والناس متفقون على تجدد نسب وإضافات لا تقوم بذات الرب،
[ ص: 395 ] وتنازعوا فيما يقوم بذات الرب، وهذا كما تنازعوا في الاستواء ونحوه: هل هو مفعول للرب يحدثه في المخلوقات من غير قيام أمر به؟ أم يقوم به أمر؟ على القولين
فالكلابية والمعتزلة ينفون أن يقوم بالرب شيء من ذلك. وأكثر أهل الحديث، وكثير من أهل الكلام يجوزون ذلك. وأما النسب والإضافات فتتجدد باتفاقهم.
nindex.php?page=showalam&ids=13372وابن عقيل يسمي هذه النسب والإضافات الأحوال، ولعله سماها بذلك، كما يسمي غيره كونه عالما وقادرا حالا معللة بالعلم والقدرة، كما هي طريقة
nindex.php?page=showalam&ids=12815القاضي أبي بكر، ومن وافقه
nindex.php?page=showalam&ids=14953كالقاضي أبي يعلى nindex.php?page=showalam&ids=13372وابن عقيل وغيرهما.
وهؤلاء يقولون -تبعا
لأبي هاشم- إن الحال لا موجودة ولا معدومة، وكذلك هذه النسب والإضافات على قولهم. أو أن يكون
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابن عقيل شبه ذلك بالأحوال التي يثبتها
أبو هاشم، ويجعلها لا موجودة ولا معدومة، كذلك هذه النسب والإضافات.
ولأهل الحديث والتفسير والكلام وغيرهم من الكلام في هذه المسألة ما هو معروف. ولهذا صار طائفة من أهل الكلام،
كهشام بن الحكم، nindex.php?page=showalam&ids=15658والجهم، وأبي الحسين البصري، والرازي، وغيرهم -إلى إثبات أمور متجددة.
والكلام على هذا متعلق بما ذكره الله في القرآن في غير موضع.
كقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وما جعلنا القبلة التي كنت عليها إلا لنعلم من يتبع الرسول ممن ينقلب على عقبيه [سورة البقرة: 143].
[ ص: 396 ]
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=142أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين [سورة آل عمران: 142].
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء [سورة آل عمران: 140].
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165أولما أصابتكم مصيبة قد أصبتم مثليها قلتم أنى هذا قل هو من عند أنفسكم [سورة آل عمران: 165] إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=166فبإذن الله وليعلم المؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167وليعلم الذين نافقوا [سورة آل عمران: 165-166] الآية.
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12ثم بعثناهم لنعلم أي الحزبين أحصى لما لبثوا أمدا [سورة الكهف: 12].
وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=3ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين إلى قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=11وليعلمن الله الذين آمنوا وليعلمن المنافقين [سورة العنكبوت: 3-11].
وغير ذلك في كتاب الله. هذا مع
nindex.php?page=treesubj&link=34091اتفاق سلف الأمة وأئمتها، على أن الله عالم بما سيكون قبل أن يكون.
وقد
nindex.php?page=treesubj&link=29644_28712_28713_34091نص الأئمة على أن من أنكر العلم القديم فهو كافر.
ومن هؤلاء غلاة
القدرية، الذين ينكرون علمه بأفعال العباد قبل أن يعملوها، والقائلون بالبداء من الرافضة ونحوهم.
[ ص: 397 ]
وإنما المسألة الدقيقة أنه عند وجود المسموع والمرئي والمعلوم، إذا سمعه ورآه علمه موجودا فهل هذا عين ما كان موجودا قبل وجود ذلك؟ أو هناك معنى زائد؟
وأما قول من قال من الفلاسفة: إنه لا يعلم إلا الكليات، فهذا من أخبث الأقوال وشرها، ولهذا لم يقل به أحد من طوائف الملة.
وهؤلاء شر من المنكرين لعلم القديم، من
القدرية وغيرهم.
وأما ما ذكره من أن الفلاسفة لا يقولون: إنه لا يعلم الجزئيات، بل يرون أنه لا يعلمها بالعلم المحدث، وإنكاره أن يكون المشاؤون من الفلاسفة ينكرون علمه بجزيئات العالم، فهذا يدل على فرط تعصبه لهؤلاء الفلاسفة بالباطل، وعدم معرفته بحقيقة مذهبهم، فإنه دائما يتعصب
لأرسطو، صاحب التعاليم المنطقية والإلهية.
وَالنَّاسُ مُتَّفِقُونَ عَلَى تَجَدُّدِ نِسَبٍ وَإِضَافَاتٍ لَا تَقُومُ بِذَاتِ الرَّبِّ،
[ ص: 395 ] وَتَنَازَعُوا فِيمَا يَقُومُ بِذَاتِ الرَّبِّ، وَهَذَا كَمَا تَنَازَعُوا فِي الِاسْتِوَاءِ وَنَحْوِهِ: هَلْ هُوَ مَفْعُولٌ لِلرَّبِّ يُحْدِثُهُ فِي الْمَخْلُوقَاتِ مِنْ غَيْرِ قِيَامِ أَمْرٍ بِهِ؟ أَمْ يَقُومُ بِهِ أَمْرٌ؟ عَلَى الْقَوْلَيْنِ
فَالْكُلَّابِيَّةُ وَالْمُعْتَزِلَةُ يَنْفُونَ أَنْ يَقُومَ بِالرَّبِّ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ. وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْحَدِيثِ، وَكَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ يُجَوِّزُونَ ذَلِكَ. وَأَمَّا النِّسَبُ وَالْإِضَافَاتُ فَتَتَجَدَّدُ بِاتِّفَاقِهِمْ.
nindex.php?page=showalam&ids=13372وَابْنُ عَقِيلٍ يُسَمِّي هَذِهِ النِّسَبَ وَالْإِضَافَاتِ الْأَحْوَالَ، وَلَعَلَّهُ سَمَّاهَا بِذَلِكَ، كَمَا يُسَمِّي غَيْرُهُ كَوْنَهُ عَالِمًا وَقَادِرًا حَالًا مُعَلَّلَةً بِالْعِلْمِ وَالْقُدْرَةِ، كَمَا هِيَ طَرِيقَةُ
nindex.php?page=showalam&ids=12815الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ، وَمَنْ وَافَقَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14953كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى nindex.php?page=showalam&ids=13372وَابْنِ عَقِيلٍ وَغَيْرِهِمَا.
وَهَؤُلَاءِ يَقُولُونَ -تَبَعًا
لِأَبِي هَاشِمٍ- إِنَّ الْحَالَ لَا مَوْجُودَةٌ وَلَا مَعْدُومَةٌ، وَكَذَلِكَ هَذِهِ النِّسَبُ وَالْإِضَافَاتُ عَلَى قَوْلِهِمْ. أَوْ أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=showalam&ids=13372ابْنُ عَقِيلٍ شَبَّهَ ذَلِكَ بِالْأَحْوَالِ الَّتِي يُثْبِتُهَا
أَبُو هَاشِمٍ، وَيَجْعَلُهَا لَا مَوْجُودَةً وَلَا مَعْدُومَةً، كَذَلِكَ هَذِهِ النِّسَبُ وَالْإِضَافَاتُ.
وَلِأَهْلِ الْحَدِيثِ وَالتَّفْسِيرِ وَالْكَلَامِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْكَلَامِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مَا هُوَ مَعْرُوفٌ. وَلِهَذَا صَارَ طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكَلَامِ،
كَهِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ، nindex.php?page=showalam&ids=15658وَالْجَهْمِ، وَأَبِي الْحُسَيْنِ الْبَصْرِيِّ، وَالرَّازِيِّ، وَغَيْرِهِمْ -إِلَى إِثْبَاتِ أُمُورٍ مُتَجَدِّدَةٍ.
وَالْكَلَامُ عَلَى هَذَا مُتَعَلِّقٌ بِمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
كَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَمَا جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْهَا إِلا لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ [سُورَةَ الْبَقَرَةِ: 143].
[ ص: 396 ]
وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=142أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ [سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ: 142].
وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=140وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَيَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَدَاءَ [سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ: 140].
وَقَوْلُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=165أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ [سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ: 165] إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=166فَبِإِذْنِ اللَّهِ وَلِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=167وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ نَافَقُوا [سُورَةَ آلِ عِمْرَانَ: 165-166] الْآيَةَ.
وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=12ثُمَّ بَعَثْنَاهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصَى لِمَا لَبِثُوا أَمَدًا [سُورَةَ الْكَهْفِ: 12].
وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=3وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ إِلَى قَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=11وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ [سُورَةَ الْعَنْكَبُوتِ: 3-11].
وَغَيْرِ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ. هَذَا مَعَ
nindex.php?page=treesubj&link=34091اتِّفَاقِ سَلَفِ الْأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا، عَلَى أَنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِمَا سَيَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ.
وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=29644_28712_28713_34091نَصَّ الْأَئِمَّةُ عَلَى أَنَّ مَنْ أَنْكَرَ الْعِلْمَ الْقَدِيمَ فَهُوَ كَافِرٌ.
وَمِنْ هَؤُلَاءِ غُلَاةُ
الْقَدَرِيَّةِ، الَّذِينَ يُنْكِرُونَ عِلْمَهُ بِأَفْعَالِ الْعِبَادِ قَبْلَ أَنْ يَعْمَلُوهَا، وَالْقَائِلُونَ بِالْبَدَاءِ مِنَ الرَّافِضَةِ وَنَحْوِهِمْ.
[ ص: 397 ]
وَإِنَّمَا الْمَسْأَلَةُ الدَّقِيقَةُ أَنَّهُ عِنْدَ وُجُودِ الْمَسْمُوعِ وَالْمَرْئِيِّ وَالْمَعْلُومِ، إِذَا سَمِعَهُ وَرَآهُ عَلِمُهُ مَوْجُودًا فَهَلْ هَذَا عَيْنُ مَا كَانَ مَوْجُودًا قَبْلَ وُجُودِ ذَلِكَ؟ أَوْ هُنَاكَ مَعْنًى زَائِدٌ؟
وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ: إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ إِلَّا الْكُلِّيَّاتِ، فَهَذَا مِنْ أَخْبَثِ الْأَقْوَالِ وَشَرِّهًا، وَلِهَذَا لَمْ يَقُلْ بِهِ أَحَدٌ مِنْ طَوَائِفِ الْمِلَّةِ.
وَهَؤُلَاءِ شَرٌّ مِنَ الْمُنْكِرِينَ لِعِلْمِ الْقَدِيمِ، مِنَ
الْقَدَرِيَّةِ وَغَيْرِهِمْ.
وَأَمَّا مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَنَّ الْفَلَاسِفَةَ لَا يَقُولُونَ: إِنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْجُزْئِيَّاتِ، بَلْ يَرَوْنَ أَنَّهُ لَا يَعْلَمُهَا بِالْعِلْمِ الْمُحْدَثِ، وَإِنْكَارُهُ أَنْ يَكُونَ الْمَشَّاؤُونَ مِنَ الْفَلَاسِفَةِ يُنْكِرُونَ عِلْمَهُ بِجُزَيْئَاتِ الْعَالَمِ، فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى فَرْطِ تَعَصُّبِهِ لِهَؤُلَاءِ الْفَلَاسِفَةِ بِالْبَاطِلِ، وَعَدَمِ مَعْرِفَتِهِ بِحَقِيقَةِ مَذْهَبِهِمْ، فَإِنَّهُ دَائِمًا يَتَعَصَّبُ
لِأَرِسْطُو، صَاحِبِ التَّعَالِيمِ الْمَنْطِقِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ.