وأيضا فالكتاب والسنة إنما أطلق الحب والبغض والود والمقت والرضا والغضب والفرح والأذى، دون لفظ اللذة والألم، لأن هذين الاسمين كثيرا ما يطلقان في خصائص المخلوق التي تنفعه وتضره، مثل الأكل والشرب والنكاح، ومثل المرض الذي هو الوصب والنصب والجوع والعطش والعذاب بالنار ونحو ذلك، قال الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل [ ص: 55 ] مصفى ، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=71وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين ، وقال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=21فبشرهم بعذاب أليم ، فالالتذاذ والانتفاع متقاربان، والتألم والتضرر متقاربان، وإن كان المنفعة والمضرة أعم في الاستعمال، ولهذا قيل: إن المنفعة قرينة الحاجة، فإنما ينتفع الحي بما هو محتاج إليه، ويتضرر بما يؤلمه، وقد قال الله تعالى- فيما يروى في الحديث الصحيح -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661682 "يا عبادي إنكم لن تبلغوا نفعي فتنفعوني، ولن تبلغوا ضري فتضروني "، وهذا الحديث ينفي بلوغ الخلق لذلك، وعجزهم عن ذلك، وما فعله الخلق فإنما فعلوه بقوة الله ومشيئته وإذنه، ولا حول ولا قوة إلا به.
وقد قال الله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=57إن الذين يؤذون الله ورسوله ، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55فلما آسفونا انتقمنا منهم ، وقال في الحديث الصحيح :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661174 "يؤذيني ابن آدم". وقال النبي - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=662025 "ما أحد أصبر على أذى يسمعه من الله " ، كما قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=656854 "ما أحد أحب إليه المدح من الله " ، وقال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=941134 "ما [ ص: 56 ] أحد أغير من الله، وما أحد أحب إليه العذر من الله" ، فأخبر - صلى الله عليه وسلم - أنه
nindex.php?page=treesubj&link=30977_18761_32500_32499ليس أحد يحب أن يمدح ويعذر مثل ما يحب الله ذلك، ولا أحد أصبر على أذاه وأغير على محارمه من الله، فالممدوح بإزاء المعذور يمدح على إحسانه، ويعذر على عدله وعقوبته، والصبر بإزاء الغيرة، يصبر على أذى خلقه له، ويغار أن ترتكب محارمه.
وعن هذا خلق النبي - صلى الله عليه وسلم - كما قالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة: nindex.php?page=hadith&LINKID=656347 "ما انتقم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قط لنفسه، إلا أن تنتهك محارم الله، فإذا انتهكت محارم الله لم يقم لغضبه شيء حتى ينتقم لله" . فهذا
nindex.php?page=treesubj&link=30977_18761_29284_19592صبر الرسول على ما يؤذي، وهذا غيرته وانتقامه لمحارم الله.
وفريق رابع يقولون: إنه فعل ذلك ليحمد ويشكر ويمجد، أعني خلقه سبحانه للخلق، كما دلت عليه النصوص في مثل قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56إلا ليعبدون ، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون ، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تشكرون ، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=152فاذكروني أذكركم واشكروا لي ولا تكفرون ، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=14أن اشكر لي ولوالديك ، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6ولكن يريد ليطهركم [ ص: 57 ] وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون ، وقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37فاجعل أفئدة من الناس تهوي إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون .
وَأَيْضًا فَالْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ إِنَّمَا أَطْلَقَ الْحُبَّ وَالْبُغْضَ وَالْوِدَّ وَالْمَقْتَ وَالرِّضَا وَالْغَضَبَ وَالْفَرَحَ وَالْأَذَى، دُونَ لَفْظِ اللَّذَّةِ وَالْأَلَمِ، لِأَنَّ هَذَيْنَ الِاسْمَيْنِ كَثِيرًا مَا يُطْلَقَانِ فِي خَصَائِصِ الْمَخْلُوقِ الَّتِي تَنْفَعُهُ وَتَضُرُّهُ، مِثْلَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالنِّكَاحِ، وَمِثْلَ الْمَرَضِ الَّذِي هُوَ الْوَصَبُ وَالنَّصَبُ وَالْجُوعُ وَالْعَطَشُ وَالْعَذَابُ بِالنَّارِ وَنَحْوُ ذَلِكَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=15وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ [ ص: 55 ] مُصَفًّى ، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=71وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ ، وَقَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=21فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ ، فَالِالْتِذَاذُ وَالِانْتِفَاعُ مُتَقَارِبَانِ، وَالتَّأَلُّمُ وَالتَّضَرُّرُ مُتَقَارِبَانِ، وَإِنْ كَانَ الْمَنْفَعَةُ وَالْمَضَرَّةُ أَعَمَّ فِي الِاسْتِعْمَالِ، وَلِهَذَا قِيلَ: إِنَّ الْمَنْفَعَةَ قَرِينَةُ الْحَاجَةِ، فَإِنَّمَا يَنْتَفِعُ الْحَيُّ بِمَا هُوَ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ، وَيَتَضَرَّرُ بِمَا يُؤْلِمُهُ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى- فِيمَا يُرْوَى فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661682 "يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ لَنْ تَبْلُغُوا نَفْعِي فَتَنْفَعُونِي، وَلَنْ تَبْلُغُوا ضُرِّي فَتَضُرُّونِي "، وَهَذَا الْحَدِيثُ يَنْفِي بُلُوغَ الْخَلْقِ لِذَلِكَ، وَعَجْزَهُمْ عَنْ ذَلِكَ، وَمَا فَعَلَهُ الْخَلْقُ فَإِنَّمَا فَعَلُوهُ بِقُوَّةِ اللَّهِ وَمَشِيئَتِهِ وَإِذْنِهِ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِهِ.
وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=57إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=55فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ ، وَقَالَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661174 "يُؤْذِينِي ابْنُ آدَمَ". وَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=662025 "مَا أَحَدٌ أَصْبَرَ عَلَى أَذًى يَسْمَعُهُ مِنَ اللَّهِ " ، كَمَا قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=656854 "مَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْمَدْحُ مِنَ اللَّهِ " ، وَقَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=941134 "مَا [ ص: 56 ] أَحَدٌ أَغْيَرَ مِنَ اللَّهِ، وَمَا أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيْهِ الْعُذْرُ مِنَ اللَّهِ" ، فَأَخْبَرَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=30977_18761_32500_32499لَيْسَ أَحَدٌ يُحِبُّ أَنْ يُمْدَحَ وَيُعْذَرَ مِثْلَ مَا يُحِبُّ اللَّهُ ذَلِكَ، وَلَا أَحَدَ أَصْبَرُ عَلَى أَذَاهُ وَأَغْيَرُ عَلَى مَحَارِمِهِ مِنَ اللَّهِ، فَالْمَمْدُوحُ بِإِزَاءِ الْمَعْذُورِ يَمْدَحُ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَيَعْذُرُ عَلَى عَدْلِهِ وَعُقُوبَتِهِ، وَالصَّبْرُ بِإِزَاءِ الْغَيْرَةِ، يَصْبِرُ عَلَى أَذَى خَلْقِهِ لَهُ، وَيَغَارُ أَنْ تُرْتَكَبَ مَحَارِمُهُ.
وَعَنْ هَذَا خُلُقُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَمَا قَالَتْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ: nindex.php?page=hadith&LINKID=656347 "مَا انْتَقَمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطُّ لِنَفْسِهِ، إِلَّا أَنْ تُنْتَهَكَ مَحَارِمُ اللَّهِ، فَإِذَا انْتُهِكَتْ مَحَارِمُ اللَّهِ لَمْ يَقُمْ لِغَضَبِهِ شَيْءٌ حَتَّى يَنْتَقِمَ لِلَّهِ" . فَهَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=30977_18761_29284_19592صَبْرُ الرَّسُولِ عَلَى مَا يُؤْذِي، وَهَذَا غَيْرَتُهُ وَانْتِقَامُهُ لِمَحَارِمِ اللَّهِ.
وَفَرِيقٌ رَابِعٌ يَقُولُونَ: إِنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ لِيُحْمَدَ وَيُشْكَرَ وَيُمَجَّدَ، أَعْنِي خَلْقَهُ سُبْحَانَهُ لِلْخَلْقِ، كَمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ النُّصُوصُ فِي مِثْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=51&ayano=56إِلا لِيَعْبُدُونِ ، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=21يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=152فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ ، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=31&ayano=14أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ ، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=6وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ [ ص: 57 ] وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، وَقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=37فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ .