[ ص: 316 ] وأيضا فإن
nindex.php?page=treesubj&link=34480_7918الله أمر بالجهاد في سبيله بالنفس والمال مع أن الجهاد مظنة القتل ، بل لا بد منه في العادة من القتل . وذم الذين ينكلون عنه خوف القتل ، وجعلهم منافقين ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=77ألم تر إلى الذين قيل لهم كفوا أيديكم وأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة فلما كتب عليهم القتال إذا فريق منهم يخشون الناس إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78في بروج مشيدة . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=15ولقد كانوا عاهدوا الله من قبل لا يولون الأدبار وكان عهد الله مسئولا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=16قل لن ينفعكم الفرار إن فررتم من الموت أو القتل وإذا لا تمتعون إلا قليلا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=17قل من ذا الذي يعصمكم من الله إن أراد بكم سوءا أو أراد بكم رحمة ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا .
فأخبر سبحانه أن الفرار من الموت أو القتل لا ينفع ، بل لا بد أن يموت العبد ، وما أكثر من يفر فيموت أو يقتل ، وما أكثر من ثبت فلا يقتل .
ثم قال : ولو عشتم لم تمتعوا إلا قليلا ثم تموتوا . ثم أخبر أنه لا أحد يعصمهم من الله إن أراد أن يرحمهم أو يعذبهم ، فالفرار من طاعته لا ينجيهم . وأخبر أنه ليس لهم من دون الله ولي ولا نصير .
وقد بين في كتابه أن
nindex.php?page=treesubj&link=8168ما يوجبه الجبن من الفرار هو من الكبائر الموجبة للنار ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=15إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=16 [ ص: 317 ] ومن يولهم يومئذ دبره إلا متحرفا لقتال أو متحيزا إلى فئة فقد باء بغضب من الله ومأواه جهنم وبئس المصير .
وأخبر أن الذين يخافون العدو خوفا منعهم من الجهاد منافقون ، فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=56ويحلفون بالله إنهم لمنكم وما هم منكم ولكنهم قوم يفرقون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=57لو يجدون ملجأ أو مغارات أو مدخلا لولوا إليه وهم يجمحون .
وفي الصحيحين
nindex.php?page=hadith&LINKID=76189عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه عد الكبائر; فذكر الشرك بالله ، وعقوق الوالدين ، والسحر ، واليمين الغموس ، وقذف المحصنات الغافلات المؤمنات . وذكر منها الفرار من الزحف في الصفين .
[و] عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=20536 "شر ما في المرء : شح هالع ، أو جبن خالع" .
وأما دلالة سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ذلك فمن وجوه كثيرة :
منها : أن المسلمين يوم
بدر كانوا ثلاثمائة وبضعة عشر ، وكان عدوهم بقدرهم ثلاث مرات أو أكثر ،
nindex.php?page=treesubj&link=29313وبدر أفضل الغزوات وأعظمها .
فعلم أن القوم يشرع لهم أن يقاتلوا من يزيدون على ضعفهم ، ولا فرق في ذلك بين الواحد والعدد ، فمقاتلة الواحد للثلاثة كمقاتلة الثلاثة للعشرة .
[ ص: 318 ]
وأيضا
nindex.php?page=treesubj&link=29319فالمسلمون يوم أحد كانوا نحوا من ربع العدو; فإن العدو كانوا ثلاثة آلاف أو نحوها ، وكان المسلمون نحو السبعمائة أو قريبا منها .
وأيضا
nindex.php?page=treesubj&link=29326فالمسلمون يوم الخندق كان العدو بقدرهم مرات ، فإن العدو كان أكثر من عشرة آلاف ، وهم الأحزاب الذين تحزبوا عليهم من
قريش وحلفائها وأحزابها الذين كانوا حول
مكة وغطفان وأهل
نجد ، واليهود الذين نقضوا العهد وهم
بنو قريظة جيران أهل
المدينة ، وكان المسلمون
بالمدينة دون الألفين .
وأيضا فقد كان الرجل وحده على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - يحمل على العدو بمرأى من النبي - صلى الله عليه وسلم - وينغمس فيهم ، فيقاتل حتى يقتل . وهذا كان مشهورا بين المسلمين على عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه .
وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرة رهط عينا ، وأمر عليهم
عاصم بن ثابت الأنصاري جد عاصم بن عمر بن الخطاب ، فانطلقوا حتى إذا كانوا
بالهدأة بين
عسفان ومكة ذكروا لحي من
هذيل يقال لهم
بنو لحيان ، فنهدوا إليهم بقريب من مائة رجل رام -وفي رواية : مائتي رجل- فاقتفوا آثارهم ، حتى وجدوا مأكلهم التمر في منزل نزلوه فقالوا [هذا] تمر يثرب .
فلما أحس بهم
عاصم وأصحابه لجأوا إلى موضع -وفي رواية إلى فدفد ، أي إلى مكان مرتفع- فأحاط بهم القوم ، فقالوا لهم :
[ ص: 319 ]
انزلوا فأعطوا أيديكم ولكم العهد والميثاق ، لا يقتل منكم أحد . فقال
عاصم بن ثابت : أيها القوم! أما أنا فلا أنزل على ذمة كافر ، اللهم أخبر عنا نبيك - صلى الله عليه وسلم - . فرموهم بالنبل فقتلوا
عاصما في سبعة .
ونزل إليهم ثلاثة نفر على العهد والميثاق ، منهم
خبيب وزيد بن الدثنة ، ورجل آخر . فلما استمكنوا منهم أطلقوا أوتار قسيهم فربطوهم بها .
قال الرجل الثالث : هذا أول الغدر ، والله لا أصحبكم ، لي بهؤلاء أسوة; يريد القتلى . فجرروه وعالجوه; فأبى أن يصحبهم ، فقتلوه ، وانطلقوا
بخبيب وزيد بن الدثنة حتى باعوهما
بمكة بعد وقعة
بدر .
فابتاع
بنو الحارث بن عامر بن نوفل بن عبد مناف خبيبا ، وكان
خبيب هو قتل
الحارث بن عمرو يوم
بدر . ولبث
خبيب عندهم أسيرا حتى أجمعوا على قتله . فاستعار من بعض بنات
الحارث موسى يستحد بها ، فأعارته فدرج بني لها وهي غافلة حتى أتاه [قالت : فوجدته] مجلسه على فخذه والموسى بيده; قالت : ففزعت فزعة عرفها
خبيب . فقال : أتخشين أن أقتله؟ ما كنت لأفعل ذلك . قالت : والله ما رأيت أسيرا خيرا من
خبيب ، فوالله لقد وجدته يوما يأكل قطفا من عنب في يده ، وإنه لموثق في الحديد وما
بمكة من ثمر .
وكانت تقول : إنه لرزق رزقه الله
خبيبا . فلما خرجوا به من
الحرم ليقتلوه في الحل ، قال لهم
خبيب : دعوني أصلي ركعتين . فتركوه فركع ركعتين . فقال . والله لولا أن تحسبوا أن ما بي جزع لزدت ، اللهم أحصهم عددا ، واقتلهم بددا ، ولا تبق منهم أحدا . قال :
فلست أبالي حين أقتل مسلما على أي جنب كان لله مصرعي [ ص: 320 ] وذلك في ذات الإله وإن يشأ
يبارك على أوصال شلو ممزع
ثم قام إليه
أبو سروعة عقبة بن الحارث فقتله ، وكان
خبيب هو سن لكل مسلم قتل صبرا الصلاة . وأخبر النبي - صلى الله عليه وسلم - الصحابة يوم أصيبوا خبرهم . وبعث ناس من
قريش إلى
عاصم بن ثابت حين حدثوا أنه قد قتل أن يؤتى بشيء منه يعرف ، وكان قتل رجلا من عظمائهم . فبعث الله
لعاصم مثل الظلة [من الدبر] ، فحمته من رسلهم ، فلم يقدروا على أن يقطعوا منه شيئا .
فهؤلاء عشرة أنفس قاتلوا أولئك المئة أو المئتين ، ولم يستأسروا لهم حتى قتلوا منهم سبعة . ثم لما استأسروا الثلاثة امتنع الواحد من اتباعهم حتى قتلوه . وهؤلاء من فضلاء المؤمنين وخيارهم .
nindex.php?page=showalam&ids=16278وعاصم هذا هو جد عاصم بن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=16278وعاصم بن عمر جد عمر بن عبد العزيز ; فإن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب كان قد نهى الناس أن يشوب أحد اللبن بالماء للبيع ، فبينما
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ذات ليلة يعس إذ سمع امرأة تقول لأخرى : قومي فشوبي اللبن . فقالت : إن أمير المؤمنين قد نهى عن ذلك . فقالت : وما يدري أمير المؤمنين؟ فقالت : لا والله
[ ص: 321 ] لا نطيعه في العلانية ونعصيه في السر . فعلم
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر على [الباب] ، فلما أصبح سأل عن أهل ذلك البيت ، فإذا به أهل بيت
عاصم هذا الأمير المستشهد ، والمرأة المطيعة ابنته ، فخطبها وتزوجها .
وقد روي أنه زوجها ابنه
عاصما هذا ، وإن كان
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر قبل ذلك تزوج ابنة
عاصم هذا فولدت له
عاصما ابنه ، وصدق
nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز من ذرية
عاصم .
[ ص: 316 ] وَأَيْضًا فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=34480_7918اللَّهَ أَمَرَ بِالْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ بِالنَّفْسِ وَالْمَالِ مَعَ أَنَّ الْجِهَادَ مَظِنَّةُ الْقَتْلِ ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْهُ فِي الْعَادَةِ مِنَ الْقَتْلِ . وَذَمَّ الَّذِينَ يَنْكُلُونَ عَنْهُ خَوْفَ الْقَتْلِ ، وَجَعَلَهُمْ مُنَافِقِينَ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=77أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتَالُ إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=78فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=15وَلَقَدْ كَانُوا عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ وَكَانَ عَهْدُ اللَّهَ مَسْئُولا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=16قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لا تُمَتَّعُونَ إِلا قَلِيلا nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=17قُلْ مَنْ ذَا الَّذِي يَعْصِمُكُمْ مَنْ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ بِكُمْ سُوءًا أَوْ أَرَادَ بِكُمْ رَحْمَةً وَلا يَجِدُونَ لَهُمْ مَنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا .
فَأَخْبَرَ سُبْحَانَهُ أَنَّ الْفِرَارَ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ لَا يَنْفَعُ ، بَلْ لَا بُدَّ أَنْ يَمُوتَ الْعَبْدُ ، وَمَا أَكْثَرَ مَنْ يَفِرُّ فَيَمُوتُ أَوْ يُقْتَلُ ، وَمَا أَكْثَرَ مَنْ ثَبَتَ فَلَا يُقْتَلُ .
ثُمَّ قَالَ : وَلَوْ عِشْتُمْ لَمْ تُمَتَّعُوا إِلَّا قَلِيلًا ثُمَّ تَمُوتُوا . ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَا أَحَدَ يَعْصِمُهُمْ مِنَ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَرْحَمَهُمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ ، فَالْفِرَارُ مِنْ طَاعَتِهِ لَا يُنَجِّيهِمْ . وَأَخْبَرَ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلِيٌّ وَلَا نَصِيرُ .
وَقَدْ بَيَّنَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=8168مَا يُوجِبُهُ الْجُبْنُ مِنَ الْفِرَارِ هُوَ مِنَ الْكَبَائِرِ الْمُوجِبَةِ لِلنَّارِ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=15إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلا تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَارَ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=16 [ ص: 317 ] وَمَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلا مُتَحَرِّفًا لِقِتَالٍ أَوْ مُتَحَيِّزًا إِلَى فِئَةٍ فَقَدْ بَاءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ .
وَأَخْبَرَ أَنَّ الَّذِينَ يَخَافُونَ الْعَدُوَّ خَوْفًا مَنَعَهُمْ مِنَ الْجِهَادِ مُنَافِقُونَ ، فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=56وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=57لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ .
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=76189عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ عَدَّ الْكَبَائِرَ; فَذَكَرَ الشِّرْكَ بِاللَّهِ ، وَعُقُوقَ الْوَالِدَيْنِ ، وَالسِّحْرَ ، وَالْيَمِينَ الْغَمُوسَ ، وَقَذْفَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ . وَذَكَرَ مِنْهَا الْفِرَارَ مِنَ الزَّحْفِ فِي الصَّفَّيْنِ .
[وَ] عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=20536 "شَرُّ مَا فِي الْمَرْءِ : شُحٌّ هَالِعٌ ، أَوْ جُبْنٌ خَالِعٌ" .
وَأَمَّا دَلَالَةُ سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى ذَلِكَ فَمِنْ وُجُوهٍ كَثِيرَةٍ :
مِنْهَا : أَنَّ الْمُسْلِمِينَ يَوْمَ
بَدْرٍ كَانُوا ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ ، وَكَانَ عَدُوُّهُمْ بِقَدْرِهِمْ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْ أَكْثَرَ ،
nindex.php?page=treesubj&link=29313وَبَدْرٌ أَفْضَلُ الْغَزَوَاتِ وَأَعْظَمُهَا .
فَعُلِمَ أَنَّ الْقَوْمَ يُشْرَعُ لَهُمْ أَنْ يُقَاتِلُوا مَنْ يَزِيدُونَ عَلَى ضِعْفِهِمْ ، وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْوَاحِدِ وَالْعَدَدِ ، فَمُقَاتَلَةُ الْوَاحِدِ لِلثَّلَاثَةِ كَمُقَاتَلَةِ الثَّلَاثَةِ لِلْعَشَرَةِ .
[ ص: 318 ]
وَأَيْضًا
nindex.php?page=treesubj&link=29319فَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَ أُحُدٍ كَانُوا نَحْوًا مِنْ رُبْعِ الْعَدُوِّ; فَإِنَّ الْعَدُوَّ كَانُوا ثَلَاثَةَ آلَافٍ أَوْ نَحْوَهَا ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ نَحْوَ السَّبْعِمِائَةِ أَوْ قَرِيبًا مِنْهَا .
وَأَيْضًا
nindex.php?page=treesubj&link=29326فَالْمُسْلِمُونَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ كَانَ الْعَدُوُّ بِقَدْرِهِمْ مَرَّاتٍ ، فَإِنَّ الْعَدُوَّ كَانَ أَكْثَرَ مِنْ عَشَرَةِ آلَافٍ ، وَهُمُ الْأَحْزَابُ الَّذِينَ تَحَزَّبُوا عَلَيْهِمْ مِنْ
قُرَيْشٍ وَحُلَفَائِهَا وَأَحْزَابِهَا الَّذِينَ كَانُوا حَوْلَ
مَكَّةَ وَغَطَفَانَ وَأَهْلِ
نَجْدٍ ، وَالْيَهُودِ الَّذِينَ نَقَضُوا الْعَهْدَ وَهُمْ
بَنُو قُرَيْظَةَ جِيرَانُ أَهْلِ
الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ الْمُسْلِمُونَ
بِالْمَدِينَةِ دُونَ الْأَلْفَيْنِ .
وَأَيْضًا فَقَدْ كَانَ الرَّجُلُ وَحْدَهُ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَحْمِلُ عَلَى الْعَدُوِّ بِمَرْأَى مِنَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيَنْغَمِسُ فِيهِمْ ، فَيُقَاتِلُ حَتَّى يُقْتَلَ . وَهَذَا كَانَ مَشْهُورًا بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ عَلَى عَهْدِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ .
وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَشَرَةَ رَهْطٍ عَيْنًا ، وَأَمَّرَ عَلَيْهِمْ
عَاصِمَ بْنَ ثَابِتٍ الْأَنْصَارِيَّ جَدَّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَانْطَلَقُوا حَتَّى إِذَا كَانُوا
بِالْهَدْأَةِ بَيْنَ
عُسْفَانَ وَمَكَّةَ ذُكِرُوا لِحَيٍّ مِنْ
هُذَيْلٍ يُقَالُ لَهُمْ
بَنُو لِحْيَانَ ، فَنَهَدُوا إِلَيْهِمْ بِقَرِيبٍ مِنْ مِائَةِ رَجُلٍ رَامٍ -وَفِي رِوَايَةٍ : مِائَتَيْ رَجُلٍ- فَاقْتَفَوْا آثَارَهُمْ ، حَتَّى وَجَدُوا مَأْكَلَهُمُ التَّمْرَ فِي مَنْزِلٍ نَزَلُوهُ فَقَالُوا [هَذَا] تَمْرُ يَثْرِبَ .
فَلَمَّا أَحَسَّ بِهِمْ
عَاصِمٌ وَأَصْحَابُهُ لَجَأُوا إِلَى مَوْضِعٍ -وَفِي رِوَايَةٍ إِلَى فَدْفَدٍ ، أَيْ إِلَى مَكَانٍ مُرْتَفِعٍ- فَأَحَاطَ بِهِمُ الْقَوْمُ ، فَقَالُوا لَهُمُ :
[ ص: 319 ]
انْزِلُوا فَأَعْطُوا أَيْدِيَكُمْ وَلَكُمُ الْعَهْدُ وَالْمِيثَاقُ ، لَا يُقْتَلُ مِنْكُمْ أَحَدٌ . فَقَالَ
عَاصِمُ بْنُ ثَابِتٍ : أَيُّهَا الْقَوْمُ! أَمَّا أَنَا فَلَا أَنْزِلُ عَلَى ذِمَّةِ كَافِرٍ ، اللَّهُمَّ أَخْبِرْ عَنَّا نَبِيَّكَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - . فَرَمَوْهُمْ بِالنَّبْلِ فَقَتَلُوا
عَاصِمًا فِي سَبْعَةٍ .
وَنَزَلَ إِلَيْهِمْ ثَلَاثَةُ نَفَرٍ عَلَى الْعَهْدِ وَالْمِيثَاقِ ، مِنْهُمْ
خُبَيْبٌ وَزَيْدُ بْنُ الدَّثِنَةِ ، وَرَجُلٌ آخَرُ . فَلَمَّا اسْتَمْكَنُوا مِنْهُمْ أَطْلَقُوا أَوْتَارَ قِسِيِّهِمْ فَرَبَطُوهُمْ بِهَا .
قَالَ الرَّجُلُ الثَّالِثُ : هَذَا أَوَّلُ الْغَدْرِ ، وَاللَّهِ لَا أَصْحَبُكُمْ ، لِي بِهَؤُلَاءِ أُسْوَةٌ; يُرِيدُ الْقَتْلَى . فَجَرَّرُوهُ وَعَالَجُوهُ; فَأَبَى أَنْ يَصْحَبَهُمْ ، فَقَتَلُوهُ ، وَانْطَلَقُوا
بِخُبَيْبٍ وَزَيْدِ بْنِ الدَّثِنَةِ حَتَّى بَاعُوهُمَا
بِمَكَّةَ بَعْدَ وَقْعَةِ
بَدْرٍ .
فَابْتَاعَ
بَنُو الْحَارِثِ بْنِ عَامِرِ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ عَبْدِ مَنَافٍ خُبَيْبًا ، وَكَانَ
خُبَيْبٌ هُوَ قَتَلَ
الْحَارِثَ بْنَ عَمْرٍو يَوْمَ
بَدْرٍ . وَلَبِثَ
خُبَيْبٌ عِنْدَهُمْ أَسِيرًا حَتَّى أَجْمَعُوا عَلَى قَتْلِهِ . فَاسْتَعَارَ مِنْ بَعْضِ بَنَاتِ
الْحَارِثِ مُوسَى يَسْتَحِدُّ بِهَا ، فَأَعَارَتْهُ فَدَرَجَ بُنَيٌّ لَهَا وَهِيَ غَافِلَةٌ حَتَّى أَتَاهُ [قَالَتْ : فَوَجَدْتُهُ] مُجْلِسَهُ عَلَى فَخِذِهِ وَالْمُوسَى بِيَدِهِ; قَالَتْ : فَفَزِعْتُ فَزْعَةً عَرَفَهَا
خُبَيْبٌ . فَقَالَ : أَتَخْشَيْنَ أَنْ أَقْتُلَهُ؟ مَا كُنْتُ لِأَفْعَلَ ذَلِكَ . قَالَتْ : وَاللَّهِ مَا رَأَيْتُ أَسِيرًا خَيْرًا مِنْ
خُبَيْبٍ ، فَوَاللَّهِ لَقَدْ وَجَدْتُهُ يَوْمًا يَأْكُلُ قِطْفًا مِنْ عِنَبٍ فِي يَدِهِ ، وَإِنَّهُ لَمُوثَقٌ فِي الْحَدِيدِ وَمَا
بِمَكَّةَ مِنْ ثَمَرٍ .
وَكَانَتْ تَقُولُ : إِنَّهُ لَرِزْقٌ رَزَقَهُ اللَّهُ
خُبَيْبًا . فَلَمَّا خَرَجُوا بِهِ مِنَ
الْحَرَمِ لِيَقْتُلُوهُ فِي الْحِلِّ ، قَالَ لَهُمْ
خُبَيْبٌ : دَعُونِي أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ . فَتَرَكُوهُ فَرَكَعَ رَكْعَتَيْنِ . فَقَالَ . وَاللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَحْسَبُوا أَنَّ مَا بِي جَزَعٌ لَزِدْتُ ، اللَّهُمَّ أَحْصِهِمْ عَدَدًا ، وَاقْتُلْهُمْ بِدَدًا ، وَلَا تُبْقِ مِنْهُمْ أَحَدًا . قَالَ :
فَلَسْتُ أُبَالِي حِينَ أُقْتَلُ مُسْلِمًا عَلَى أَيِّ جَنْبٍ كَانَ لِلَّهِ مَصْرَعِي [ ص: 320 ] وَذَلِكَ فِي ذَاتِ الْإِلَهِ وَإِنْ يَشَأْ
يُبَارِكْ عَلَى أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
ثُمَّ قَامَ إِلَيْهِ
أَبُو سِرْوَعَةَ عُقْبَةُ بْنُ الْحَارِثِ فَقَتَلَهُ ، وَكَانَ
خُبَيْبٌ هُوَ سَنَّ لِكُلِّ مُسْلِمٍ قُتِلَ صَبْرًا الصَّلَاةَ . وَأَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الصَّحَابَةَ يَوْمَ أُصِيبُوا خَبَرَهُمْ . وَبَعَثَ نَاسٌ مِنْ
قُرَيْشٍ إِلَى
عَاصِمِ بْنِ ثَابِتٍ حِينَ حُدِّثُوا أَنَّهُ قَدْ قُتِلَ أَنْ يُؤْتَى بِشَيْءٍ مِنْهُ يُعْرَفُ ، وَكَانَ قَتَلَ رَجُلًا مِنْ عُظَمَائِهِمْ . فَبَعَثَ اللَّهُ
لِعَاصِمٍ مِثْلَ الظُّلَّةِ [مِنَ الدَّبْرِ] ، فَحَمَتْهُ مِنْ رُسُلِهِمْ ، فَلَمْ يَقْدِرُوا عَلَى أَنْ يَقْطَعُوا مِنْهُ شَيْئًا .
فَهَؤُلَاءِ عَشْرَةُ أَنْفُسٍ قَاتَلُوا أُولَئِكَ الْمِئَةَ أَوِ الْمِئَتَيْنِ ، وَلَمْ يَسْتَأْسِرُوا لَهُمْ حَتَّى قَتَلُوا مِنْهُمْ سَبْعَةً . ثُمَّ لَمَّا اسْتَأْسَرُوا الثَّلَاثَةَ امْتَنَعَ الْوَاحِدُ مِنِ اتِّبَاعِهِمْ حَتَّى قَتَلُوهُ . وَهَؤُلَاءِ مِنْ فُضَلَاءِ الْمُؤْمِنِينَ وَخِيَارِهِمْ .
nindex.php?page=showalam&ids=16278وَعَاصِمٌ هَذَا هُوَ جَدُّ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16278وَعَاصِمُ بْنُ عُمَرَ جَدُّ عُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ ; فَإِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ كَانَ قَدْ نَهَى النَّاسَ أَنْ يَشُوبَ أَحَدٌ اللَّبَنَ بِالْمَاءِ لِلْبَيْعِ ، فَبَيْنَمَا
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ ذَاتَ لَيْلَةٍ يَعُسُّ إِذْ سَمِعَ امْرَأَةً تَقُولُ لِأُخْرَى : قُومِي فَشُوبِي اللَّبَنَ . فَقَالَتْ : إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ نَهَى عَنْ ذَلِكَ . فَقَالَتْ : وَمَا يَدْرِي أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ؟ فَقَالَتْ : لَا وَاللَّهِ
[ ص: 321 ] لَا نُطِيعُهُ فِي الْعَلَانِيَةِ وَنَعْصِيهِ فِي السِّرِّ . فَعَلِمَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ عَلَى [الْبَابِ] ، فَلَمَّا أَصْبَحَ سَأَلَ عَنْ أَهْلِ ذَلِكَ الْبَيْتِ ، فَإِذَا بِهِ أَهْلُ بَيْتِ
عَاصِمٍ هَذَا الْأَمِيرِ الْمُسْتَشْهَدِ ، وَالْمَرْأَةُ الْمُطِيعَةُ ابْنَتُهُ ، فَخَطَبَهَا وَتَزَوَّجَهَا .
وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ زَوَّجَهَا ابْنَهُ
عَاصِمًا هَذَا ، وَإِنْ كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرُ قَبْلَ ذَلِكَ تَزَوَّجَ ابْنَةَ
عَاصِمٍ هَذَا فَوَلَدَتْ لَهُ
عَاصِمًا ابْنَهُ ، وَصَدَقَ
nindex.php?page=showalam&ids=16673عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ مِنْ ذُرِّيَّةِ
عَاصِمٍ .