[ ص: 34 ] فصل [ حكم
nindex.php?page=showalam&ids=8علي في جماعة وقعوا على امرأة وفق القياس ] . ومما أشكل على جمهور الفقهاء وظنوه في غاية البعد عن القياس الحكم الذي حكم به
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب كرم الله وجهه في الجنة في الجماعة الذين
nindex.php?page=treesubj&link=23299وقعوا على امرأة في طهر واحد ، ثم تنازعوا الولد ، فأقرع بينهم فيه .
ونحن نذكر هذه الحكومة ونبين مطابقتها للقياس ; فذكر
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي من حديث
عبد الله بن الخليل عن
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=22671كنت جالسا عند النبي صلى الله عليه وسلم ، فجاء رجل من أهل اليمن ، فقال : إن ثلاثة نفر من أهل اليمن أتوا nindex.php?page=showalam&ids=8عليا يختصمون إليه في ولد قد وقعوا على امرأة في طهر واحد ، فقال لاثنين : طيبا بالولد لهذا ، فقالا : لا ، ثم قال لاثنين : طيبا بالولد لهذا ، فقالا : لا ، ثم قال لاثنين : طيبا بالولد لهذا ، فقالا : لا ، فقال : أنتم شركاء متشاكسون ، إني مقرع بينكم ، فمن قرع فله الولد وعليه لصاحبيه ثلثا الدية ، فأقرع بينهم ، فجعله لمن قرع له ، فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت أضراسه أو نواجذه } . وفي إسناده
يحيى بن عبد الله الكندري الأجلح ، ولا يحتج بحديثه . لكن رواه
أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15395والنسائي بإسناد كلهم ثقات إلى
عبد خير عن
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم ، قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=417أتي nindex.php?page=showalam&ids=8علي بثلاثة وهو باليمن وقعوا على امرأة في طهر واحد ، فقال لاثنين : أتقران لهذا ؟ قالا : لا ، حتى سألهم جميعا ، فجعل كلما سأل اثنين قالا : لا ، فأقرع بينهم ، فألحق الولد بالذي صارت له القرعة ، وجعل لصاحبيه عليه ثلثي الدية ، فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه وسلم فضحك حتى بدت نواجذه } . وقد أعل هذا الحديث بأنه روي عن
عبد خير بإسقاط
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم فيكون مرسلا ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي : وهذا أصوب ، قلت : وهذا ليس بعلة ، ولا يوجب إرسالا للحديث ; فإن
عبد خير سمع من
nindex.php?page=showalam&ids=8علي وهو صاحب القصة ، فهب أن
nindex.php?page=showalam&ids=68زيد بن أرقم لا ذكر له في المتن ، فمن أين يجيء الإرسال ؟
وبعد ، فقد اختلف الفقهاء في حكم هذا الحديث ، فذهب إلى القول به
nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحاق بن راهويه ، وقال : هو السنة في دعوى الولد .
وكان
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يقول به في القديم .
وأما الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد فسئل عنه فرجح عليه حديث القافة وقال : حديث القافة أحب إلي .
وهاهنا أمران : أحدهما دخول القرعة في النسب .
والثاني : تغريم من خرجت له القرعة ثلثي دية ولده لصاحبيه ، وكل منهما بعيد عن القياس ; فلذلك قالوا : هذا من أبعد شيء عن القياس .
فيقال : القرعة قد تستعمل عند فقدان مرجح سواها من بينة أو إقرار أو قافة ، وليس
[ ص: 35 ] ببعيد تعيين المستحق بالقرعة في هذه الحال ; إذ هي غاية المقدور عليه من أسباب ترجيح الدعوى ، ولها دخول في دعوى الأملاك المرسلة التي لا تثبت بقرينة ولا أمارة ، فدخولها في النسب الذي يثبت بمجرد الشبه الخفي المستند إلى قول القائف أولى وأحرى .
وأما أمر الدية فمشكل جدا ; فإن هذا ليس بقتل يوجب الدية ، وإنما هو تفويت نسبه بخروج القرعة له ; فيمكن أن يقال : وطء كل واحد صالح لجعل الولد له ، فقد فوته كل واحد منهم على صاحبه بوطئه ، ولكن لم يتحقق من كان له الولد منهم ، فلما أخرجته القرعة لأحدهم صار مفوتا لنسبه على صاحبيه فأجرى ذلك مجرى إتلاف الولد ، ونزل الثلاثة منزلة أب واحد ، فحصة المتلف منه ثلث الدية ; إذ قد عاد الولد له ; فيغرم لكل من صاحبيه ما يخصه ، وهو ثلث الدية .
ووجه آخر أحسن من هذا : أنه لما أتلفه عليهما بوطئه ولحوق الولد به وجب عليه ضمان قيمته ، وقيمة الولد شرعا هي ديته ، فلزمه لهما ثلثا قيمته وهي ثلثا الدية ، وصار هذا كمن أتلف عبدا بينه وبين شريكين له فإنه يجب عليه ثلثا القيمة لشريكيه ; فإتلاف الولد الحر عليهما بحكم القرعة كإتلاف الرقيق الذي بينهم ، ونظير هذا تضمين الصحابة المغرور بحرية الأمة لما فات رقهم على السيد بحريتهم ، وكانوا بصدد أن يكونوا أرقاء له ، وهذا من ألطف ما يكون من القياس وأدقه ، ولا يهتدي إليه إلا أفهام الراسخين في العلم ; وقد ظن طائفة أن هذا أيضا على خلاف القياس ، وليس كما ظنوا ، بل هو محض الفقه ، فإن الولد تابع للأم في الحرية والرق ، ولهذا
nindex.php?page=treesubj&link=24242ولد الحر من أمة الغير رقيق ،
nindex.php?page=treesubj&link=24242وولد العبد من الحرة حر .
قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=24242تزوج الحر بالأمة رق نصفه ، وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=24242تزوج العبد بالحرة عتق نصفه ; فولد الأمة المزوجة بهذا المغرور كانوا بصدد أن يكونوا أرقاء لسيدها ، ولكن لما دخل الزوج على حرية المرأة دخل على أن يكون أولاده أحرارا ، والولد يتبع اعتقاد الواطئ ، فانعقد ولده أحرارا ، وقد فوتهم على السيد ، وليس مراعاة أحدهما بأولى من مراعاة الآخر ، ولا تفويت حق أحدهما بأولى من حق صاحبه ; فحفظ الصحابة الحقين وراعوا الجانبين ، فحكموا بحرية الأولاد وإن كانت أمهم رقيقة ; لأن الزوج إنما دخل على حرية أولاده ، ولو توهم رقهم لم يدخل على ذلك ، ولم يضيعوا حق السيد ، بل حكموا على الواطئ بفداء أولاده ، وأعطوا العدل حقه ; فأوجبوا فداءهم بمثلهم تقريبا لا بالقيمة ، ثم وفوا العدل بأن مكنوا المغرور من الرجوع بما غرمه على من غره ; لأن غرمه كان بسبب غروره ، والقياس والعدل يقتضي أن من تسبب إلى إتلاف مال شخص أو تغريمه أنه يضمن
[ ص: 36 ] ما غرمه ، كما يضمن ما أتلفه ; إذ غايته أنه إتلاف بسبب ، وإتلاف المتسبب كإتلاف المباشر في أصل الضمان .
فإن قيل : وبعد ذلك كله فهذا خلاف القياس أيضا ; فإن الولد كما هو بعض الأم وجزء منها فهو بعض الأب ، وبعضيته للأب أعظم من بعضيته للأم ، ولهذا إنما يذكر الله سبحانه في كتابه تخليقه من ماء الرجل كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=5فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=37ألم يك نطفة من مني يمنى } ونظائرها من الآيات التي إن لم تختص بماء الرجل فهي فيه أظهر ، وإذا كان جزءا من الوطء وجزءا من الأم فكيف كان ملكا لسيد الأم دون سيد الأب ؟ ويخالف القياس من وجه آخر ، وهو أن الماء بمنزلة البذر ، ولو أن
nindex.php?page=treesubj&link=10742رجلا أخذ بذر غيره فزرعه في أرضه كان الزرع لصاحب البذر وإن كان عليه أجرة الأرض .
قيل : لا ريب أن الولد منعقد من ماء الأب كما هو منعقد من ماء الأم ، ولكن إنما تكون وصار مالا متقوما في بطن الأم ; فالأجزاء التي صار بها كذلك من الأم أضعاف أضعاف الجزء الذي من الأب ، مع مساواتها له في ذلك الجزء ; فهو إنما تكون في أحشائها من لحمها ودمها ، ولما وضعه الأب لم يكن له قيمة أصلا ، بل كان كما سماه الله ماء مهينا لا قيمة له ، ولهذا لو نزا فحل رجل على رمكة آخر كان الولد لمالك الأم باتفاق المسلمين ، وهذا بخلاف البذر فإنه مال متقوم له قيمة قبل وضعه في الأرض يعاوض عليه بالأثمان ، وعسب الفحل لا يعاوض عليه ، فقياس أحدهما على الآخر من أبطل القياس .
فإن قيل : فهلا طردتم ذلك في النسب ، وجعلتموه للأم كما جعلتموه للأب .
قيل : قد اتفق المسلمون على أن النسب للأب ، كما اتفقوا على أنه يتبع الأم في الحرية والرق ، وهذا هو الذي تقتضيه حكمة الله شرعا وقدرا ; فإن الأب هو المولود له ، والأم وعاء وإن تكون فيها ، والله سبحانه جعل الولد خليفة أبيه وشجنته والقائم مقامه ، ووضع الأنساب بين عباده ; فيقال : فلان بن فلان ، ولا تتم مصالحهم وتعارفهم ومعاملاتهم إلا بذلك ، كما قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا } فلولا ثبوت الأنساب من قبل الآباء لما حصل التعارف ، ولفسد نظام العباد ; فإن النساء محتجبات مستورات عن العيون ; فلا يمكن في الغالب أن
[ ص: 37 ] تعرف عين الأم فيشهد على نسب الولد منها ، فلو جعلت الأنساب للأمهات لضاعت وفسدت ، وكان ذلك مناقضا للحكمة والرحمة والمصلحة ، ولهذا إنما يدعى الناس يوم القيامة بآبائهم لا بأمهاتهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه : باب يدعى الناس بآبائهم يوم القيامة ، ثم ذكر حديث : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32930لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر غدرته ، يقال : هذه غدرة فلان بن فلان } .
فكان من تمام الحكمة أن جعل الحرية والرق تبعا للأم ، والنسب تبعا للأب ، والقياس الفاسد إنما يجمع بين ما فرق الله بينه أو يفرق بين ما جمع الله بينه .
فإن قيل : فهلا طردتم ذلك في الولاء ، بل جعلتموه لموالي الأم ، والولاء لحمة كلحمة النسب .
قيل : لما كان الولاء من آثار الرق وموجباته كان تابعا له في حكمه ، فكان لموالي الأم ، ولما كان فيه شائبة النسب وهو لحمة كلحمته رجع إلى موالي الأب عند انقطاعه عن موالي الأم ، فروعي فيه الأمران ، ورتب عليه الأثران .
فإن قيل : فهلا جعلتم الولد في الدين تابعا لمن له النسب ، بل ألحقتموه بأبيه تارة وبأمه تارة .
قيل : الطفل لا يستقل بنفسه ، بل لا يكون إلا تابعا لغيره ; فجعله الشارع تابعا لخير أبويه في الدين تغليبا لخير الدينين ، فإنه إذا لم يكن له بد من التبعية لم يجز أن يتبع من هو على دين الشيطان ، وتنقطع تبعيته عمن هو على دين الرحمن ; فهذا محال في حكمة الله تعالى وشرعه .
فإن قيل : فاجعلوه تابعا لسابيه في الإسلام وإن كان معه أبواه أو أحدهما ، فإن تبعيته لأبويه قد انقطعت وصار السابي هو أحق به .
قيل : نعم ، وهكذا نقول سواء ، وهو قول إمام أهل
الشام عبد الرحمن بن عمرو الأوزاعي ، ونص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، واختاره شيخ الإسلام
ابن تيمية ، وقد أجمع الناس على أنه يحكم بإسلامه تبعا لسابيه إذا سبي وحده ، قالوا : لأن تبعيته قد انقطعت عن أبويه وصار تابعا لسابيه ، واختلفوا فيما إذا سبي مع أحدهما على ثلاثة مذاهب : أحدها يحكم بإسلامه ، نص عليه
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في إحدى الروايتين ، وهي المشهورة من مذهبه ، وهو قول
الأوزاعي .
والثاني لا يحكم بإسلامه ; لأنه لم ينفرد عن أبويه .
والثالث أنه إن سبي مع الأب
[ ص: 38 ] تبعه في دينه ، وإن سبي مع الأم وحدها فهو مسلم ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وقول
الأوزاعي وفقهاء أهل الثغر أصح وأسلم من التناقض ; فإن السابي قد صار أحق به ، وقد انقطعت تبعيته لأبويه ، ولم يبق لهما عليه حكم ، فلا فرق بين كونهما في دار الحرب وبين كونهما أسيرين في أيدي المسلمين ، بل انقطاع تبعيته لهما في حال أسرهما وقهرهما وإذلالهما واستحقاق قتلهما أولى من انقطاعها حال قوة شوكتهما وخوف معرتهما ، فما الذي يسوغ له الكفر بالله والشرك به وأبواه أسيران في أيدي المسلمين ومنعه من ذلك وأبواه في دار الحرب ؟ وهل هذا إلا تناقض محض ؟
وأيضا فيقال لهم :
nindex.php?page=treesubj&link=8125إذا سبي الأبوان ثم قتلا فهل يستمر الطفل على كفره عندكم أو تحكمون بإسلامه ؟ فمن قولكم إنه يستمر على كفره كما لو ماتا فيقال : وأي كتاب أو سنة أو قياس صحيح أو معنى معتبر أو فرق مؤثر بين أن يقتلا في حال الحرب أو بعد الأسر والسبي ؟ وهل يكون المعنى الذي حكم بإسلامه لأجله إذا سبي وحده زائلا بسبائهما ثم قتلهما بعد ذلك ؟ وهل هذا إلا تفريق بين المتماثلين ؟ وأيضا فهل تعتبرون وجود الطفل والأبوين في ملك ساب واحد أو يكون معهما في جملة العسكر ؟
فإن اعتبرتم الأول طولبتم بالدليل على ذلك ، وإن اعتبرتم الثاني فمن المعلوم انقطاع تبعيته لهما واستيلائهما عليه ، واختصاصه بسابيه ، ووجودهما بحيث لا يمكنان منه ومن تربيته وحضانته ، واختصاصهما به لا أثر له ، وهو كوجودهما في دار الحرب سواء ، وأيضا فإن الطفل لما لم يستقل بنفسه لم يكن بد من جعله تابعا لغيره ، وقد دار الأمر بين أن يجعل تابعا لمالكه وسابيه ومن هو أحق الناس به وبين أن يجعل تابعا لأبويه ولا حق لهما فيه بوجه ، ولا ريب أن الأول أولى وأيضا فإن ولاية الأبوين قد زالت بالكلية ، وقد انقطع الميراث وولاية النكاح وسائر الولايات ، فما بال ولاية الدين الباطل باقية وحدها ؟
وقد نص الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد على منع أهل الذمة أن يشتروا رقيقا من سبي المسلمين ، وكتب بذلك
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب إلى الأمصار ، واشتهر ولم ينكره منكر فهو إجماع من الصحابة ، وإن نازع فيه بعض الأئمة ، وما ذاك إلا أن في تمليكه للكافر ونقله عن يد المسلم قطعا لما كان بصدده من مشاهدة معالم الإسلام وسماعه القرآن ، فربما دعاه ذلك إلى اختياره ، فلو كان تابعا لأبويه على دينهما لم يمنعا من شراه ، وبالله التوفيق .
فإن قيل : فيلزمكم على هذا أنه لو مات الأبوان أن تحكموا بإسلام الطفل لانقطاع تبعيته للأبوين ولا سيما وهو مسلم بأصل الفطرة ، وقد زال معارض الإسلام ، وهو تهويد الأبوين وتنصيرهما .
قيل : قد نص على ذلك الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد في رواية جماعة من أصحابه ، واحتج
[ ص: 39 ] بقوله صلى الله عليه وسلم : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34765ما من مولود إلا ويولد على الفطرة ، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه } فإذا لم يكن له أبوان فهو على أصل الفطرة فيكون مسلما .
فإن قيل : فهل تطردون هذا فيما لو انقطع نسبه عن الأب مثل كونه ولد زنا أو منفيا بلعان ؟ قيل : نعم ; لوجود المقتضي لإسلامه بالفطرة ، وعدم المانع وهو وجود الأبوين ، ولكن الراجح في الدليل قول الجمهور ، وأنه لا يحكم بإسلامه بذلك ، وهو الرواية الثانية عنه اختارها
شيخ الإسلام .
وعلى هذا فالفرق بين هذه المسألة ومسألة المسبي أن المسبي قد انقطعت تبعيته لمن هو على دينه ، وصار تابعا لسابيه المسلم ، بخلاف من مات أبواه أو أحدهما فإنه تابع لأقاربه أو وصي أبيه ; فإن انقطعت تبعيته لأبويه فلم تنقطع لمن يقوم مقامها من أقاربه أو أوصيائه ، والنبي صلى الله عليه وسلم أخبر عن تهويد الأبوين وتنصيرهما ، بناء على الغالب ، وهذا لا مفهوم له لوجهين : أحدهما أنه مفهوم لقب ، والثاني : أنه خرج مخرج الغالب .
ومما يدل على ذلك العمل المستمر من عهد الصحابة وإلى اليوم بموت أهل الذمة وتركهم الأطفال ، ولم يتعرض أحد من الأئمة ولا ولاة الأمور لأطفالهم ، ولم يقولوا هؤلاء مسلمون ، ومثل هذا لا يهمله الصحابة والتابعون وأئمة المسلمين .
فإن قيل : فهل تطردون هذا الأصل في جعله تبعا للمالك ، فتقولون : إذا اشترى المسلم طفلا كافرا يكون مسلما تبعا له ، أو تتناقضون فتفرقون بينه وبين السابي ؟ وصورة المسألة فيما إذا
nindex.php?page=treesubj&link=8119زوج الذمي عبده الكافر من أمته فجاءت بولد أو تزوج الحر منهم بأمة فأولدها ثم باع السيد هذا الولد لمسلم .
قيل : نعم نطرده ونحكم بإسلامه .
قاله
شيخنا قدس الله روحه ، ولكن جادة المذهب أنه باق على كفره كما لو سبي مع أبويه وأولى .
والصحيح قول
شيخنا ; لأن تبعيته للأبوين قد زالت ، وانقطعت الموالاة والميراث والحضانة بين الطفل والأبوين ، وصار المالك أحق به ، وهو تابع له ; فلا يفرد عنه بحكم ، فكيف يفرد عنه في دينه ؟ وهذا طرد الحكم بإسلامه في مسألة السباء ، وبالله التوفيق .
[ ص: 34 ] فَصْلٌ [ حُكْمُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ فِي جَمَاعَةٍ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ وَفْقَ الْقِيَاسِ ] . وَمِمَّا أَشْكَلَ عَلَى جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ وَظَنُّوهُ فِي غَايَةِ الْبُعْدِ عَنْ الْقِيَاسِ الْحُكْمُ الَّذِي حَكَمَ بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ كَرَّمَ اللَّهُ وَجْهَهُ فِي الْجَنَّةِ فِي الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ
nindex.php?page=treesubj&link=23299وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ ، ثُمَّ تَنَازَعُوا الْوَلَدَ ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ فِيهِ .
وَنَحْنُ نَذْكُرُ هَذِهِ الْحُكُومَةَ وَنُبَيِّنُ مُطَابَقَتَهَا لِلْقِيَاسِ ; فَذَكَرَ
أَبُو دَاوُد nindex.php?page=showalam&ids=15395وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْخَلِيلِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=68زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=22671كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ ، فَقَالَ : إنَّ ثَلَاثَةَ نَفَرٍ مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ أَتَوْا nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا يَخْتَصِمُونَ إلَيْهِ فِي وَلَدٍ قَدْ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ ، فَقَالَ لِاثْنَيْنِ : طِيبَا بِالْوَلَدِ لِهَذَا ، فَقَالَا : لَا ، ثُمَّ قَالَ لِاثْنَيْنِ : طِيبَا بِالْوَلَدِ لِهَذَا ، فَقَالَا : لَا ، ثُمَّ قَالَ لِاثْنَيْنِ : طِيبَا بِالْوَلَدِ لِهَذَا ، فَقَالَا : لَا ، فَقَالَ : أَنْتُمْ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ ، إنِّي مُقْرِعٌ بَيْنَكُمْ ، فَمَنْ قُرِعَ فَلَهُ الْوَلَدُ وَعَلَيْهِ لِصَاحِبَيْهِ ثُلُثَا الدِّيَةِ ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ ، فَجَعَلَهُ لِمَنْ قُرِعَ لَهُ ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ أَضْرَاسُهُ أَوْ نَوَاجِذُهُ } . وَفِي إسْنَادِهِ
يَحْيَى بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْكَنْدَرِيُّ الْأَجْلَحُ ، وَلَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ . لَكِنْ رَوَاهُ
أَبُو دَاوُد nindex.php?page=showalam&ids=15395وَالنَّسَائِيُّ بِإِسْنَادٍ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ إلَى
عَبْدِ خَيْرٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=68زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ ، قَالَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=417أُتِيَ nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ بِثَلَاثَةٍ وَهُوَ بِالْيَمَنِ وَقَعُوا عَلَى امْرَأَةٍ فِي طُهْرٍ وَاحِدٍ ، فَقَالَ لِاثْنَيْنِ : أَتُقِرَّانِ لِهَذَا ؟ قَالَا : لَا ، حَتَّى سَأَلَهُمْ جَمِيعًا ، فَجَعَلَ كُلَّمَا سَأَلَ اثْنَيْنِ قَالَا : لَا ، فَأَقْرَعَ بَيْنَهُمْ ، فَأَلْحَقَ الْوَلَدَ بِاَلَّذِي صَارَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ ، وَجَعَلَ لِصَاحِبَيْهِ عَلَيْهِ ثُلُثَيْ الدِّيَةِ ، فَذُكِرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَضَحِكَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ } . وَقَدْ أُعِلَّ هَذَا الْحَدِيثُ بِأَنَّهُ رُوِيَ عَنْ
عَبْدِ خَيْرٍ بِإِسْقَاطِ
nindex.php?page=showalam&ids=68زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فَيَكُونُ مُرْسَلًا ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15395النَّسَائِيّ : وَهَذَا أَصْوَبُ ، قُلْتُ : وَهَذَا لَيْسَ بِعِلَّةٍ ، وَلَا يُوجِبُ إرْسَالًا لِلْحَدِيثِ ; فَإِنَّ
عَبْدَ خَيْرٍ سَمِعَ مِنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ وَهُوَ صَاحِبُ الْقِصَّةِ ، فَهَبْ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=68زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ لَا ذِكْرَ لَهُ فِي الْمَتْنِ ، فَمِنْ أَيْنَ يَجِيءُ الْإِرْسَالُ ؟
وَبَعْدُ ، فَقَدْ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ هَذَا الْحَدِيثِ ، فَذَهَبَ إلَى الْقَوْل بِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=12418إِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ ، وَقَالَ : هُوَ السُّنَّةُ فِي دَعْوَى الْوَلَدِ .
وَكَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ يَقُولُ بِهِ فِي الْقَدِيمِ .
وَأَمَّا الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ فَسُئِلَ عَنْهُ فَرَجَّحَ عَلَيْهِ حَدِيثَ الْقَافَةِ وَقَالَ : حَدِيثُ الْقَافَةِ أَحَبُّ إلَيَّ .
وَهَاهُنَا أَمْرَانِ : أَحَدُهُمَا دُخُولُ الْقُرْعَةِ فِي النَّسَبِ .
وَالثَّانِي : تَغْرِيمُ مَنْ خَرَجَتْ لَهُ الْقُرْعَةُ ثُلُثَيْ دِيَةِ وَلَدِهِ لِصَاحِبَيْهِ ، وَكُلٌّ مِنْهُمَا بَعِيدٌ عَنْ الْقِيَاسِ ; فَلِذَلِكَ قَالُوا : هَذَا مِنْ أَبْعَدِ شَيْءٍ عَنْ الْقِيَاسِ .
فَيُقَالُ : الْقُرْعَةُ قَدْ تُسْتَعْمَلُ عِنْدَ فُقْدَانِ مُرَجِّحٍ سِوَاهَا مِنْ بَيِّنَةٍ أَوْ إقْرَارٍ أَوْ قَافَةٍ ، وَلَيْسَ
[ ص: 35 ] بِبَعِيدٍ تَعْيِينُ الْمُسْتَحِقِّ بِالْقُرْعَةِ فِي هَذِهِ الْحَالِ ; إذْ هِيَ غَايَةُ الْمَقْدُورِ عَلَيْهِ مِنْ أَسْبَابِ تَرْجِيحِ الدَّعْوَى ، وَلَهَا دُخُولٌ فِي دَعْوَى الْأَمْلَاكِ الْمُرْسَلَةِ الَّتِي لَا تَثْبُتُ بِقَرِينَةٍ وَلَا أَمَارَةٍ ، فَدُخُولُهَا فِي النَّسَبِ الَّذِي يَثْبُتُ بِمُجَرَّدِ الشَّبَهِ الْخَفِيِّ الْمُسْتَنِدِ إلَى قَوْلِ الْقَائِفِ أَوْلَى وَأَحْرَى .
وَأَمَّا أَمْرُ الدِّيَةِ فَمُشْكِلٌ جِدًّا ; فَإِنَّ هَذَا لَيْسَ بِقَتْلٍ يُوجِبُ الدِّيَةَ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَفْوِيتُ نَسَبِهِ بِخُرُوجِ الْقُرْعَةِ لَهُ ; فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ : وَطْءُ كُلِّ وَاحِدٍ صَالِحٌ لِجَعْلِ الْوَلَدِ لَهُ ، فَقَدْ فَوَّتَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ بِوَطْئِهِ ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ مَنْ كَانَ لَهُ الْوَلَدُ مِنْهُمْ ، فَلَمَّا أَخْرَجَتْهُ الْقُرْعَةُ لِأَحَدِهِمْ صَارَ مُفَوِّتًا لِنَسَبِهِ عَلَى صَاحِبَيْهِ فَأَجْرَى ذَلِكَ مَجْرَى إتْلَافِ الْوَلَدِ ، وَنُزِّلَ الثَّلَاثَةُ مَنْزِلَةَ أَبٍ وَاحِدٍ ، فَحِصَّةُ الْمُتْلِفُ مِنْهُ ثُلُثُ الدِّيَةِ ; إذْ قَدْ عَادَ الْوَلَدُ لَهُ ; فَيَغْرَمُ لِكُلٍّ مِنْ صَاحِبَيْهِ مَا يَخُصُّهُ ، وَهُوَ ثُلُثُ الدِّيَةِ .
وَوَجْهٌ آخَرُ أَحْسَنُ مِنْ هَذَا : أَنَّهُ لَمَّا أَتْلَفَهُ عَلَيْهِمَا بِوَطْئِهِ وَلُحُوقِ الْوَلَدِ بِهِ وَجَبَ عَلَيْهِ ضَمَانُ قِيمَتِهِ ، وَقِيمَةُ الْوَلَدِ شَرْعًا هِيَ دِيَتُهُ ، فَلَزِمَهُ لَهُمَا ثُلُثَا قِيمَتِهِ وَهِيَ ثُلُثَا الدِّيَةِ ، وَصَارَ هَذَا كَمَنْ أَتْلَفَ عَبْدًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ شَرِيكَيْنِ لَهُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ ثُلُثَا الْقِيمَةِ لِشَرِيكَيْهِ ; فَإِتْلَافُ الْوَلَدِ الْحُرِّ عَلَيْهِمَا بِحُكْمِ الْقُرْعَةِ كَإِتْلَافِ الرَّقِيقِ الَّذِي بَيْنَهُمْ ، وَنَظِيرُ هَذَا تَضْمِينُ الصَّحَابَةِ الْمَغْرُورِ بِحُرِّيَّةِ الْأَمَةِ لَمَّا فَاتَ رِقُّهُمْ عَلَى السَّيِّدِ بِحُرِّيَّتِهِمْ ، وَكَانُوا بِصَدَدِ أَنْ يَكُونُوا أَرِقَّاءَ لَهُ ، وَهَذَا مِنْ أَلْطَفِ مَا يَكُونُ مِنْ الْقِيَاسِ وَأَدَقِّهِ ، وَلَا يَهْتَدِي إلَيْهِ إلَّا أَفْهَامُ الرَّاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ ; وَقَدْ ظَنَّ طَائِفَةٌ أَنَّ هَذَا أَيْضًا عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ ، وَلَيْسَ كَمَا ظَنُّوا ، بَلْ هُوَ مَحْضُ الْفِقْهِ ، فَإِنَّ الْوَلَدَ تَابِعٌ لِلْأُمِّ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ ، وَلِهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=24242وَلَدُ الْحُرِّ مِنْ أَمَةِ الْغَيْرِ رَقِيقٌ ،
nindex.php?page=treesubj&link=24242وَوَلَدُ الْعَبْدِ مِنْ الْحُرَّةِ حُرٌّ .
قَالَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ : إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=24242تَزَوَّجَ الْحُرُّ بِالْأَمَةِ رُقَّ نِصْفُهُ ، وَإِذَا
nindex.php?page=treesubj&link=24242تَزَوَّجَ الْعَبْدُ بِالْحُرَّةِ عَتَقَ نِصْفُهُ ; فَوَلَدُ الْأَمَةِ الْمُزَوَّجَةِ بِهَذَا الْمَغْرُورِ كَانُوا بِصَدَدِ أَنْ يَكُونُوا أَرِقَّاءَ لِسَيِّدِهَا ، وَلَكِنْ لَمَّا دَخَلَ الزَّوْجُ عَلَى حُرِّيَّةِ الْمَرْأَةِ دَخَلَ عَلَى أَنْ يَكُونَ أَوْلَادُهُ أَحْرَارًا ، وَالْوَلَدُ يَتْبَعُ اعْتِقَادَ الْوَاطِئِ ، فَانْعَقَدَ وَلَدُهُ أَحْرَارًا ، وَقَدْ فَوَّتَهُمْ عَلَى السَّيِّدِ ، وَلَيْسَ مُرَاعَاةُ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ مُرَاعَاةِ الْآخَرِ ، وَلَا تَفْوِيتُ حَقِّ أَحَدِهِمَا بِأَوْلَى مِنْ حَقِّ صَاحِبِهِ ; فَحَفِظَ الصَّحَابَةُ الْحَقَّيْنِ وَرَاعُوا الْجَانِبَيْنِ ، فَحَكَمُوا بِحُرِّيَّةِ الْأَوْلَادِ وَإِنْ كَانَتْ أُمُّهُمْ رَقِيقَةً ; لِأَنَّ الزَّوْجَ إنَّمَا دَخَلَ عَلَى حُرِّيَّةِ أَوْلَادِهِ ، وَلَوْ تَوَهَّمَ رِقَّهُمْ لَمْ يَدْخُلْ عَلَى ذَلِكَ ، وَلَمْ يُضَيِّعُوا حَقَّ السَّيِّدِ ، بَلْ حَكَمُوا عَلَى الْوَاطِئِ بِفِدَاءِ أَوْلَادِهِ ، وَأَعْطُوا الْعَدْلَ حَقَّهُ ; فَأَوْجَبُوا فِدَاءَهُمْ بِمِثْلِهِمْ تَقْرِيبًا لَا بِالْقِيمَةِ ، ثُمَّ وَفُّوا الْعَدْلَ بِأَنْ مَكَّنُوا الْمَغْرُورَ مِنْ الرُّجُوعِ بِمَا غَرِمَهُ عَلَى مَنْ غَرَّهُ ; لِأَنَّ غُرْمَهُ كَانَ بِسَبَبِ غُرُورِهِ ، وَالْقِيَاسُ وَالْعَدْلُ يَقْتَضِي أَنَّ مَنْ تَسَبَّبَ إلَى إتْلَافِ مَالِ شَخْصٍ أَوْ تَغْرِيمِهِ أَنَّهُ يَضْمَنُ
[ ص: 36 ] مَا غَرِمَهُ ، كَمَا يَضْمَنُ مَا أَتْلَفَهُ ; إذْ غَايَتُهُ أَنَّهُ إتْلَافٌ بِسَبَبٍ ، وَإِتْلَافُ الْمُتَسَبِّبِ كَإِتْلَافِ الْمُبَاشِرِ فِي أَصْلِ الضَّمَانِ .
فَإِنْ قِيلَ : وَبَعْدُ ذَلِكَ كُلِّهِ فَهَذَا خِلَافُ الْقِيَاسِ أَيْضًا ; فَإِنَّ الْوَلَدَ كَمَا هُوَ بَعْضُ الْأُمِّ وَجُزْءٌ مِنْهَا فَهُوَ بَعْضُ الْأَبِ ، وَبَعْضِيَّتُهُ لِلْأَبِ أَعْظَمُ مِنْ بَعْضِيَّتِهِ لِلْأُمِّ ، وَلِهَذَا إنَّمَا يَذْكُرُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ فِي كِتَابِهِ تَخْلِيقَهُ مِنْ مَاءِ الرَّجُلِ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=86&ayano=5فَلْيَنْظُرْ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=37أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى } وَنَظَائِرُهَا مِنْ الْآيَاتِ الَّتِي إنْ لَمْ تَخْتَصَّ بِمَاءِ الرَّجُلِ فَهِيَ فِيهِ أَظْهَرُ ، وَإِذَا كَانَ جُزْءًا مِنْ الْوَطْءِ وَجُزْءًا مِنْ الْأُمِّ فَكَيْفَ كَانَ مِلْكًا لِسَيِّدِ الْأُمِّ دُونَ سَيِّدِ الْأَبِ ؟ وَيُخَالِفُ الْقِيَاسَ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ ، وَهُوَ أَنَّ الْمَاءَ بِمَنْزِلَةِ الْبَذْرِ ، وَلَوْ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=10742رَجُلًا أَخَذَ بَذْرَ غَيْرِهِ فَزَرَعَهُ فِي أَرْضِهِ كَانَ الزَّرْعُ لِصَاحِبِ الْبَذْرِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْأَرْضِ .
قِيلَ : لَا رَيْبَ أَنَّ الْوَلَدَ مُنْعَقِدٌ مِنْ مَاءِ الْأَبِ كَمَا هُوَ مُنْعَقِدٌ مِنْ مَاءِ الْأُمِّ ، وَلَكِنْ إنَّمَا تَكُونُ وَصَارَ مَالًا مُتَقَوِّمًا فِي بَطْنِ الْأُمِّ ; فَالْأَجْزَاءُ الَّتِي صَارَ بِهَا كَذَلِكَ مِنْ الْأُمِّ أَضْعَافُ أَضْعَافُ الْجُزْءِ الَّذِي مِنْ الْأَبِ ، مَعَ مُسَاوَاتِهَا لَهُ فِي ذَلِكَ الْجُزْءِ ; فَهُوَ إنَّمَا تَكُونُ فِي أَحْشَائِهَا مِنْ لَحْمِهَا وَدَمِهَا ، وَلَمَّا وَضَعَهُ الْأَبُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ أَصْلًا ، بَلْ كَانَ كَمَا سَمَّاهُ اللَّهُ مَاءً مَهِينًا لَا قِيمَةَ لَهُ ، وَلِهَذَا لَوْ نَزَا فَحْلُ رَجُلٍ عَلَى رَمَكَةِ آخَرَ كَانَ الْوَلَدُ لِمَالِكِ الْأُمِّ بِاتِّفَاقِ الْمُسْلِمِينَ ، وَهَذَا بِخِلَافِ الْبَذْرِ فَإِنَّهُ مَالٌ مُتَقَوِّمٌ لَهُ قِيمَةٌ قَبْلَ وَضْعِهِ فِي الْأَرْضِ يُعَاوَضُ عَلَيْهِ بِالْأَثْمَانِ ، وَعَسْبُ الْفَحْلِ لَا يُعَاوَضُ عَلَيْهِ ، فَقِيَاسُ أَحَدِهِمَا عَلَى الْآخَرِ مِنْ أَبْطَلْ الْقِيَاسِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا طَرَدْتُمْ ذَلِكَ فِي النَّسَبِ ، وَجَعَلْتُمُوهُ لِلْأُمِّ كَمَا جَعَلْتُمُوهُ لِلْأَبِ .
قِيلَ : قَدْ اتَّفَقَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ النَّسَبَ لِلْأَبِ ، كَمَا اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَتْبَعُ الْأُمَّ فِي الْحُرِّيَّةِ وَالرِّقِّ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي تَقْتَضِيهِ حِكْمَةُ اللَّهِ شَرْعًا وَقَدَرًا ; فَإِنَّ الْأَبَ هُوَ الْمَوْلُودُ لَهُ ، وَالْأُمُّ وِعَاءٌ وَإِنْ تَكَوَّنَ فِيهَا ، وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ الْوَلَدَ خَلِيفَةَ أَبِيهِ وَشَجْنَتِهِ وَالْقَائِمَ مَقَامَهُ ، وَوَضَعَ الْأَنْسَابَ بَيْنَ عِبَادِهِ ; فَيُقَالُ : فُلَانٌ بْنُ فُلَانٍ ، وَلَا تَتِمُّ مَصَالِحُهُمْ وَتَعَارُفُهُمْ وَمُعَامَلَاتُهُمْ إلَّا بِذَلِكَ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=13يَا أَيُّهَا النَّاسُ إنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا } فَلَوْلَا ثُبُوتُ الْأَنْسَابِ مِنْ قِبَلِ الْآبَاءِ لَمَا حَصَلَ التَّعَارُفُ ، وَلَفَسَدَ نِظَامُ الْعِبَادِ ; فَإِنَّ النِّسَاءَ مُحْتَجِبَاتٍ مَسْتُورَاتٍ عَنْ الْعُيُونِ ; فَلَا يُمْكِنُ فِي الْغَالِبِ أَنْ
[ ص: 37 ] تُعْرَفَ عَيْنُ الْأُمِّ فَيَشْهَدُ عَلَى نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْهَا ، فَلَوْ جُعِلَتْ الْأَنْسَابُ لِلْأُمَّهَاتِ لَضَاعَتْ وَفَسَدَتْ ، وَكَانَ ذَلِكَ مُنَاقِضًا لِلْحِكْمَةِ وَالرَّحْمَةِ وَالْمَصْلَحَةِ ، وَلِهَذَا إنَّمَا يُدْعَى النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِآبَائِهِمْ لَا بِأُمَّهَاتِهِمْ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ : بَابُ يُدْعَى النَّاسُ بِآبَائِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=32930لِكُلِّ غَادِرٍ لِوَاءٌ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ اسْتِهِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ ، يُقَالُ : هَذِهِ غَدْرَةُ فُلَانٍ بْنِ فُلَانٍ } .
فَكَانَ مِنْ تَمَامِ الْحِكْمَةِ أَنْ جَعَلَ الْحُرِّيَّةَ وَالرِّقَّ تَبَعًا لِلْأُمِّ ، وَالنَّسَبَ تَبَعًا لِلْأَبِ ، وَالْقِيَاسُ الْفَاسِدُ إنَّمَا يَجْمَعُ بَيْنَ مَا فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ أَوْ يُفَرِّقَ بَيْنَ مَا جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ .
فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا طَرَدْتُمْ ذَلِكَ فِي الْوَلَاءِ ، بَلْ جَعَلْتُمُوهُ لِمَوَالِي الْأُمِّ ، وَالْوَلَاءُ لَحْمَةٌ كَلَحْمَةِ النَّسَبِ .
قِيلَ : لَمَّا كَانَ الْوَلَاءُ مِنْ آثَارِ الرِّقِّ وَمُوجَبَاتُهُ كَانَ تَابِعًا لَهُ فِي حُكْمِهِ ، فَكَانَ لِمَوَالِي الْأُمِّ ، وَلَمَّا كَانَ فِيهِ شَائِبَةُ النَّسَبِ وَهُوَ لَحْمَةٌ كَلَحْمَتِهِ رَجَعَ إلَى مَوَالِي الْأَبِ عِنْدَ انْقِطَاعِهِ عَنْ مَوَالِي الْأُمِّ ، فَرُوعِيَ فِيهِ الْأَمْرَانِ ، وَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَثَرَانِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَهَلَّا جَعَلْتُمْ الْوَلَدَ فِي الدَّيْنِ تَابِعًا لِمَنْ لَهُ النَّسَبُ ، بَلْ أَلْحَقْتُمُوهُ بِأَبِيهِ تَارَةً وَبِأُمِّهِ تَارَةً .
قِيلَ : الطِّفْلُ لَا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ ، بَلْ لَا يَكُونُ إلَّا تَابِعًا لِغَيْرِهِ ; فَجَعَلَهُ الشَّارِعُ تَابِعًا لِخَيْرِ أَبَوَيْهِ فِي الدِّينِ تَغْلِيبًا لِخَيْرِ الدِّينَيْنِ ، فَإِنَّهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِنْ التَّبَعِيَّةِ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَتْبَعَ مَنْ هُوَ عَلَى دِينِ الشَّيْطَانِ ، وَتَنْقَطِعُ تَبَعِيَّتُهُ عَمَّنْ هُوَ عَلَى دِينِ الرَّحْمَنِ ; فَهَذَا مُحَالٌ فِي حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَشَرْعِهِ .
فَإِنْ قِيلَ : فَاجْعَلُوهُ تَابِعًا لِسَابِيهِ فِي الْإِسْلَامِ وَإِنْ كَانَ مَعَهُ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا ، فَإِنَّ تَبَعِيَّتَهُ لِأَبَوَيْهِ قَدْ انْقَطَعَتْ وَصَارَ السَّابِي هُوَ أَحَقَّ بِهِ .
قِيلَ : نَعَمْ ، وَهَكَذَا نَقُولُ سَوَاءٌ ، وَهُوَ قَوْلُ إمَامِ أَهْلِ
الشَّامِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَمْرٍو الْأَوْزَاعِيِّ ، وَنَصَّ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ ، وَاخْتَارَهُ شَيْخُ الْإِسْلَام
ابْنُ تَيْمِيَّةَ ، وَقَدْ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ تَبَعًا لِسَابِيهِ إذَا سُبِيَ وَحْدَهُ ، قَالُوا : لِأَنَّ تَبَعِيَّتَهُ قَدْ انْقَطَعَتْ عَنْ أَبَوَيْهِ وَصَارَ تَابِعًا لِسَابِيهِ ، وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا سُبِيَ مَعَ أَحَدِهِمَا عَلَى ثَلَاثَةِ مَذَاهِبَ : أَحَدُهَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ، نَصَّ عَلَيْهِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ ، وَهِيَ الْمَشْهُورَةُ مِنْ مَذْهَبِهِ ، وَهُوَ قَوْلُ
الْأَوْزَاعِيِّ .
وَالثَّانِي لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ ; لِأَنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ عَنْ أَبَوَيْهِ .
وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إنْ سُبِيَ مَعَ الْأَبِ
[ ص: 38 ] تَبِعَهُ فِي دِينِهِ ، وَإِنْ سُبِيَ مَعَ الْأُمِّ وَحْدَهَا فَهُوَ مُسْلِمٌ ، وَهُوَ قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ ، وَقَوْلُ
الْأَوْزَاعِيِّ وَفُقَهَاءُ أَهْلِ الثَّغْرِ أَصَحُّ وَأَسْلَمُ مِنْ التَّنَاقُضِ ; فَإِنَّ السَّابِيَ قَدْ صَارَ أَحَقَّ بِهِ ، وَقَدْ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ ، وَلَمْ يَبْقَ لَهُمَا عَلَيْهِ حُكْمٌ ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ كَوْنِهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ وَبَيْنَ كَوْنِهِمَا أَسِيرَيْنِ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ ، بَلْ انْقِطَاعُ تَبَعِيَّتِهِ لَهُمَا فِي حَالِ أَسْرِهِمَا وَقَهْرِهِمَا وَإِذْلَالِهِمَا وَاسْتِحْقَاقِ قَتْلِهِمَا أَوْلَى مِنْ انْقِطَاعِهَا حَالَ قُوَّةِ شَوْكَتِهِمَا وَخَوْفِ مَعَرَّتِهِمَا ، فَمَا الَّذِي يُسَوِّغُ لَهُ الْكُفْرَ بِاَللَّهِ وَالشِّرْكَ بِهِ وَأَبَوَاهُ أَسِيرَانِ فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ وَمَنْعَهُ مِنْ ذَلِكَ وَأَبَوَاهُ فِي دَارِ الْحَرْبِ ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا تَنَاقُضٌ مَحْضٌ ؟
وَأَيْضًا فَيُقَالُ لَهُمْ :
nindex.php?page=treesubj&link=8125إذَا سُبِيَ الْأَبَوَانِ ثُمَّ قُتِلَا فَهَلْ يَسْتَمِرُّ الطِّفْلُ عَلَى كُفْرِهِ عِنْدَكُمْ أَوْ تَحْكُمُونَ بِإِسْلَامِهِ ؟ فَمِنْ قَوْلِكُمْ إنَّهُ يَسْتَمِرُّ عَلَى كُفْرِهِ كَمَا لَوْ مَاتَا فَيُقَالُ : وَأَيُّ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ أَوْ قِيَاسٍ صَحِيحٍ أَوْ مَعْنًى مُعْتَبَرٍ أَوْ فَرْقٍ مُؤَثِّرٍ بَيْنَ أَنْ يُقْتَلَا فِي حَالِ الْحَرْبِ أَوْ بَعْدَ الْأَسْرِ وَالسَّبْيِ ؟ وَهَلْ يَكُونُ الْمَعْنَى الَّذِي حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ لِأَجْلِهِ إذَا سُبِيَ وَحْدَهُ زَائِلًا بِسَبَائِهِمَا ثُمَّ قَتْلُهُمَا بَعْدَ ذَلِكَ ؟ وَهَلْ هَذَا إلَّا تَفْرِيقٌ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ ؟ وَأَيْضًا فَهَلْ تَعْتَبِرُونَ وُجُودَ الطِّفْلِ وَالْأَبَوَيْنِ فِي مِلْكِ سَابٍ وَاحِدٍ أَوْ يَكُونُ مَعَهُمَا فِي جُمْلَةِ الْعَسْكَرِ ؟
فَإِنْ اعْتَبَرْتُمْ الْأَوَّلَ طُولِبْتُمْ بِالدَّلِيلِ عَلَى ذَلِكَ ، وَإِنْ اعْتَبَرْتُمْ الثَّانِيَ فَمِنْ الْمَعْلُومِ انْقِطَاعُ تَبَعِيَّتِهِ لَهُمَا وَاسْتِيلَائِهِمَا عَلَيْهِ ، وَاخْتِصَاصِهِ بِسَابِيهِ ، وَوُجُودِهِمَا بِحَيْثُ لَا يُمَكَّنَانِ مِنْهُ وَمِنْ تَرْبِيَتِهِ وَحَضَانَتِهِ ، وَاخْتِصَاصِهِمَا بِهِ لَا أَثَرَ لَهُ ، وَهُوَ كَوُجُودِهِمَا فِي دَارِ الْحَرْبِ سَوَاءٌ ، وَأَيْضًا فَإِنَّ الطِّفْلَ لَمَّا لَمْ يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ لَمْ يَكُنْ بُدٌّ مِنْ جَعْلِهِ تَابِعًا لِغَيْرِهِ ، وَقَدْ دَارَ الْأَمْرُ بَيْنَ أَنْ يُجْعَلَ تَابِعًا لِمَالِكِهِ وَسَابِيهِ وَمَنْ هُوَ أَحَقُّ النَّاسِ بِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُجْعَلَ تَابِعًا لِأَبَوَيْهِ وَلَا حَقَّ لَهُمَا فِيهِ بِوَجْهٍ ، وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْأَوَّلَ أَوْلَى وَأَيْضًا فَإِنَّ وِلَايَةَ الْأَبَوَيْنِ قَدْ زَالَتْ بِالْكُلِّيَّةِ ، وَقَدْ انْقَطَعَ الْمِيرَاثُ وَوِلَايَةُ النِّكَاحِ وَسَائِرِ الْوِلَايَاتِ ، فَمَا بَالُ وِلَايَةِ الدَّيْنِ الْبَاطِلِ بَاقِيَةٌ وَحْدَهَا ؟
وَقَدْ نَصَّ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ عَلَى مَنْعِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يَشْتَرُوا رَقِيقًا مِنْ سَبْيِ الْمُسْلِمِينَ ، وَكَتَبَ بِذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إلَى الْأَمْصَارِ ، وَاشْتُهِرَ وَلَمْ يُنْكِرْهُ مُنْكِرٌ فَهُوَ إجْمَاعٌ مِنْ الصَّحَابَةِ ، وَإِنْ نَازَعَ فِيهِ بَعْضُ الْأَئِمَّةِ ، وَمَا ذَاكَ إلَّا أَنَّ فِي تَمْلِيكِهِ لِلْكَافِرِ وَنَقْلِهِ عَنْ يَدِ الْمُسْلِمِ قَطْعًا لِمَا كَانَ بِصَدَدِهِ مِنْ مُشَاهَدَةِ مَعَالِمِ الْإِسْلَامِ وَسَمَاعِهِ الْقُرْآنَ ، فَرُبَّمَا دَعَاهُ ذَلِكَ إلَى اخْتِيَارِهِ ، فَلَوْ كَانَ تَابِعًا لِأَبَوَيْهِ عَلَى دِينِهِمَا لَمْ يُمْنَعَا مِنْ شَرَاهُ ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .
فَإِنْ قِيلَ : فَيَلْزَمُكُمْ عَلَى هَذَا أَنَّهُ لَوْ مَاتَ الْأَبَوَانِ أَنْ تَحْكُمُوا بِإِسْلَامِ الطِّفْلِ لِانْقِطَاعِ تَبَعِيَّتِهِ لِلْأَبَوَيْنِ وَلَا سِيَّمَا وَهُوَ مُسْلِمٌ بِأَصْلِ الْفِطْرَةِ ، وَقَدْ زَالَ مُعَارِضُ الْإِسْلَامِ ، وَهُوَ تَهْوِيدُ الْأَبَوَيْنِ وَتَنْصِيرِهِمَا .
قِيلَ : قَدْ نَصَّ عَلَى ذَلِكَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ جَمَاعَةٍ مِنْ أَصْحَابِهِ ، وَاحْتَجَّ
[ ص: 39 ] بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=34765مَا مِنْ مَوْلُودٍ إلَّا وَيُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ ، فَأَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ } فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَبَوَانِ فَهُوَ عَلَى أَصْلِ الْفِطْرَةِ فَيَكُونُ مُسْلِمًا .
فَإِنْ قِيلَ : فَهَلْ تَطْرُدُونَ هَذَا فِيمَا لَوْ انْقَطَعَ نَسَبُهُ عَنْ الْأَبِ مِثْلَ كَوْنِهِ وَلَدَ زِنًا أَوْ مَنْفِيًّا بِلِعَانٍ ؟ قِيلَ : نَعَمْ ; لِوُجُودِ الْمُقْتَضِي لِإِسْلَامِهِ بِالْفِطْرَةِ ، وَعَدَمِ الْمَانِعِ وَهُوَ وُجُودُ الْأَبَوَيْنِ ، وَلَكِنَّ الرَّاجِحَ فِي الدَّلِيلِ قَوْلُ الْجُمْهُورِ ، وَأَنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِذَلِكَ ، وَهُوَ الرِّوَايَةُ الثَّانِيَةُ عَنْهُ اخْتَارَهَا
شَيْخُ الْإِسْلَامِ .
وَعَلَى هَذَا فَالْفَرْقُ بَيْنَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَمَسْأَلَةِ الْمَسْبِيِّ أَنَّ الْمَسْبِيَّ قَدْ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لِمَنْ هُوَ عَلَى دِينِهِ ، وَصَارَ تَابِعًا لِسَابِيهِ الْمُسْلِمِ ، بِخِلَافِ مَنْ مَاتَ أَبَوَاهُ أَوْ أَحَدُهُمَا فَإِنَّهُ تَابِعٌ لِأَقَارِبِهِ أَوْ وَصِيِّ أَبِيهِ ; فَإِنْ انْقَطَعَتْ تَبَعِيَّتُهُ لِأَبَوَيْهِ فَلَمْ تَنْقَطِعْ لِمَنْ يَقُومُ مَقَامَهَا مِنْ أَقَارِبِهِ أَوْ أَوْصِيَائِهِ ، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ عَنْ تَهْوِيدِ الْأَبَوَيْنِ وَتَنْصِيرِهِمَا ، بِنَاءً عَلَى الْغَالِبِ ، وَهَذَا لَا مَفْهُومَ لَهُ لِوَجْهَيْنِ : أَحَدُهُمَا أَنَّهُ مَفْهُومُ لَقَبٍ ، وَالثَّانِي : أَنَّهُ خَرَجَ مَخْرَجَ الْغَالِبِ .
وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الْعَمَلُ الْمُسْتَمِرُّ مِنْ عَهْدِ الصَّحَابَةِ وَإِلَى الْيَوْمِ بِمَوْتِ أَهْلِ الذِّمَّةِ وَتَرْكِهِمْ الْأَطْفَالَ ، وَلَمْ يَتَعَرَّضْ أَحَدٌ مِنْ الْأَئِمَّةِ وَلَا وُلَاةِ الْأُمُورِ لِأَطْفَالِهِمْ ، وَلَمْ يَقُولُوا هَؤُلَاءِ مُسْلِمُونَ ، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُهْمِلُهُ الصَّحَابَةُ وَالتَّابِعُونَ وَأَئِمَّةُ الْمُسْلِمِينَ .
فَإِنْ قِيلَ : فَهَلْ تَطْرُدُونَ هَذَا الْأَصْلَ فِي جَعْلِهِ تَبَعًا لِلْمَالِكِ ، فَتَقُولُونَ : إذَا اشْتَرَى الْمُسْلِمُ طِفْلًا كَافِرًا يَكُونُ مُسْلِمًا تَبَعًا لَهُ ، أَوْ تَتَنَاقَضُونَ فَتُفَرِّقُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السَّابِي ؟ وَصُورَةُ الْمَسْأَلَةِ فِيمَا إذَا
nindex.php?page=treesubj&link=8119زَوَّجَ الذِّمِّيُّ عَبْدَهُ الْكَافِرَ مِنْ أَمَتِهِ فَجَاءَتْ بِوَلَدٍ أَوْ تَزَوَّجَ الْحُرُّ مِنْهُمْ بِأَمَةٍ فَأَوْلَدَهَا ثُمَّ بَاعَ السَّيِّدُ هَذَا الْوَلَدَ لِمُسْلِمٍ .
قِيلَ : نَعَمْ نَطْرُدُهُ وَنَحْكُمُ بِإِسْلَامِهِ .
قَالَهُ
شَيْخُنَا قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ ، وَلَكِنَّ جَادَّةَ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ بَاقٍ عَلَى كُفْرِهِ كَمَا لَوْ سُبِيَ مَعَ أَبَوَيْهِ وَأَوْلَى .
وَالصَّحِيحُ قَوْلُ
شَيْخِنَا ; لِأَنَّ تَبَعِيَّتَهُ لِلْأَبَوَيْنِ قَدْ زَالَتْ ، وَانْقَطَعَتْ الْمُوَالَاةُ وَالْمِيرَاثُ وَالْحَضَانَةُ بَيْنَ الطِّفْلِ وَالْأَبَوَيْنِ ، وَصَارَ الْمَالِكُ أَحَقَّ بِهِ ، وَهُوَ تَابِعٌ لَهُ ; فَلَا يُفْرَدُ عَنْهُ بِحُكْمٍ ، فَكَيْفَ يُفْرَدُ عَنْهُ فِي دِينِهِ ؟ وَهَذَا طَرْدُ الْحُكْمِ بِإِسْلَامِهِ فِي مَسْأَلَةِ السَّبَاءِ ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ .