[ ص: 149 ] [فصل]
قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=58nindex.php?page=treesubj&link=30454_29703_30173_28990أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا [مريم :58] ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله لا نفرق بين أحد من رسله وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير [البقرة :285] .
وفي الحديث الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=657187أنه لما أنزل الله nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه [البقرة :284] ، شق ذلك عليهم ، فقال لهم النبي صلى الله عليه وسلم : «أتريدون أن تقولوا كما قال اليهود أو أهل الكتاب : سمعنا وعصينا ، قولوا : سمعنا وأطعنا » ، فقالوا : سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير . فلما ذلت بها ألسنتهم أنزل الله الآية الأخرى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا قال : قد فعلت .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ربنا ولا تحمل علينا إصرا كما حملته على الذين من قبلنا قال : قد فعلت .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286ربنا ولا تحملنا ما لا طاقة لنا به كذلك إلى آخرها .
[ ص: 150 ]
فهؤلاء المؤمنون لما سمعوا وأطاعوا خفف عنهم وحط عنهم الإصر الذي حمل على من كان قبلهم ، وأولئك لما عصوا واعتدوا وقالوا : قلوبنا غلف ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فبظلم من الذين هادوا حرمنا عليهم طيبات أحلت لهم [النساء :160] ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=146ذلك جزيناهم ببغيهم وإنا لصادقون [الأنعام :146] ، ثم قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162nindex.php?page=treesubj&link=30728_18471_26376_28975لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك وما أنزل من قبلك [النساء :162] . إذ قد أخبر أن منهم من لا يعلم الكتاب إلا أماني ، ومنهم من يحرفه من بعد ما عقله ، ومنهم من يكذب ويكتم ويلوي لسانه ويكتب بيده ، وأنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم ، وهؤلاء وإن ذكر لهم علم فليسوا براسخين في العلم ، إذ الرسوخ في العلم يقتضي الثبات والاستقرار فيه ، وذلك مستلزم لاتباعه والعمل به ، كما قيل :
nindex.php?page=treesubj&link=29551_30514العلم يهتف بالعمل ، فإن أجابه وإلا ارتحل .
وقد بسطنا هذا في غير هذا الموضع وبينا تلازم العلم التام والعمل ، وأنهما حيث لم يتلازما فلضعف العلم ، مثل علم الرواية باللسان . وفي مراسيل
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن :
nindex.php?page=hadith&LINKID=104463«العلم علمان ، علم في القلب وعلم على اللسان ، فعلم القلب العلم النافع ، وعلم اللسان حجة الله على عباده » .
[ ص: 151 ]
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا ، وما يذكر إلا أولو الألباب [آل عمران :7] . وقد يحتج من يقف عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم nindex.php?page=showalam&ids=16879كمجاهد nindex.php?page=showalam&ids=13436وابن قتيبة ، ويذكر رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، على ذلك بأنه سبحانه لم يقل هنا : «والمؤمنون والراسخون في العلم يقولون آمنا به » كما قال في تلك الآية :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لكن الراسخون في العلم منهم والمؤمنون يؤمنون بما أنزل إليك الآية . فلو لم يكن المقصود بالآية إلا الخبر عنهم بأنهم قالوا : آمنا به ، لأخبر بذلك عن جميع المؤمنين كما في نظائره ، مثل قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=82وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين [الإسراء :82] ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124فأما الذين آمنوا فزادتهم إيمانا وهم يستبشرون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125وأما الذين في قلوبهم مرض فزادتهم رجسا إلى رجسهم [التوبة :124 - 125] .
وقد يجيب الجمهور الذين يقفون عند قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7إلا الله وقد نقل هذا المعنى عن
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة والجمهور ، بأن هذا الموضع كقوله في سورة الحج :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=52فينسخ الله ما يلقي الشيطان ثم يحكم الله آياته ، والله عليم حكيم nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=53ليجعل ما يلقي الشيطان فتنة للذين في قلوبهم مرض والقاسية قلوبهم ، وإن الظالمين لفي شقاق [ ص: 152 ] بعيد nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=54وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيؤمنوا به فتخبت له قلوبهم ، وإن الله لهاد الذين آمنوا إلى صراط مستقيم [الحج :52 - 54] ، فإنه ذكر الذين أوتوا العلم هنا فقط ، كما قال هناك :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7والراسخون في العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا .
وإنما ذكر أهل العلم في هذين الموضعين لما فيه من الشبهة بما ألقاه الشيطان في أمنيته وما نزل [من] المتشابهات ، فكأن الخبر بالإيمان وأن الجميع من عند الله عن أهل العلم دليل على بطلان الشبهة والعلم بأنه لا حقيقة له ، ولا مانع أن يكون إذا قال هذا من هو راسخ في العلم أن لا يقوله غيره . يبين ذلك أنه على الوقفين إنما أخبر بقولهم فقط مهنئا بهم اختصوا بعلم تأويل القرآن ، وأخبر بقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7آمنا به كل من عند ربنا عنهم وحدهم ، مع أنه قول كل مؤمن ، إذ المقصود أن العلم يوجب هذا القول ، ومن لم يقله وإن كان له نصيب من العلم فليس براسخ فيه . فاليهود الذين أوتوا العلم فلم يؤمنوا
بمحمد إيمانهم ليسوا راسخين في العلم .
وأما تلك الآية فإنما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لكن الراسخون في العلم منهم أي من أهل الكتاب
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162والمؤمنون هم المؤمنون من العرب وغيرهم الذين ليسوا أهل كتاب ، فإن هؤلاء وإن كانوا بعد مبعث
محمد صاروا أو بعضهم أرسخ في العلم من أولئك ، فإنهم لم يكونوا قبل سماع القرآن أهل علم بالكتاب ، كما كان عند أولئك علم علموه من غير القرآن .
[ ص: 153 ]
وقد يقال : الوقفان كالقراءتين ، وقد يقرأ في المكان الواحد بالنفي والإثبات باعتبارين ، كقراءة من قرأ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=46لتزول و
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=46لتزول منه الجبال ، وكالتي فيها الخبر والأمر . وعلى هذا فيكون هنا تأويلان : فتأويل يعلمه الراسخون ، وتأويل لا يعلمه إلا الله ، وهذا فيه جمع بين أقوال الصحابة والتابعين والأئمة رضي الله عنهم .
وقد تكلمنا على هذه الآية في غير هذا الموضع وذكرنا أن معنى لفظ التأويل الذي جاء به القرآن غير معناه في عرف المتأخرين ، وذكرنا الاصطلاحات فيه والفرق بينه وبين التفسير . وللإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد كتاب «الرد على الزنادقة والجهمية مما تأولت فيه من متشابه القرآن » ، تكلم على الآيات كلها وبين معناها ، فمعنى الخطاب وتفسيره يعلمه العلماء ، وهذا يسمى تأويلا ، وأما الحقائق الموجودة في الخارج مما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر ، كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53هل ينظرون إلا تأويله يوم يأتي تأويله [الأعراف :53] ، فتلك لا تعلم إلا بمشاهدتها . . . . . . . . . وليس لها في هذا العلم ما يناظرها من كل وجه ، فلا يعلم حينئذ إلا من بعض الوجوه ، فيجوز أن يكون لا يعلمه ، قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17فلا تعلم نفس ما أخفي لهم من قرة أعين [السجدة :17] ، وإن علم أنها قرة أعين فإنها لا تعلم في الدنيا .
[ ص: 149 ] [فَصْلٌ]
قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=58nindex.php?page=treesubj&link=30454_29703_30173_28990أُولَئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنَ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَمِمَّنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ وَمِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْرَائِيلَ وَمِمَّنْ هَدَيْنَا وَاجْتَبَيْنَا إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وَبُكِيًّا [مَرْيَمَ :58] ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [الْبَقَرَةِ :285] .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=657187أَنَّهُ لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=284وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ [الْبَقَرَةِ :284] ، شَقَّ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : «أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ الْيَهُودُ أَوْ أَهْلُ الْكِتَابِ : سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا ، قُولُوا : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا » ، فَقَالُوا : سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ . فَلَمَّا ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ أَنْزَلَ اللَّهُ الْآيَةَ الْأُخْرَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=285آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا قَالَ : قَدْ فَعَلْتُ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=286رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ كَذَلِكَ إِلَى آخِرِهَا .
[ ص: 150 ]
فَهَؤُلَاءِ الْمُؤْمِنُونَ لَمَّا سَمِعُوا وَأَطَاعُوا خَفَّفَ عَنْهُمْ وَحَطَّ عَنْهُمُ الْإِصْرَ الَّذِي حَمَلَ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُمْ ، وَأُولَئِكَ لَمَّا عَصَوْا وَاعْتَدَوْا وَقَالُوا : قُلُوبُنَا غُلْفٌ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=160فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ [النِّسَاءِ :160] ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=146ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ [الْأَنْعَامِ :146] ، ثُمَّ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162nindex.php?page=treesubj&link=30728_18471_26376_28975لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ [النِّسَاءِ :162] . إِذْ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَعْلَمُ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يُحَرِّفُهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلَهُ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَكْذِبُ وَيَكْتُمُ وَيَلْوِي لِسَانَهُ وَيَكْتُبُ بِيَدِهِ ، وَأَنَّهُمْ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ ، وَهَؤُلَاءِ وَإِنْ ذُكِرَ لَهُمْ عِلْمٌ فَلَيْسُوا بِرَاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ ، إِذِ الرُّسُوخُ فِي الْعِلْمِ يَقْتَضِي الثَّبَاتَ وَالِاسْتِقْرَارَ فِيهِ ، وَذَلِكَ مُسْتَلْزِمٌ لِاتِّبَاعِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ ، كَمَا قِيلَ :
nindex.php?page=treesubj&link=29551_30514الْعِلْمُ يَهْتِفُ بِالْعَمَلِ ، فَإِنْ أَجَابَهُ وَإِلَّا ارْتَحَلَ .
وَقَدْ بَسَطْنَا هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبَيَّنَّا تَلَازُمَ الْعِلْمِ التَّامِّ وَالْعَمَلِ ، وَأَنَّهُمَا حَيْثُ لَمْ يَتَلَازَمَا فَلِضِعْفِ الْعَلَمِ ، مِثْلَ عِلْمِ الرِّوَايَةِ بِاللِّسَانِ . وَفِي مَرَاسِيلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=104463«الْعِلْمُ عِلْمَانِ ، عِلْمٌ فِي الْقَلْبِ وَعِلْمٌ عَلَى اللِّسَانِ ، فَعِلْمُ الْقَلْبِ الْعِلْمُ النَّافِعُ ، وَعِلْمُ اللِّسَانِ حُجَّةُ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ » .
[ ص: 151 ]
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا ، وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَابِ [آلِ عِمْرَانَ :7] . وَقَدْ يَحْتَجُّ مَنْ يَقِفُ عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ nindex.php?page=showalam&ids=16879كَمُجَاهِدٍ nindex.php?page=showalam&ids=13436وَابْنِ قُتَيْبَةَ ، وَيَذْكُرُ رِوَايَةً عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ ، عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمْ يَقُلْ هُنَا : «وَالْمُؤْمِنُونَ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ » كَمَا قَالَ فِي تِلْكَ الْآيَةِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ وَالْمُؤْمِنُونَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ الْآيَةِ . فَلَوْ لَمْ يَكُنِ الْمَقْصُودُ بِالْآيَةِ إِلَّا الْخَبَرَ عَنْهُمْ بِأَنَّهُمْ قَالُوا : آمَنَّا بِهِ ، لَأَخْبَرَ بِذَلِكَ عَنْ جَمِيعِ الْمُؤْمِنِينَ كَمَا فِي نَظَائِرِهِ ، مِثْلَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=82وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الْإِسْرَاءِ :82] ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=124فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=125وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ [التَّوْبَةِ :124 - 125] .
وَقَدْ يُجِيبُ الْجُمْهُورُ الَّذِينَ يَقِفُونَ عِنْدَ قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7إِلا اللَّهُ وَقَدْ نُقِلَ هَذَا الْمَعْنَى عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيٍّ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=25وَعَائِشَةَ وَالْجُمْهُورِ ، بِأَنَّ هَذَا الْمَوْضِعَ كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ الْحَجِّ :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=52فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ ، وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=53لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبِهِمْ ، وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ [ ص: 152 ] بَعِيدٍ nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=54وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ ، وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ [الْحَجِّ :52 - 54] ، فَإِنَّهُ ذَكَرَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ هُنَا فَقَطْ ، كَمَا قَالَ هُنَاكَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا .
وَإِنَّمَا ذَكَرَ أَهْلَ الْعِلْمِ فِي هَذَيْنِ الْمَوْضِعَيْنِ لِمَا فِيهِ مِنَ الشُّبْهَةِ بِمَا أَلْقَاهُ الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَتِهِ وَمَا نَزَلَ [مِنَ] الْمُتَشَابِهَاتِ ، فَكَأَنَّ الْخَبَرَ بِالْإِيمَانِ وَأَنَّ الْجَمِيعَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ عَنْ أَهْلِ الْعِلْمِ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلَانِ الشُّبْهَةِ وَالْعِلْمِ بِأَنَّهُ لَا حَقِيقَةَ لَهُ ، وَلَا مَانِعَ أَنْ يَكُونَ إِذَا قَالَ هَذَا مَنْ هُوَ رَاسِخٌ فِي الْعِلْمِ أَنْ لَا يَقُولَهُ غَيْرُهُ . يُبَيِّنُ ذَلِكَ أَنَّهُ عَلَى الْوَقْفَيْنِ إِنَّمَا أَخْبَرَ بِقَوْلِهِمْ فَقَطْ مُهَنِّئًا بِهِمُ اخْتَصُّوا بِعِلْمِ تَأْوِيلِ الْقُرْآنِ ، وَأَخْبَرَ بِقَوْلِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=7آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا عَنْهُمْ وَحْدَهُمْ ، مَعَ أَنَّهُ قَوْلُ كُلِّ مُؤْمِنٍ ، إِذِ الْمَقْصُودُ أَنَّ الْعِلْمَ يُوجِبُ هَذَا الْقَوْلَ ، وَمَنْ لَمْ يَقُلْهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ نَصِيبٌ مِنَ الْعِلْمِ فَلَيْسَ بِرَاسِخٍ فِيهِ . فَالْيَهُودُ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ فَلَمْ يُؤْمِنُوا
بِمُحَمَّدٍ إِيمَانَهُمْ لَيْسُوا رَاسِخِينَ فِي الْعِلْمِ .
وَأَمَّا تِلْكَ الْآيَةُ فَإِنَّمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162لَكِنِ الرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ مِنْهُمْ أَيْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=162وَالْمُؤْمِنُونَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ مِنَ الْعَرَبِ وَغَيْرِهِمُ الَّذِينَ لَيْسُوا أَهْلَ كِتَابٍ ، فَإِنَّ هَؤُلَاءِ وَإِنْ كَانُوا بَعْدَ مَبْعَثِ
مُحَمَّدٍ صَارُوا أَوْ بَعْضُهُمْ أَرْسَخَ فِي الْعِلْمِ مِنْ أُولَئِكَ ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا قَبْلَ سَمَاعِ الْقُرْآنِ أَهْلَ عِلْمٍ بِالْكِتَابِ ، كَمَا كَانَ عِنْدَ أُولَئِكَ عِلْمٌ عَلِمُوهُ مِنْ غَيْرِ الْقُرْآنِ .
[ ص: 153 ]
وَقَدْ يُقَالُ : الْوَقْفَانِ كَالْقِرَاءَتَيْنِ ، وَقَدْ يَقْرَأُ فِي الْمَكَانِ الْوَاحِدِ بِالنَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ بِاعْتِبَارَيْنِ ، كَقِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=46لِتَزُولَ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=46لِتَزُولَ مِنْهُ الْجِبَالُ ، وَكَالَتِي فِيهَا الْخَبَرُ وَالْأَمْرُ . وَعَلَى هَذَا فَيَكُونُ هُنَا تَأْوِيلَانِ : فَتَأْوِيلٌ يَعْلَمُهُ الرَّاسِخُونَ ، وَتَأْوِيلٌ لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ ، وَهَذَا فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَالْأَئِمَّةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ .
وَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَذَكَرْنَا أَنَّ مَعْنَى لَفْظِ التَّأْوِيلِ الَّذِي جَاءَ بِهِ الْقُرْآنُ غَيْرُ مَعْنَاهُ فِي عُرْفِ الْمُتَأَخِّرِينَ ، وَذَكَرْنَا الِاصْطِلَاحَاتِ فِيهِ وَالْفَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّفْسِيرِ . وَلِلْإِمَامِ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ كِتَابُ «الرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ وَالْجَهْمِيَّةِ مِمَّا تَأَوَّلَتْ فِيهِ مِنْ مُتَشَابِهِ الْقُرْآنِ » ، تَكَلَّمَ عَلَى الْآيَاتِ كُلِّهَا وَبَيَّنَ مَعْنَاهَا ، فَمَعْنَى الْخِطَابِ وَتَفْسِيرُهُ يَعْلَمُهُ الْعُلَمَاءُ ، وَهَذَا يُسَمَّى تَأْوِيلًا ، وَأَمَّا الْحَقَائِقُ الْمَوْجُودَةُ فِي الْخَارِجِ مِمَّا أَخْبَرَ اللَّهُ بِهِ عَنْ نَفْسِهِ وَعَنِ الْيَوْمِ الْآخِرِ ، كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=53هَلْ يَنْظُرُونَ إِلا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلَهُ [الْأَعْرَافِ :53] ، فَتِلْكَ لَا تُعْلَمُ إِلَّا بِمُشَاهَدَتِهَا . . . . . . . . . وَلَيْسَ لَهَا فِي هَذَا الْعِلْمِ مَا يُنَاظِرُهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ ، فَلَا يُعْلَمُ حِينَئِذٍ إِلَّا مِنْ بَعْضِ الْوُجُوهِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لَا يَعْلَمُهُ ، قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=32&ayano=17فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السَّجْدَةِ :17] ، وَإِنْ عُلِمَ أَنَّهَا قُرَّةُ أَعْيُنٍ فَإِنَّهَا لَا تُعْلَمُ فِي الدُّنْيَا .