والناس إذا وقعوا في البدع والمعاصي نقص عليهم إيمانهم ، وإلا فمن كان عالما بالحق قاصدا له أغناه ذلك عن أن يعتقد الباطل ويتبعه . ولهذا كانت الصحابة رضوان الله عليهم من أبعد الناس عن الذنوب والبدع ، لاستغنائهم بالعلم والإيمان بالله [وما] تلقوه عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - ،
nindex.php?page=treesubj&link=20357ولا تجد أحدا وقع في بدعة إلا لنقص اتباعه للسنة علما وعملا . وإلا فمن كان بها عالما ، ولها متبعا لم يكن عنده داع إلى البدعة ، فإن البدعة يقع فيها الجهال بالسنة ، وكذلك الزنا والسرقة وشرب الخمر ، إنما يزني من عنده شهوة يطلب قضاءها .
فأما من قضى شهوته بما هو أحب إليه وفترت ، فلا يبقى عنده داع ، ومن أحب طلب شيء آخر فشهوته لم تقض بل قضي بعضها ،
[ ص: 251 ] وقضاء الشهوة إنما هو حصول المطلوب كله ، فممتنع معه أن يطلب ما يحصل ما قد حصل .
وكذلك السارق إنما يسرق لما عنده من إرادة المال ، ولكن من الناس من لا يقف عند حد ، بل لو حصل عنده أي شيء كان أحب الزيادة ، ولهذا يسرق وإن لم يكن ثم منافع أخر .
وكذلك شارب الخمر يشربها لما يطلب بها من حصول اللذة وزوال الغم ، فإذا كانت اللذة الحاصلة بالصلاة وذكر الله أكمل وهي تصده عن ذلك لم يكن عنده داع إليها .
ومما يبين هذا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إن عبادي ليس لك عليهم سلطان ، مع قول الشيطان :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=82لأغوينهم أجمعين nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=83إلا عبادك منهم المخلصين ، وقال تعالى في حق يوسف الصديق :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=24كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين ، فإن عباده تعالى هم الذين عبدوه وليس المراد كل من خلقه ، فإن الشياطين عباد بهذا الاعتبار ، بل هذا كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=6عينا يشرب بها عباد الله ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=19وأنه لما قام عبد الله يدعوه .
[ ص: 252 ]
وفي الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=680638 "تعس عبد الدرهم ، تعس عبد الدينار ، تعس عبد القطيفة ، تعس عبد الخميصة ، إن أعطي رضي ، وإن منع سخط ، تعس وانتكس ، وإذا شيك فلا انتقش" .
فعبد الله الذي هو عبده لا بد أن يكون الله أحب إليه مما سواه ، فإن الذين جعلوا لله أندادا يحبونهم كحب الله مشركون لا مؤمنون ، والذين آمنوا أشد حبا لله ، ولا بد أن يكون الله أخوف عندهم مما سواه ، ومن كان كذلك صرف عنه السوء والفحشاء كما صرف عن يوسف .
بخلاف المشركين الذين جعلوا لله أندادا يحبونهم كحب الله ، فهؤلاء ليسوا عباده ، و
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ، فالمشرك به لا يحصل له ما يقر عينه ، ويغني قلبه عن الأنداد ، بل هذا لا يحصل إلا بعبادة الله وحده . فإن الله سبحانه خلق عباده حنفاء; وللسلف في "الحنيف" عبارات ، قيل : المستقيم ، كقول
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي . والمتبع ، كقول مجاهد . والمخلص ، كقول عطاء . وأما تفسيره بالمائل فهذا من قول بعض متأخري أهل اللغة ، وهو مبسوط في موضع آخر .
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651296 "كل مولود يولد على الفطرة" . وفي رواية :
[ ص: 253 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=651270 "على فطرة الإسلام" .
nindex.php?page=treesubj&link=29619_28644فالقلب مخلوق حنيفا مفطورا على فطرة الإسلام ، وهو الاستسلام لله دون ما سواه . فهو بفطرته لا يريد أن يعبد إلا الله ، فلا يطمئن قلبه ويحصل لذته وفرحه وسروره إلا بأن يكون الله هو معبوده دون ما سواه ، وكل معبود دون الله يوجب الفساد ، لا يحصل به صلاح القلب وكماله وسعادته المقتضية لسروره ولذته وفرحه ، وإذا لم يحصل هذا لا يبقى طالبا لما يلتذ به فيقع في المحرمات من الصور والشرب وأخذ المال وغير ذلك .
ولهذا لما كانت امرأة العزيز مشركة طالبة للفاحشة ،
ويوسف شاب غريب ، فالداعي المطيع معه أقوى ، لكن معه من الإيمان ما يصده عن ذلك ، وتلك هي وقومها كانوا مشركين ، ولهذا قال لهم :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=37إني تركت ملة قوم لا يؤمنون بالله إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=39أأرباب متفرقون خير أم الله الواحد القهار nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=40ما تعبدون من دونه إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم .
وما نقله بعض المفسرين من أن زوجها كان لا يصل إليها ، وأن
يوسف تزوجها بعد ذلك فوجدها عذراء ، فهذا ونحوه من الإسرائيليات مما لا يجوز لمسلم أن يصدق به ، فإن هذا لم يخبر
[ ص: 254 ] بنقله أحد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وإنما هو منقول عن أهل الكتاب إن لم يكن قد افتراه غيرهم . وقد ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=889069 "إذا حدثكم أهل الكتاب فلا تصدقوهم ولا تكذبوهم" . لا سيما وقد نقلوا في قصة
يوسف أشياء تخالف القرآن ، وتلك يجب القطع بأنها كذب ، وأما ما لم يعلم صدقه ولا كذبه يتوقف فيه .
وهذه الحكاية كذب; فإن هذا خلاف العادة الغالبة على بني آدم ، وإنما يقع مثل هذا نادرا ولو وقع لأخبر به .
والمراد لو كان الداعي لها مجرد الشهوة لعدم الزوج لكان في الرجال كثرة ، وإذا لم يحصل لها
يوسف حصل لها غيره ، ومعلوم أن الجائع والشبق إذا طلب غلاما يشتهيه فيتعذر عليه لم يصبر عن الجوع والشبق بل يتناول ما تيسر له ، ولهذا يوجد صاحب الشبق يقضي شهوته بأخس ما يمكن ، فمن الرجال من يأتي بهيمة وكلبا وحمارا وطيرا ، ومن النساء من تمكن منها قردا وحمارا أو غير ذلك لغلبة الشهوة ، ومن النساء من تتخذ آلة الرجل على صورة عضو الرجل عند تعذر الرجال إلى أمثال ذلك ، فكيف إذا حصل للمرأة رجل ، وللرجل امرأة؟
فعلم أن المرأة هويت
يوسف لجماله ، لا لكون زوجها لا يأتيها .
وَالنَّاسُ إِذَا وَقَعُوا فِي الْبِدَعِ وَالْمَعَاصِي نَقَصَ عَلَيْهِمْ إِيمَانُهُمْ ، وَإِلَّا فَمَنْ كَانَ عَالِمًا بِالْحَقِّ قَاصِدًا لَهُ أَغْنَاهُ ذَلِكَ عَنْ أَنْ يَعْتَقِدَ الْبَاطِلَ وَيَتْبَعَهُ . وَلِهَذَا كَانَتِ الصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنِ الذُّنُوبِ وَالْبِدَعِ ، لِاسْتِغْنَائِهِمْ بِالْعِلْمِ وَالْإِيمَانِ بِاللَّهِ [وَمَا] تَلَقَّوْهُ عَنِ الرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ،
nindex.php?page=treesubj&link=20357وَلَا تَجِدُ أَحَدًا وَقَعَ فِي بِدْعَةٍ إِلَّا لِنَقْصِ اتِّبَاعِهِ لِلسُّنَّةِ عِلْمًا وَعَمَلًا . وَإِلَّا فَمَنْ كَانَ بِهَا عَالِمًا ، وَلَهَا مُتَّبِعًا لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ دَاعٍ إِلَى الْبِدْعَةِ ، فَإِنَّ الْبِدْعَةَ يَقَعُ فِيهَا الْجُهَّالُ بِالسُّنَّةِ ، وَكَذَلِكَ الزِّنَا وَالسَّرِقَةُ وَشُرْبُ الْخَمْرِ ، إِنَّمَا يَزْنِي مَنْ عِنْدَهُ شَهْوَةٌ يَطْلُبُ قَضَاءَهَا .
فَأَمَّا مَنْ قَضَى شَهْوَتَهُ بِمَا هُوَ أَحَبُّ إِلَيْهِ وَفَتَرَتْ ، فَلَا يَبْقَى عِنْدَهُ دَاعٍ ، وَمَنْ أَحَبَّ طَلَبَ شَيْءٍ آخَرُ فَشَهْوَتُهُ لَمْ تُقْضَ بَلْ قُضِيَ بَعْضُهَا ،
[ ص: 251 ] وَقَضَاءُ الشَّهْوَةِ إِنَّمَا هُوَ حُصُولُ الْمَطْلُوبِ كُلِّهِ ، فَمُمْتَنِعٌ مَعَهُ أَنْ يَطْلُبَ مَا يُحَصِّلُ مَا قَدْ حَصَلَ .
وَكَذَلِكَ السَّارِقُ إِنَّمَا يَسْرِقُ لِمَا عِنْدَهُ مِنْ إِرَادَةِ الْمَالِ ، وَلَكِنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يَقِفُ عِنْدَ حَدٍّ ، بَلْ لَوْ حَصَلَ عِنْدَهُ أَيُّ شَيْءٍ كَانَ أَحَبَّ الزِّيَادَةِ ، وَلِهَذَا يَسْرِقُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ مَنَافِعُ أُخَرُ .
وَكَذَلِكَ شَارِبُ الْخَمْرِ يَشْرَبُهَا لِمَا يَطْلُبُ بِهَا مِنْ حُصُولِ اللَّذَّةِ وَزَوَالِ الْغَمِّ ، فَإِذَا كَانَتِ اللَّذَّةُ الْحَاصِلَةُ بِالصَّلَاةِ وَذِكْرِ اللَّهِ أَكْمَلَ وَهِيَ تَصُدُّهُ عَنْ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ دَاعٍ إِلَيْهَا .
وَمِمَّا يُبَيِّنُ هَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=42إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ ، مَعَ قَوْلِ الشَّيْطَانِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=82لأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=83إِلا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ ، وَقَالَ تَعَالَى فِي حَقِّ يُوسُفَ الصِّدِّيقِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=24كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالْفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُخْلَصِينَ ، فَإِنَّ عِبَادَهُ تَعَالَى هُمُ الَّذِينَ عَبَدُوهُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ كُلَّ مَنْ خَلَقَهُ ، فَإِنَّ الشَّيَاطِينَ عِبَادٌ بِهَذَا الِاعْتِبَارِ ، بَلْ هَذَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=63وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الأَرْضِ هَوْنًا ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=6عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=19وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ .
[ ص: 252 ]
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=680638 "تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ ، تَعِسَ عَبْدُ الدِّينَارِ ، تَعِسَ عَبْدُ الْقَطِيفَةِ ، تَعِسَ عَبْدُ الْخَمِيصَةِ ، إِنْ أُعْطِيَ رَضِيَ ، وَإِنْ مُنِعَ سَخِطَ ، تَعِسَ وَانْتَكَسَ ، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ" .
فَعَبْدُ اللَّهِ الَّذِي هُوَ عَبْدُهُ لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِمَّا سِوَاهُ ، فَإِنَّ الَّذِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ مُشْرِكُونَ لَا مُؤْمِنُونَ ، وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ، وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ أَخْوَفَ عِنْدَهُمْ مِمَّا سِوَاهُ ، وَمَنْ كَانَ كَذَلِكَ صُرِفَ عَنْهُ السُّوءُ وَالْفَحْشَاءُ كَمَا صُرِفَ عَنْ يُوسُفَ .
بِخِلَافِ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ جَعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ ، فَهَؤُلَاءِ لَيْسُوا عِبَادَهُ ، وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=22لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا ، فَالْمُشْرِكُ بِهِ لَا يَحْصُلُ لَهُ مَا يُقِرُّ عَيْنَهُ ، وَيُغْنِي قَلْبَهُ عَنِ الْأَنْدَادِ ، بَلْ هَذَا لَا يَحْصُلُ إِلَّا بِعِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ . فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ خَلَقَ عِبَادَهُ حُنَفَاءَ; وَلِلسَّلَفِ فِي "الْحَنِيفِ" عِبَارَاتٌ ، قِيلَ : الْمُسْتَقِيمُ ، كَقَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ . وَالْمُتَّبِعُ ، كَقَوْلِ مُجَاهِدٍ . وَالْمُخْلِصُ ، كَقَوْلِ عَطَاءٍ . وَأَمَّا تَفْسِيرُهُ بِالْمَائِلِ فَهَذَا مِنْ قَوْلِ بَعْضِ مُتَأَخِّرِي أَهْلِ اللُّغَةِ ، وَهُوَ مَبْسُوطٌ فِي مَوْضِعٍ آخَرَ .
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=651296 "كُلُّ مَوْلُودٌ يُولَدُ عَلَى الْفِطْرَةِ" . وَفِي رِوَايَةٍ :
[ ص: 253 ] nindex.php?page=hadith&LINKID=651270 "عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ" .
nindex.php?page=treesubj&link=29619_28644فَالْقَلْبُ مَخْلُوقٌ حَنِيفًا مَفْطُورًا عَلَى فِطْرَةِ الْإِسْلَامِ ، وَهُوَ الِاسْتِسْلَامُ لِلَّهِ دُونَ مَا سِوَاهُ . فَهُوَ بِفِطْرَتِهِ لَا يُرِيدُ أَنْ يَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ ، فَلَا يَطْمَئِنُّ قَلْبُهُ وَيَحْصُلُ لَذَّتُهُ وَفَرَحُهُ وَسُرُورُهُ إِلَّا بِأَنْ يَكُونَ اللَّهُ هُوَ مَعْبُودَهُ دُونَ مَا سِوَاهُ ، وَكُلُّ مَعْبُودٍ دُونَ اللَّهِ يُوجِبُ الْفَسَادَ ، لَا يَحْصُلُ بِهِ صَلَاحُ الْقَلْبِ وَكَمَالُهُ وَسَعَادَتُهُ الْمُقْتَضِيَةُ لِسُرُورِهِ وَلَذَّتِهِ وَفَرَحِهِ ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ هَذَا لَا يَبْقَى طَالِبًا لِمَا يَلْتَذُّ بِهِ فَيَقَعُ فِي الْمُحَرَّمَاتِ مِنَ الصُّوَرِ وَالشُّرْبِ وَأَخْذِ الْمَالِ وَغَيْرِ ذَلِكَ .
وَلِهَذَا لَمَّا كَانَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ مُشْرِكَةً طَالِبَةً لِلْفَاحِشَةِ ،
وَيُوسُفُ شَابٌّ غَرِيبٌ ، فَالدَّاعِي الْمُطِيعُ مَعَهُ أَقْوَى ، لَكِنَّ مَعَهُ مِنَ الْإِيمَانِ مَا يَصُدُّهُ عَنْ ذَلِكَ ، وَتِلْكَ هِيَ وَقَوْمُهَا كَانُوا مُشْرِكِينَ ، وَلِهَذَا قَالَ لَهُمْ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=37إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=39أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=40مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ أَمَرَ أَلا تَعْبُدُوا إِلا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ .
وَمَا نَقَلَهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ مِنْ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ لَا يَصِلُ إِلَيْهَا ، وَأَنَّ
يُوسُفَ تَزَوَّجَهَا بَعْدَ ذَلِكَ فَوَجَدَهَا عَذْرَاءَ ، فَهَذَا وَنَحْوُهُ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ مِمَّا لَا يَجُوزُ لِمُسْلِمٍ أَنْ يُصَدِّقَ بِهِ ، فَإِنَّ هَذَا لَمْ يُخْبِرْ
[ ص: 254 ] بِنَقْلِهِ أَحَدٌ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، وَإِنَّمَا هُوَ مَنْقُولٌ عَنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدِ افْتَرَاهُ غَيْرُهُمْ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=889069 "إِذَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الْكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوهُمْ" . لَا سِيَّمَا وَقَدْ نَقَلُوا فِي قِصَّةِ
يُوسُفَ أَشْيَاءَ تُخَالِفُ الْقُرْآنَ ، وَتِلْكَ يَجِبُ الْقَطْعُ بِأَنَّهَا كَذِبٌ ، وَأَمَّا مَا لَمْ يُعْلَمْ صِدْقُهُ وَلَا كَذِبُهُ يَتَوَقَّفُ فِيهِ .
وَهَذِهِ الْحِكَايَةُ كَذِبٌ; فَإِنَّ هَذَا خِلَافُ الْعَادَةِ الْغَالِبَةِ عَلَى بَنِي آدَمَ ، وَإِنَّمَا يَقَعُ مِثْلُ هَذَا نَادِرًا وَلَوْ وَقَعَ لَأَخْبَرَ بِهِ .
وَالْمُرَادُ لَوْ كَانَ الدَّاعِي لَهَا مُجَرَّدَ الشَّهْوَةِ لِعَدَمِ الزَّوْجِ لَكَانَ فِي الرِّجَالِ كَثْرَةٌ ، وَإِذَا لَمْ يَحْصُلْ لَهَا
يُوسُفُ حَصَلَ لَهَا غَيْرُهُ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ الْجَائِعَ وَالشَّبِقَ إِذَا طَلَبَ غُلَامًا يَشْتَهِيهِ فَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهِ لَمْ يَصْبِرْ عَنِ الْجُوعِ وَالشَّبَقِ بَلْ يَتَنَاوَلُ مَا تَيَسَّرَ لَهُ ، وَلِهَذَا يُوجَدُ صَاحِبُ الشَّبَقِ يَقْضِي شَهْوَتَهُ بِأَخَسِّ مَا يُمْكِنُ ، فَمِنَ الرِّجَالِ مَنْ يَأْتِي بَهِيمَةً وَكَلْبًا وَحِمَارًا وَطَيْرًا ، وَمِنَ النِّسَاءِ مَنْ تُمَكِّنُ مِنْهَا قِرْدًا وَحِمَارًا أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لِغَلَبَةِ الشَّهْوَةِ ، وَمِنَ النِّسَاءِ مَنْ تَتَّخِذُ آلَةَ الرَّجُلِ عَلَى صُورَةِ عُضْوِ الرَّجُلِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الرِّجَالِ إِلَى أَمْثَالِ ذَلِكَ ، فَكَيْفَ إِذَا حَصَلَ لِلْمَرْأَةِ رَجُلٌ ، وَلِلرَّجُلِ امْرَأَةٌ؟
فَعُلِمَ أَنَّ الْمَرْأَةَ هَوِيَتْ
يُوسُفَ لِجَمَالِهِ ، لَا لِكَوْنِ زَوْجِهَا لَا يَأْتِيهَا .