وأما أهل المعرفة العالمون بالمعقول والمنقول، فلا يقولون في سلفهم ما هو من لوازم قولهم، كما أنهم لا يقولون في الأنبياء ذلك، بل
nindex.php?page=treesubj&link=29613_29615_28446يعلمون قطعا أن كلام الأنبياء هو الحق وكل ما ناقضه من قول متفلسف أو متكلم أو غيرهما فباطل، وأنه لا يجوز أن يكون في العقل ما يناقض قول الأنبياء، ولا يجوز تعارض الأدلة العلمية السمعية والعقلية أبدا، ويعلمون أن جنس
[ ص: 211 ] المتكلمين أقرب إلى المعقول والمنقول من جنس كلام الفلاسفة، وإن كان الفلاسفة قد يصيبون أحيانا. كما أن جنس المسلمين خير من جنس أهل الكتابين، وإن كان قد يوجد في أهل الكتاب من له عقل وصدق وأمانة لا توجد في كثير من المنتسبين إلى الإسلام.
كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار يؤده إليك ومنهم من إن تأمنه بدينار لا يؤده إليك إلا ما دمت عليه قائما [سورة آل عمران: 75].
وهم يعلمون مع هذا أن كل من كان مؤمنا بنبوة
محمد صلى الله عليه وسلم باطنا وظاهرا، على الوجه الذي يرضاه الله، فهو خير من كل كتابي. لكن من المظهرين للإسلام، من المنافقين، من يكون في الآخرة أشد عذابا من بعض اليهود والنصارى، فإن المنافقين في الدرك الأسفل من النار، والإسلام الظاهر يتناول المؤمن والمنافق، والسعداء في الآخرة هم المؤمنون دون المنافقين، والمنافقون، وإن أجريت عليهم في الدنيا أحكام الإسلام، فما لهم في الآخرة من خلاق.
وَأَمَّا أَهْلُ الْمَعْرِفَةِ الْعَالِمُونَ بِالْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ، فَلَا يَقُولُونَ فِي سَلَفِهِمْ مَا هُوَ مِنْ لَوَازِمِ قَوْلِهِمْ، كَمَا أَنَّهُمْ لَا يَقُولُونَ فِي الْأَنْبِيَاءِ ذَلِكَ، بَلْ
nindex.php?page=treesubj&link=29613_29615_28446يَعْلَمُونَ قَطْعًا أَنَّ كَلَامَ الْأَنْبِيَاءِ هُوَ الْحَقُّ وَكُلَّ مَا نَاقَضَهُ مِنْ قَوْلٍ مُتَفَلْسِفٍ أَوْ مُتَكَلِّمٍ أَوْ غَيْرِهِمَا فَبَاطِلٌ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي الْعَقْلِ مَا يُنَاقِضُ قَوْلَ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَا يَجُوزُ تَعَارُضُ الْأَدِلَّةِ الْعِلْمِيَّةِ السَّمْعِيَّةِ وَالْعَقْلِيَّةِ أَبَدًا، وَيَعْلَمُونَ أَنَّ جِنْسَ
[ ص: 211 ] الْمُتَكَلِّمِينَ أَقْرَبُ إِلَى الْمَعْقُولِ وَالْمَنْقُولِ مِنْ جِنْسِ كَلَامِ الْفَلَاسِفَةِ، وَإِنْ كَانَ الْفَلَاسِفَةُ قَدْ يُصِيبُونَ أَحْيَانًا. كَمًّا أَنَّ جِنْسَ الْمُسْلِمِينَ خَيْرٌ مِنْ جِنْسِ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يُوجَدُ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ لَهُ عَقْلٌ وَصِدْقٌ وَأَمَانَةٌ لَا تُوجَدُ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ.
كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=75وَمِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِقِنْطَارٍ يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ إِنْ تَأْمَنْهُ بِدِينَارٍ لا يُؤَدِّهِ إِلَيْكَ إِلا مَا دُمْتَ عَلَيْهِ قَائِمًا [سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ: 75].
وَهُمْ يَعْلَمُونَ مَعَ هَذَا أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ مُؤْمِنًا بِنُبُوَّةِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَاطِنًا وَظَاهِرًا، عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَرْضَاهُ اللَّهُ، فَهُوَ خَيْرٌ مِنْ كُلِّ كِتَابِيٍّ. لَكِنْ مِنَ الْمُظْهِرِينَ لِلْإِسْلَامِ، مِنَ الْمُنَافِقِينَ، مَنْ يَكُونُ فِي الْآخِرَةِ أَشَدَّ عَذَابًا مِنْ بَعْضِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، فَإِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ، وَالْإِسْلَامُ الظَّاهِرُ يَتَنَاوَلُ الْمُؤْمِنَ وَالْمُنَافِقَ، وَالسُّعَدَاءُ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ دُونَ الْمُنَافِقِينَ، وَالْمُنَافِقُونَ، وَإِنْ أُجْرِيَتْ عَلَيْهِمْ فِي الدُّنْيَا أَحْكَامُ الْإِسْلَامِ، فَمَا لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ.