فصل
في بعض الشرح والتقرير لقاعدة السنة والجماعة وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا [النساء :59] ، فإن هذه الآية تتضمن
nindex.php?page=treesubj&link=30232الأمر بالسنة والجماعة ، فإن قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59وأولي الأمر منكم هو الجماعة ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول هو السنة .
قد قررت في غير هذا الموضع أن
nindex.php?page=treesubj&link=28632الدين أمر ضروري لبني آدم ، لا يمكن أن يعيشوا في الدنيا إلا بدين يتضمن أمرا ونهيا ؛ لأن الإنسان لا بد أن يجتلب إلى نفسه المنفعة ويدفع عنها المضرة ، وهذا هو الأمر والنهي ، وهو الدين العقلي الذي لا ينكره أحد .
ثم إن كثيرا من جلب منافعه ودفع مضاره لا يتم به وحده ، بل لا بد من التعاون على ذلك من بني آدم ، فإن أصل جلب المنفعة له : الطعام ، وأصل دفع المضرة عنه : اللباس المتصل ، وهو الثياب والجنة ، والمنفصل وهو السكن . ولهذا امتن الله في سورة النحل بنعمه المتضمنة للمطاعم والملابس من النوعين ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=5والأنعام خلقها ، لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=6ولكم فيها إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10هو الذي [ ص: 144 ] أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون [النحل :5 - 10] .
فذكر في أول السورة أصول النعم ، كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ، إن الله لغفور رحيم [النحل :18] ، وذكر في أثنائها من اللبن والعسل والأكنان والظلال والخيام ووقاية البأس والحر ما هو كمال النعم وتمامها ، ولذلك قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون [النحل :81] . ولهذا -والله أعلم- ذكر في أول السورة ما يدفئ فيدفع البرد ، وذكر في أثنائها ما يدفع الحر والبأس ، فإن البرد يقتل والحر يؤذي ، وقد يمكن الإنسان أن يعيش في البلاد الحارة بلا لباس عيشا ناقصا ، كما قد يسلم في الحرب بلا سرابيل ، وأما البلاد الباردة فلا يعيش فيها الإنسان إلا بما يدفئه . وكذلك سكن البيوت وبيوت الأنعام كل ذلك من تمام النعمة .
وإذا كان ابن آدم مضطرا إلى الطعام واللباس ، والواحد لا يقدر أن يصطنع جميع حاجته من الطعام واللباس ، كان حاجته إلى مثله ضرورية ، فيكون اجتماعهم ضروريا ، وإذا اجتمعوا فلا بد من واحد يكون هو مبدأ حركتهم فيما يأتونه ويذرونه من جلب المنافع ودفع المضار ، فكانت الإمارة فيهم ضرورية . ولهذا أوجب النبي صلى الله عليه وسلم في
[ ص: 145 ] السفر أن يؤمروا أحدهم ، وهو أقل جماعة في أدنى اجتماع ، فصارت الجماعة في حقهم رحمة والفرقة عذابا .
وإذا كانت الجماعة والإمارة فيهم ضرورية لجلب المنفعة ودفع المضرة ، والمنفعة لا تجتلب إلا بأموال ، والمضرة لا تندفع إلا بقوة ، ومن المضرة ما يعادي بني آدم من السباع وغيرها ، وفي طباع بعضهم من البغي والعدوان ما يوجب أنه إن لم يدفع وإلا ضر الباقين كانوا مضطرين إلى رعاية الأموال ودفع الأعداء ، وكانوا أيضا في بقاء جنسهم مضطرين إلى النكاح ، وإذا مات الميت منهم وكلهم محتاج إلى ماله فلا بد من سبب يوجب تخصيص أحدهم .
ولا بد لهم أيضا من دين وإله تعبده قلوبهم ، يجتلبون منه المنفعة ويستدفعون به المضرة ، فإن هذا من الضروريات اللازمة لهم ، فإن أحدهم يحتاج إلى ما هو خارج عن قدرته ، فلا بد له من إله يطلب ذلك منه .
فهذه الأمور وأمثالها لو وكل فيها كل واحد إلى رأيه .
[ ص: 146 ]
وكذلك هم متحركون بأرواحهم حركة دائمة ، فلا بد لهم من إله صمد هو إلههم الذي هو معبودهم ومنتهى حركاتهم وإراداتهم .
فثبت بذلك أنهم محتاجون إلى الاجتماع ، وبعضهم محتاج إلى بعض لجلب المنفعة ودفع المضرة ، ومحتاجون إلى ما يطلبون منه الحوائج الخارجة عن قدرتهم ، وهو ربهم ، وإلى إله هو الغاية والنهاية التي لها يعبدون ، ولها يصلون ويسجدون ، وإليها يصمدون ويقصدون ، وهو إلههم .
وذلك كله لا يقوم إلا برأس يعلمهم ويأمرهم ، ويقيمهم على سنة وقانون في أنواع الحاجات ومقاديرها ، وأنواع المنافع ومقاديرها ، فإن ذلك إن لم يضبط لهم وإلا انتشر الأمر وفسدت أحوالهم . وهذا الأمر لما كان ضرورة في جميع بني آدم ألهموه كما ألهموا الأكل والشرب والنكاح . فلا بد لكل طائفة من سيد مطاع ورئيس وإمام ، وإن تنوعت أسماؤه ومراتبه ، إما ملك وإما أمير وإما شيخ وإما مفت وإما قاض وإما مقدم وإما رئيس قرية ، إلى غير ذلك من الأسماء . وكل طائفة فلا بد لها من أن توالي أولياءها وتعادي أعداءها .
فَصْلٌ
فِي بَعْضِ الشَّرْحِ وَالتَّقْرِيرِ لِقَاعِدَةِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهَ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلا [النِّسَاءِ :59] ، فَإِنَّ هَذِهِ الْآيَةَ تَتَضَمَّنُ
nindex.php?page=treesubj&link=30232الْأَمْرَ بِالسُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ ، فَإِنَّ قَوْلَهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ هُوَ الْجَمَاعَةُ ، وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ هُوَ السُّنَّةُ .
قَدْ قَرَّرْتُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=28632الدِّينَ أَمْرٌ ضَرُورِيٌّ لِبَنِي آدَمَ ، لَا يُمْكِنُ أَنْ يَعِيشُوا فِي الدُّنْيَا إِلَّا بِدِينٍ يَتَضَمَّنُ أَمْرًا وَنَهْيًا ؛ لِأَنَّ الْإِنْسَانَ لَا بُدَّ أَنْ يَجْتَلِبَ إِلَى نَفْسِهِ الْمَنْفَعَةَ وَيَدْفَعَ عَنْهَا الْمَضَرَّةَ ، وَهَذَا هُوَ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ ، وَهُوَ الدِّينُ الْعَقْلِيُّ الَّذِي لَا يُنْكِرُهُ أَحَدٌ .
ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْ جَلْبِ مَنَافِعِهِ وَدَفْعِ مَضَارِّهِ لَا يَتِمُّ بِهِ وَحْدَهُ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ التَّعَاوُنِ عَلَى ذَلِكَ مِنْ بَنِي آدَمَ ، فَإِنَّ أَصْلَ جَلْبِ الْمَنْفَعَةِ لَهُ : الطَّعَامُ ، وَأَصْلَ دَفْعِ الْمَضَرَّةِ عَنْهُ : اللِّبَاسُ الْمُتَّصِلُ ، وَهُوَ الثِّيَابُ وَالْجُنَّةُ ، وَالْمُنْفَصِلُ وَهُوَ السَّكَنُ . وَلِهَذَا امْتَنَّ اللَّهُ فِي سُورَةِ النَّحْلِ بِنِعَمِهِ الْمُتَضَمِّنَةِ لِلْمَطَاعِمِ وَالْمَلَابِسِ مِنَ النَّوْعَيْنِ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=5وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا ، لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=6وَلَكُمْ فِيهَا إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=10هُوَ الَّذِي [ ص: 144 ] أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لَكُمْ مِنْهُ شَرَابٌ وَمِنْهُ شَجَرٌ فِيهِ تُسِيمُونَ [النَّحْلِ :5 - 10] .
فَذَكَرَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ أُصُولَ النِّعَمِ ، كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=18وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا ، إِنَّ اللَّهِ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ [النَّحْلِ :18] ، وَذَكَرَ فِي أَثْنَائِهَا مِنَ اللَّبَنِ وَالْعَسَلِ وَالْأَكْنَانِ وَالظِّلَالِ وَالْخِيَامِ وَوِقَايَةِ الْبَأْسِ وَالْحَرِّ مَا هُوَ كَمَالُ النِّعَمِ وَتَمَامُهَا ، وَلِذَلِكَ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=81كَذَلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ [النَّحْلِ :81] . وَلِهَذَا -وَاللَّهُ أَعْلَمُ- ذَكَرَ فِي أَوَّلِ السُّورَةِ مَا يُدْفِئُ فَيَدْفَعُ الْبَرْدَ ، وَذَكَرَ فِي أَثْنَائِهَا مَا يَدْفَعُ الْحَرَّ وَالْبَأْسَ ، فَإِنَّ الْبَرْدَ يَقْتُلُ وَالْحَرَّ يُؤْذِي ، وَقَدْ يُمْكِنُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَعِيشَ فِي الْبِلَادِ الْحَارَّةِ بِلَا لِبَاسٍ عَيْشًا نَاقِصًا ، كَمَا قَدْ يَسْلَمُ فِي الْحَرْبِ بِلَا سَرَابِيلَ ، وَأَمَّا الْبِلَادُ الْبَارِدَةُ فَلَا يَعِيشُ فِيهَا الْإِنْسَانُ إِلَّا بِمَا يُدْفِئُهُ . وَكَذَلِكَ سَكَنُ الْبُيُوتِ وَبُيُوتُ الْأَنْعَامِ كُلُّ ذَلِكَ مِنْ تَمَامِ النِّعْمَةِ .
وَإِذَا كَانَ ابْنُ آدَمَ مُضْطَرًّا إِلَى الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ ، وَالْوَاحِدُ لَا يَقْدِرُ أَنْ يَصْطَنِعَ جَمِيعَ حَاجَتِهِ مِنَ الطَّعَامِ وَاللِّبَاسِ ، كَانَ حَاجَتُهُ إِلَى مِثْلِهِ ضَرُورِيَّةً ، فَيَكُونُ اجْتِمَاعُهُمْ ضَرُورِيًّا ، وَإِذَا اجْتَمَعُوا فَلَا بُدَّ مِنْ وَاحِدٍ يَكُونُ هُوَ مَبْدَأَ حَرَكَتِهِمْ فِيمَا يَأْتُونَهُ وَيَذَرُونَهُ مِنْ جَلْبِ الْمَنَافِعِ وَدَفْعِ الْمَضَارِّ ، فَكَانَتِ الْإِمَارَةُ فِيهِمْ ضَرُورِيَّةً . وَلِهَذَا أَوْجَبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي
[ ص: 145 ] السَّفَرِ أَنْ يُؤَمِّرُوا أَحَدَهُمْ ، وَهُوَ أَقَلُّ جَمَاعَةٍ فِي أَدْنَى اجْتِمَاعٍ ، فَصَارَتِ الْجَمَاعَةُ فِي حَقِّهِمْ رَحْمَةً وَالْفُرْقَةُ عَذَابًا .
وَإِذَا كَانَتِ الْجَمَاعَةُ وَالْإِمَارَةُ فِيهِمْ ضَرُورِيَّةً لِجَلْبِ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ ، وَالْمَنْفَعَةُ لَا تُجْتَلَبُ إِلَّا بِأَمْوَالٍ ، وَالْمَضَرَّةُ لَا تَنْدَفِعُ إِلَّا بِقُوَّةٍ ، وَمِنَ الْمَضَرَّةِ مَا يُعَادِي بَنِي آدَمَ مِنَ السِّبَاعِ وَغَيْرِهَا ، وَفِي طِبَاعِ بَعْضِهِمْ مِنَ الْبَغْيِ وَالْعُدْوَانِ مَا يُوجِبُ أَنَّهُ إِنْ لَمْ يُدْفَعْ وَإِلَّا ضَرَّ الْبَاقِينَ كَانُوا مُضْطَرِّينَ إِلَى رِعَايَةِ الْأَمْوَالِ وَدَفْعِ الْأَعْدَاءِ ، وَكَانُوا أَيْضًا فِي بَقَاءِ جِنْسِهِمْ مُضْطَرِّينَ إِلَى النِّكَاحِ ، وَإِذَا مَاتَ الْمَيِّتُ مِنْهُمْ وَكُلُّهُمْ مُحْتَاجٌ إِلَى مَالِهِ فَلَا بُدَّ مِنْ سَبَبٍ يُوجِبُ تَخْصِيصَ أَحَدِهِمْ .
وَلَا بُدَّ لَهُمْ أَيْضًا مِنْ دِينٍ وَإِلَهٍ تَعْبُدُهُ قُلُوبُهُمْ ، يَجْتَلِبُونَ مِنْهُ الْمَنْفَعَةَ وَيَسْتَدْفِعُونَ بِهِ الْمَضَرَّةَ ، فَإِنَّ هَذَا مِنَ الضَّرُورِيَّاتِ اللَّازِمَةِ لَهُمْ ، فَإِنَّ أَحَدَهُمْ يَحْتَاجُ إِلَى مَا هُوَ خَارِجٌ عَنْ قُدْرَتِهِ ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ إِلَهٍ يَطْلُبُ ذَلِكَ مِنْهُ .
فَهَذِهِ الْأُمُورُ وَأَمْثَالُهَا لَوْ وُكِلَ فِيهَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى رَأْيِهِ .
[ ص: 146 ]
وَكَذَلِكَ هُمْ مُتَحَرِّكُونَ بِأَرْوَاحِهِمْ حَرَكَةً دَائِمَةً ، فَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ إِلَهٍ صَمَدٍ هُوَ إِلَهُهُمُ الَّذِي هُوَ مَعْبُودُهُمْ وَمُنْتَهَى حَرَكَاتِهِمْ وَإِرَادَاتِهِمْ .
فَثَبَتَ بِذَلِكَ أَنَّهُمْ مُحْتَاجُونَ إِلَى الِاجْتِمَاعِ ، وَبَعْضُهُمْ مُحْتَاجٌ إِلَى بَعْضٍ لِجَلْبِ الْمَنْفَعَةِ وَدَفْعِ الْمَضَرَّةِ ، وَمُحْتَاجُونَ إِلَى مَا يَطْلُبُونَ مِنْهُ الْحَوَائِجَ الْخَارِجَةَ عَنْ قُدْرَتِهِمْ ، وَهُوَ رَبُّهُمْ ، وَإِلَى إِلَهٍ هُوَ الْغَايَةُ وَالنِّهَايَةُ الَّتِي لَهَا يَعْبُدُونَ ، وَلَهَا يُصَلُّونَ وَيَسْجُدُونَ ، وَإِلَيْهَا يَصْمُدُونَ وَيَقْصِدُونَ ، وَهُوَ إِلَهُهُمْ .
وَذَلِكَ كُلُّهُ لَا يَقُومُ إِلَّا بِرَأْسٍ يُعَلِّمُهُمْ وَيَأْمُرُهُمْ ، وَيُقَيِّمُهُمْ عَلَى سُنَّةٍ وَقَانُونٍ فِي أَنْوَاعِ الْحَاجَاتِ وَمَقَادِيرِهَا ، وَأَنْوَاعِ الْمَنَافِعِ وَمَقَادِيرِهَا ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنْ لَمْ يُضْبَطْ لَهُمْ وَإِلَّا انْتَشَرَ الْأَمْرُ وَفَسَدَتْ أَحْوَالُهُمْ . وَهَذَا الْأَمْرُ لَمَّا كَانَ ضَرُورَةً فِي جَمِيعِ بَنِي آدَمَ أُلْهِمُوهُ كَمَا أُلْهِمُوا الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ وَالنِّكَاحَ . فَلَا بُدَّ لِكُلِّ طَائِفَةٍ مِنْ سَيِّدٍ مُطَاعٍ وَرَئِيسٍ وَإِمَامٍ ، وَإِنْ تَنَوَّعَتْ أَسْمَاؤُهُ وَمَرَاتِبُهُ ، إِمَّا مَلِكٌ وَإِمَّا أَمِيرٌ وَإِمَّا شَيْخٌ وَإِمَّا مُفْتٍ وَإِمَّا قَاضٍ وَإِمَّا مُقَدَّمٌ وَإِمَّا رَئِيسُ قَرْيَةٍ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ . وَكُلُّ طَائِفَةٍ فَلَا بُدَّ لَهَا مِنْ أَنْ تُوَالِيَ أَوْلِيَاءَهَا وَتُعَادِيَ أَعْدَاءَهَا .