وكذلك قوله: "ثم هب أن هذه كلها موجودة على الاستعارة، فأين التوحيد والدلالة بالتصريح على التوحيد المحض الذي تدعو إليه حقيقة هذا الدين القيم المعترف بجلالته على لسان الحكماء قاطبة؟ كلام صحيح، لو كان ما قاله النفاة حقا، فإنه حينئذ على قولهم لا يكون التوحيد الحق قد بين أصلا، وهذا ممتنع، وهو أضل منهم حيث زعم أن الرسل أيضا لم تبين التوحيد، بل ذكروا ما يناقض التوحيد لينقاد لهم الجمهور في صلاح دنياهم.
وقد بينا في غير موضع توحيد
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابن سينا وأمثاله، وبينا أنه من أفسد الأقوال التي يعلم بصريح العقل فساده، ولنا في ذلك كلام مفرد مكتوب في غير هذا الموضع.
[ ص: 32 ]
وأما قوله: "وأين الإشارة إلى الدقيق من المعاني المشيرة إلى علم التوحيد، مثل أنه عالم بالذات، أو عالم بعلم، أو قادر بالذات، أو قادر بقدرة ... إلى آخره".
فهو خطاب لمن وافقه على ضلاله وإلحاده، حيث
nindex.php?page=treesubj&link=28719ظن أن التعطيل هو التوحيد، وأن الباري تعالى لا علم له ولا قدرة ولا صفات.
فأما من لم يوافقه على خطئه فإنه يعلم أن الكتاب بين دقائق التوحيد الحق الذي جاءت به الرسل ونزلت به الكتب على أحسن وجه.
فإن
nindex.php?page=treesubj&link=28724_34091الله تعالى أخبر عن صفاته وأسمائه بما لا يكاد يعد من آياته، وذكر علمه في غير موضع.
كقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء [سورة البقرة: 255].
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166أنزله بعلمه [سورة النساء: 166].
وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=47وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه [سورة فصلت: 47] وغير ذلك.
[ ص: 33 ]
وقد قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=58إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين [سورة الذاريات: 58].
وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47والسماء بنيناها بأيد [سورة الذاريات: 47]، أي بقوة، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=15أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة [سورة فصلت: 15]
وفي الحديث الصحيح - حديث الاستخارة -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=651096 "اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك" فأي بيان لعلم الله وقدرته أبين من هذا؟
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ: "ثُمَّ هَبْ أَنَّ هَذِهِ كُلَّهَا مَوْجُودَةٌ عَلَى الِاسْتِعَارَةِ، فَأَيْنَ التَّوْحِيدُ وَالدَّلَالَةُ بِالتَّصْرِيحِ عَلَى التَّوْحِيدِ الْمَحْضِ الَّذِي تَدْعُو إِلَيْهِ حَقِيقَةُ هَذَا الدِّينِ الْقَيِّمِ الْمُعْتَرَفِ بِجَلَالَتِهِ عَلَى لِسَانِ الْحُكَمَاءِ قَاطِبَةً؟ كَلَامٌ صَحِيحٌ، لَوْ كَانَ مَا قَالَهُ النُّفَاةُ حَقًّا، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ عَلَى قَوْلِهِمْ لَا يَكُونُ التَّوْحِيدُ الْحَقُّ قَدْ بُيِّنَ أَصْلًا، وَهَذَا مُمْتَنِعٌ، وَهُوَ أَضَلُّ مِنْهُمْ حَيْثُ زَعَمَ أَنَّ الرُّسُلَ أَيْضًا لَمْ تُبَيِّنِ التَّوْحِيدَ، بَلْ ذَكَرُوا مَا يُنَاقِضُ التَّوْحِيدَ لِيَنْقَادَ لَهُمُ الْجُمْهُورُ فِي صَلَاحِ دُنْيَاهُمْ.
وَقَدْ بَيَّنَّا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ تَوْحِيدَ
nindex.php?page=showalam&ids=13251ابْنِ سِينَا وَأَمْثَالِهِ، وَبَيَّنَّا أَنَّهُ مِنْ أَفْسَدِ الْأَقْوَالِ الَّتِي يُعْلَمُ بِصَرِيحِ الْعَقْلِ فَسَادُهُ، وَلَنَا فِي ذَلِكَ كَلَامٌ مُفْرَدٌ مَكْتُوبٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ.
[ ص: 32 ]
وَأَمَّا قَوْلُهُ: "وَأَيْنَ الْإِشَارَةُ إِلَى الدَّقِيقِ مِنَ الْمَعَانِي الْمُشِيرَةِ إِلَى عِلْمِ التَّوْحِيدِ، مِثْلَ أَنَّهُ عَالِمٌ بِالذَّاتِ، أَوْ عَالِمٌ بِعِلْمٍ، أَوْ قَادِرٌ بِالذَّاتِ، أَوْ قَادِرٌ بِقُدْرَةٍ ... إِلَى آخِرِهِ".
فَهُوَ خِطَابٌ لِمَنْ وَافَقَهُ عَلَى ضَلَالِهِ وَإِلْحَادِهِ، حَيْثُ
nindex.php?page=treesubj&link=28719ظَنَّ أَنَّ التَّعْطِيلَ هُوَ التَّوْحِيدُ، وَأَنَّ الْبَارِيَ تَعَالَى لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا قُدْرَةَ وَلَا صِفَاتِ.
فَأَمَّا مَنْ لَمْ يُوَافِقْهُ عَلَى خَطَئِهِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ الْكِتَابَ بَيَّنَ دَقَائِقَ التَّوْحِيدِ الْحَقِّ الَّذِي جَاءَتْ بِهِ الرُّسُلُ وَنَزَلَتْ بِهِ الْكُتُبُ عَلَى أَحْسَنِ وَجْهٍ.
فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28724_34091اللَّهَ تَعَالَى أَخْبَرَ عَنْ صِفَاتِهِ وَأَسْمَائِهِ بِمَا لَا يَكَادُ يُعَدُّ مِنْ آيَاتِهِ، وَذَكَرَ عِلْمَهُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ.
كَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلا بِمَا شَاءَ [سُورَةُ الْبَقَرَةِ: 255].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=166أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ [سُورَةُ النِّسَاءِ: 166].
وَقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=47وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلا بِعِلْمِهِ [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 47] وَغَيْرِ ذَلِكَ.
[ ص: 33 ]
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=58إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ [سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: 58].
وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=47وَالسَّمَاءَ بَنَيْنَاهَا بِأَيْدٍ [سُورَةُ الذَّارِيَاتِ: 47]، أَيْ بِقُوَّةٍ، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=15أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّ اللَّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً [سُورَةُ فُصِّلَتْ: 15]
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ - حَدِيثِ الِاسْتِخَارَةِ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=651096 "اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ" فَأَيُّ بَيَانٍ لِعِلْمِ اللَّهِ وَقُدْرَتِهِ أَبْيَنَ مِنْ هَذَا؟