِ قَدِيمٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الصَّوْتُ الْمُعَيَّنُ قَدِيمًا . وَهَذَا الْقَوْلُ : هُوَ الْمَأْثُورُ عَنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ . وَمِنْ أَعْظَمِ الْقَائِلِينَ بِهِ : إمَامُنَا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=12070وَالْبُخَارِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=16418وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَعُثْمَانُ بْنُ سَعِيدٍ الدَّارِمِيُّ وَنَحْوُهُمْ .
[ ص: 195 ]
وَقَالَ
الْحَافِظُ ابْنُ حَجَرٍ : نَصَّ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ : أَنَّ كَلَامَ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، وَأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ كَيْفَ شَاءَ وَمَتَى شَاءَ بِلَا كَيْفٍ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي : قَوْلُهُ : إذَا شَاءَ ، أَيْ أَنْ يُسْمِعَنَا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ : لَمْ يَزَلْ اللَّهُ يَأْمُرُ بِمَا شَاءَ وَيْحُكُمْ .
ثُمَّ قَالَ
ابْنُ حَجَرٍ : وَافْتَرَقَ أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ فِرْقَتَيْنِ . فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ : كَلَامُهُ لَازِمٌ لِذَاتِهِ . وَالْحُرُوفُ وَالْأَصْوَاتُ مُقْتَرِنَةٌ لَا مُتَعَاقِبَةٌ . وَيُسْمِعُ كَلَامَهُ مَنْ شَاءَ ، وَأَكْثَرُهُمْ أَنَّهُ يَتَكَلَّمُ بِمَا شَاءَ إذَا شَاءَ . وَأَنَّهُ نَادَى
مُوسَى حِينَ كَلَّمَهُ ، وَلَمْ يَكُنْ نَادَاهُ مِنْ قَبْلُ . وَاَلَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ قَوْلُ
الْأَشْعَرِيَّةِ : أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ مَكْتُوبٌ فِي الْمَصَاحِفِ ، مَحْفُوظٌ فِي الصُّدُورِ ، مَقْرُوءٌ بِالْأَلْسِنَةِ . قَالَ تَعَالَى ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلَامَ اللَّهِ } ) ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=49بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ } ) وَفِي الْحَدِيثِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46593لَا تُسَافِرُوا بِالْقُرْآنِ إلَى أَرْضِ الْعَدُوِّ كَرَاهَةَ أَنْ يَنَالَهُ الْعَدُوُّ } وَلَيْسَ الْمُرَادُ مَا فِي الصُّدُورِ ، بَلْ مَا فِي الْمُصْحَفِ . وَأَجْمَعَ
السَّلَفُ عَلَى أَنَّ الَّذِي بَيْنَ الدَّفَّتَيْنِ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى . وَقَالَ بَعْضُهُمْ : الْقُرْآنُ يُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْمَقْرُوءُ ، وَهُوَ الصِّفَةُ الْقَدِيمَةُ ، وَيُطْلَقُ وَيُرَادُ بِهِ الْقِرَاءَةُ . وَهِيَ الْأَلْفَاظُ الدَّالَّةُ عَلَى ذَلِكَ . وَبِسَبَبِ ذَلِكَ وَقَعَ الِاخْتِلَافُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ عَنْ الْحُرُوفِ وَالْأَصْوَاتِ : فَمُرَادُهُمْ الْكَلَامُ النَّفْسِيُّ الْقَائِمُ بِالذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ ، وَهُوَ مِنْ الصِّفَاتِ الْمَوْجُودَةِ الْقَدِيمَةِ . وَأَمَّا الْحُرُوفُ : فَإِنْ كَانَتْ بِحَرَكَاتٍ أَوْ أَدَوَاتٍ ، كَاللِّسَانِ وَالشَّفَتَيْنِ ، فَهِيَ أَعْرَاضٌ ; وَإِنْ كَانَتْ كِتَابَةً فَهِيَ أَجْسَامٌ ، وَقِيَامُ الْأَجْسَامِ وَالْأَعْرَاضِ بِذَاتِ اللَّهِ مُحَالٌ ، وَيَلْزَمُ مَنْ أَثْبَتَ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ بِخَلْقِ الْقُرْآنِ ، وَهُوَ يَأْبَى ذَلِكَ وَيَفِرُّ مِنْهُ . فَأَلْجَأَ ذَلِكَ بَعْضَهُمْ إلَى أَنْ ادَّعَى قِدَمَ الْحُرُوفِ ، كَمَا الْتَزَمَتْهُ
السَّالِمِيَّةُ . وَمِنْهُمْ مَنْ الْتَزَمَ قِيَامَ ذَلِكَ بِذَاتِهِ . وَمِنْ شِدَّةِ اللَّبْسِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ كَثُرَ نَهْيُ
السَّلَفِ عَنْ الْخَوْضِ فِيهَا . وَاكْتَفَوْا بِاعْتِقَادِ أَنَّ الْقُرْآنَ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، وَلَمْ يَزِيدُوا عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا ، وَهُوَ أَسْلَمُ الْأَقْوَالِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَهُوَ الْمُسْتَعَانُ . وَقَالَ
أَبُو الْعَبَّاسِ أَيْضًا : لَمْ يَكُنْ فِي كَلَامِ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ وَلَا الْأَئِمَّةِ أَنَّ الصَّوْتَ الَّذِي تَكَلَّمَ بِهِ قَدِيمٌ ، بَلْ يَقُولُونَ : لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ بِمَا شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ ، كَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ nindex.php?page=showalam&ids=12070وَالْبُخَارِيِّ [ ص: 196 ] nindex.php?page=showalam&ids=16418وَابْنِ الْمُبَارَكِ . وَقَالَ ، رَادًّا عَلَى الرَّافِضِي : مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ يَقُولُ : لَمْ يَزَلْ اللَّهُ مُتَكَلِّمًا إذَا شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ . كَقَوْلِ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَالسُّنَّةِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418كَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَغَيْرِهِمَا مِنْ أَئِمَّةِ
السَّلَفِ . وَقَالَ : قَدْ تَنَازَعَ النَّاسُ فِي مَعْنَى كَوْنِ الْقُرْآنِ غَيْرَ مَخْلُوقٍ . هَلْ الْمُرَادُ بِهِ أَنَّ نَفْسَ الْكَلَامِ قَدِيمٌ أَزَلِيٌّ كَالْعِلْمِ ، أَوْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَزَلْ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ مُتَكَلِّمٌ يَتَكَلَّمُ إذَا شَاءَ ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ . ذَكَرَهُمَا
nindex.php?page=showalam&ids=15166الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ عَنْ
أَهْلِ السُّنَّةِ ،
وَأَبُو بَكْرٍ عَبْدُ الْعَزِيزِ فِي كِتَابِ الشَّافِي عَنْ أَصْحَابِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ . وَذَكَرَهُمَا
أَبُو عَبْدِ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ فِي أُصُولِهِ ا هـ . وَقَالَ
الْحَافِظُ زَيْنُ الدِّينِ بْنُ رَجَبٍ فِي الْمَنَاقِبِ : وَمِنْ الْبِدَعِ الَّتِي أَنْكَرَهَا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ فِي الْقُرْآنِ : قَوْلُ مَنْ قَالَ : إنَّ اللَّهَ تَكَلَّمَ بِغَيْرِ صَوْتٍ .
فَأَنْكَرَ هَذَا الْقَوْلَ وَبَدَّعَ قَائِلَهُ . وَقَدْ قِيلَ : إنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=15166الْحَارِثَ الْمُحَاسِبِيَّ إنَّمَا هَجَرَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ لِأَجْلِ ذَلِكَ . انْتَهَى . قَالَ
أَبُو الْعَبَّاسِ : وَهَذَا سَبَبُ تَحْذِيرِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15166الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ وَنَحْوِهِ مِنْ
الْكِلَابِيَّةِ . كَمَا أَمَرَ بِهَجْرِ الْقَائِلِ بِأَنَّ اللَّهَ لَمَّا خَلَقَ الْحُرُوفَ انْتَصَبَتْ الْأَلِفُ وَسَجَدَتْ الْبَاءُ ، وَشَدَّدَ فِي التَّنْفِيرِ عَنْهُ . وَلَمَّا أَظْهَرُوا ذَلِكَ أَمَرَ بِهَجْرِهِمْ كَمَا أَمَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14479السَّرِيُّ السَّقَطِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=14021الْجُنَيْدَ أَنْ يَتَّقِيَ بَعْضَ كَلَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=15166الْحَارِثِ الْمُحَاسِبِيِّ . فَذَكَرُوا أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=15166الْحَارِثَ رَحِمَهُ اللَّهُ تَابَ مِنْ ذَلِكَ ، وَاشْتَهَرَ عِلْمًا وَفَضْلًا وَحَقَائِقَ وَزُهْدًا . وَنَقَلَ عَنْهُ
أَبُو بَكْرٍ الْكَلَابَاذِيُّ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ
الصُّوفِيَّةِ : كَلَامُ اللَّهِ حُرُوفٌ وَأَصْوَاتٌ ، وَأَنَّهُ لَا يُعْرَفُ كَلَامٌ إلَّا كَذَلِكَ ، مَعَ إقْرَارِهِمْ أَنَّهُ صِفَةُ اللَّهِ تَعَالَى فِي ذَاتِهِ ، وَأَنَّهُ غَيْرُ مُحْدَثٍ . قَالَ : وَهُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=15166الْحَارِثُ الْمُحَاسِبِيُّ ، وَمِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ
ابْنُ سَالِمٍ . قَالَ
ابْنُ رَجَبٍ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16408عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ : سَأَلْت أَبِي عَنْ إنْكَارِ
الْجَهْمِيَّةِ كَلَامَ اللَّهِ
لِمُوسَى ، وَعَنْ قَوْمٍ أَنْكَرُوا صَوْتَ اللَّهِ تَعَالَى ؟ فَقَالَ لِي : بَلْ تَكَلَّمَ اللَّهُ بِصَوْتٍ . هَذِهِ الْأَحَادِيثُ يَمُرُّونَهَا كَمَا جَاءَتْ . وَقَالَ أَبِي : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ " إذَا تَكَلَّمَ اللَّهُ سُمِعَ لَهُ صَوْتٌ كَمَرِّ السِّلْسِلَةِ عَلَى الصَّفْوَانِ " وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14243الْخَلَّالُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17002مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ عَنْ
يَعْقُوبَ بْنِ بُخْتَانَ قَالَ : سُئِلَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ عَمَّنْ زَعَمَ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِصَوْتٍ ؟ فَقَالَ : بَلْ تَكَلَّمَ بِصَوْتٍ . هَاتَانِ الرِّوَايَتَانِ صَحَّتَا عَنْ الْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ بِلَا شَكٍّ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي كِتَابِهِ خَلْقُ أَفْعَالِ
[ ص: 197 ] الْعِبَادِ : وَيُذْكَرُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=46594كَانَ يُحِبُّ أَنْ يَكُونَ الرَّجُلُ خَفِيضَ الصَّوْتِ } وَ {
أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُنَادِي بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ ، فَلَيْسَ هَذَا لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَفِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ صَوْتَ اللَّهِ تَعَالَى لَا يُشْبِهُ صَوْتَ الْمَخْلُوقِينَ لِأَنَّ [ صَوْتَ ] اللَّهِ تَعَالَى يَسْمَعُهُ مَنْ بَعُدَ ، كَمَا يَسْمَعُهُ مَنْ قَرُبَ ، وَإِنَّ الْمَلَائِكَةَ يُصْعَقُونَ مِنْ صَوْتِهِ . فَإِذَا نَادَى الْمَلَائِكَةَ لَمْ يُصْعَقُوا } وَقَالَ تَعَالَى ( {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=22فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا } ) فَلَيْسَ لِصِفَةِ اللَّهِ نِدٌّ وَلَا مِثْلٌ ، وَلَا يُوجَدُ شَيْءٌ مِنْ صِفَاتِهِ بِالْمَخْلُوقِينَ . هَذَا لَفْظُهُ بِعَيْنِهِ . وَذَكَرَ حَدِيثَيْ
ابْنِ أُنَيْسٍ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ ، وَتَقَدَّمَا .
قَالَ الْعَلَّامَةُ
الْمِرْدَاوِيُّ . فَإِنْ قِيلَ : أَيُّ الْمَذَاهِبِ أَقْرَبُ إلَى الْحَقِّ وَالتَّحْقِيقِ مِنْ الْأَقْوَالِ التِّسْعَةِ ؟ قُلْت : إنْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِذِكْرِ الصَّوْتِ فَلَا كَلَامَ ; فِي أَنَّهُ أَوْلَى وَأَحْرَى وَأَصَحُّ مِنْ غَيْرِهِ ، مَعَ الِاعْتِقَادِ فِيهِ بِمَا يَلِيقُ بِجَلَالِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَكِبْرِيَائِهِ مِنْ غَيْرِ تَشْبِيهٍ بِوَجْهٍ مَا أَلْبَتَّةَ . ثُمَّ قَالَ : وَقَدْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِحَمْدِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَصَحَّحَهَا الْأَئِمَّةُ الْكِبَارُ الْمُعْتَمَدُ عَلَيْهِمْ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251كَأَحْمَدَ nindex.php?page=showalam&ids=12070وَالْبُخَارِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418وَابْنِ الْمُبَارَكِ وَالرَّازِيِّ وَغَيْرِهِمْ ، حَتَّى
الْحَافِظِ ابْنِ حَجَرٍ فِي زَمَنِنَا . قَالَ : وَقَدْ صَحَّتْ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ كُلُّهَا فِي ذَلِكَ . وَكَذَلِكَ صَحَّحَهَا غَيْرُهُمْ مِنْ الْمُحَدِّثِينَ وَغَيْرِهِمْ . وَفِيهِ كِفَايَةٌ وَهِدَايَةٌ ، وَلَوْلَا أَنَّ الصَّادِقَ الْمَصْدُوقَ الْمَعْصُومَ قَالَ ذَلِكَ ، لَمَا قُلْنَاهُ وَلَا حُمْنَا حَوْلَهُ . كَمَا قَالَ
السُّهْرَوَرْدِيُّ ذَلِكَ فِي عَقِيدَتِهِ . فَإِنَّ صِفَاتِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَا تُعْرَفُ إلَّا بِالنَّقْلِ الْمَحْضِ مِنْ الْكِتَابِ الْعَزِيزِ ، أَوْ مِنْ صَاحِبِ الشَّرِيعَةِ صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ . فَتَصْحِيحُ هَؤُلَاءِ وَإِثْبَاتُهُمْ لِلْأَحَادِيثِ بِذِكْرِ الصَّوْتِ أَوْلَى مِنْ نَفْيِ مَنْ نَفَى أَنَّهُ لَمْ يَأْتِ فِي حَدِيثٍ وَاحِدٍ ذِكْرُ الصَّوْتِ مِنْ وُجُوهٍ . مِنْهَا : أَنَّ الْمُثْبِتَ مُقَدَّمٌ عَلَى النَّافِي .
وَمِنْهَا عِظَمُ الْمُصَحِّحِ وَجَلَالَةُ قَدْرِهِ وَكَثْرَةُ اطِّلَاعِهِ ، لَا سِيَّمَا فِي إثْبَاتِ صِفَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ الزُّهْدِ الْعَظِيمِ وَالْقِدَمِ الْمَتِينِ . أَفَيَلِيقُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251بِأَحْمَدَ nindex.php?page=showalam&ids=12070وَالْبُخَارِيِّ وَنَحْوِهِمَا مِنْ
السَّلَفِ الصَّالِحِ إثْبَاتُ صِفَةٍ لِلَّهِ مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ وَيَدِينُونَ اللَّهَ بِهَا . وَيَعْتَقِدُونَهَا وَيَهْجُرُونَ مَنْ يُخَالِفُهَا مِنْ غَيْرِ دَلِيلٍ صَحَّ عِنْدَهُمْ ؟ فَمَا الْحَامِلُ لَنَا أَوْ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ ؟ وَهَلْ يَعْتَقِدُ هَذَا مُسْلِمٌ فِي مُسْلِمٍ فَضْلًا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ nindex.php?page=showalam&ids=12070وَالْبُخَارِيِّ . ثُمَّ الْأَسْلَمُ - بَعْدَ هَذَا الْمَذْهَبِ مِنْ الْمَذَاهِبِ التِّسْعَةِ - مَا قَالَهُ
ابْنُ حَجَرٍ : الِاكْتِفَاءُ بِاعْتِقَادِ أَنَّ الْقُرْآنَ كَلَامُ اللَّهِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ ، وَلَمْ يَزِيدُوا
[ ص: 198 ] عَلَى ذَلِكَ شَيْئًا . وَقَالَ : وَهَذَا أَسْلَمُ الْأَقْوَالِ ، لِشِدَّةِ اللَّبْسِ وَنَهْيِ
السَّلَفِ عَنْ الْخَوْضِ فِيهَا . انْتَهَى . وَالظَّاهِرُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - أَنَّ
السَّلَفَ إنَّمَا اكْتَفَى بِذَلِكَ حَسْمًا لِمَادَّةِ الْكَلَامِ فِيهِ ، وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ وُقُوعِ النَّاسِ فِيمَا وَقَعُوا فِيهِ مِنْ الشُّبَهِ الْمُوجِبَةِ لِخَبْطِ الْعَقَائِدِ وَسَدًّا لِلذَّرِيعَةِ ، لِقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ : مَنْ قَالَ لَفْظِي بِالْقُرْآنِ مَخْلُوقٌ فَهُوَ جَهْمِيٌّ . وَمَنْ قَالَ : لَفْظِي بِالْقُرْآنِ غَيْرُ مَخْلُوقٍ : مُبْتَدِعٌ . وَإِنَّمَا أَطَلْنَا لِأَنَّ غَالِبَ النَّاسِ فِي زَمَنِنَا يَزْعُمُونَ أَنَّ الْقَائِلَ بِأَنَّ اللَّهَ يَتَكَلَّمُ بِصَوْتٍ وَحَرْفٍ قَدِيمَيْنِ غَيْرِ مُتَعَاقِبَيْنِ مِنْ فَوْقِ السَّمَاءِ بِقُدْرَتِهِ وَمَشِيئَتِهِ إذَا شَاءَ وَكَيْفَ شَاءَ ، كَمَا قُرِّرَ ، يَكُونُ كَافِرًا . فَهَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=12070وَالْبُخَارِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِمَّنْ ذَكَرْنَا صَرَّحُوا بِذَلِكَ . وَقَدْ سَمَّوْا مُخَالِفَهُ مُبْتَدِعًا . وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهِ . وَقَدْ أَجْمَعَ عَلَى ذَلِكَ أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ مِنْ زَمَنِهِ إلَى زَمَنِنَا ، وَلَمْ يُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدٌ ، كَمَا قَالَ إمَامُهُمْ . وَصَنَّفُوا فِي ذَلِكَ كَثِيرًا جِدًّا . وَإِذَا نَظَرَ الْمُنْصِفُ فِي كَلَامِ الْعُلَمَاءِ الْمُقْتَدَى بِهِمْ . وَاطَّلَعَ عَلَى مَا قَالُوهُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ عَلِمَ الْحَقَّ وَعَذَرَ الْقَائِلَ ، وَأَحْجَمَ عَنْ الْمَقَالَاتِ الَّتِي لَا تَلِيقُ بِمُسْلِمٍ أَنْ يَعْتَقِدَهَا فِي مُسْلِمٍ ، وَعَلِمَ أَنَّ هَذِهِ مِنْ جُمْلَةِ مَسَائِلِ الصِّفَاتِ . وَلِهَذَا قَالَ الْحَافِظُ الْعَلَّامَةُ
ابْنُ حَجَرٍ : قَدْ صَحَّتْ الْأَحَادِيثُ بِذَلِكَ . فَمَا بَقِيَ إلَّا التَّسْلِيمُ أَوْ التَّأْوِيلُ ، فَلَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَدْفَعَ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَيَقُولَ : بِعَقْلِهِ هَذِهِ الْأَحَادِيثُ مُشْكِلَةٌ ، وَيَلْزَمُ مِنْهَا الْمَحْذُورُ الْعَظِيمُ . فَيَتْبَعُ قَوْلَ هَذَا ، أَوْ قَوْلَ مَنْ اتَّبَعَ الْأَحَادِيثَ عَلَى حُكْمِ صِفَاتِ اللَّهِ تَعَالَى اللَّائِقَةِ بِجَلَالِهِ وَعَظَمَتِهِ ؟ بَلْ قَدْ صَرَّحَ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ فِي غَيْرِ رِوَايَةٍ مَنْصُوصَةٍ بِجَمِيعِ ذَلِكَ .