قال الرازي: (وثانيها أنا نرى أن كل من فعل فعلا فلا بد له من آلة وأداة؛ وأن الأفعال الشاقة تكون سببا للكلال والمشقة لذلك الفاعل، [ثم ] إنا نعتقد أنه
nindex.php?page=treesubj&link=33677_34084سبحانه وتعالى يدبر من العرش إلى ما تحت الثرى، مع أنه منزه عن المشقة واللغوب والكلال ).
يقال له: لا ريب أن الله تعالى يقول في كتابه العزيز:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255وسع كرسيه السماوات والأرض ولا يئوده حفظهما [البقرة: 255 ] أي لا يكرثه، ولا يثقل عليه، وقال في كتابه:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=38ولقد خلقنا السماوات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب [ق: 38 ] وقد ذكر أنها نزلت لما قال من قال من اليهود: إن الله خلق السموات والأرض ثم استراح يوم السبت، فأخبر الله أنه ما مسه من لغوب. واللغوب: الإعياء، وإنما يستريح من
[ ص: 308 ] [ ص: 309 ] أعيا، ومنه قول
أبي قتادة في حمار الوحش: "فسعى القوم حتى لغبوا" وقال أهل الجنة
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن [ ص: 310 ] إن ربنا لغفور شكور nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=35الذي أحلنا دار المقامة من فضله لا يمسنا فيها نصب ولا يمسنا فيها لغوب [فاطر: 34، 35 ] وهذا مما لا يتنازع فيه المسلمون.
وإذا كان كذلك فالكلام على ما ذكرته من وجوه: أحدها: أن هذا بيان أن قدرة الله تعالى كاملة تامة لا نقص فيها ليست مثل قدرة العباد، كما ذكرنا في العلم، وهذا حق؛ ولم يقل أحد إن هذا مخالف لا للمحسوس ولا للمعقول، وإنما هو مخالف لمقدار صفاتنا.
قَالَ الرَّازِيُّ: (وَثَانِيهَا أَنَّا نَرَى أَنَّ كُلَّ مَنْ فَعَلَ فِعْلًا فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ آلَةٍ وَأَدَاةٍ؛ وَأَنَّ الْأَفْعَالَ الشَّاقَّةَ تَكُونُ سَبَبًا لِلْكَلَالِ وَالْمَشَقَّةِ لِذَلِكَ الْفَاعِلِ، [ثُمَّ ] إِنَّا نَعْتَقِدُ أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=33677_34084سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يُدَبِّرُ مِنَ الْعَرْشِ إِلَى مَا تَحْتَ الثَّرَى، مَعَ أَنَّهُ مُنَزَّهٌ عَنِ الْمَشَقَّةِ وَاللُّغُوبِ وَالْكَلَالِ ).
يُقَالُ لَهُ: لَا رَيْبَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَئُودُهُ حِفْظُهُمَا [الْبَقَرَةِ: 255 ] أَيْ لَا يُكْرِثُهُ، وَلَا يَثْقُلُ عَلَيْهِ، وَقَالَ فِي كِتَابِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=38وَلَقَدْ خَلَقْنَا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ [ق: 38 ] وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّهَا نَزَلَتْ لَمَّا قَالَ مَنْ قَالَ مِنَ الْيَهُودِ: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ ثُمَّ اسْتَرَاحَ يَوْمَ السَّبْتِ، فَأَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّهُ مَا مَسَّهُ مِنْ لُغُوبِ. وَاللُّغُوبُ: الْإِعْيَاءُ، وَإِنَّمَا يَسْتَرِيحُ مَنْ
[ ص: 308 ] [ ص: 309 ] أَعْيَا، وَمِنْهُ قَوْلُ
أَبِي قَتَادَةَ فِي حِمَارِ الْوَحْشِ: "فَسَعَى الْقَوْمُ حَتَّى لَغِبُوا" وَقَالَ أَهْلُ الْجَنَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ [ ص: 310 ] إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=35الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ [فَاطِرٍ: 34، 35 ] وَهَذَا مِمَّا لَا يَتَنَازَعُ فِيهِ الْمُسْلِمُونَ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْكَلَامُ عَلَى مَا ذَكَرْتَهُ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا: أَنَّ هَذَا بَيَانُ أَنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ تَعَالَى كَامِلَةٌ تَامَّةٌ لَا نَقْصَ فِيهَا لَيْسَتْ مِثْلَ قُدْرَةِ الْعِبَادِ، كَمَا ذَكَرْنَا فِي الْعِلْمِ، وَهَذَا حَقٌّ؛ وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ إِنَّ هَذَا مُخَالِفٌ لَا لِلْمَحْسُوسِ وَلَا لِلْمَعْقُولِ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخَالِفٌ لِمِقْدَارِ صِفَاتِنَا.