[ ص: 156 ] الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=18056حقوق بعض المكلفين على بعض ، وضابطها جلب كل مصلحة واجبة أو مندوبة ، ودرء كل مفسدة محرمة أو مكروهة . وهي منقسمة إلى فرض عين وفرض كفاية ، وسنة عين وسنة كفاية ، ومنها ما اختلف في وجوبه وندبه في كونه فرض كفاية أو فرض عين . والشريعة طافحة بذلك ويدل على ذلك جميعا قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } ، وهذا نهي عن التسبب إلى المفاسد ، وأمر بالتسبب إلى تحصيل المصالح وقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى } ، وهذا أمر بالمصالح وأسبابها ، ونهي عن الفحشاء والمنكر والبغي ، وهذا نهي عن المفاسد وأسبابها . والآيات الآمرة بالإصلاح والزاجرة عن الإفساد كثيرة ، وهي مشتملة على الأمر المتعلق بحقوق الله وحقوق عباده ، وعن النهي على الإفساد المتعلق بحقوق الله وحقوق عباده .
فمن الأدلة المشتملة على الأمر قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=115وما يفعلوا من خير فلن يكفروه } ، وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=90إنهم كانوا يسارعون في الخيرات } ، وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=94فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا كفران لسعيه } ، وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=170والذين يمسكون بالكتاب وأقاموا الصلاة إنا لا نضيع أجر المصلحين } وقوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28826كل معروف صدقة } ، وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14794الله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه } وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37625من يسر على معسر يسر الله عليه ، ومن ستر مسلما ستر الله عليه } ، وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23546إن الله كتب الإحسان على كل شيء } ، وقوله . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25192في كل كبدة رطبة أجر } ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39268وأمر برد الخيط من الغلول } .
وكذلك قوله عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16814تصدقوا ولو بشق تمرة ، فإن لم تجدوا فبكلمة طيبة } ، وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30083لا تحقرن من المعروف شيئا ولو أن تلقى أخاك وأنت منبسط وجهك إليه } .
وفي رواية : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=42700ولو أن تلقى أخاك بوجه [ ص: 157 ] طلق } ، وقوله : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30081لا تحقرن جارة لجارتها ولو فرسن شاة } ، وأتم منه قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره } ، وهذا حث على جلب المصالح ودرئها ، دقها وجلها ، قليلها وكثيرها . ومن الأدلة المشتملة على النهي عن الإفساد قوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56ولا تفسدوا في الأرض بعد إصلاحها } ، وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=205والله لا يحب الفساد } ، وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=88زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون } ، وقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=83تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون علوا في الأرض ولا فسادا } ، وقوله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=123من يعمل سوءا يجز به } وأعم منه قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=8ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره } . وهذا زجر عن المفاسد كلها ، قليلها وكثيرها ، لأن أسبابها من جملة الشرور . وقد نص عليه السلام على النهي عن غصب قضيب من أراك ، وقال ، {
إياكم ومحراب الذنوب } . والكتاب والسنة يشتملان على الأمر بالمصالح كلها دقها وجلها ، وعلى النهي عن المفاسد كلها ، دقها وجلها . فمنه يدل بالوعد والوعيد ، إذ لا يعد الثواب إلا على فعل مأمور ، ولا يوعد بالعقاب إلا على منهي عنه ، ولو لم يكن في مخالفة الرب إلا ذل المعصية في الدنيا ، وخجلة الوقوف بين يديه في العقبى ، مع العفو بعد ذلك زاجرا كافيا ، فكيف بمن يعاقب بعد ذلك بالعذاب وحرمان الثواب ؟
[ ص: 156 ] الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=18056حُقُوقُ بَعْضِ الْمُكَلَّفِينَ عَلَى بَعْضٍ ، وَضَابِطُهَا جَلْبُ كُلِّ مَصْلَحَةٍ وَاجِبَةٍ أَوْ مَنْدُوبَةٍ ، وَدَرْءُ كُلِّ مَفْسَدَةٍ مُحَرَّمَةٍ أَوْ مَكْرُوهَةٍ . وَهِيَ مُنْقَسِمَةٌ إلَى فَرْضِ عَيْنٍ وَفَرْضِ كِفَايَةٍ ، وَسُنَّةِ عَيْنٍ وَسُنَّةِ كِفَايَةٍ ، وَمِنْهَا مَا اُخْتُلِفَ فِي وُجُوبِهِ وَنَدْبِهِ فِي كَوْنِهِ فَرْضَ كِفَايَةٍ أَوْ فَرْضِ عَيْنٍ . وَالشَّرِيعَةُ طَافِحَةٌ بِذَلِكَ وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعًا قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=2وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } ، وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ التَّسَبُّبِ إلَى الْمَفَاسِدِ ، وَأَمْرٌ بِالتَّسَبُّبِ إلَى تَحْصِيلِ الْمَصَالِحِ وقَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=90إنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى } ، وَهَذَا أَمْرٌ بِالْمَصَالِحِ وَأَسْبَابِهَا ، وَنَهْيٌ عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ ، وَهَذَا نَهْيٌ عَنْ الْمَفَاسِدِ وَأَسْبَابِهَا . وَالْآيَاتُ الْآمِرَةُ بِالْإِصْلَاحِ وَالزَّاجِرَةِ عَنْ الْإِفْسَادِ كَثِيرَةٌ ، وَهِيَ مُشْتَمِلَةٌ عَلَى الْأَمْرِ الْمُتَعَلِّقِ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ ، وَعَنْ النَّهْيِ عَلَى الْإِفْسَادِ الْمُتَعَلِّقِ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحُقُوقِ عِبَادِهِ .
فَمِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى الْأَمْرِ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=115وَمَا يَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ } ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=90إنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ } ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=94فَمَنْ يَعْمَلْ مِنْ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ } ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=170وَاَلَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ إنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُصْلِحِينَ } وَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=28826كُلُّ مَعْرُوفٍ صَدَقَةٌ } ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=14794اللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا دَامَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=37625مَنْ يَسَّرَ عَلَى مُعْسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِ ، وَمَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَ اللَّهُ عَلَيْهِ } ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=23546إنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ } ، وَقَوْلُهُ . {
nindex.php?page=hadith&LINKID=25192فِي كُلِّ كَبِدَةٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ } ، {
nindex.php?page=hadith&LINKID=39268وَأَمَرَ بِرَدِّ الْخَيْطِ مِنْ الْغُلُولِ } .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=16814تَصَدَّقُوا وَلَوْ بِشِقِّ تَمْرَةٍ ، فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فَبِكَلِمَةٍ طَيِّبَةٍ } ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30083لَا تُحَقِّرَنَّ مِنْ الْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاك وَأَنْتَ مُنْبَسِطٌ وَجْهُك إلَيْهِ } .
وَفِي رِوَايَةٍ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=42700وَلَوْ أَنْ تَلْقَى أَخَاك بِوَجْهٍ [ ص: 157 ] طَلْقٍ } ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=30081لَا تَحْقِرَنَّ جَارَةٌ لِجَارَتِهَا وَلَوْ فِرْسِنَ شَاةٍ } ، وَأَتَمُّ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=7فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ } ، وَهَذَا حَثٌّ عَلَى جَلْبِ الْمَصَالِحِ وَدَرْئِهَا ، دَقِّهَا وَجَلِّهَا ، قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا . وَمِنْ الْأَدِلَّةِ الْمُشْتَمِلَةِ عَلَى النَّهْيِ عَنْ الْإِفْسَادِ قَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=56وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إصْلَاحِهَا } ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=205وَاَللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ } ، وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=88زِدْنَاهُمْ عَذَابًا فَوْقَ الْعَذَابِ بِمَا كَانُوا يُفْسِدُونَ } ، وقَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=83تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا } ، وقَوْله تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=123مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ } وَأَعَمُّ مِنْهُ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=8وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ } . وَهَذَا زَجْرٌ عَنْ الْمَفَاسِدِ كُلِّهَا ، قَلِيلِهَا وَكَثِيرِهَا ، لِأَنَّ أَسْبَابَهَا مِنْ جُمْلَةِ الشُّرُورِ . وَقَدْ نَصَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ غَصْبِ قَضِيبٍ مِنْ أَرَاك ، وَقَالَ ، {
إيَّاكُمْ وَمِحْرَابَ الذُّنُوبِ } . وَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَشْتَمِلَانِ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَصَالِحِ كُلِّهَا دَقِّهَا وَجُلِّهَا ، وَعَلَى النَّهْيِ عَنْ الْمَفَاسِدِ كُلِّهَا ، دَقِّهَا وَجَلِّهَا . فَمِنْهُ يَدُلُّ بِالْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ ، إذْ لَا يَعِدُ الثَّوَابَ إلَّا عَلَى فِعْلِ مَأْمُورٍ ، وَلَا يُوعِدُ بِالْعِقَابِ إلَّا عَلَى مَنْهِيٍّ عَنْهُ ، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ فِي مُخَالَفَةِ الرَّبِّ إلَّا ذُلُّ الْمَعْصِيَةِ فِي الدُّنْيَا ، وَخَجِلَةُ الْوُقُوفِ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الْعُقْبَى ، مَعَ الْعَفْوِ بَعْدَ ذَلِكَ زَاجِرًا كَافِيًا ، فَكَيْفَ بِمَنْ يُعَاقَبُ بَعْدَ ذَلِكَ بِالْعَذَابِ وَحِرْمَانِ الثَّوَابِ ؟